عربي21:
2025-03-04@19:09:17 GMT

عن عملية السلام والدولة الفلسطينية

تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT

أعلن وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا، في ختام اجتماع وزراء خارجية مجموعة الـ20 في ريو دي جانيرو في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أن الوزراء أظهروا تأييدا كبيرا لحلّ الدولتين، بينما قال مفوّض الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إنه طالب الوزير البرازيلي بإعلان هذا الأمر باسم المجموعة كلها، والتأكيد على جهود إقامة دولة فلسطينية باعتبار ذلك بمثابة الحلّ الجذري والجدّي للأزمة في الحوض العربي الإسلامي أو منطقة شرق الأوسط، حسب التعبير المتداول في الإعلام الغربي والدولي.



واصل بوريل استثمار المنتديات الدولية للتركيز على نفس الفكرة، وفي أثناء مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي بالعاصمة السعودية الرياض في نهاية نيسان/ أبريل الماضي، قال إن دولا أوروبية ستعترف وطنيا بالدولة الفلسطينية قبل نهاية أيار/ مايو، في إشارة إلى نية إسبانيا القيام بذلك، كما كان رئيس الوزراء بيدرو سانشيز قد أعلن منذ شهور باعتبار ذلك واجبا أخلاقيا ومصلحة جيو سياسية لأوروبا أيضا، حسب تعبيره الحرفي.

في الحقيقة، لم يقتصر الأمر على إسبانيا، وإنما رأينا تفكيرا أوروبيا جماعيا مع خمسة دول أخرى على الأقل اعترفت أو تتجه للاعتراف بالدولة الفلسطينية (يرلندا والنرويج وسلوفينيا ومالطا وبلجيكا)، بينما قالت صحيفة الغارديان في 3 أيار/ مايو إنه حتى أستراليا تفكر أيضا في فعل الشيء نفسه.

في الحقيقة، لم يقتصر الأمر على إسبانيا، وإنما رأينا تفكيرا أوروبيا جماعيا مع خمسة دول أخرى على الأقل اعترفت أو تتجه للاعتراف بالدولة الفلسطينية (يرلندا والنرويج وسلوفينيا ومالطا وبلجيكا)، بينما قالت صحيفة الغارديان في 3 أيار/ مايو إنه حتى أستراليا تفكر أيضا في فعل الشيء نفسه
في السياق، كان بوريل نفسه -هو بالمناسبة وزير خارجية إسباني سابق- قد صرح منذ فترة أنه سئم من عملية السلام بشكلها الراهن؛ التي لم تؤد إلى أي نتيجة، ومستنتجا ضرورة القيام بجهود دولية مختلفة لفرض الحلّ على الجانبين.

يجري الحديث هنا عن مسؤولية أخلاقية وتاريخية وسياسية لإسبانيا التي استضافت مؤتمر مدريد للسلام -1991- ورغم إطار مدريد والرباعية الدولية بعد، ذلك إلا أن الوساطة لا تزال أحادية أمريكية مع تهميش لروسيا -راعية مدريد نظريا- والاتحاد الأوروبي نفسه، وحصره في البعد أو الجانب الاقتصادي فقط، حتى مع كونه أكثر تأثرا بما جرى ويجري بفلسطين والمنطقة من أمريكا، كما قال عن حق ذات مرة رئيس الوزراء الإسباني.

إذن في سياق التنظير والتأسيس لنهج مختلف، يستند على ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في بداية السيرورة لا نهايتها. قال بوريل إن عملية السلام بشكلها التقليدي كما عرفناه خلال العقود الثلاثة الماضية قد فشلت ولم يتبق منها شيء، وتحوّلت خاصة في السنوات الأخيرة إلى شعار أو إطار لغويا وخطابيا فقط.

هنا في السياق وفيما يخص مصطلح عملية السلام، ثمة رواية يجب أن تروى، حيث كان المصطلح أساسا من اختراع وبنات أفكار وزير الخارجية الأمريكي الراحل هنري كيسنجر في سبعينيات القرن الماضي، وهدفت العملية للإلهاء والإشغال وإدارة الصراع لا حلّه بشكل جذري، وفعل ذلك حيثما أمكن حسب التصورات والمصالح الأمريكية والإسرائيلية خاصة على الجبهات العربية المصرية والأردنية والسورية.

في البداية، كان الحديث عن عملية السلام ومع الوقت لعقدين تقريبا لم يكن ثمة حديث عن السلام وإنما عن العملية فقط، ومع مرور السنين بتنا أمام العملية والإطار والجسد فقط بدون الروح، أي السلام المستهدف نفسه، العادل والشامل والمستدام حسب الخطاب السائد.

أما في العقد الأخير، فقد انهارت العملية برمتها جسدا وروحا وشكلا ومضمونا، وبتنا بدون السلام وحتى بدون العملية نفسها مع انشغال أمريكا الراعي الأحادي والحصري للعملية عن المنطقة وأزماتها، والاكتفاء بإدارتها وإبقائها تحت السيطرة، وعدم انفجارها لصالح الانكفاء آسيويا نحو الشرق الأقصى، والقبول والتساوق ولو بالحد الأدنى مع الأفكار الإسرائيلية لإدارة الصراع وفق أشكال ومسميات مختلفة.

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد نجح في التماهي شكلا مع العملية، أولا في تسعينيات القرن الماضي مع الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون ثم مع باراك أوباما -2008- كما رأينا في خطاب حل الدولتين بجامعة بار إيلان عام 2009، والذي كان ردّا علي خطاب أوباما في جامعة القاهرة، ثم أُفرغت العملية من مضمونها تماما مع إعلان فشل آخر المحاولات الأمريكية 2014 وتسليم إدارة أوباما بالفشل وانكفائها عن المنطقة.

في عهد خلفه الجمهوري دونالد ترامب كانت فرصة لنتنياهو لقتل العملية تماما، كما عرفناها خلال العقود الثلاثة الماضية شكلا ومضمونا، بعدما تخلى ترامب عن الأسس والقواعد وقطع مع تراث الإدارات السابقة، بما في ذلك الحديث عن العملية نفسها واستمرارها وإعطاء الانطباع بأنها حية، وذلك عبر تبني الرواية الصهيونية بالكامل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، إضافة إلى الاعتراف بضمّ هضبة الجولان السورية، كما لم تعد المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967 غير شرعية وقانونية وعقبة أمام عملية السلام -التي لم تعد موجودة أصلا- كما كان الحال مع الإدارات المتعاقبة؛ ديموقاطية وجمهورية.

جرى بعد ذلك ابتداع صفقة القرن بشكل مناقض لعملية السلام شكلا ومضمونا، وهي -الصفقة- لم تهدف إلى حل القضية، كما كان الحال مع عملية السلام، وإنما تصفيتها تماما وإزاحتها عن جدول الأعمال الإقليمي والدولي.

بناء على ما سبق كله، كان منطقيا أن يتحدث جوزيب بوريل عن ضرورة بل وحتمية اتباع استراتيجية مختلفة، والضغط بوسائل أخرى. ومن هنا حضرت أفكار مثل عقد مؤتمر دولي للسلام بأنياب حقيقية وقرارات ملزمة بعيدا عن النهج المتبع، ورفع مكانة الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة سواء وطنيا أو جماعيا من قبل اتحادات قارية وإقليمية، كما فعلت إسبانيا مع دول أوروبية أخرى، أو عبر تجمعات إقليمية مثلما حصل مع جامايكا وترينيداد وتوباغو وربادوس بمنطقة الكاريبي.

لا زلنا بصدد حديث دولي عام دون تبني خطط محددة حول الاعتراف بدولة فلسطينية ودون تحديد ماهيتها وحدودها وعاصمتها القدس -حسنا فعلت اسبانيا بخلق السابقة والطريق والمضمون- ولا حديث عن قرار مجلس الامن رقم 242، والمبادرة العربية بالحد الأدنى، في سياق شق مسار جدي لا رجعة عنه، وانطلاق القطار نحو الدولة الفلسطينية حسب التعبير الشائع للرئيس الأمريكي جو بايدن
في السياق نفسه، لا بد من الإشارة إلى أن فرنسا لم تعد تعتبر الأمر من المحرمات، كما أن بريطانيا تفكر أيضا بمناقشة الأمر ولن تنتظر نهاية المفاوضات بعد انتهاء حرب غزة، وحتى أمريكا تدرس فكرة الاعتراف بالدولة بالفلسطينية حيث طلب وزير الخارجية أنتوني بلينكن من موظفي وخبراء وزارته وضع اقتراحات وتصورات بهذا الخصوص.

هنا لا بد من الانتباه إلى أننا لا زلنا بصدد حديث دولي عام دون تبني خطط محددة حول الاعتراف بدولة فلسطينية ودون تحديد ماهيتها وحدودها وعاصمتها القدس -حسنا فعلت اسبانيا بخلق السابقة والطريق والمضمون- ولا حديث عن قرار مجلس الامن رقم 242، والمبادرة العربية بالحد الأدنى، في سياق شق مسار جدي لا رجعة عنه، وانطلاق القطار نحو الدولة الفلسطينية حسب التعبير الشائع للرئيس الأمريكي جو بايدن.

لا بد من الإشارة كذلك إلى عملية طوفان الأقصى وحرب غزة والاستنتاجات الأساسية منها، وعلى رأسها ضرورة عدم العودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لجهة حصار غزة والانقسام السياسي والجغرافي مع الضفة وإزاحة القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال، والتلهي بمصطلحات إدارة الصراع وتقليصه والحفاظ على الوضع الراهن، والسلام الاقتصادي، وبالتالي ضرورة مواكبة الجهود والمساعي والأوروبية والأممية فلسطينيا، وتوحيد الرؤى والقيادة لإنهاء الانقسام، ومواصلة المسار في الأمم المتحدة كما رأينا في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 أيار/ مايو الماضي، حيث صوت ثلثا الأعضاء تقريبا لصالح قرار رفع مكانة فلسطين إلى دولة كاملة العضوية، في تأكيد على عزلة الولايات المتحدة التي استخدمت الفيتو ضد القرار بمجلس الأمن، وإحراج واضح لها حسب التعبير البليغ لوزيرة خارجية الأسترالية بيني وونغ التي تدفع باتجاه الاعتراف بالدولة؛ في خطوة ستكون ذات دلالات مهمة سياسية وجغرافية أيضا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطينية الإسرائيلية المفاوضات إسرائيل فلسطين مفاوضات أوروبا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة رياضة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بالدولة الفلسطینیة عملیة السلام حدیث عن

إقرأ أيضاً:

حرب المعادن الأوكرانية مستمرة.. بعد توتر العلاقة بين ترامب وزيلينسكى.. السؤال الذى يشغل العالم لماذا تجعل واشنطن اتفاقية التعدين عنصرًا حاسمًا فى عملية السلام مع روسيا؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

بينما كان العالم ينتظر حفل توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف، تحول لقاء الرئيسين ألأمريكى دونالد ترامب والأوكرانى فولوديمير زيلينسكي، يوم الجمعة، فى البيت الأبيض إلى مشادة نارية شاهدها الملايين على الهواء مباشرةً، وغادر بعدها زيلينسكى البيت الأبيض، فيما ترددت أنباء بأن ترامب طرده بحسب "فوكس نيوز" نقلاً عن مسؤولين في البيت الأبيض.. وبذلك، لم يتم التوقيع على اتفاق المعادن النادرة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا.
ويرى ترامب أن اتفاق المعادن النادرة أمر ضرورى كخطوة نحو التوسط في اتفاق لوقف الحرب مع روسيا والسير فى طريق السلام والاستقرار، وأيضاً ليسترد ما تحملته واشنطن من مليارات الدولارات دعماً لكييف.. ورغم توتر الأجواء وإنهاء الزيارة، فإن زيلينسكى قال عن الصفقة: "يمكننا أن نمضي قدماً بها، لكن هذا ليس كافياً"، وكتب على "منصة أكس": "شكراً أمريكا.. شكراً لدعمكم، شكراً لكم على هذه الزيارة". وأضاف: "إن أوكرانيا تحتاج إلى السلام العادل والدائم، وهو ما نحن نعمل على تحقيقه". ويرى محللون أن هذه الرسالة بمثابة محاولة من الرئيس الأوكراني لتصحيح مسار المفاوضات بعد تعثرها، كما يؤكدون على أن الرئيس الأمريكى لن يتنازل عن مطلبه بتوقيع اتفاق المعادن باعتبار ذلك حرباً لا بد أن تُحسم لصالحه.. 
فى محاولة لفك طلاسم هذه الصفقة وفهم أبعادها وأهميتها فى ظل حاجة الولايات المتحدة لتلك المعادن النادرة، نطرح سؤالاً محورياً: ما هو السر وراء إصرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على إبرام صفقة الحصول على المعادن النادرة من أوكرانيا؟.. المعلن أنه يريد أن يسترد المليارات التى أنفقتها واشنطن على دعم أوكرانيا فى حربها مع روسيا.. لكن الواقع يقول إن هناك أسباباً أخرى تتعلق بالأساس بحاجة الولايات المتحدة لهذه المعادن لاستخدامها فى الكثير من منتجاتها.
يوضح جيوم بيترون، الباحث المشارك في معهد إيريس، أن اعتماد الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، على المعادن الهامة التي تنتجها الصين هو جوهر اتفاقية التعدين المحتملة مع أوكرانيا.
ما هي بالضبط مصالح الولايات المتحدة وأوكرانيا في هذا العقد؟ لماذا أصبحت هذه الموارد المعدنية ثمينة واستراتيجية إلى هذا الحد؟ تحليل يقدمه جيوم بيترون، الباحث المشارك في إيريس، ومؤلف كتاب "حرب المعادن النادرة. الوجه الخفي للتحول في مجال الطاقة والرقمنة".


تحفظات مهمة 


يقول جيوم بيترون إن أوكرانيا تمثل ٠.٤٪ من كتلة اليابسة على الكوكب، ولكنها تحتوي على ٥٪ من ما يسمى بالمعادن الحرجة.. وتعتبر هذه الموارد مهمة للغاية لأن الإنتاج فيها يقتصر على عدد قليل من البلدان. ومن ثم هناك خطر حدوث نقص في العرض. ومع ذلك، فإن هذه المواد الخام ضرورية للتكنولوجيات الجديدة، والطاقات الخضراء، وكذلك لتكنولوجيات الدفاع.

 يختلف عدد المعادن حسب الدولة.. وقد أدرج الاتحاد الأوروبي ٣٤ عنصرًا، بينما أدرجت الولايات المتحدة ٥٠ عنصرًا. وقد يشمل ذلك المعادن الشائعة، مثل الحديد والألومنيوم والنحاس والزنك، وما إلى ذلك.. بالإضافة إلى المعادن التي تعتبر نادرة لأنها أقل وفرة في قشرة الأرض، مثل الكوبالت أو التنجستن.
ومن ثم فإن هذا التفاوت بين حجم الأراضي الأوكرانية وإمكاناتها مثير للاهتمام للغاية. كما نجد في باطن الأرض، سواء قيد الاستغلال أو للاستغلال، كل أنواع المعادن التي ذكرناها: اليورانيوم، والجرافيت، والحديد، والنيوبيوم، والليثيوم، وربما المعادن النادرة، وهي عائلة أخرى من خمسة عشر معدنًا، حيث نجد من بين أمور أخرى السكانديوم أو الإيتريوم.


عنصر حاسم


ويضيف جيوم بيترون أن هناك منطقا انتهازيا من جانب دونالد ترامب. يعتقد الرئيس الأمريكي، وهو رجل أعمال سابق، أنه قادر على إعادة التوازن المالي، بالنظر إلى ما تمكن الأمريكيون من إنفاقه في عهد سلفه من أجل أمن أوكرانيا. لكن شبح الصين، منافستها، هو الذي يلقي بظله على هذا الاتفاق. ولكي نفهم هذا، علينا أن نعود إلى الوراء قليلًا. الولايات المتحدة دولة منتجة للتعدين، ولكنها تستخرج اليوم عدداً قليلاً نسبياً من المعادن الحيوية لأن مناجمها أُغلقت، ولم يتم فتح مناجم جديدة لأسباب بيئية. وفي الوقت نفسه، سمح الأمريكيون لدول الجنوب العالمي بإنتاج هذه المعادن لصالحهم منذ ثمانينيات القرن العشرين.. وهذه الملاحظة تنطبق أيضاً على الفرنسيين والأوروبيين بشكل عام. وهذا أمر غير مريح لأنه يخلق اعتماداً على الصين.
وقد اكتسب العملاق الآسيوي الزعامة والنفوذ الكبير فيما يتصل باستخراج وتكرير هذه الموارد. ولقد هددت الصين لسنوات بالتوقف عن تصديرها، وهو ما تفعله، على سبيل المثال، مع الغاليوم والجرمانيوم، بينما تشدد الولايات المتحدة سيطرتها على تكنولوجيات تصنيع الرقائق. وعلى مدى السنوات العشر الماضية أو نحو ذلك، شهدنا صحوة أمريكية، في سياق التوترات الجيوسياسية والتجارية المتنامية مع الصين. وقد تم اتخاذ إجراءات على أعلى مستوى في الدولة لتحديث قائمة المعادن الحرجة، وتحديد الاختناقات في سلسلة القيمة الخاصة بها، وإعادة إطلاق الإنتاج على أراضيها، وتوقيع شراكات دبلوماسية مع دول أخرى من أجل تنويع إمداداتها.. وعلاوة على ذلك، قد يجد ترامب هذه المعادن في أماكن أخرى غير أوكرانيا، على سبيل المثال على أراضيه، أو بين جيرانه في كندا، أو في أمريكا اللاتينية. وببساطة، هناك فرصة فورية هنا والآن في أوكرانيا لتبادل الأمن بهذه الموارد تحت مبدأ "السلام مقابل المعادن".


مصالح أوكرانيا 


ولا تزال تفاصيل كثيرة حول هذه الصفقة (التى لم يتم التوقيع عليها) غير معروفة، لكنها قد تكون مفيدة لفولوديمير زيلينسكي. لأن المشاركة في المناجم تعني الاستثمار في الطرق، وفي الموانئ التي تسمح بتصدير الخام، وفي البنية التحتية للطاقة التي تسمح بإنتاج الطاقة اللازمة لتشغيل المناجم.. وهو أيضًا استثمار في الموارد البشرية التي تسمح بخلق فرص عمل في أوكرانيا. السؤال هو من سيتحمل هذا الجهد ومن سيحصد الثمار وبأي نسبة؟ وهنا يتعين على فولوديمير زيلينسكي أن يقف بحزم لضمان أن تكون الصفقة عادلة ومنصفة.
المعيار الثاني المثير للاهتمام بالنسبة لأوكرانيا هو أنه لا ينبغي لأي معادن أن تخرج من البلاد للذهاب إلى الولايات المتحدة بموجب تفويض ترامب.. وقت التعدين طويل جدًا. لقد مرت بالفعل ما بين ١٠ إلى ١٥ سنة بين وصول الأمريكيين وإنشاء نموذج اقتصادي قابل للتطبيق واستخراج المعادن. ومن ثم يجب إضافة نفس المدة لاستغلال المنجم. وهذا يبشر بوجود تواجد أمريكي في هذه المنطقة الاستراتيجية على مدى العقود الثلاثة المقبلة على الأقل. وأخيراً، فإن تركيب أداة التعدين الروبوتية المتطورة والمعقدة من الجيل الأحدث، مع كل البنية التحتية اللازمة، يكلف عشرات أو مئات المليارات من الدولارات. ولن تستثمر الولايات المتحدة هذا المبلغ في سياق سياسي غير مستقر، حيث تقاتل القوات الروسية في كل زاوية فى شارع.. كل هذا يعني ضرورة الاستقرار الجيوسياسي. ولا يمكن أن يأتي الاستقرار بدون السلام. وسيتعين على الأمريكيين ضمان ذلك على المدى الطويل. إن زيلينسكي يربط مصيره بمصير الأمريكيين.


استراتيجية أوروبية


وحول الموقف الأوروبى، يقول جيوم بيترون: لقد كان الأوروبيون يدركون دائمًا أن هناك احتياطيات محتملة متاحة في أوكرانيا. علاوة على ذلك، جرت مناقشات بشأن اتفاقيات التعاون في مجال الليثيوم. لكن زيلينسكي يدرك أن الأوروبيين مترددون في التنقيب عن المعادن في القارة بسبب قضايا اجتماعية وبيئية، حيث يتطلب التنقيب حفر حفرة كبيرة في الأرض، مما يؤثر دائمًا على التنوع البيولوجي، وعلى التربة. ومن ثم، تتطلب عملية التكرير استخدام المواد الكيميائية والمذيبات.. ومع ذلك، يرى زيلينسكي أنها بمثابة رافعة لإعادة إعمار بلاده. 
أما بالنسبة لأوروبا، فإن لديها استراتيجية. في عام ٢٠٢٤، قدم الاتحاد الأوروبي قانون المواد الخام الحرجة، والذي ينص على قائمة تضم ٣٤ معدنًا حرجًا، وأهدافًا كمية غير ملزمة لعام ٢٠٣٠. ووفقًا لها، يجب أن يأتي ١٠٪ من احتياجاتها من الموارد المستخرجة من باطن الأرض، في ٢٧ دولة في الاتحاد. وسيتم إنتاج نحو ٤٠٪ من هذه المادة من مواد خام يتم تكريرها في نفس المنطقة. الهدف الثالث هو أن ٢٥٪ من احتياجات المعادن الأساسية تأتي من إعادة التدوير.
باختصار، يتعلق الأمر بإعادة فتح المناجم في أوروبا، ثم الذهاب للحصول على المعادن من الآخرين لتنقيتها فى أوروبا، وذلك بفضل الدبلوماسية المعدنية النشطة. ويتضمن ذلك إبرام اتفاقيات مع أستراليا وكندا وتشيلي ومنغوليا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغيرها من الدول، من أجل تأمين الإمدادات الحالية والمستقبلية من المعادن. وهكذا، وكما فعلت الولايات المتحدة، ينبغي تنويع الإمدادات بدلاً من الاعتماد على الصين.
وأصبحت أوروبا على علم بهذه القضية. ولكن، كما ذكرنا سابقًا، فإن وقت التعدين طويل. إن التحرر من هذا الأمر أمر صعب، وخاصة عندما يتوجب عليك التفكير في فتح مناجم على أراضيك الخاصة. ولنذكر على سبيل المثال لا الحصر، مشروع إيميلي (إيمريس) في ألييه الذي يثير قدراً كبيراً من التوتر في فرنسا. هل يقبل السكان المحليون رؤية منجم مفتوح في أسفل حدائقهم حتى نتمكن من تصنيع سيارات كهربائية تسير في مناطق منخفضة الانبعاثات في باريس؟.
ومن المفهوم أن إنتاج المعادن النادرة سوف يصبح أكثر تكلفةً.. لا نريد أن نكون مثل الديوك الرومية في مهزلة التحول في مجال الطاقة، ضحايا الاستعمار الأخضر الجديد. التحدي الآن هو معرفة في أي مرحلة من معالجة الخام سيتم تصديره. وهذه هي المناقشات التي تدور حاليا.


ازدياد التوتر


ونبه جيوم بيترون إلى أن هناك معادن معينة قد يخلق الطلب عليها توتراً كبيراً، قائلاً: سوف تكون هناك حاجة كبيرة إلى الليثيوم ولجميع المعادن التي تدخل في صناعة البطاريات. الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنجنيز هي العناصر الأساسية. والجرافيت أيضًا، وهو معدن مهم جدًا لهذه الأدوات نفسها. ويمكننا أيضًا أن نذكر المعادن الموجودة في محركات السيارات الكهربائية والتي تحتوي على معادن نادرة. والشيء نفسه ينطبق على توربينات الرياح ذات الطاقة العالية. وأخيرا، أصبح النحاس عنصراً بالغ الأهمية، فهو معدن موصل للكهرباء يستخدم في بناء أميال من خطوط الجهد العالي وخطوط الطاقة. ونستطيع أن نرى بالفعل سيناريو نقص محتمل، لأن الإنتاج غير قادر على مواكبة الزيادة في الطلب. لكن السؤال يظل معقدا. لأنه حتى لو عرفنا احتياجاتنا للغد، فكيف ستتطور المواد الكيميائية، خاصةً أن بدائل المعادن النادرة، وهي عائلة من المعادن المحددة للغاية، لا تزال غير متوفرة؟.
 

مقالات مشابهة

  • أبو الغيط: إعادة إعمار غزة معركة تستحق أن نخوضها.. ويجب إقامة الدولة الفلسطينية
  • البحرين: السلام الدائم والشامل هو الإطار الضامن لإقامة الدولة الفلسطينية
  • الكرملين: وقف المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا قد يدفع كييف نحو عملية السلام
  • باريس: تجميد مساعدات أمريكا لأوكرانيا يصعب عملية السلام
  • الكرملين: التحرك الأمريكي لتعليق المساعدات العسكرية لكييف ربما يسهل عملية السلام
  • كبسولات في عين العاصفة : رسالة رقم [152]
  • الفصائل الفلسطينية تبارك عملية حيفا وتؤكد: العملية أثبتت فشل المنظومة الأمنية للاحتلال
  • بارزاني يؤكد لوفد من الأحزاب الكوردية ضرورة استثمار عملية السلام التركية
  • "الكرملين": المشادة بين ترامب وزيلينسكي تظهر مدى صعوبة بدء عملية السلام في أوكرانيا
  • حرب المعادن الأوكرانية مستمرة.. بعد توتر العلاقة بين ترامب وزيلينسكى.. السؤال الذى يشغل العالم لماذا تجعل واشنطن اتفاقية التعدين عنصرًا حاسمًا فى عملية السلام مع روسيا؟