في حوالي الخامسة من فجر الأربعاء، استيقظ أهالي قرية ود النورة بولاية الجزيرة جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم، على هجوم مباغت من قوات الدعم السريع، أسفر عن "مجزرة" راح ضحيتها أكثر من 120 شخصًا.

تعتمد القرية مثل بقية القرى المجاورة في ولاية الجزيرة على الزراعة، وأغلب مبانيها طينية، لكنها تُركت منهوبة ومشتعلة ودون سكانها في أغلب مناطق القرية، حيث تشتتوا بحثا عن الأمان، ووصل عدد كبير منهم إلى مدينة المناقل.

استمر الهجوم لساعات دون أية نجدة تصل القرية بسبب انقطاع الاتصالات، وعدم توجه قوات الجيش لمواجهة الدعم السريع، اللذان تجمعهما حرب دامية منذ أبريل 2023، تسببت في موجة نزوح داخلية وخارجية كبيرة جدا.

وللوقوف على تفاصيل الهجوم المروع، قال الناشط الشاب، معمر موسى، الذي يعمل ضمن مبادرة توثق الانتهاكات في ولاية الجزيرة، في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة"، إن مبادرته حصلت على شهادات من أهالي وأقارب القتلى، أشاروا فيها إلى أن أغلب من فقدوا حياتهم في ذلك اليوم الدامي كان بسبب "الرصاص من المسافة صفر".

وأفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في بيان، الخميس، بأنها تلقت "تقارير تفيد بمقتل ما لا يقل عن 35 طفلا" في الهجوم.

السودان.. تقارير عن مقتل عشرات الأطفال في "مجزرة ود النورة" أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في بيان، الخميس، بأنها تلقت "تقارير تفيد بمقتل ما لا يقل عن 35 طفلا" في الهجوم الذي وقع على قرية بولاية الجزيرة في وسط السودان.

ونقل البيان عن مديرة اليونيسف، كاترين راسل، قولها: "شعرت بالرعب من التقارير التي تفيد بمقتل ما لا يقل عن 35 طفلا وإصابة أكثر من 20 طفلا خلال الهجوم الذي وقع، الأربعاء، في ود النورة".

فيما قال مجلس السيادة السوداني في بيان، إن "مليشيا الدعم السريع أقدمت على ارتكاب مجزرة بشعة بحق المدنيين العُزل في ود النورة بولاية الجزيرة، راح ضحيتها عدد كبير من المواطنين الأبرياء".

وطالب المجلس المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بـ"إدانة واستنكار جرائم الدعم السريع ومحاسبة مرتكبيها، إعمالًا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب".

من جانبه، قال المتحدث باسم قوات الدعم السريع، الفاتح قرشي، في مقطع فيديو مسجل تم نشره، الخميس، إن "المعركة كانت ضد قوات من الجيش والمخابرات العامة.. التي كانت موجودة في معسكرات قرب ود النورة، وهي من أكبر المعسكرات في محيط غرب المناقل".

وتابع: "المعركة استمرت أكثر من ساعتين.. ولم تكن ضد مدنيين".

التفاصيل الكاملة لأحداث "ود النورة" بولاية الجزيرة#معركة_الديمقراطية #حراس_الثورة_المجيدة pic.twitter.com/IaNVxAUYTC

— الناطق الرسمي - قوات الدعم السريع (@RSFspokesperson) June 6, 2024 "أسلحة ثقيلة وذبح بالسكاكين"

قال موسى في حديثه لموقع الحرة، إن مبادرة "نداء الجزيرة" مهتمة بالتعاطي مع التبعات الإنسانية والأمنية في منطقة وسط السودان، خصوصا مع دخول قوات الدعم السريع إلى المنطقة التي تشمل 4 ولايات هي الجزيرة والنيل الأبيض وسنّار وكردفان.

وتابع: "نعمل على توثيق الانتهاكات وإيصال المساعدات الإنسانية وفتح بلاغات جنائية ضد مرتكبي الجرائم، ولدينا مكاتب في عدة وحدات ومحليات مثل ود النورة. وبعض المسؤولين من ود النورة قُتلوا في المجزرة".

من جانبه، وصف الصحفي السوداني، رئيس موقع "قلب أفريقيا" الإخباري، لؤي عبد الرحمن، ما حدث في القرية بأنه "ثاني أسوأ مجزرة بعد التي شهدتها مدينة الجنينة في غرب دارفور"، مضيفا أنه حتى اليوم هناك حالات نزوح من ود النورة.

ودان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الخميس، الهجوم، ودعا في بيان طرفي النزاع في السودان إلى الامتناع عن شن هجمات ضد المدنيين.

صراع أوسع وسيناريو أسوأ.. تحذيرات من "تجاهل" السودان مع مرور أكثر من عام على الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، ازدادت المخاوف من تحولها إلى صراح إقليمي شامل أو أن يصبح السودان دولة فاشلة في ظل غياب اتفاق على تحقيق سلام دائم أو مسار نحو انتقال سياسي يقود إلى حكومة مدنية.

واصل موسى حديثه للحرة، وقال: "في حوالي الساعة الخامسة من فجر الخامس من يونيو، هاجمت قوة مسلحة بعتاد كامل وثقيل بمدافع ورشاشات وبدأت بقصف القرية"، وأوضح أن القوة كانت مكونة من "حوالي 35 سيارة دفع رباعي، وسيارات مدنية منهوبة وسيارات نقل لحمل المنهوبات، مثل الأثاث والأجهزة الكهربائية، بجانب دراجات بخارية".

وأضاف أن قوات الدعم السريع دخلت القرية "وكانوا يطلقون النار على أي شخص يواجهونه، الغالبية العظمى من القتلى سقطوا بإصابات بالرصاص من المسافة صفر.. لا تتجاوز المتر أو المترين".

وتابع: "هناك أيضا من تم ذبحهم بالسكاكين".

منازل خاوية

اعتبر عبد الرحمن وموسى في حديثهما للحرة، أن انقطاع الاتصالات زاد الوضع سوءا، حيث لم يتمكن السكان من طلب المساعدة بالشكل الأمثل.

وقال موسى: "استمر الهجوم على مدار اليوم في ظل عدم وجود اتصالات".

من جانبه، أوضح الصحفي والناشط المجتمعي، الموجود حاليا في بورت سودان، أن عدد الجرحى كان "كثيرا جدا"، فيما يتواجد في القرية "مركز صحي صغير به طبيب واحد". وتعرض هذا المركز للهجوم أيضًا، مما جعل الناس ينزحون إلى المناطق الآمنة.

لكن هذا الطبيب قُتل خلال وجوده في المركز، وقتل معه أيضًا طبيب تخدير، وفق موسى الذي أكد للحرة أن مجموعته "وثقت موت الطبيبين بالفعل، بجانب نحو 120 شخصًا آخرين بالأسماء والصور".

وعمل السكان على نقل الجرحى إلى مستشفى مدينة المناقل التي تبعد عن ود النورة نحو 60 كيلومترا، وبالفعل باتت القرية خالية تقريبا من السكان، إلا كبار السن من الرجال والنساء، وفق عبد الرحمن.

وأوضح الأخير أن قرية ود النورة تعتبر "محورية" في خطط الدعم السريع للسيطرة على مدينة المناقل، الواقعة جنوبي الخرطوم، والتي تبقى المدينة الأخيرة في الجزيرة التي تخضع لقوات الجيش.

وزار رئيس مجلس السيادة الانتقالي، قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، الأربعاء، المصابين جراء هجوم ود النورة، الذين وصلوا إلى مستشفى مدينة المناقل.

لماذا لم يظهر الجيش؟

نقلت وكالة رويترز، الخميس، عن نشطاء سودانيين أن الجيش لم يستجب لنداءات الاستغاثة والدعوات للمساعدة التي طالب بها سكان ود النورة.

وحاول موقع الحرة التواصل مع المتحدث باسم الجيش السوداني، دون تلقي أي رد حتى كتابة هذا التقرير.

وحول مسألة استجابة الجيش، قال عبد الرحمن إن "ود النورة لا توجد بها حامية عسكرية تابعة للجيش، الذي يعمل بشكل مختلف عن قوات الدعم السريع".

وتابع: "يعمل (الجيش) وفق نظام الحرب التقليدية والعرف العسكري، فيما تتحرك قوات الدعم بنظام حرب شوارع فيها مرونة ولا تخضع لمركزية، مثل قيادة الولاية أو الدولة".

وأوضح: "لذلك استجابة الجيش تستغرق وقتا".

من جانبه، قال مؤسس مبادرة "نداء الجزيرة"، إن أقرب حامية عسكرية للجيش "تبعد عن ود النورة مسافة 50 كلم تقريبا، في ولاية النيل الأبيض".

وتشير تقديرات دولية إلى أن الحرب الدائرة في السودان أدت لمقتل الآلاف، بما في ذلك أكثر من 15 ألف في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.

⭕️ البرهان يصل محلية المناقل ويزور جرحى منطقة ود النورة

المناقل ٦-٦-٢٠٢٤م#إعلام_مجلس_السيادة_الانتقالي#السودان pic.twitter.com/0JhqjyYwD2

— مجلس السيادة الإنتقالي - السودان (@TSC_SUDAN) June 6, 2024

فيما قالت المنظمة الدولية للهجرة، الجمعة، إن عدد النازحين داخليا في السودان بسبب الصراع قد يتجاوز قريبا عشرة ملايين شخص، في أكبر أزمة نزوح في العالم.

ورصدت المنظمة هذا الأسبوع وجود 9.9 مليون نازح داخليا في أنحاء السودان، في ظل وجود 2.8 مليون نازح داخليا بالفعل قبل الحرب.

واضطر نحو 12 مليون شخص في المجمل إلى الفرار من منازلهم، مع عبور أكثر من مليوني شخص إلى دول مجاورة، من بينها مصر وتشاد.

وأوضحت المنظمة أن أكثر من نصف النازحين داخليا في السودان من النساء، وربعهم من الأطفال دون سن الخامسة.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع بولایة الجزیرة ولایة الجزیرة مجلس السیادة عبد الرحمن فی السودان ود النورة من جانبه أکثر من

إقرأ أيضاً:

السودان.. الدعم السريع يشن قصفا عنيفا على الفاشر

قصفت قوات الدعم السريع مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بكثافة اليوم الإثنين، وسط تجدد الاشتباكات، مما أجبر على تعليق عمل المطابخ الجماعية التي تُقدم مساعدات غذائية حيوية لآلاف السودانيين المحاصرين، وفقًا لمصادر ونشطاء.

قصف مدينة الفاشر

على مدار أسابيع، قصفت قوات الدعم السريع أحياء الفاشر ومخيم أبو شوك القريب للنازحين بالمدفعية والطائرات المسيرة، مما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين وتدمير مصادر المياه والمرافق الصحية، وفقًا لسكان وتقارير محلية.

وأفادت مصادر محلية لصحيفة “سودان تريبيون” السودانية، بأن "اشتباكات عنيفة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني وحلفائه" وقعت في الأجزاء الشمالية والشرقية من المدينة، "باستخدام أسلحة مختلفة".

وأضافت المصادر أن قوات الدعم السريع قصفت بشكل مكثف مناطق مدنية ومواقع عسكرية تابعة للجيش السوداني والقوات المشتركة المتحالفة معه بالمدفعية والطائرات المسيرة، قبل أن تشن هجمات برية قرب محور بوابة مليط، المجاور لمعسكر أبو شوك، وحول السوق الرئيسي للمدينة.

وأفادت المصادر بأن الجيش السوداني والجماعات المتحالفة معه صدت الهجوم.

وقال شهود عيان إن هناك قصفا مدفعيا للجيش السوداني من قواعد غرب المدينة باتجاه مواقع قوات الدعم السريع في شرق وجنوب وغرب الفاشر؛ مما تسبب في انفجارات ضخمة وتصاعد أعمدة الدخان.

المجاعة في السودان

أعلن الناشط التطوعي محيي الدين شوغر، المشرف على مبادرة إطعام محلية، عن "إغلاق كامل" للمطابخ المجانية. 

وأوضح أن القرار كان ضروريًا "لحماية أرواح المواطنين وعمال الإغاثة" من قصف قوات الدعم السريع العشوائي الذي يستهدف الملاجئ.

وأكدت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر في بيان لها تعليق العمل، مؤكدة أن هذا الإيقاف "ليس مجرد قرار إداري، بل صرخة ألم من قلب مدينة جريحة لم تعد تقوى على التحمل". 

وأضاف البيان: "إن توقف الوجبات يعني جوعًا أكبر للبطون، وسيقضي الكبار والصغار ساعات طويلة في مواجهة قسوة الحرب والجوع معًا".

وطالبت التنسيقية بإنهاء الحصار المفروض على الفاشر فورًا.

ويعتمد آلاف المدنيين المحاصرين في الفاشر على هذه المطابخ الجماعية للحصول على الطعام، في ظل نقص حاد في المواد الأساسية ناجم عن حصار قوات الدعم السريع المطول لعاصمة إقليم دارفور، والذي استمر قرابة عام.

طباعة شارك السودان الدعم السريع الفاشر قوات الدعم السريع مدينة الفاشر ولاية شمال دارفور المطابخ الجماعية قصف مدينة الفاشر الجوع في السودان

مقالات مشابهة

  • شهادات ميدانية تتحدث عن مجزرة دموية للدعم السريع بحق سكان الفاشر
  • مجزرة جديدة ترتكبها الدعم السريع في الفاشر.. مقتل 12 مدنيا على الأقل
  • السودان يطالب الصين بتوضيح حول كيفية حصول قوات الدعم السريع على مسيرات صينية
  • طيران الجيش ينفذ ضربات جوية استهدفت مواقع قوات الدعم السريع في مدينة الدبيبات
  • الدعم السريع ترتكب مجزرة أودت بحياة 31 شخصا وتدمر طائرات بمطار الخرطوم
  • الجيش السوداني: سقوط 41 مدنيا وإصابة عشرات بقصف مدفعي للدعم السريع في الفاشر
  • السودان.. الدعم السريع يشن قصفا عنيفا على الفاشر
  • خالد سلك ومحاولة تبرئة الدعم السريع: قراءة تحليلية في رسالة إدانة مجزرة صالحة
  • مصادر طبية: قوات الدعم السريع نفذت مجزرة في أم درمان
  • مجزرة الصالحة صدمة سودانية جديدة واتهامات للدعم السريع بارتكابها