حار دليل أهل السودان، الذين حسبوا أن بلادهم انتقلت إلى حقبة جديدة، تفضي إلى حكم ديمقراطي تعددي، بعد إزاحة عمر البشير وأقطاب حكمه من كراسي السلطة في نيسان/ أبريل 2019، فإذا بهم اليوم مبعثرون في كل وادٍ نشدانا للأمان، بعد أن اختلف شريكا السلطة: عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) اللذان تصدرا المشهد السياسي في السودان، وجلسا على أعلى كرسيين في قصر الرئاسة كحليفين منذ رحيل البشير، وصار البرهان رئيس المجلس السيادي (رئاسة الدولة) وقائدا عاما للجيش، بينما احتفظ حميدتي بمنصبه الأصلي (قائد قوات الدعم السريع)، وصار نائبا للبرهان في مجلس السيادة.
وكان من الطبيعي والبدهي أن يقف غالبية أهل السودان إلى جانب جيشهم الوطني، في مواجهة قوات الدعم السريع، التي كانت ومنذ تأسيسها سيئة السمعة والسيرة والسلوك، والتي عنى وجودها كـ"جيش موازٍ" تحت إمرة عائلة دقلو، أنها تشكل خطرا وجوديا على الوطن، فإذا بهم يفاجؤون بالجيش يندحر في المعركة تلو الأخرى، وبقوات الدعم السريع تسيطر على نحو نصف مساحة السودان.
كان من الطبيعي والبدهي أن يقف غالبية أهل السودان إلى جانب جيشهم الوطني، في مواجهة قوات الدعم السريع، التي كانت ومنذ تأسيسها سيئة السمعة والسيرة والسلوك، والتي عنى وجودها كـ"جيش موازٍ" تحت إمرة عائلة دقلو، أنها تشكل خطرا وجوديا على الوطن، فإذا بهم يفاجؤون بالجيش يندحر
أسفرت الحرب التي اشتعل فتيلها العام الماضي، عن دمار مدن العاصمة السودانية الثلاث (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري)، ونزوح الملايين من سكانها إلى الأرياف ودول الجوار، وكانت الفاجعة الأكبر أن قائد الجيش (البرهان) ومساعديه الثلاثة على قيادة الجيش كانوا من النازحين، إذ طلبوا اللجوء في مدينة بورتسودان على البحر الأحمر، بينما قوات حميدتي تحتل ولاية الجزيرة الواقعة جنوب وجنوب شرقي الخرطوم، وهي ذات كثافة سكانية عالية وإمكانات اقتصادية هائلة، وتمثلت فاجعة الفواجع في أن الجيش انسحب منها دون أن يقاتل الغزاة.
وقبل أشهر تناقلت مصادر أخبار ثقات أن المخابرات الأوكرانية أتت ببعض ضباطها إلى أم درمان، مزودين بطائرات درون (مسيَّرة) ووجهت ضربات مؤلمة إلى تجمعات قوات الدعم السريع في شمال المدينة، ولم يكن ذلك حبا للسودان أو جيش السودان، بل نكاية بروسيا التي تناصر قوات فاغنر التابعة لها قوات الدعم السريع، وتمدها بالسلاح والمؤن عبر أفريقيا الوسطى، فإذا بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وفي أواخر نيسان/ أبريل المنصرم يحط رحله في بورتسودان ضيفا على البرهان، ويفوز من الأخير بوعد قاطع بالسماح لروسيا بإقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر. وقبلها كان البرهان قد أعاد العلاقات مع طهران، وعاد منها بعدد من المسيرات، وبهذا يكون البرهان قد أعطى الذريعة لواشنطن كي تتسلل إلى المشهد السوداني بعنف، فيصبح السودان مسرحا لمباراة خشنة بين موسكو وواشنطن.
والسودانيون في حيرة من أمر وسائل الإعلام عموما، والأجنبية على وجه الخصوص، إذ انتبهوا إلى أن الحرب التي فككت أوصال بلدهم لا تحظى بمعشار ما تحظى به الحرب في أوكرانيا وغزة، ولا عليهم أن حرب أوكرانيا هي في حقيقة الأمر مواجهة بين حلف الأطلسي وروسيا، وأن حرب غزة هي عدوان من قوة استعمارية (إسرائيل)، مسنودة بأكبر قوة عسكرية في العالم (الولايات المتحدة)، على رقعة من الأرض أقل مساحة من مدينة نيويورك، وعديد سكانها نحو عُشْر عديد سكان نيويورك.
يعيش السودانيون في حالة من الارتباك العقلي والعاطفي: جيشنا الوطني عاجز عن دحر كيان يسميه مليشيا، وقادة ما يسمى بالمليشيا يعدون الشعب بأنهم وبعد دحر الجيش سيقيمون حكما مدنيا خالصا، والإسلاميون الذين انتهى سلطانهم الذي دام ثلاثين سنة، يريدون للحرب أن تستمر بأي ثمن حتى يتم القضاء على قوات الدعم السريع التي خانتهم، وقد أنشأوها ورعوها، ولكن مجريات الحرب جعلتهم يتشككون في كفاءة البرهان كقائد عسكري، بل منهم من يرى أنه متواطئ مع الدعم السريع
وغزة تجد التعاطف الإعلامي والشعبي في كل أرجاء العالم لأنها تواجه عدوا خارجيا، وما زالت صامدة ببسالة استحقت الإشادة، بينما الحرب في السودان بين سودانيين، وفشل البرهان وحكومة بورتسودان في إقناع العالم بأن قوات الدعم السريع مليشيا متمردة، فما من مليشيا تتشكل بقرار برلمان حكومي (حكومة حزب المؤتمر الوطني برئاسة عمر البشير)، وما من مليشيا يتقاضى أفرادها رواتب من خزينة الحكومة، وتنفق الحكومة على تسليحهاـ وكيف يستقيم أن يكون حميدتي قائد مليشيا متمردة، وقد كان الرجل الثاني في حكومة السودان ونائبا للبرهان طوال أربع سنوات، وكان جميع ضباط الجيش السوداني يؤدون له التحية العسكرية، كلما مر بهم أو مروا به؟
وهكذا يعيش السودانيون في حالة من الارتباك العقلي والعاطفي: جيشنا الوطني عاجز عن دحر كيان يسميه مليشيا، وقادة ما يسمى بالمليشيا يعدون الشعب بأنهم وبعد دحر الجيش سيقيمون حكما مدنيا خالصا، والإسلاميون الذين انتهى سلطانهم الذي دام ثلاثين سنة، يريدون للحرب أن تستمر بأي ثمن حتى يتم القضاء على قوات الدعم السريع التي خانتهم، وقد أنشأوها ورعوها، ولكن مجريات الحرب جعلتهم يتشككون في كفاءة البرهان كقائد عسكري، بل منهم من يرى أنه متواطئ مع الدعم السريع وانه وفي منعطف ما سيفاوض حميدتي ليتقاسما السلطة سويا كما كان الحال قبل الحرب.
وهكذا يجد المواطن السوداني نفسه في حيص بيص، وهو لا يفهم كيف حدث ما حدث ولماذا، ومن يصدق: شهاب الدين أم أخاه؟
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السودان البرهان حميدتي الدعم السريع السودان صراع حميدتي الدعم السريع البرهان سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
السودان.. الجيش يسيطر علي مباني ومواقع استراتيجية في الخرطوم
واصلت وحدات برية من الجيش السوداني مسنودة بالدبابات، تقدمها في اتجاه محور وسط العاصمة الخرطوم حيث سيطرت قوات الجيش بالفعل على عدد من المباني والمواقع الاستراتيجية، من بينها مجمع النيليين المجاور لجسر المسلمية، وموقف شروني المؤدي إلى القصر الرئاسي، فضلا على حديقة القرشي".
ووفق مصادر عسكرية سودانية؛ فقد كثف الجيش انتشاره في شوارع الصحافة ظلط، مطبقا بذلك حصاره على قوات الدعم السريع الموجودة في عدد من المباني بالمدينة.
وكان قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قد قال في كلمة نشرت على منصة "تليجرام"، الأحد، إن قواته "لن تخرج" من العاصمة الخرطوم، مهددا بتصعيد جديد في المعارك ضد الجيش، بقيادة عبد الفتاح البرهان.
وذكر حميدتي الذي ظهر بعد اختفاء طرح تساؤلات على مدار الأشهر الماضية، إن "الوضع مختلف حاليا"، مضيفا: "الحرب داخل الخرطوم. ولن نخرج من القصر الجمهوري".
جاء الخطاب بعد فترة طويلة غاب فيها حميدتي عن الظهور علنا، في وقت حقق فيه الجيش تقدما كبيرا في المعارك على مدار الأشهر الماضية.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية ، قد لفتت في تقرير سابق، إلى "اختفاء" حميدتي من ميادين القتال منذ أشهر، مما "أثار استياء واسعا وسط جنوده، شعورهم بالتخلي عنهم".
جدير بالذكر ان السودان يشهد منذ نحو عامين حربا مدمرة بين قوات الدعم السريع والجيش، أدت إلى مقتل وإصابة عشرات الآلاف ونزوح وتهجير الملايين.
وأحدثت الحرب انقساما في البلاد، حيث أصبح الجيش يسيطر على الشمال والشرق، بينما تسيطر قوات الدعم على معظم إقليم دارفور (غرب) وأجزاء من الجنوب.