الجزيرة:
2025-01-30@16:03:51 GMT

إغاثةُ أهل غزة أَولى من الأضحية

تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT

إغاثةُ أهل غزة أَولى من الأضحية

لا يخفى على أحد على وجه البسيطة ما يعانيه أهل غزّة، منذ أكثر من ثمانية أشهر، ولا تزال المعاناة مستمرة، ليست على مستوى الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، بل على مستوى إغاثتهم كذلك، بعد أن أغلق عليهم عدوهم كل مدخل، برًا وبحرًا وجوًا، وأحيط بهم، ولا مغيث لهم إلا الله، ثم إخوانهم من دينهم، وبني جلدتهم، وبني إنسانيّتهم كذلك.

وهناك مواسم لفعل الخيرات يبتغي بها المسلم رضا ربه، منها: الأيام العشر، التي نحياها ويُحييها المسلمون بالطّاعة، رغبةً فيما عند الله من أجر، فمن قدر منهم على الحج، ذهب وعاد راغبًا بأن يكون حجه مبرورًا، وذنبه مغفورًا، كيوم ولدته أمّه، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن لم يحج، عوّضه الشرع بإحياء أيام وليالي العشر من ذي الحجة.

ومن أجلّ ما يتقرّب به المسلمون في هذه الأيام: الأضحية، ويبدأ المسلمون بالتجهز لها، من حيث المال، وإعداد ما يضحَّى به. والأضحية سُنة عند جمهور العلماء، عدا المذهب الحنفي الذي يوجبها، ومن قالوا بالوجوب أو السُنية، جعلوا ذلك للقادر عليها.

ولذا في مثل هذا الحال الذي يعلمه الجميع، فإن الحاجة والضرورة تقتضيان ذهاب هذه الأضاحي إلى أهل غزة، فإن الفقهاء أجازوا نقل الأضحية إلى بلد غير بلد المضحي.

وإذا كان الهدي الذي يذبحه الحاج، أجاز الفقهاء نقله بعد ذبحه إلى بلدان أخرى، وهو ما يتم منذ سنوات طويلة، لينتفع به فقراء المسلمين في كل مكان، فإن الحالة الآن تقتضي أن تذهب هذه الأضاحي، إلى أشد الناس حاجة إليها، وهم أهل غزة.

وإذا كان الحديث النبوي في فضل العشر والأضحية، هو قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : "‌ما ‌من ‌أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله – عز وجل – من هذه الأيام – يعني أيام العشر – قال: قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: " ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلًا خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء"، فإنه يتحقق الحديث في أهل غزة، فكلهم خرجوا بأنفسهم ومالهم، ولم يرجعوا – حتى الآن – بشيء منه، فهنا يجمع من يرسل بأضحيته لأهل غزة، بالخيرَين معًا، خير الأضحية، وخير إعانة من خرج بماله ونفسه فلم يرجع بشيء.

التصدّق بثمن الأضحية أنفع أحيانًا

لكن الحال الآن ربما يمنع من إرسال الأضاحي لحومًا لأهل غزة، أو ربما تعذر توفير ذلك لأهلها، حيث لا كهرباء، ولا أجهزة تحفظ، إلا إذا كانت أضحية تذبح في يومها، وتوزع على مستحقيها في نفس اليوم، وربما تعذر ذلك في وقت من الأوقات، ولم يمكن متاحًا طول الوقت.

فمن العلماء من قدّم المال هنا على الأضحية، وبأن إغاثة أهل غزة أولى من الأضحية، وهو رأي صحيح ومعتبر، لأنه عند تزاحم الأعمال، يقدم الأوجب والأَولى، والأضحية سنة، ولكن مقاومة المعتدي واجبة، ولكن هذا يقال عند التزاحم، ولا أرى في المسألة تزاحمًا، بل أرى أنه يمكن الذهاب للبديل وهو التصدق بثمن الأضحية، فعندئذ يفتَى بما عند الإمام مالك وغيره من رأي فقهي معتبر في مثل هذه الحالة، وهو التصدّق بثمن الأضحية، وله أجر الأضحية إن شاء الله.

وهو ما دعا إمامًا وفقيهًا كبيرًا كابن المنذر، يعقد بابًا بعنوان: باب اختلاف أهل العلم في تفضيل الصدقة على الأضحية، قال فيه: (واختلفوا في تفضيل الصدقة على الأضحية، فقال قوم: إن الصدقة أفضل، روينا عن بلال أنه قال: ما أبالي ألا أضحّي إلا بدِيك، ولأن أضعه في يتيم قد ترب فوه، هكذا قال المحدث: أحب إلي من أن أضحي، وهذا قول الشعبي إن الصدقة أفضل، وبه قال مالك، وأبو ثور)، ونقل هذا القول عن مالك كذلك، الفقيه المالكي ابن رشد، كما نقلته كتب الفقه المالكي المعتمدة.

واستدل من فضل الصدقة على الأضحية بقول عائشة – رضي الله عنها – "لأن أتصدق بخاتمي هذا أحب إلي من أن أهدي إلى البيت ألفًا"، وربما تخوف البعض من تعطيل شعيرة الأضحية، وهو ما ليس مقصودًا هنا، لأن الأمر مرتبط بحالة خاصة، وهي حالة تعيشها الأمة في بقعة منها، تعاني ما يعلمه القاصي والداني، ومع هذه الحالة سيظل من يضحي إعمالًا للنسك، وهم ليسوا بقلة، حتى لو اكتفت الأمة في هذا العام ومثيله، بأضاحي وهدي الحجيج، فإنه يقوم بواجب تفعيل الشعيرة.

الإغاثة بالأضحية على مذهب ابن حزم

ومن الآراء التي كانت تلقى سخرية من قبل، لكونها كانت تسويقًا لرأي فقهي من باب الإغراب والشذوذ، ما كان ينقل عن ابن حزم من إجازته الأضحية بكل حيوان يذبح، ولو كان من الطيور، وهو ما يمكن أن يستعمل في حالة غزة، ليس من باب الإفتاء بهذا الرأي على الدوام، بل من باب توسيع دائرة مشاركة الأمة المسلمة في الإغاثة.

فإن ابن حزم أجاز التضحية بالطيور، مستدلًا بقول بلال – رضي الله عنه-: ما أبالي ألا أضحي إلا بديك، ولأن أضعه في يتيم قد ترب فوه أحب إلي من أن أضحي. فإنه من باب مشاركة كل عاجز عن فعل الخير، بأن يشارك بما تيسّر له، فيمكن لمن لم يمتلك مالًا للأضحية بالحيوانات المعروفة، أن يخرج مالًا بما يعادل ثمن طائر، ناويًا بذلك الأضحية لأهل غزة، وبذلك تتسع دائرة المشاركين في الإغاثة بالأضحية أو ثمنها.

فدية الحاج لأهل غزة

نحن الآن في موسم الحجيج، وهناك أخطاء تحدث في كل عام من عدد من الحجاج، فمن وقع في مثل هذه الأخطاء التي توجب عليه فدية بأن يذبح شاة، فهنا نُفتي في مثل هذه الحالة، وننصح بأن تكون فديته لأهل غزة، وهو جائز شرعي، لأنّ المشروط أن يذبح في مكة ويوزع على فقرائها: هدي الحجّ، وما عدا ذلك فموضع خلاف، أمّا الفدية فقد أفتى كثير من الفقهاء بأن تذبح في أي مكانٍ أراد، والأحق بها الآن هم أهل غزّة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات على الأضحیة من الأضحیة لأهل غزة أهل غزة وهو ما من باب فی مثل

إقرأ أيضاً:

وتموت حتة منى!

إنه قريب، قريب جدًا أكثر مما نتصور، هذا العملاق الهائل، الواضح الغامض المتسلل، المرعب المريح إنه «الموت» تلهينا عنه الدنيا، فننساه وننسى أنفسنا، نتصارع فى الحياة على متاع الدنيا ولهوها، سلطانها ونفوذها، ونتصور فى أكثر الأوقات أنها دائمة لنا بزهوها، وفى لحظة فارقة ينتهى كل شىء، ونفيق حين تسقط يد كانت تتشبث بك بقوة، وينهار جدار كنت تستند عليه فى أمان، ويختفى وجه كنت تطمئن بابتسامته، ويتوقف قلب كنت تغترف من حنانه، وتصمت كلمات كانت تواسيك فى شدتك، فتصرخ وحدك فى فضاء فسيح معتم خلا من تلك اليد والقلب والسند، لأنه ببساطة ملك الموت أخذ روح هذا الشخص الغالى عليك.. القريب منك وسلمها لبارئها، وتركك وحدك مع ألف سؤال وسؤال بلا إجابة، تتمحور كل الأسئلة فى جوهر كلمة واحدة، لماذا؟
فى كل مرة حين يسترد الله روح إنسان غالٍ على هو قطعة منى وأنا قطعة منه، أو نحن قطع من ذات الرحم، يموت معه جزء منى، من قلبى، يظلم جانب من روحى ويصبح فارغًا، أمى، ثم أبى، ثم شقيقى فايز الذى مات فى ريعان شبابه فجأة فى دقائق دون أى مقدمات، فقط قال أشعر بقلبى يؤلمنى، حين تم نقله للمستشفى كانت روحه فارقت الجسد فى سيارة الإسعاف، والآن شقيقى الأكبر فؤاد بعد رحلة أيام قلائل مع المرض، كنا نتوقع له الشفاء مع كل الأمنيات والعودة لحياته قويًا صلبًا بكل حنانه وعطائه الفياض، ليفتح باب بيته مجددًا على مصراعيه أمام كل محتاج وطالب خدمة كما اعتاد طيلة حياته وطيلة سنوات عمله كمدير للحسابات بالمدرسة الثانوية، وليعود فى مقدمة صفوف المصلين وأصحاب الواجب فى الأفراح والأتراح بسوهاج مرتديًا عباءته الأنيقة وكأنه عمدة البلد، وليستقبل الجيران والمعارف ليحكموه فى الحقوق وفيما اشتجر بينهم من خلافات، وليقدم نصح التربية للأبناء الشاردين عن البر بوالديهم، لكنه خالف توقعاتنا هذه المرة ورحل فى هدوء دون أن يكل به أحد، أو يضيق بطول مرضه أحد، مجرد أيام معدودات بالمستشفى وسلم الروح لخالقها فى ليلة مباركة فتحت فيها أبواب السماء، ليلة الإسراء والمعراح، فسرت روحه الطاهرة لخالقها.
قبل وفاته بساعات كان وجهه مبتسمًا وعيناه شاخصة فى سقف الغرفة وقد ذهل عن كل من حوله من دموع ورجاء، وكأنه يرى بإذن الله الرحمة والغفران التى تنتظره، وقد كشف الله عنه الغطاء ليرى بإذن الله ثواب وجزاء كل خير فعله فى حياته. كان بمثابة أبى الثانى، ألجأ إليه فى كل ما يعترى حياتى من مشاكل، أحكى ويسمع بسعة صدر، وينصح ويوجه كأنى طفلته، وكان دومًا يقول لى «إنتِ بنتى» رغم أن فارق السن لا يتجاوز أحد عشر عامًا، فأتذكر بجملته هذه ما كان يفعله معى وأنا طفلة، يحملنى على كتفه، يهرول بى إلى البقال، يشترى لى الحلوى التى أحبها من مصروفه لأكف عن البكاء، فى الأعياد يشترى لى البالونات وبمب العيد، ويشترى لى «البخت»، وحين يخرج لى من البخت هدية بسيطة كخاتم بلاستيك يلبسه لى ووجهه مفعم بالابتسام، ولن أنسى حين طارت بالونتى الكبيرة التى كتب اسمى عليها وبكيت فجرى فى الشارع ليمسك بها والبالونة تعانده وتطير إلى أحد الأنفاق، فإذا به يقفز سور النفق معرضًا نفسه للخطر وعاد إلى بها ليرى فقط الابتسامة على وجهى، ليس المعنى فى البالونة، المعنى فى كونه رغب ألا أفقد شيئًا أحببته ولو كان بسيطًا، يعنى رغبته الدائمة فى ألا أبكى أو أحزن.
حين كبرت وصرت شابة كنت أمشى فى الشارع ولدى شعور قوى بأنى محمية حماية خاصة، محمية بسمعة أشقائى الولاد، لو حاول أحد الشباب المعاكسة بكلمة، تدخل آخر بجملة لا تنسى «اسكت الله يخرب بيتك مش عارف دى أخت مين؟» هكذا فرض أشقائى احترامهم على الجميع بأخلاق الجدعنة الصعيدية، أخلاق أولاد البلد المحترمين، وخلقوا حولنا نحن البنات الأربع مناخًا رائعًا من الحماية. تتلاحق الذكريات الحلوة والصعبة التى تقاسمتها معه ومع باقى أشقائى فى ذلك البيت الطيب الدافئ الذى علمتنا فيه أمنا معنى الحب والعطاء حين كانت تقسم قطعة حلوى بيننا نحن السبعة عن عمد، لتعلمنا أن نعطى بعضنا البعض حين نكبر، وأن نتقاسم كل شيء، هذا البيت الدافئ الطيب الذى علمنا فيه أبى معنى الاحترام، احترام الكبير وتوقيره، فكنت أحترم شقيقى الأكبر وألتزم بنصائحه ومشورته بعد أبى، واحترمت تمسكه فى البقاء بسوهاج رغم نزوحنا جميعًا للقاهرة ومنها لبلدان خليجية وأوروبية، كان كوتد صلب تم غرسه فى الأرض ولا يمكنه مفارقتها، وكان يقول: «عشان تلاقوا بيت أخوكم مفتوح لما تنزلوا سوهاج»، فكان بيته قبلة لنا، أصبح هو البيت الكبير بعد بيت أبى رحمة الله عليه، حين تحدثت معه قبل مرضه قال لي: «واضح أنها النهايات يا فكرية وقربت أودع الدنيا»، اعتصر قلبى من الألم وقلت له: عمر الشقى بقى أمال هتسيب عباءتك لمين يا عمدة؟ وضحكنا، لكن كانت ضحكتى مصنوعة وباهتة، فهو لم يقل شيئًا من قبل إلا وصدق فيه، حتى موعده مع الموت صدق فيه.
أخذ الموت شقيقى فؤاد وأخذ معه ملك الموت قطعة أخرى من قلبى، وترك لى فراغًا جديدًا أسود بحياتى، ولا أقول إلا ما يرضى الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم ثبته عند السؤال واجعل قبره قطعة من الجنة برحمتك وغفرانك، أيها الأشقاء والأقارب، تصالحوا، اقتربوا، انسوا الخلافات والصراعات، أحبوا بعضكم البعض ولا تتفرقوا لمال أو جاه أو ميراث، فالموت قريب، قريب جدًا أكثر مما نتصور، وما أصعب أن نبكى أحدًا مات ندمًا لأننا تخاصمنا وهجرنا وتفرقنا فى الحياة، لأن الدائم هو وجه الله وحده، الحياة قصيرة جدًا مهما طالت، ومتاع الدنيا هباء مهما زهى وأينع، فى سلام الله ورحمته شقيقى الحبيب أقرؤك السلام لأبى وأمى وشقيقنا فايز، وإلى لقاء قريب بين يدى الله.

[email protected]

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تعلن اعتراض مسيّرة مراقبة لحزب الله
  • مخازن أسلحة لحزب الله تتعرض للسرقة
  • خطبة عن فضل شهر شعبان 1446
  • “على بلاطة”
  • كراكتير عمر دفع الله
  • فيديو ـ ما يريده الله لكم يا عرب ويا مسلمين…
  • الأخ هو السند
  • وتموت حتة منى!
  • من كلّ بستان زهرة 93
  • 35 وكالة إغاثة دولية تؤكد إلحاق الضرر بالمدنيين في غزة عن عمد وسبق إصرار