الجزيرة:
2025-03-03@18:50:03 GMT

إغاثةُ أهل غزة أَولى من الأضحية

تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT

إغاثةُ أهل غزة أَولى من الأضحية

لا يخفى على أحد على وجه البسيطة ما يعانيه أهل غزّة، منذ أكثر من ثمانية أشهر، ولا تزال المعاناة مستمرة، ليست على مستوى الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، بل على مستوى إغاثتهم كذلك، بعد أن أغلق عليهم عدوهم كل مدخل، برًا وبحرًا وجوًا، وأحيط بهم، ولا مغيث لهم إلا الله، ثم إخوانهم من دينهم، وبني جلدتهم، وبني إنسانيّتهم كذلك.

وهناك مواسم لفعل الخيرات يبتغي بها المسلم رضا ربه، منها: الأيام العشر، التي نحياها ويُحييها المسلمون بالطّاعة، رغبةً فيما عند الله من أجر، فمن قدر منهم على الحج، ذهب وعاد راغبًا بأن يكون حجه مبرورًا، وذنبه مغفورًا، كيوم ولدته أمّه، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن لم يحج، عوّضه الشرع بإحياء أيام وليالي العشر من ذي الحجة.

ومن أجلّ ما يتقرّب به المسلمون في هذه الأيام: الأضحية، ويبدأ المسلمون بالتجهز لها، من حيث المال، وإعداد ما يضحَّى به. والأضحية سُنة عند جمهور العلماء، عدا المذهب الحنفي الذي يوجبها، ومن قالوا بالوجوب أو السُنية، جعلوا ذلك للقادر عليها.

ولذا في مثل هذا الحال الذي يعلمه الجميع، فإن الحاجة والضرورة تقتضيان ذهاب هذه الأضاحي إلى أهل غزة، فإن الفقهاء أجازوا نقل الأضحية إلى بلد غير بلد المضحي.

وإذا كان الهدي الذي يذبحه الحاج، أجاز الفقهاء نقله بعد ذبحه إلى بلدان أخرى، وهو ما يتم منذ سنوات طويلة، لينتفع به فقراء المسلمين في كل مكان، فإن الحالة الآن تقتضي أن تذهب هذه الأضاحي، إلى أشد الناس حاجة إليها، وهم أهل غزة.

وإذا كان الحديث النبوي في فضل العشر والأضحية، هو قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : "‌ما ‌من ‌أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله – عز وجل – من هذه الأيام – يعني أيام العشر – قال: قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: " ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلًا خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء"، فإنه يتحقق الحديث في أهل غزة، فكلهم خرجوا بأنفسهم ومالهم، ولم يرجعوا – حتى الآن – بشيء منه، فهنا يجمع من يرسل بأضحيته لأهل غزة، بالخيرَين معًا، خير الأضحية، وخير إعانة من خرج بماله ونفسه فلم يرجع بشيء.

التصدّق بثمن الأضحية أنفع أحيانًا

لكن الحال الآن ربما يمنع من إرسال الأضاحي لحومًا لأهل غزة، أو ربما تعذر توفير ذلك لأهلها، حيث لا كهرباء، ولا أجهزة تحفظ، إلا إذا كانت أضحية تذبح في يومها، وتوزع على مستحقيها في نفس اليوم، وربما تعذر ذلك في وقت من الأوقات، ولم يمكن متاحًا طول الوقت.

فمن العلماء من قدّم المال هنا على الأضحية، وبأن إغاثة أهل غزة أولى من الأضحية، وهو رأي صحيح ومعتبر، لأنه عند تزاحم الأعمال، يقدم الأوجب والأَولى، والأضحية سنة، ولكن مقاومة المعتدي واجبة، ولكن هذا يقال عند التزاحم، ولا أرى في المسألة تزاحمًا، بل أرى أنه يمكن الذهاب للبديل وهو التصدق بثمن الأضحية، فعندئذ يفتَى بما عند الإمام مالك وغيره من رأي فقهي معتبر في مثل هذه الحالة، وهو التصدّق بثمن الأضحية، وله أجر الأضحية إن شاء الله.

وهو ما دعا إمامًا وفقيهًا كبيرًا كابن المنذر، يعقد بابًا بعنوان: باب اختلاف أهل العلم في تفضيل الصدقة على الأضحية، قال فيه: (واختلفوا في تفضيل الصدقة على الأضحية، فقال قوم: إن الصدقة أفضل، روينا عن بلال أنه قال: ما أبالي ألا أضحّي إلا بدِيك، ولأن أضعه في يتيم قد ترب فوه، هكذا قال المحدث: أحب إلي من أن أضحي، وهذا قول الشعبي إن الصدقة أفضل، وبه قال مالك، وأبو ثور)، ونقل هذا القول عن مالك كذلك، الفقيه المالكي ابن رشد، كما نقلته كتب الفقه المالكي المعتمدة.

واستدل من فضل الصدقة على الأضحية بقول عائشة – رضي الله عنها – "لأن أتصدق بخاتمي هذا أحب إلي من أن أهدي إلى البيت ألفًا"، وربما تخوف البعض من تعطيل شعيرة الأضحية، وهو ما ليس مقصودًا هنا، لأن الأمر مرتبط بحالة خاصة، وهي حالة تعيشها الأمة في بقعة منها، تعاني ما يعلمه القاصي والداني، ومع هذه الحالة سيظل من يضحي إعمالًا للنسك، وهم ليسوا بقلة، حتى لو اكتفت الأمة في هذا العام ومثيله، بأضاحي وهدي الحجيج، فإنه يقوم بواجب تفعيل الشعيرة.

الإغاثة بالأضحية على مذهب ابن حزم

ومن الآراء التي كانت تلقى سخرية من قبل، لكونها كانت تسويقًا لرأي فقهي من باب الإغراب والشذوذ، ما كان ينقل عن ابن حزم من إجازته الأضحية بكل حيوان يذبح، ولو كان من الطيور، وهو ما يمكن أن يستعمل في حالة غزة، ليس من باب الإفتاء بهذا الرأي على الدوام، بل من باب توسيع دائرة مشاركة الأمة المسلمة في الإغاثة.

فإن ابن حزم أجاز التضحية بالطيور، مستدلًا بقول بلال – رضي الله عنه-: ما أبالي ألا أضحي إلا بديك، ولأن أضعه في يتيم قد ترب فوه أحب إلي من أن أضحي. فإنه من باب مشاركة كل عاجز عن فعل الخير، بأن يشارك بما تيسّر له، فيمكن لمن لم يمتلك مالًا للأضحية بالحيوانات المعروفة، أن يخرج مالًا بما يعادل ثمن طائر، ناويًا بذلك الأضحية لأهل غزة، وبذلك تتسع دائرة المشاركين في الإغاثة بالأضحية أو ثمنها.

فدية الحاج لأهل غزة

نحن الآن في موسم الحجيج، وهناك أخطاء تحدث في كل عام من عدد من الحجاج، فمن وقع في مثل هذه الأخطاء التي توجب عليه فدية بأن يذبح شاة، فهنا نُفتي في مثل هذه الحالة، وننصح بأن تكون فديته لأهل غزة، وهو جائز شرعي، لأنّ المشروط أن يذبح في مكة ويوزع على فقرائها: هدي الحجّ، وما عدا ذلك فموضع خلاف، أمّا الفدية فقد أفتى كثير من الفقهاء بأن تذبح في أي مكانٍ أراد، والأحق بها الآن هم أهل غزّة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات على الأضحیة من الأضحیة لأهل غزة أهل غزة وهو ما من باب فی مثل

إقرأ أيضاً:

النصرانية في القرآن

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) «الأنبياء:17».. هذه الفئات الدينية التي تكلم عنها القرآن، وهي الموجودة في جزيرة العرب حين تنزّله، وتنقسم إلى قسمين: موحِّدة لله، وغير موحِّدة له، يقول الله في الموحدين: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) «البقرة:62»، ويقول في المشركين: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْما عَظِيما) «النساء:48»، والقرآن.. لا يثني على المشركين، ولو كان في شأن دنيوي.

المقال.. يتحدث عن النصارى من خلال القرآن، ويمايز بين النصرانية والمسيحية، باعتبار أن الأولى طائفة مؤمنة بالله؛ وإن خالطها «انحراف إيماني»، أما الثانية فليست مؤمنة، وقد حذّر القرآن من معتقداتها دون أن يذكرها بالاسم؛ كما سنرى في مقال قادم.

انقسم اتباع المسيح عيسى بن مريم منذ وقت مبكر إلى «دينين مختلفين»:

- النصارى.. الذين اتبعوا المسيح من اليهود، وهؤلاء نظروا إليه بأنه جاء لخلاص اليهود، وهو المسيح المنتظر لديهم، وهم موحدون لله والمسيح بشر كغيره. وقد انحسرت النصرانية لعدم تبنيها من الدول، وتعرض أتباعها للاضطهاد؛ خاصة من قِبَل المسيحيين، ولتحولهم كثير منهم إلى الإسلام.

- المسيحيين.. الذين اتبعوا بولس «شاؤول» (ت:67م)، قائد في الجيش الروماني ومؤسس المسيحية، وهؤلاء نظروا إلى المسيح بأنه جاء لخلاص البشرية بأسرها من خطاياها، وبأنه ذو طبيعة إلهية.

ورد في القرآن.. النصارى بالجمع دون الإفراد، وهي تسمية معروفة منذ نشأتهم، قيل في سببها: لأن المسيح من مدينة الناصرة. وقيل: عائدة إلى يهود الناصرة الذي آمنوا بالمسيح في حياته، فهم تلاميذه، وبلغة القرآن: حواريوه. ويذكر القرآن مصطلحا قريبا من هذه التسمية وهو الأنصار: (قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ) «آل عمران:25»، وأيا كان سبب التسمية؛ فالقرآن يعتبر من آمن به في حياته أنصارا، فالنصارى.. هم من سار على درب أنصار الله الحواريين.

القرآن.. تحدث عن النصارى على ثلاثة مستويات:

- الثناء عليهم.. وحيث إن الله في القرآن لا يمدح غير المؤمنين به من دون أن يشركوا به شيئا؛ فالرهبان والقسيسون الذين أثنى الله عليهم مؤمنون حقا: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَة لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ، وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ، وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ، فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) «المائدة:82-85»، فهؤلاء القسيسون والرهبان النصارى يؤمنون بالله ويقرّون بوحدانيته، ويعرفون بأن ما أنزل على محمد من طبيعة ما جاءهم عن الله، وبحكم القرآن.. هؤلاء مسلمون قبل البعثة المحمدية، وإليهم يشير بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) «النحل:43-44».

هؤلاء الموحدون من أهل الكتاب؛ النصارى -بالإضافة لليهود- يتقبل الله أعمالهم؛ ولذلك؛ يدعوهم القرآن إلى أن يقيموا كتبهم؛ التوراة والإنجيل: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانا وَكُفْرا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) «المائدة:68-69». لقد تحدثت في مقال «الإسلام وأهل الكتاب.. الكتب المنزلة» نشرته جريدة «عمان» بتاريخ: 2/ 4/ 2024م، بأنه لا يوجد نص في القرآن يدل على تحريف التوراة والإنجيل التي يشير إليها، وهي ليست الموجودة اليوم بيد اليهود والمسيحيين؛ فهذه لم يتحدث عنها القرآن، وفي مقال قادم سأتحدث عن «إنجيل.. البعثة المحمدية».

- ذمهم.. في مقابل الثناء؛ فإن القرآن يذم النصارى كذلك، وذمهم بسبب وقوعهم فيما وقع فيه أسلافهم من اليهود، ولذلك؛ يأتي الربط بينهما. من القضايا التي ذمهم عليها.. أنهم يتبعون أحبارهم ورهبانهم فيما شرعوا لهم من دون الله، واعتبره من اتخاذ الأرباب: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَها وَاحِدا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) «التوبة:31-32».

وذمهم القرآن في احتكارهم الحق: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) «البقرة:111-112». فالإسلام.. ليس انتماء طائفيا، ولا اسما شكليا، وإنما هو حقيقة التوحيد لله والعمل الصالح، بغض النظر عن الاسم المُتسمى به أو النبي المُتبع، فالأنبياء.. كلهم مسلمون وكذلك من أتبعهم بحق، ولذلك؛ حذر القرآن الأمة المحمدية من السير على نهج النصارى -واليهود- ومن التفريط بما جاء من عند الله: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) «البقرة:113».

وهم -بحسب القرآن- لا يتبعون الهدى، وإنما يتبعون الهوى، فحذّر الله نبيه محمدا من ترك العلم الذي جاءه بتوحيد الله: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) «البقرة:120».

- الاختلاف العقدي.. على رغم ما عابه القرآن على النصارى من صفات ذميمة، واتخاذهم الرهبان أربابا يشرعون لهم من دون الله؛ فإنهم ظلوا على أصل التوحيد واعترافهم بالإنجيل المنزل على عيسى. بيد أن العقائد المسيحية تسربت إليهم، من ذلك قولهم بأنه ابن الله: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) «التوبة:30». إن اليهود والنصارى وهم يقرون بوحدانية الله لم يتورعوا عن القول بأن لله ابنا. وهذه قضية اختلط فيها الأمر، فهناك من يعتبر البنوة تعبيرا عن الخضوع لله والقرب منه، ومنهم من يعتبرها امتدادا للصفات الإلهية من «الأب» إلى «الابن»، والقرآن يبيّن أن هذا مجرد قول من النصارى، ولأنه أصبح معتقدا عند من سبقهم كما -هو الحال لدى المسيحيين- فقد نهاهم عنه.

وهكذا سار النبي محمد -بحسب القرآن- على طريق الأنبياء السابقين، إذ جاء ليكمل الدين، ويبيّن ما اختلف فيه أتباعهم، وينهى عمّا يمس توحيد الله، فنهاهم عن القول بأن لله ابنا في حق المسيح، رغم أن هذا الإطلاق لم يكن مختصا به المسيح، وإنما هو استعمال سائر على جميع الناس: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) «المائدة:18». وجاء في «إنجيل متى»: (طوبى لصانعي السلام؛ لأنهم يُدْعَون أبناء الله).

مقالات مشابهة

  • منظمات إغاثة تحذّر من نفاد مخزونات الغذاء والدواء في غزة
  • النصرانية في القرآن
  • وأحسنوا
  • النائب السابق أنطوان سعد في ذمة الله
  • المرجع السيستاني يثمن جهود طبيب عراقي في إغاثة جرحى غزة
  • فرصة للتغيير
  • إغاثة الشعب الفلسطيني.. وصول قوافل سعودية جديدة إلى شمال غزة
  • بالصورة.. راجمة صواريخ في بيروت!
  • حزب الله كاد يصل إلى حيفا.. مفاجأة إسرائيلية
  • مسؤول إغاثي: تعليق المساعدات الأميركية يؤثر على إغاثة النازحين