حنانيا.. أول مطبعة عربية خاصة في القدس
تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT
"حنانيا" أول مطبعة عربية في القدس، لصاحبها جرجي حبيب حنانيا، مؤسس فن الطباعة والصحافة الفلسطينية، بدأت عملها رسميا عام 1908، وطُبع فيها أول الكتب الفلسطينية، وأولى الصُّحف العربية، خاصة في فلسطين، وهي "جريدة القدس".
الموقعكانت المطبعة تقع بمنطقة باب الجديد في السور الشمالي الغربي المحيط بمدينة القدس.
بدأت عملها عام 1894 دون ترخيص، وأخذت تطبع الكتب الفلسطينية خلسة، إلى حين اكتشاف الحكومة العثمانية أمر صاحبها، الذي تمكّن من التحايل بطباعته استمارات وكتيبات تستخدم في الدوائر الرسمية، ما جعلها تتغاضى عن نشاطه وتسمح له بالاستمرار، وفي العام 1908، استطاع حنانيا أن يحصل على ترخيص.
ولم تكن "حنانيا" أول مطبعة في فلسطين، إلا أنها الأولى المصنفة مطبعة عربية، ذلك أن الطابع الغالب على المطابع آنذاك كان دينيا أو رسميا، وكانت تطبع مواد تهم أبناء دينها دونا عن الآخرين.
أما عن جرجي حنانيا فلم يكن هذا عمله الأول في عالم الطباعة، إذ قبل افتتاح مطبعته الخاصة، كان يستأجر آلات من مالكيها، وذلك بعد استيراده حروفا أجنبية لطباعة مواد موجهة إلى سياح المدينة.
ومع بدء عمل المطبعة بشكل رسمي، أسس جرجي حنانيا صحيفة القدس عام 1908، وشكّلت نقطة انطلاق للصحافة الفلسطينية، التي سرعان ما توقف معظمها عن العمل مع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914.
كما أوقفت مطبعة حنانيا هي الأخرى عملها لأن صاحبها غادر البلاد بعد أن اكتشفت السلطات العثمانية عضويته في جمعية سرية عُرفت باسم "فلسطين الفتاة"، وهي جمعية بدأت بطابع ثقافي، لكنها تحولت لاحقا إلى النشاط السياسي.
وقبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، كان حنانيا قد قرر شراء آلة طباعة حديثة، ومجموعة كبيرة من الأوراق، بعد أن رهن آلات المطبعة القديمة للبيع من أجل الحصول على قرض، إلا أن الحرب أفشلت حلمه، لينشر البنك الألماني في فلسطين، بعدها بفترة وجيزة، خبرا يفيد ببيع الآلات، لأن صاحبها الذي غادر إلى الإسكندرية وانخرط في مجال الأبحاث هناك حتى توفي فيها عام 1920، تخلّف عن سداد أقساط القرض.
تاريخ الطباعة في القدستأسست أول مطبعة في القدس عام 1830، على يد يهودي يدعى "يسرائيل باق"، واهتمت بطباعة الكتب الدينية باللغة العبرية، وتبعتها مكتبة ليهودي آخر عام 1850، وأخذ اليهود آنذاك ينشئون العديد من المطابع التجارية في القدس وصفد.
كما أُنشئت مطابع عديدة ذات طابع ديني مسيحي، منها مطبعة في دير الفرنسيسكان بالقدس عام 1846، وكان أوّل كتاب طبعته "التعليم المسيحي" باللغتين الإيطالية والعربية.
الحي الذي كانت فيه مطبعة حنانيا في القدس (الجزيرة)ثم ظهرت مطبعة لندن عام 1848، التي اهتمت بطباعة الكتاب المقدس ونشره بين اليهود، ثم أنشأ الأرمن مطبعة لهم في دير مار يعقوب، وطبعت كتبا باللغتين الأرمنية والتركية، وبعدها أنشئت جمعية القبر المقدس اليونانية عام 1849، وطبعت كتبا دينية ومدرسية بالعربية واليونانية.
وعام 1885 أسس الألماني شنللر ثيودور مطبعة دار الأيتام السورية، التي طبعت مجلات وجرائد وكتبا، وافتتحت فرعا مهنيا لتعليم الطباعة في القدس، والتحق خريجوها بمطابع عديدة في فلسطين.
وبعدها تأسست مطبعة المأمونية، التي أسهمت في طباعة جريدة الغزال الشهرية، للشيخ علي الريماوي، الصادرة عام 1876، وجريدة القدس الشريف باللغتين العربية والتركية. ناهيك عن المطابع الحكومية التي أنشأتها الحكومة العثمانية في القدس آنذاك.
دوافع افتتاح مطبعة حنانيافي افتتاحية العدد الأول من جريدة القدس، الصادر في 5 سبتمبر/أيلول 1908، أورد حنانيا دافعه لافتتاح المطبعة في القدس، إذ كتب "ثم لما كانت بلدتنا القدس مثل غيرها متعطشة إلى العلوم والمعارف التي نضب معينها منذ أجيال طوال، وكانت هذه لا تنشر وتعمم إلا بواسطة المطابع، وكانت كل مطابع القدس دينية محضة تشتغل كل واحدة منها لطائفتها، مست الحاجة إلى تأسيس مطبعة تزرع بذور الإخاء وتعامل الجميع على السواء، غايتها خدمة الوطن لا تختص بفريق دون آخر. ولكن هذا الأمر كان صعبا لما كان يحول دونه من الموانع والعثرات التي كان يقف الاستبداد في سبيل تذليلها وإزالتها، ولما كنت ممن مارسوا هذه الصناعة دفعتني النفس أن أجرب القيام بهذا الواجب على ثقله وصعوبته ووعورة مسلكه".
صحيفة القدس كانت من أولى الصحف التي طبعت في مطبعة حنانيا (الجزيرة) نتاج المطبعةرغم سنوات عملها القليلة، فإنها استطاعت أن تصدر 281 كتابا، بينها 83 باللغة العربية، إضافة إلى عدد من الاستمارات والكراسات لدوائر حكومية، ومواد سياحية.
صحيفة القدستألفت الصحيفة الصادرة عام 1908 من 4 صفحات، وكانت تصدر مرتين في الأسبوع، وفي رأس الصفحة الأولى كانت تظهر كلمة "القدس" بخط كبير، محاطة بكلمات "حرية"، "مساواة"، "إخاء"، وكان يطبع من كل عدد 1500 نسخة.
اهتمت الصحيفة بالعلوم والآداب والمعارف، وأتاحت المجال للقراء ليساهموا في مواد مفيدة تنشر في الصحيفة، وكان من بين المساهمين: الأديب خليل السكاكيني والشيخ علي الريماوي، مؤسس صحيفة النجاح عام 1908، كما خصصت الصحيفة مساحة لأخبار الحكومة، وللشعر والترجمة.
مهمة معقدةكانت عملية الطباعة آنذاك معقدة وصعبة، إذ كان على العاملين أن يركبوا نسخة مطابقة للنص، على صفيحة الطباعة، وتتلوها خطوات تتطلب دقة متناهية، إلى حين إعداد الصفحة كاملة ثم طليها بالحبر ونسخ صورة عنها على الورق.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی فلسطین مطبعة فی فی القدس
إقرأ أيضاً:
لاءات عربية رفضاً لتهجير الفلسطينيين
بعد الاستبشار النسبي بوقف إطلاق النار في غزة ونجاح أربع عمليات تبادل للأسرى والرهائن، والتفاؤل باستكمال المرحلتين الثانية والثالثة من الهدنة، وصولاً إلى إنهاء الحرب، جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التحريضية على تهجير أغلبية سكان غزة إلى مصر والأردن أو دول أخرى، لتسمّم الأجواء وتعيد هذه القضية إلى الواجهة، بعد أن أحبطها الشعب الفلسطيني بالصمود في أرضه، وحسمتها المواقف العربية والدولية بالرفض القاطع لأي تهجير، باعتباره خطاً أحمر غير مسموح تجاوزه.
طوال أكثر من أسبوع يكرّر ترامب ويعيد أن تهجير الفلسطينيين هو الحل، ويقول مبعوثه ستيف ويتكوف، إن قطاع غزة لم يعد صالحاً للسكن. وربما بمثل هذه التصريحات يمكن فهم الإصرار الإسرائيلي على التدمير المنهجي لكل مرافق الحياة ضمن حرب الإبادة على غزة، وكأن الأمر متفق عليه منذ اليوم الأول، بل يبدو أنه التفسير الوحيد للحملة التي يروّج لها اليمين الإسرائيلي المتطرف ورموزه مثل وزير الأمن المستقيل إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
وخلاصة الأمر، أن الرئيس الأمريكي يريد أن ينجز لإسرائيل ما عجزت عنه آلتها العسكرية طوال أكثر من 15 شهراً من الحرب الشنيعة، وبعد أن صدمتها مشاهد الحشود الفلسطينية العائدة إلى شمال القطاع المدمّر، وإحباط «خطة الجنرالات» لإخلاء تلك المنطقة قسراً وتقسيم القطاع وإعادة استيطانه.
الرد على تهجير الشعب الفلسطيني كان مبدئياً وساطعاً في كل مراحل العدوان، وعبّر عنه إجماع عربي لا يقبل التأويل، لأنه محرّم بلغة القانون الدولي والأعراف والأخلاق، ويُدان بجرائم الحرب كلُّ من ينفذه أو يحرّض عليه. وبما أن مصر والأردن مستهدفتان بخطة التهجير المزعومة، جاء رفض الدولتين حاسماً وقاطعاً رسمياً وشعبياً، ووجّه الحشد المصري الهائل أمام معبر رفح، قبل يومين، رسالة واضحة مفرداتها أن تهجير الفلسطينيين خطيئة لن تكون مهما كانت الأثمان، وأن النكبات التي عاشها الفلسطينيون سابقاً لا يمكن أن تتكرر.
أما الحل الوحيد الممكن فهو تثبيت الشعب الفلسطيني في أرضه، وتمكينه من حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وهذه الثوابت لا تتغير أبداً، وجدّد الاجتماع الوزاري في القاهرة بمشاركة دولة الإمارات، الالتزام بها، وأكد استمرار الدعم الكامل للشعب الفلسطيني للصمود في أرضه، وشدد على أهمية تضافر جهود المجتمع الدولي للتخطيط وتنفيذ عملية شاملة لإعادة الإعمار في قطاع غزة، بأسرع وقت ممكن، وبشكل يضمن بقاء الفلسطينيين في أرضهم، باعتباره الأساس لتطبيق «حل الدولتين»، وصولاً إلى الاستقرار والسلام المنشودين في المنطقة.
اللاءات العربية الرافضة للتهجير واضحة، وعبّرت عنها كل الاجتماعات والبيانات وكرّرها اجتماع القاهرة الأخير، وعلى مروّجي أوهام اجتثاث الفلسطينيين من أرضهم إعادة الحساب، والنظر في العواقب، والكفّ عن هذه السياسات الهدّامة التي تؤجّج التوتر، وتقضي على ما بقي من مصداقية لشرعية الأمم المتحدة والمواثيق الناظمة لحياة الشعوب.
ويكفي الشعب الفلسطيني ما عاناه من احتلال وإبادة وتنكيل وإنكار لوجوده، وعلى النظام الدولي أن ينصفه ويردع المعتدي لا أن يكافئه بالتواطؤ على مستقبل شعب مكافح لن يخضع لسفاحه، مهما طغى الباطل واستطال الاحتلال.