لا يخفى على أحد على وجه البسيطة ما يعانيه أهل غزّة، منذ أكثر من ثمانية أشهر، ولا تزال المعاناة مستمرة، ليست على مستوى الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، بل على مستوى إغاثتهم كذلك، بعد أن أغلق عليهم عدوهم كل مدخل، برًا وبحرًا وجوًا، وأحيط بهم، ولا مغيث لهم إلا الله، ثم إخوانهم من دينهم، وبني جلدتهم، وبني إنسانيّتهم كذلك.
وهناك مواسم لفعل الخيرات يبتغي بها المسلم رضا ربه، منها: الأيام العشر، التي نحياها ويُحييها المسلمون بالطّاعة، رغبةً فيما عند الله من أجر، فمن قدر منهم على الحج، ذهب وعاد راغبًا بأن يكون حجه مبرورًا، وذنبه مغفورًا، كيوم ولدته أمّه، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن لم يحج، عوّضه الشرع بإحياء أيام وليالي العشر من ذي الحجة.
ومن أجلّ ما يتقرّب به المسلمون في هذه الأيام: الأضحية، ويبدأ المسلمون بالتجهز لها، من حيث المال، وإعداد ما يضحَّى به. والأضحية سُنة عند جمهور العلماء، عدا المذهب الحنفي الذي يوجبها، ومن قالوا بالوجوب أو السُنية، جعلوا ذلك للقادر عليها.
ولذا في مثل هذا الحال الذي يعلمه الجميع، فإن الحاجة والضرورة تقتضيان ذهاب هذه الأضاحي إلى أهل غزة، فإن الفقهاء أجازوا نقل الأضحية إلى بلد غير بلد المضحي.
وإذا كان الهدي الذي يذبحه الحاج، أجاز الفقهاء نقله بعد ذبحه إلى بلدان أخرى، وهو ما يتم منذ سنوات طويلة، لينتفع به فقراء المسلمين في كل مكان، فإن الحالة الآن تقتضي أن تذهب هذه الأضاحي، إلى أشد الناس حاجة إليها، وهم أهل غزة.
وإذا كان الحديث النبوي في فضل العشر والأضحية، هو قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله – عز وجل – من هذه الأيام – يعني أيام العشر – قال: قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: " ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلًا خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء"، فإنه يتحقق الحديث في أهل غزة، فكلهم خرجوا بأنفسهم ومالهم، ولم يرجعوا – حتى الآن – بشيء منه، فهنا يجمع من يرسل بأضحيته لأهل غزة، بالخيرَين معًا، خير الأضحية، وخير إعانة من خرج بماله ونفسه فلم يرجع بشيء.
التصدّق بثمن الأضحية أنفع أحيانًالكن الحال الآن ربما يمنع من إرسال الأضاحي لحومًا لأهل غزة، أو ربما تعذر توفير ذلك لأهلها، حيث لا كهرباء، ولا أجهزة تحفظ، إلا إذا كانت أضحية تذبح في يومها، وتوزع على مستحقيها في نفس اليوم، وربما تعذر ذلك في وقت من الأوقات، ولم يمكن متاحًا طول الوقت.
فمن العلماء من قدّم المال هنا على الأضحية، وبأن إغاثة أهل غزة أولى من الأضحية، وهو رأي صحيح ومعتبر، لأنه عند تزاحم الأعمال، يقدم الأوجب والأَولى، والأضحية سنة، ولكن مقاومة المعتدي واجبة، ولكن هذا يقال عند التزاحم، ولا أرى في المسألة تزاحمًا، بل أرى أنه يمكن الذهاب للبديل وهو التصدق بثمن الأضحية، فعندئذ يفتَى بما عند الإمام مالك وغيره من رأي فقهي معتبر في مثل هذه الحالة، وهو التصدّق بثمن الأضحية، وله أجر الأضحية إن شاء الله.
وهو ما دعا إمامًا وفقيهًا كبيرًا كابن المنذر، يعقد بابًا بعنوان: باب اختلاف أهل العلم في تفضيل الصدقة على الأضحية، قال فيه: (واختلفوا في تفضيل الصدقة على الأضحية، فقال قوم: إن الصدقة أفضل، روينا عن بلال أنه قال: ما أبالي ألا أضحّي إلا بدِيك، ولأن أضعه في يتيم قد ترب فوه، هكذا قال المحدث: أحب إلي من أن أضحي، وهذا قول الشعبي إن الصدقة أفضل، وبه قال مالك، وأبو ثور)، ونقل هذا القول عن مالك كذلك، الفقيه المالكي ابن رشد، كما نقلته كتب الفقه المالكي المعتمدة.
واستدل من فضل الصدقة على الأضحية بقول عائشة – رضي الله عنها – "لأن أتصدق بخاتمي هذا أحب إلي من أن أهدي إلى البيت ألفًا"، وربما تخوف البعض من تعطيل شعيرة الأضحية، وهو ما ليس مقصودًا هنا، لأن الأمر مرتبط بحالة خاصة، وهي حالة تعيشها الأمة في بقعة منها، تعاني ما يعلمه القاصي والداني، ومع هذه الحالة سيظل من يضحي إعمالًا للنسك، وهم ليسوا بقلة، حتى لو اكتفت الأمة في هذا العام ومثيله، بأضاحي وهدي الحجيج، فإنه يقوم بواجب تفعيل الشعيرة.
الإغاثة بالأضحية على مذهب ابن حزمومن الآراء التي كانت تلقى سخرية من قبل، لكونها كانت تسويقًا لرأي فقهي من باب الإغراب والشذوذ، ما كان ينقل عن ابن حزم من إجازته الأضحية بكل حيوان يذبح، ولو كان من الطيور، وهو ما يمكن أن يستعمل في حالة غزة، ليس من باب الإفتاء بهذا الرأي على الدوام، بل من باب توسيع دائرة مشاركة الأمة المسلمة في الإغاثة.
فإن ابن حزم أجاز التضحية بالطيور، مستدلًا بقول بلال – رضي الله عنه-: ما أبالي ألا أضحي إلا بديك، ولأن أضعه في يتيم قد ترب فوه أحب إلي من أن أضحي. فإنه من باب مشاركة كل عاجز عن فعل الخير، بأن يشارك بما تيسّر له، فيمكن لمن لم يمتلك مالًا للأضحية بالحيوانات المعروفة، أن يخرج مالًا بما يعادل ثمن طائر، ناويًا بذلك الأضحية لأهل غزة، وبذلك تتسع دائرة المشاركين في الإغاثة بالأضحية أو ثمنها.
فدية الحاج لأهل غزةنحن الآن في موسم الحجيج، وهناك أخطاء تحدث في كل عام من عدد من الحجاج، فمن وقع في مثل هذه الأخطاء التي توجب عليه فدية بأن يذبح شاة، فهنا نُفتي في مثل هذه الحالة، وننصح بأن تكون فديته لأهل غزة، وهو جائز شرعي، لأنّ المشروط أن يذبح في مكة ويوزع على فقرائها: هدي الحجّ، وما عدا ذلك فموضع خلاف، أمّا الفدية فقد أفتى كثير من الفقهاء بأن تذبح في أي مكانٍ أراد، والأحق بها الآن هم أهل غزّة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات على الأضحیة من الأضحیة لأهل غزة أهل غزة وهو ما من باب فی مثل
إقرأ أيضاً:
ﻫﻮن عليك ياريس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لحظات ثقيلة موجعة اعتصرت القلب وعصفت بالعقل مرت علينا ونحن نتابع يوم غلبته الدموع، واسترجعنا المشاهد والفترات العصيبة والأحداث الدامية السريعة المتلاحقة التى كانت تقود مصر وشعبها إلى حافة الهاوية والضياع بكل ما تحمله الكلمة من معنى بدون تضخيم او مبالغة بعد وقوعنا في براثن تنظيم إرهابي كان تهديدا مباشرا وصريحا وواضحا لشعب مصر في أرضه وعرضه ونفسه ووصل الأمر لإعلانها على الملأ (يانحكمكم يانقتلكم)، وأى محاولة هتكون (بحور دم)، عمليات إرهابية في كل أنحاء الجمهورية وتخويف وترويع المواطنين أصبح أسلوب حياة يومى وبالطبع كانت تحميهم دول عظمى في كل أفعالهم حتى يصلوا لمبتغاهم الرئيسي ومخططهم في سقوط مصر وتقسيمها وجعلها بؤرة غير آمنة للإرهاب وتنفيذ مخطط التهجير من سيناء وبعدها دخول الكيان الصهيونى بعد السقوط وتحقيق حلمه، وبعد أن إشتدت الظلمة ورفعنا أكف الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى راجين المولى أن ينقذنا قائلين (ليس لها من دون الله كاشفة)، لقد عجزت أدوات وأسباب الأرض وهناك رب المعجزات في السماء ولنا فيك يا الله أمل ورجاء فإن عجزت قدرتنا فتبقي قدرتك وقوتك ورحمتك بنا فإننا نتبرأ من حولنا وقوتنا إلى حولك وقوتك ولن تتركنا يقينا وإيمانا، وفجأة يظهر لنا ضوء يشع نورا يمد يده لنا ويقف بمنتهى القوة والعزم والحسم قائلا (اللى هيقرب لها هشيله من على وش الأرض.. وشعب مصر لا يتم تهديده أبدا وإللى يقرب يجرب)، شعرنا وقتها إنها كانت دعواتنا المستجابة متجسدة في شخص مد إلينا يده لينقذنا وينقذ مصر لينتشلنا من الطوفان الكاسح أعاد لنا بفضل الله بارقة الأمل وتصدى للجميع في الداخل والخارج وعكس المعادلة جميعها عليهم ونسف جميع المخططات وإستعاد مصر من جديد من أيدى المجرمين الإرهابيين وفورا طالبناه بالترشح ولم يكن يريدها او يطلبها او يسعى إليها فكان إصرارنا وإلحاحنا عليه أن لا يتركنا وإن مصر وشعبها يحتاجه فكان أول مطلب له ان تساعدوننى وتقفوا معى وتصبروا وتتحملوا وأعطيناه تفويضا علي بياض ووافقنا على طلبه ووقفنا ظهيرا له وإتحدنا معه ووثقنا فيه ثقة عمياء فلقد أعاد لنا الوطن بإذن الله وأعاد لنا الأمن والأمان والإستقرار وعادت هيبة مصر ومكانتها في كافة المجالات والمحافل ولم يلتفت للضغوطات الدولية او المحاولات المستميته لعرقلته، وتعرض هو وأسرته لحملات تشوية منظمة مستمرة لم تتوقف ابدا- حتى كتابة تلك السطور- ممولة بملايين الدولارات فالتنظيم الإرهابي تم هدم كل شيء بناه وتم وضع كل كوادره الذين إرتكبوا الجرائم في حق مصر وشعبها في السجون بقرارات واحكام قضائية فأصبح هناك ثأر وعداء مباشر مع شخصه ومع كل المصريين لأنك تخطيت الحدود بل تخطيت كل الحدود ولم يبق أي حدود فقد غيرت المعادلة وضربت كل المخططات ودخلت (عش الدبابير) وتحملت الكثير والكثير ودائما مخلصا في عشقك لمصر وأمينا في كل ما تعمل ووالله ما كنا من الجاحدين ولا المنكرين للمعروف، ولو كان كل مافعلته فقط هو إنقاذ مصر وشعبها من كل ما كان يحاك لها وإسترجاع الأمن والأمان، فكفي ويكفيك ويكفينا، فما بالك بكل شيء فعلته وتفعله حتى الآن والله وقسم بالله.. كفي ويكفينا، وكان المشهد الذي أبكانا وفعل بنا كل تلك الأفاعيل وأعاد لنا كل المشاعر التى مررنا بها عندما إجتمعت يا سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي مع عدد من قادة الجيش بمقر القيادة الإستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، بحضور الفريق أول عبدالمجيد صقر القائد العام للجيش وزير الدفاع والإنتاج الحربي، والفريق أحمد خليفة رئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية، والمتحدث العسكري العقيد أركان حرب غريب عبد الحافظ وبدأ الكلمة فسألته "تنصحني بإيه؟"، ليرد الأخير "هون على نفسك يا أفندم". فكان ردك: بتقول هون فأكمل قائلا: (بصراحة هون علي سيادتك يا أفندم) فكان ردك عليه: (شوف إسمع ياغريب هما يومين علي وش الدنيا وبعد كده هنموت وتحت بقا ربي يقبلنى يارب، عارف ياغريب لما تعرف وتفهم الحكاية، اللى موجودين علي وش الأرض عليها مش هتهون عليك أبدا، لما سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام وإحنا طبعا بنقول نموذج نتمنى إن إحنا نبقي حاجة من ريحته يعنى، لما جت ستنا فاطمة وهو بيتوفي قالت: (واكرباااه)، قال - وهنا كتمت دموعك وحاولت التماسك ولكن لم تمنعها وأكملت كلماتك بصوت يهتز من قوة الإحساس يملأه التأثر بهذا الحدث الجلل وواصلت حديثك بعين دامعة، قال لها: (لا كرب بعد اليوم) ده وهو إيه؟ وهو بينتقل للرفيق الأعلي فبتقوله: (واكرباااه) فقال لها: لا كرب بعد اليوم على أبيكِ".. المشهد زلزل كياننا ولمس أرواحنا منتهى الصدق واليقين والتسليم والتصالح مع النفس والإيمان فلا تريد منا لاجزاء ولا شكورا كل ما تريده مرضاة الله وفقط وإنها لله ومهمة موكلة إليك بتوقيت محدد وماعليك سوى تنفيذها بما يرضي الله وليس بما يرضينا او يرضي غيرنا لذلك نقول لك هون علي نفسك ياريس دموعك غالية علينا فوق ماتتصور نعلم إن الأمانة كبيرة جدا ولكن الله سبحانه وتعالى (لايكلف نفسا إلا وسعها ) و(وكل ميسر لما خلق له)، فلقد خلقك الله ويعلم إنك سوف تحمل الأمانة وتؤديها بإخلاص وإنك لها ونجن كشعب مصر نكررها (هون علي نفسك ياريس) فأنت قدرنا ونحن قدرك ونحن معك وفي ظهرك وتحت الطلب في أى وقت شعب مصر أصيل وشايل الجميل ووقت الجد يفاجئك بقوته وجدعنته ومعدنه الأصيل ربنا يقويك ويعينك عليها ياريس.