الصراع يتصاعد في السودان.. هل يتحول إلى نسخة أسوأ من الصومال؟
تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT
توقع المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، إن توم بيرييلو أن يكون السيناريو الأسوأ في السودان هو نسخة من الصومال لمدة 20 أو 25 سنة.
ونشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرًا حول تحذيرات المبعوث الأمريكي الخاص للسودان من أن الحرب الأهلية في السودان يمكن أن تتصاعد إلى نزاع إقليمي وتكرر سيناريو الصومال.
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن المبعوث الأمريكي حذر من السرعة التي يمكن أن يتحول بها هذا الصراع من حرب ذات طرفين إلى حرب ذات سبعة أو ثمانية أطراف بتدخل من الدول المجاورة.
ورسم بيرييلو صورة قاتمة للحرب الأهلية الراهنة في السودان بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا قوات الدعم السريع، التي دفعت البلاد إلى حافة الانهيار الإنساني والمجاعة بعد سنة من الحرب.
ولطالما حذّر محللون سودانيون وخبراء خارجيون من أن العالم يتجاهل الحرب إلى حد كبير إذ تلقي الصراعات في غزة وأوكرانيا بظلالها عليها، لكن تعليقات بيرييلو تقدم بعضًا من أشد التحذيرات حتى الآن من المسؤولين الغربيين بشأن التداعيات الجيوسياسية طويلة المدى التي يمكن أن تنتج عن استمرار الحرب الأهلية في السودان.
وأشارت المجلة إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن كلف بيرييلو، وهو دبلوماسي سابق وعضو ديمقراطي في الكونغرس، بقيادة الجهود الأمريكية لمعالجة الأزمة في السودان في شباط/ فبراير الماضي. ومنذ ذلك الحين، حاول بيرييلو إحياء محادثات السلام في جدة بالسعودية، لكنه لم ينجح حتى الآن حيث أكد انخراط جميع الأطراف في محاولة إنهاء هذه الحرب كل يوم
وأصبح احتمال إجراء محادثات سلام، رغم صعوبته، أكثر إلحاحًا مع تشديد قوات الدعم السريع الخناق حول مدينة الفاشر، وهي معقل مكتظ بالسكان للقوات المسلحة السودانية في منطقة دارفور غرب السودان. ومع تضخم عدد السكان إلى ما يصل إلى 2.8 مليون نسمة وفرار الناس من العنف في أماكن أخرى من البلاد، أصبحت الفاشر الآن شبه محاصرة بمقاتلي قوات الدعم السريع.
وتخشى جماعات الإغاثة من أن ترتكب قوات الدعم السريع فظائع واسعة النطاق، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والتعذيب والإعدام إذا سيطرت على المدينة كما فعلت في مدن أخرى سيطرت عليها. وخلصت وزارة الخارجية الأمريكية في كانون الأول/ديسمبر إلى أن طرفي الصراع ارتكبا جرائم حرب وأن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبت تطهيرًا عرقيًا.
ويقول الخبراء إن عواقب انهيار السودان ستكون بعيدة المدى. فقد كان للصراع في ليبيا المجاورة، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 6 ملايين نسمة، آثار واسعة النطاق على تدفق المقاتلين المتطرفين والأسلحة إلى أجزاء أخرى من القارة، بما في ذلك منطقة الساحل، وآثار كبيرة على تدفق اللاجئين الذين يحاولون العبور إلى أوروبا. وبالمقارنة، يبلغ عدد سكان السودان نحو 50 مليون نسمة، ومن الممكن أن يمتد عدم الاستقرار فيه بسهولة إلى البلدان المجاورة التي تعاني بالفعل من عدم الاستقرار المزمن، مثل جنوب السودان وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وحسب كاميرون هدسون، الخبير في سياسة الولايات المتحدة في أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن هذه الأزمة قد تكون أكبر بعشرة أضعاف من حجم الأزمة الليبية. وإذا انهار السودان فمن المستحيل السيطرة على التدفق غير القانوني للمخدرات والأسلحة والمهاجرين والمقاتلين عبر المناطق غير المستقرة في أفريقيا. وهناك عواقب وخيمة لتجاهل السودان أو فهم الأمر بشكل خاطئ.
وأفادت المجلة بأن السودان في أوائل التسعينيات، في عهد الدكتاتور عمر البشير آنذاك، كان بمثابة ملجأ لأسامة بن لادن، الذي استخدم قاعدته هناك لتحويل تنظيم القاعدة إلى شبكة إرهابية عالمية قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر. وكانت حماس وحزب الله وجماعات مسلحة أخرى تنشط هناك أيضًا خلال هذه الفترة حيث وفر لها البشير ملاذًا آمنًا.
ويحذر المسؤولون والخبراء من أن وجود دولة فاشلة في السودان قد يمنح الجماعات الإرهابية موطئ قدم جديد في المنطقة. كما يخشون من أنه مع تزايد يأس القوات المسلحة السودانية في معركتها ضد قوات الدعم السريع، فإنها ستتجه بشكل متزايد إلى العناصر الإسلامية القوية من الحرس القديم التي ساعدت ذات يوم في حكم البلاد للحصول على مزيد من الدعم.
بعد الإطاحة بالبشير في سنة 2019، بدأ السودان طريقًا بدا واعدًا، وإن كان هشًا، نحو الديمقراطية. ولكن في أواخر سنة 2021، استولى قائد القوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس قوات الدعم السريع، محمد حمدان "حميدتي" دقلو، بشكل مشترك على الحكومة الانتقالية المدنية في انقلاب.
وتدهورت العلاقات بين الجانبين بشكل مطرد مع تنافس الفصيلين المتنافسين على السلطة حتى اندلاع الحرب في نيسان/أبريل 2023، وهي أزمة يعزوها الخبراء جزئيًا إلى الأخطاء التي ارتكبتها سياسة إدارة بايدن تجاه إفريقيا.
ومنذ ذلك الحين، قُتل ما يصل إلى 150 ألف شخص وفقاً لبعض التقديرات، ونزح ما يقارب 9 ملايين شخص، ويحتاج ما يقارب نصف سكان السودان، البالغ عددهم 25 مليون نسمة، إلى مساعدات إنسانية منقذة للحياة، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
وأوضحت المجلة أن المشرعين في مجلس النواب يعدون قرارًا يعترف بوقوع إبادة جماعية في السودان، وذلك وفقًا لثلاثة موظفين في الكونغرس مطلعين على الأمر، في محاولة لجذب المزيد من الاهتمام للصراع والضغط على إدارة بايدن لتكثيف الجهود الدبلوماسية بشأن وقف إطلاق النار.
لقد تحول الصراع الآن إلى منافسة بالوكالة حيث تتنافس القوى الإقليمية المختلفة على النفوذ الجيوسياسي في السودان، وتدعم مصر والسعودية القوات المسلحة السودانية، بينما سعى البرهان أيضًا إلى تعزيز العلاقات مع روسيا وإيران لدعم الجهود الحربية المتعثرة التي تبذلها قواته. واتُهمت الإمارات العربية المتحدة بنقل الأسلحة والموارد إلى قوات الدعم السريع.
وادعى المسؤولون الإماراتيون علنًا أن البلاد لا تزود قوات الدعم السريع بأي أسلحة، ومع ذلك كان المشرعون الأمريكيون صريحين في إدانة توريد الإمارات السري للذخائر ودعم قوات الدعم السريع مع تزايد الأدلة على الفظائع التي ترتكبها قوات الدعم السريع في أنحاء السودان. وقدمت النائب سارة جاكوبس، وهي ديمقراطية تقدمية وعضو بارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، مشروع قانون الشهر الماضي يحظر مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الإمارات حتى تشهد إدارة بايدن أن الدولة لم تعد تقدم الدعم لقوات الدعم السريع.
وفي أذار /مارس، سافرت جاكوبس ضمن وفد من الكونغرس، مع بيرييلو، إلى الحدود التشادية السودانية لزيارة مخيمات اللاجئين التي تؤوي المدنيين السودانيين الذين فروا من الصراع، وصرحت بأنها لم تر قط أطفالاً يعانون من الصدمة بشكل واضح كما كانوا هناك.
وأشارت المجلة إلى أن هناك نقاشًا نشطًا في واشنطن حول كيفية جلب القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى طاولة المفاوضات. ويركز جزء من هذا النقاش على العقوبات حيث فرضت إدارة بايدن عقوبات على مجموعة من الشركات والقادة السودانيين على جانبي الصراع في محاولة لوقف تدفق الأموال التي تمول الحرب.
لكن واشنطن لم تفرض بعد عقوبات على حميدتي نفسه أو تنتقد الإمارات صراحةً علناً لدعمها قوات الدعم السريع، على الرغم أن مبعوثة بايدن إلى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أشارت علنًا إلى دور الإمارات بخطاب صيغ بعناية.
وانتقد بعض الخبراء العقوبات الأمريكية على السودان قائلين إنها متفرقة ومجزأة للغاية بحيث لا يمكن أن تؤثر وتدفع الجانبين إلى التفاوض.
وحسب هدسون، فإن الجدية بشأن إجراء محادثات سلام تستلزم إما تحفيز المجموعات على الحضور إلى تلك المحادثات، وهو ما لا نفعله، أو فرض تكاليف باهظة عليهم لعدم الحضور لدرجة أنهم يضطرون إلى ذلك.
ويؤكد بيرييلو أن الولايات المتحدة "قادت الطريق" فيما يتعلق بالعقوبات على السودان، وأن التهديد بفرض عقوبات وحده ساعد حتى الآن في الضغط على حميدتي لتأجيل شن هجوم واسع النطاق على الفاشر.
وقد ألقت المنافسة بين القوى العظمى أيضًا بظلالها على رد فعل الولايات المتحدة على الصراع حيث تتنافس مع روسيا على النفوذ في أفريقيا وعبر ما يسمى بالجنوب العالمي. وقالت الحكومة التي تديرها القوات المسلحة السودانية في بيان صدر مؤخراً إن نائب البرهان، مالك عقار، إلى جانب مسؤولين سودانيين كبار آخرين، سيسافرون إلى روسيا هذا الأسبوع للقاء الرئيس فلاديمير بوتين. ويأتي الاجتماع في الوقت الذي تتطلع فيه روسيا إلى فتح محطة وقود عسكرية على البحر الأحمر لتوسيع موطئ قدمها في الممر المائي ذي الأهمية الاستراتيجية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية المبعوث الأمريكي السودان الصومال الدعم السريع السودان الصومال المبعوث الأمريكي الدعم السريع الحرب الاهلية في السودان صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القوات المسلحة السودانیة قوات الدعم السریع إدارة بایدن فی السودان یمکن أن
إقرأ أيضاً:
حرب السودان في عامها الثالث: الجيش يتقدم وانتهاكات جديدة بواسطة الدعم السريع
على الرغم من الأحداث الجسام والمآسي الإنسانية الضخمة التي خلفتها الحرب المستمرة في السودان منذ عامين، إلا أن استعادة الجيش للعاصمة الخرطوم وتحرير مبنى القيادة العامة للجيش والقصر الجمهوري في قلب العاصمة، ومؤسسات سيادية وأحياء سكنية، يظل العامل الأبرز في حكايات الحرب اليومية الدامية.
إذ إن تحرير الخرطوم نقل توازن القوة لصالح الجيش بدرجة كبيرة، ففضلا عن استعادة العاصمة من مليشيا الدعم السريع والتي جاءت بعد زحف طويل ابتدأه الجيش من ولاية سنار 500 كيلومتر شرقي الخرطوم مرورا بولاية الجزيرة المهمة في وسط السودان ووصولا للعاصمة بمدنها الثلاث أمدرمان، الخرطوم والخرطوم بحري، فإن هذا الزحف مثّل تغييرا جوهريا في تكتيك الجيش الذي ظل يستخدم سياسة الدفاع عن مقاره تاركا لمليشيا الدعم السريع أن تتمدد في مساحة واسعة من جغرافيا البلاد، قبل أن يعيد الجيش تنظيم صفوفه ويعدل خطته في أيلول/ سبتمبر الماضي ويبدأ هجومه الواسع.
واليوم وبعد استعادة الجيش للخرطوم، حيث عبر الجسور من أمدرمان نحو الخرطوم وبحري وانتهى بدحر الدعم السريع إلى خارج العاصمة الخرطوم، تكون المرحلة الأولى من الحرب قد حُسمت لصالح القوات المسلحة السودانية، إلا أن هناك شوطا طويلا ينتظر الجيش لا يقل صعوبة عن مشوار تحرير وسط السودان، حيث تسيطر المليشيا على أربع من خمس ولايات في إقليم دارفور غربي السودان، مهد المليشيا وأرض حاضنتها الاجتماعية.
وقد كثفت المليشيا من هجماتها على الفاشر، عاصمة الإقليم، وسط تقارير عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ترتكبها المليشيا في محاولتها المستميتة لإسقاط الفاشر ليتسني لها تكوين حكومة موازية ظلت تعد لها منذ فترة انطلاقا من نيروبي، بعد توقيع تحالف سياسي َمع مجموعة منشقة من تحالف القوى المدنية (تقدم) التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك، ولكن حالت انتصارات الجيش في الخرطوم والخلافات بين المكونات الداعمة للمليشيا دون إنجازها.
والأسبوع الماضي أدانت منظمات حقوقية ودول أبرزها مصر وقطر وتركيا وجامعة الدول العربية؛ هجوم المليشيا على معسكر زمزم للنازحين وارتكاب مجازر وسط المدنيين خلفت عشرات الجرحى والقتلى بينهم نساء واطفال.
حصاد الحرب خلال عامين.. دمار وانتهاكات مروعة
لم يصدق السودانيون ما آلت اليه الأمور في العاصمة الخرطوم، فبعد دخول قوات الجيش السوداني إلى المدينة وجد الناس أن حجم الدمار أكبر مما يتصورون، حيث بلغ حجم الخسائر في البنية التحتية الصحية حوالي 11 مليار دولار وخروج 70 في المئة من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، فيما بلغ عدد الضحايا ما بين 70 ألفا و100 الف قتيل بين المدنيين، حسب تقارير وإحصاءات منظمات محلية ودولية.
وما زالت معاناة الآلاف مستمرة من نقص الخدمات الضرورية من الماء والغذاء والكهرباء والخدمة الطبية داخل العاصمة بسبب الدمار غير المسبوق في البنى التحتية والمؤسسات الخدمية، حيث توقفت معظم محطات المياه عن الخدمة بعد تعرضها للقصف، فيما تمت سرقة كابلات الكهرباء وشبكاتها الرئيسية وبيع محتوياتها من النحاس وتهريبها إلى دول الجوار.
وتسببت حرب العامين في لجوء حوالي عشرة ملايين مواطن سوداني إلى دول الجوار والخليج (منهم ثلاثة ملايين إلى جمهورية مصر العربية)، والبقية موزعون ما بين إثيوبيا وإرتريا وجنوب السودان وكينيا وأوغندا وتشاد والمملكة العربية السعودية والإمارات وبعض دول المنافي البعيدة، فيما آثر حوالي ثمانية ملايين النزوح داخل السودان إلى المناطق الآمنة في شرق وشمال السودان وأوسطه قبل سقوط ولايتي الجزيرة وسنار في أيدي مليشيات الدعم السريع، والتي غادرتها بعد انفتاح الجيش وتحريره لأجزاء واسعة من البلاد منذ مطلع العام الحالي.
وتشير التقديرات إلى خسائر عامة تجاوزت 215 مليار دولار، وقد تصل إلى ضعفيها حال تم حصر الخسائر المماثلة في ولايات دارفور وأجزاء من ولايات كردفان، بجانب تراجع العملة الوطنية وتوقف عجلة الإنتاج وتوقف صادرات السودان المتمثلة في الذهب والصمغ العربي والفول السوداني واللحوم.
وفي محور التعليم تعطلت العملية الدراسية، وحُرم حوالي ستة ملايين طالب من الوصول إلى المدارس، و714 ألف طالب من مواصلة تعليمهم الجامعي بسبب إغلاق الجامعات وتخريبها جراء الحرب.
وبعد إغلاق مطار الخرطوم الدولي صبيحة الخامس عشر من نيسان/ أبريل 2023 توقفت جميع شركات الطيران الدولية، وبالرغم من انتقال الحكومة السودانية الي العاصمة المؤقتة في بورتسودان لم تعد شركات الطيران العالمية للعمل في السودان باستثناء الخطوط المصرية والإثيوبية.
في هذه الظروف تسابق الحكومة السودانية الزمن في رحلة تطبيع الحياة وعودة سكان العاصمة إلى منازلهم التي أخرجتهم منها مليشيات الدعم السريع بداية الحرب وحولتها إلى ثكنات عسكرية، بهدف الاحتماء بالمدنيين واتخاذهم دروعا بشرية أمام هجمات الجيش السوداني.
وفي سبيل ذلك اتخذت الحكومة السودانية عدة خطوات بدأت بإعلان الأمانة العامة لمجلس السيادة بداية العمل في إعادة تأهيل القصر الرئاسي، أحد أبرز معالم العاصمة الذي تم احتلاله صبيحة أول أيام الحرب تمهيدا لإعلان سيطرة قوات التمرد على الحكومة بواسطة قائدها حميدتي والذي شوهد وسط جنوده عند مدخل القصر الرئاسي، وهو الظهور الأخير له داخل العاصمة قبل مغادرته لها لتلقي العلاج من إصابة بالغة يرجح أنه تعرض لها في الأيام الأولى من الحرب، فيما أعلنت قوات الشرطة عشية الذكرى الثالثة لانطلاق الحرب بداية عودة وحدات من قواتها إلى الخرطوم لمباشرة عمليات حفظ الأمن وتأمين المنشآت الحيوية.
وتنشط منظمات مجتمع مدني وجمعيات في دعم الجهود الحكومية لمساعدة السكان في العودة إلى منازلهم، عن طريق صيانة شبكات المياه والكهرباء وحملات النظافة والتعقيم وإزالة مخلفات الحرب والمتفجرات ودفن الموتى.
الفاشر.. المعركة الجديدة وملامح النموذج الليبي تلوح في الأفق
ثلاث ليال عصيبة عاشتها مدينة الفاشر وسكان معسكر زمزم للنازحين في شمال دارفور، فقد تعرضت المنطقة للقصف المدفعي والهجمات الأرضية والجوية المتواصلة بواسطة مليشيا الدعم السريع، في واحدة من أعنف موجات العنف التي تعرض لها المدنيون منذ اندلاع الحرب، وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، خلفت الهجمات أكثر من 100 قتيل، بينهم 20 طفلا، وإصابة ما لا يقل عن 200 آخرين. كما أُعلن عن مقتل 14 من موظفي منظمات الإغاثة الدولية الخيرية، في قصف استهدف مناطق سكنية ومقار إنسانية داخل مخيمي زمزم وأبو شوك. كما لقي متطوعون من الكوادر الطبية مصرعهم من ضمن الضحايا المدنيين.
إدانة دولية وإقليمية لأحداث الفاشر
وصف المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، القصف بأنه "كارثة إنسانية متكاملة"، وأضاف: "ما يحدث في شمال دارفور يهدد حياة مئات الآلاف، ويُظهر استهانة صارخة بالقانون الدولي الإنساني." كما أصدرت جامعة الدول العربية بيانا أدانت فيه الهجمات "بأشد العبارات"، واعتبرت ما حدث "جريمة ضد النازحين الأبرياء"، منوّهة بقرار مجلس الأمن رقم 2736 (2024) المطالب بفك حصار الفاشر وسحب الجيوش وكافة المظاهر العسكرية المهددة لحياة المدنيين من محيط المدينة، فيما سارعت عدد من الدول لإدانتها وسط مخاوف من مجازر وعمليات تطهير عرقي على غرار ما حدث لقبيلة المساليت في عاصمة غرب دارفور (الجنينة).
وتسعى مليشيا الدعم السريع لإسقاط مدينة الفاشر تمهيدا لإعلان الحكومة الموازية من داخل إقليم دارفور بولاياته الخمس الواقعة تحت سيطرتها، مع وعود بالحصول على اعتراف ودعم إقليمي ودولي.
وتشهد ولايات دارفور عمليات استقطاب وتجنيد مستمرة تقوم بها مليشيات الدعم السريع للشباب المقاتلين بواسطة زعماء الإدارة الأهلية إضافة إلى بقايا القوات المنسحبة من الخرطوم، تأهبا للهجوم على الفاشر، وسط مخاوف من ارتكاب جرائم جديدة ضد المدنيين فيها.
وما زالت قيادة الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني والقوات المشتركة المساندة لها صامدة داخل المدينة المحاصرة قرابة العامين، فيما أطلق حاكم إقليم دارفور، مني اركوي مناوي، نداء لقيادة الجيش بضرورة التحرك العاجل نحو المدينة بعد اتساع رقعة انتشار الجيش السوداني.
ويشكل سقوط مدينة الفاشر حال وقوعه خطوة مهمة في اتجاه إعلان حكومة تحالف (الدعم السريع والأحزاب المنشقة عن الدكتور عبد الله حمدوك)، وتطبيق النموذج الليبي في السودان وبداية صفحة جديدة من النزاع وعدم الاستقرار في السودان ومحيط الإقليمي.
دبلوماسيا وسياسيا، نظرت محكمة العدل الدولية في لاهاي؛ في الدعوى المقدمة من الحكومة السودانية ضد الإمارات لدورها في تمويل وتسليح قوات الدعم السريع، في الوقت الذي ترفض فيه الحكومة السودانية العودة إلى مفاوضات جدة إلا بعد تطبيق البنود الموقعة والقاضية بانسحاب الدعم السريع من المدن والأحياء السكنية والأعيان المدنية وتجميع قواته داخل ثكنات عسكرية خارج المدن.
وتحظى معركة الفاشر باهتمام دولي وإقليمي واسع باعتبارها النسخة الجديدة من حرب السودان في عامها الثالث، حيث ترمي مليشيا الدعم السريع بكامل ثقلها السياسي والعسكري لدخول المدينة الصامدة في وجه الحصار والمذابح والمجازر البشرية المتكررة ضد المدنيين لإرغامهم على النزوح. ويقود معركة الفاشر من جانب الدعم السريع؛ نائب القائد العام عبد الرحيم دقلو شخصيا، فبعد جولة خارجية قام به الأخ غير الشقيق لقائد المليشيا لجلب العتاد والسلاح، عاد دقلو إلى دارفور وأشرف بنفسه على تدريب المئات من الشباب بغرض إعادة الروح لقواته المنهكة الهاربة من الخرطوم، يقابل ذلك صمود أسطوري لقوات الجيش السوداني والقوات المشتركة مع اقتراب فك الحصار عن الفاشر بواسطة متحرك الصياد وقوات أخرى تتمركز في إقليم كردفان.
استهداف البنى التحتية وسيلة جديدة للضغط على البرهان
تصاعدت جماهيرية قائد الجيش السوداني الجنرال البرهان عقب الانتصارات الكبيرة في ولاية الخرطوم والجزيرة، وبدأت مظاهر الحياة من خلال العودة الطوعية من داخل وخارج السودان، وسط تنبؤات بعودة الحياة إلى طبيعتها في الخرطوم بالتزامن مع إعلان عدد من البعثات الدبلوماسية رجوعها إلى مقارها الأساسية واتساع الرقعة الأمنية، وتأكيدات القائد البرهان بمضي مسيرة التحرير الكامل للتراب السوداني.
واتجهت مليشيا الدعم السريع الي استهداف البنية التحتية في عدد من الولايات أبرزها الشمالية ونهر النيل، حيث دخلت الأخيرة أسبوعها الرابع بلا كهرباء بعد استهداف سد مروى ومحطات الكهرباء في عدد من مدن الولاية، كما تأثرت ولاية الخرطوم والبحر الأحمر بتعطيل محطة كهرباء عطبرة بواسطة مسيّرات الدعم السريع.
كما قصفت مسيّرات الدعم السريع مستشفيات وأعيان مدنية في ولاية النيل الأبيض، بجانب المجزرة البشعة في ضاحية صالحة في أمدرمان التي راح ضحيتها 31 شابا مدنيا قتلتهم قوات الدعم السريع، ووثقت ذلك وأقرت به للعالم الذي لم يحرك ساكنا تجاه ذلك. ويرى مراقبون بأن ذلك يأتي في إطار ضغوط للعودة إلى المفاوضات التي يرفضها الجيش حاليا.
ووسط المعاناة التي يعيشها المواطن السوداني بسبب انقطاع الكهرباء والماء مع دخول فصل الصيف، بث البرهان تطميناته بأن مسيّرات الدعم السريع لن تستطيع تهديد المنشآت الخدمية قريبا.