الخرطوم- تروي ثريا، وهي لا تتوقف عن النحيب، كيف نجت مع طفليها من المجزرة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في قرية ود النورة بولاية الجزيرة في وسط السودان، والتي راح ضحيتها 180 شخصا، بعدما سمعت أن المسلحين سيتركون لها ابنا واحدا، وأنهم سيقتلون شقيقيه في فناء منزلهم.

وحكت ثريا، التي خرجت من قريتها ود النورة إلى قرية أخرى مع طفليها للجزيرة نت، كيف استفاقوا يوم الأربعاء على أصوات قذائف تنهمر على أجزاء مختلفة من خارج القرية، حيث علت أصوات نواح وبكاء النساء، بعد سقوط قتلى وجرحى واكتظاظ المستشفى بالمصابين.

وتتحدث الناجية بصوت متقطع، وهي لا تتوقف عن البكاء، أنهم شاهدوا طيران الجيش السوداني يحلق في سماء القرية ومحيطها، وسمعوا دوي انفجارات، وتزامنا مع ذلك توقف قصف قوات الدعم السريع، ففرح الأهالي بتدخل الجيش.

لكن بعد نحو 4 ساعات من الهدوء، عادت قوات الدعم السريع ودخلت القرية بمركباتها، وهي تطلق النار في كل الاتجاهات، ورغم تمسك النساء بالبقاء في منازلهن مع أطفالهن، فإن ذلك لم يجنبهن نيران المسلحين.

مشاهد مروعة

وتكشف فاطمة أن قوات الدعم السريع دخلت كثيرا من المنازل وهي تبحث عن الرجال والشباب، وتحدثت عما سمعته من قتل لأطفال صغار ما زالوا في مستويات الدراسة الأساسية.

أما أحمد الذي وصل مع والده إلى مدينة المناقل، التي تتخذها السلطات عاصمة مؤقتة لولاية الجزيرة، فيقول للجزيرة نت إنه نقل والده التسعيني بواسطة عربة يجرها حمار (كارو) إلى قرية مجاورة، قبل أن يجد سيارة تنقلهم إلى المدينة.

ويصف أحمد ما جرى في ود النورة بـ"المذبحة"، إذ حاصرتهم قوات الدعم السريع مدة 4 أيام، لكن الشباب تصدوا لها بأسلحة خفيفة، اشتروها من أموال وفرها أبناء القرية المهاجرين لحماية أسرهم.

إنتهاكات ود النورة
لا زالت مستمرة من مليشيا الجنجويد

اليوم 7/6/2024
الساعة 3.30 عصرا pic.twitter.com/fzPyC6PbW7

— ©SAF CivilSupport (@SAFcivilsupport) June 7, 2024

ويوضح الشاب الثلاثيني أن قوات الدعم السريع دخلت قرى أخرى ونهبت ممتلكات المواطنين وسياراتهم، وحتى محصولاتهم والتقاوي التي كانوا يعدونها للموسم الزراعي، وعندما اشتكى سكان القرى من ذلك، بررت قيادة القوات بأن من يدخلون القرى "متفلتون ولا يتبعون لهم".

ويقول المتحدث ذاته إن الجيش وعدهم بتوفير أسلحة لحماية أنفسهم، بعدما طلبوها منه، ولم يف بذلك. ويحكي أن ذخيرة الشباب المدافعين عن قريتهم نفدت بعدما حاصرتهم قوات الدعم السريع، واتهم الجيش بالتقصير في حمايتهم، إذ أبلغوا قيادة الحامية الموجودة في منطقة العزازي، التي تبعد عنهم أقل من 20 كيلومترا، واستغاثوا بهم قبل المجزرة بيوم، لكنهم لم يجدوا استجابة.

قامت مليشيا الدعم السريع بتاريخ ٤/٦/٢٠٢٤
بمهاجمة قرية ود النورة في ولاية الجزيرة بغرض النهب والسلب
استخدمت قوات التمرد مضادات الطيران والاسلحة الثقيلة مما ادي الي سقوط مئات من الشهداء تم دفنهم في قبور جماعية

تحدثوا عن السودان
لا تنسوا السودان
السودان بلد مسلم
السودان بلد… pic.twitter.com/QoyHGzwW83

— Shukri (@shukrisudani) June 5, 2024

ويرجح أحمد أن قوات الدعم السريع كانت تستهدف ترويعهم وكسر إرادتهم ونهبهم، لأن المسلحين عندما دخلوا القرية بعشرات الدراجات النارية ونحو 40 مركبة قتالية عليها أسلحة ثقيلة بعد قصفها من الخارج كانوا يطلقون النار بصورة عشوائية، وصعد قناصة على أسطح منازل ومدارس وقتلوا الشباب بدم بارد.

كما يشير إلى أن قوات الدعم السريع استباحت القرية ونهبت السيارات ومتاجر السوق، وأخذت حلي النساء من الذهب والأموال وهواتف بعض المواطنين.

ويقول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي من أبناء ولاية الجزيرة إن أكثر المشاهد المروعة في ود النورة كان اقتحام قوة من الدعم السريع مستشفى المنطقة، حيث وجدوا الطبيب محمد بلال جمعة وهو يستعد لإجراء عملية ولادة قيصرية لامرأة، فأطلقوا عليه النار وأردوه قتيلا، كما تمت تصفية جرحى في غرف المستشفى، وإعدام 3 أشقاء أمام منزلهم.

أهداف خفية

وتكشف مصادر أمنية تحدثت للجزيرة نت -طلبت عدم الكشف عن هويتها- عن أن هجوم قوات الدعم السريع على ود النورة يهدف لاستكمال سيطرتها على ولاية الجزيرة، بالتمدد في محليتي القرشي والمناقل، وتسعى في مخططها للوصول إلى حدود السودان الشرقية عبر ولاية القضارف، لفتح جبهة جديدة عبر إمداد عسكري من الخارج، من الجهات ذاتها التي تدعهما حاليا.

وتوضح المصادر نفسها أن المخطط يستهدف السيطرة على شريط الأراضي الزراعية التي تعتمد على الأمطار، من إقليمي كردفان ودارفور غربا، وولاية النيل الأبيض، ثم الأراضي التي تروى من النيل الأزرق في ولاية الجزيرة بوسط البلاد، وحتى ولاية القضارف شرقا.

وتضيف المصادر الأمنية أن قوات الدعم السريع تُستخدم أداة في تنفيذ مخطط للسيطرة على مقدرات السودان الاقتصادية والزراعية، وتحويل البلاد إلى دويلات، وإخضاع من يرفض المخطط بالقوة، واستغلال بعض القوى السياسية غطاء سياسيا للدعم السريع.

من وصول البرهان الى *المناقل* ولقائه بجرحى "ود النورة" pic.twitter.com/KmaizP2eq9

— برق ⚡️ (@249_Barg) June 6, 2024

وعود برد الحقوق

في السياق، زار رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يوم الخميس مدينة المناقل، العاصمة المؤقتة لولاية الجزيرة، وتفقد جرحى ود النورة الذين نقلوا إلى المدينة لتلقي العلاج.

وأظهر مقطع فيديو أعيان المناقل ورموزها وهم يحيطون بمروحية البرهان ويطلبون منه توفير السلاح والمركبات القتالية للمقاومة الشعبية، وأنهم مستعدون لتحرير كامل ولاية الجزيرة من قوات الدعم السريع.

كما زار البرهان أمس كوستي، حيث التقى ضباط الجيش، قبل أن ينتقل الجمعة إلى مدينة سنار عاصمة ولاية سنار، ثم الفاو في ولاية القضارف، وهي مناطق محيطة بولاية الجزيرة، وتستعد قوات منها للتحرك صوب ود مدني عاصمة الولاية.

ولدى مخاطبته الضباط في كوستي، توعد البرهان برد قاس على "جرائم مليشيا الدعم السريع"، ووعد أهالي ود النورة برد حقهم "600 مرة وليس مرتين فقط"، مشددا على أن الحرب ليست ضد الجيش وإنما ضد المواطنين.

وأضاف أنهم توصلوا إلى قناعة أن "تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) متواطئة مع المتمردين، ومتفقة معهم على قتل الشعب السوداني، وعدم وقف الحرب إلا بعد جلوس الجيش معهم".

ووجه البرهان رسالة إلى تنسيقية "تقدم"، وقوى الحرية والتغيير، والسياسيين الراغبين في حكم السودان، قائلا "لا تحلموا بحكم السودان ونحن موجودون فيه، ولا تأتوا إلى السودان ونحن موجودون فيه، ولا يحلم أي شخص وضع يده في يد المتمردين أن يستقبله الشعب السوداني".

بعد تقارير أفادت بمقتل نحو 180 شخصا في قرية "ود النورة" واتهام قوات الدعم السريع بارتكاب "المذبحة".. كيف وصلت الحرب في #السودان إلى هذه الفظائع؟ #الأخبار pic.twitter.com/gJFZfymAlN

— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 7, 2024

وكانت قوات الدعم السريع قد بررت الهجوم على ود النورة بحشد الجيش لقوات كبيرة في 3 معسكرات حول المنطقة بغرض الهجوم على قواتها في جبل الأولياء في جنوب الخرطوم، لكن لجان مقاومة ود مدني والمتحدث باسم الجيش نفى ذلك.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أن قوات الدعم السریع ولایة الجزیرة للجزیرة نت ود النورة pic twitter com

إقرأ أيضاً:

سيناتور أمريكي يتهم كينيا بدعم قوات الدعم السريع رغم ارتكابها “إبادة جماعية” في السودان

السيناتور الأمريكي قال إنه قاد جهودًا في الكونغرس العام الماضي للاعتراف بالفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص، باعتبارها إبادة جماعية.

الخرطوم: التغيير

انتقد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور جيم ريش، موقف كينيا من الأزمة السودانية، متهمًا إياها بمساعدة قوات الدعم السريع على “إضفاء الشرعية على حكمها الإبادي الجماعي” تحت غطاء جهود السلام.

وأشار ريش، في تغريدة على حسابه بمنصة “إكس”، إلى أنه قاد جهودًا في الكونغرس العام الماضي للاعتراف بالفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص، باعتبارها إبادة جماعية.

وأضاف أن هذه الفظائع أصبحت رسميًا جزءًا من السياسة الأمريكية في يناير الماضي، مشددًا على أن محاولات كينيا “لإخفاء الحقيقة” لن تضع حدًا للمجازر الجارية في السودان.

يأتي هذا التصعيد وسط توترات بين السودان وكينيا، حيث تتهم الحكومة السودانية نيروبي بالانحياز إلى قوات الدعم السريع في الصراع المستمر منذ أبريل 2023.

وكانت كينيا قد لعبت دورًا بارزًا في جهود الوساطة الإقليمية عبر منظمة “إيغاد”، لكن الخرطوم رفضت عدة مبادرات بسبب ما وصفته بانحياز نيروبي.

في المقابل، صعّدت الولايات المتحدة موقفها ضد قوات الدعم السريع، حيث صنفت أعمالها على أنها “إبادة جماعية”، وسط دعوات متزايدة لفرض عقوبات دولية أكثر صرامة على قادتها.

الوسومالدعم السريع الولايات المتحدة الأمريكية نيروبي

مقالات مشابهة

  • سيناتور أمريكي يتهم كينيا بدعم قوات الدعم السريع رغم ارتكابها “إبادة جماعية” في السودان
  • تصعيد دموي في السودان: أكثر من 200 قتيل في هجوم لقوات الدعم السريع خلال ثلاثة أيام
  • السودان يستدعي سفيره من كينيا احتجاجا على استضافتها اجتماعا للدعم السريع
  • مصادر: تعديلات دستورية تجريها حكومة السودان.. والدعم السريع يشكل حكومة موازية
  • حكومة السودان تدخل تعديلات دستورية والدعم السريع يبحث تشكيل حكومة موازية
  • قرار بشأن الدراسة والعام الدراسي في ولاية الجزيرة
  • بالصور.. البرهان يستلم أسلحة وآليات عسكرية ومركبات قتالية ضخمة استولى عليها الجيش من الدعم السريع
  • في تصعيد للإحتجاج.. إستدعاء سفير السودان في كينيا وكشف علاقات نيروبي التجارية واللوجستية مع الدعم السريع
  • الخارجية السودانية تدين موقف كينيا تجاه الدعم السريع وتتوعد بحماية سيادتها
  • هل تسعى الدعم السريع لتقسيم البلاد؟