تستعد "الإدارة الذاتية" في مناطق شمال شرقي سوريا لإجراء انتخابات محلية في 11 يونيو/حزيران الحالي من أجل انتخاب رؤساء البلديات وأعضاء المجالس المحلية، وسط اعتراض من قوى دولية وإقليمية على هذه الانتخابات وثورات من العشائر العربية التي يمثل أهلها أغلب سكان المنطقة.

وتخضع مناطق شمال شرقي سوريا إداريا لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية والتي يدعمها سياسيا وعسكريا التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وذلك في إطار محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

وتقول مصادر للجزيرة نت (رفضت الكشف عن هويتها حفاظا على أمنها) إن هذه الانتخابات جاءت لتكريس التقسيمات الإدارية والبلدية التي تلغي المكون العربي في المنطقة، وتقتطع هذه المساحة الجغرافية من الأراضي السورية (الممتدة من الحدود العراقية شرقا حتى محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا)، بما فيها من ثروات زراعية ومعدنية وبترولية.

البداية

مرت منطقة شمال شرقي سوريا بمتغيرات متعددة منذ عام 2011، بدءا بالثورة السورية على نظام الأسد، ثم استيلاء تنظيم الدولة على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا، وما أعقب ذلك من تكوّن التحالف الدولي لمحاربته، وما نتج عن ذلك من ظهور قوة جديدة بالمنطقة متمثلة في قوات "قسد" التي تصفها مصادر للجزيرة نت بأنها واجهة لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي).

ويقول رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية مضر حماد الأسعد إن مناطق العشائر العربية تشكل أكثر من ثلث مساحة سوريا، وتعد سلة غذائها لما تشتهر به من ثروات حيوانية وزراعية وسدود، بالإضافة إلى غناها بالثروات الباطنية من نفط وغاز ومعادن.

وأضاف الأسعد أن أبناء العشائر العربية كانوا ممنوعين من العمل السياسي أثناء نظام الأسد، وكان لا يسمح إلا بالانتساب إلى حزب البعث، في حين كان يسمح للأكراد بالعمل السياسي، ولديهم عشرات الأحزاب المنظمة والعريقة منذ خمسينيات القرن الماضي.

وأشار المتحدث نفسه إلى الحقبة التي سيطر فيها تنظيم الدولة على المنطقة، وتحدث عن إعدامه الثوار العرب، وتهجيره المكون العربي ومصادرة أسلحتهم وأموالهم، وتسليم من يقع بيديه إلى النظام السوري، ثم عطّل الحياة السياسية والإدارية بالمنطقة، تمهيدا لتسليمها إلى قوات سوريا الديمقراطية المستعدة بسلاحها ورعاية التحالف الدولي لها.

حراك العشائر العربية شمال شرقي سوريا كان اعتراضا على انتهاكات "قسد" في حق أهالي المنطقة (الجزيرة نت) سياسة "قسد"

وعن السياسة التي اتبعتها قوات "قسد" في منطقة شرق الفرات، يقول المستشار القانوني أسعد محمود الهفل "إن العشائر العربية ليست لديها أي مشكلة مع المكون الكردي في المنطقة، فهو جزء أصيل من الشعب السوري، وتجمعنا علاقات عميقة ومصاهرات".

لكن الهفل استدرك بأن المشكلة تكمن في المشروع التوسعي الانفصالي الذي يسعى حزب "بي كي كي" لتحقيقه على حساب المكون العربي، واتخذ أساليب متعددة لتحقيق ذلك، "من حيث طمس الهوية العربية، وتغيير المناهج، والترويج لأيديولوجيات ورموز كردية لا تنتمي إلينا".

من جانبه، قال رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية إن قوات سوريا الديمقراطية نجحت في إرهاب السكان وطردهم من منازلهم، وهذا مكنها من جلب آلاف الأشخاص من جبال قنديل الموجودة في العراق وتركيا وإيران وزرعهم في هذه المنطقة على شكل مستوطنات بدعم من حزب العمال الكردستاني.

كما أجمعت مصادر الجزيرة نت في دير الزور والميادين والحسكة والبوكمال (جميعها في شمال شرقي سوريا) على أن "قسد" تتبع سياسة تهدف إلى جعل المكون العربي منشغلا بنفسه عن مواجهة مخططاتها، إذ إنها تعمد إلى اختيار شخصيات "هامشية" لتكون ممثلة للقبائل العربية، متجاهلة شيوخ العشائر المعروفين، مما يزرع الفتن بين أطراف المكون العربي.

الهفل: ثورة العشائر العربية كانت عفوية وقادها جيل رأى الظلم والحرمان والاستبداد (الجزيرة نت) ثورة العشائر

وعن دواعي ثورة العشائر العربية ضد هذه السياسة، قال حسين عبد اللطيف (أحد أبناء منطقة البوكمال) إن قوات "قسد" أصدرت مؤخرا ما يسمى "العقد الاجتماعي"، وهو يشبه الدستور الناظم للحياة السياسية والعسكرية والمدنية عامة بالمنطقة.

وشرح ذلك بأنهم "طبخوا الطبخة ويطعمونها الآن للأهالي؛ في الوقت الذي يشاؤون والكيفية التي يرغبونها وبالطعم الذي يريدونه، ويلبسون المنطقة ثوبا ليس ثوبها وعادات ليست عاداتها ويعلمون الأهالي مناهج لا ينتمون إليها، ويفرضون علينا التجنيد الإجباري، بما في ذلك البنات؛ وهذا يمثل حساسية كبيرة جدا عند العشائر العربية".

من ناحيته، يشير المستشار القانوني أسعد الهفل إلى أن ثورة العشائر العربية كانت رد فعل لكل هذه السياسات، "وكانت ثورة عفوية بالمطلق، وقادها الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاما، وهم الجيل الذي رأى الظلم والحرمان والاستبداد، ووجد أن الطرق أصبحت مسدودة أمامه".

وفي تصريحات للجزيرة نت، قالت مصادر ميدانية إن ثورة العشائر العربية بدأت في أغسطس/آب 2023، "في محاولة للفت أنظار الدول العربية والقوى الدولية لما يحدث في مناطقنا، ومحاولة لوقف تدمير المجتمع وسلب خيراته ومقدراته، وتحويلها إلى قوى خارجية في جبال قنديل".

القوى الدولية

وعن علاقة العشائر العربية بالقوى الإقليمية والدولية، أضافت هذه المصادر أن المكون العربي في شمال شرقي سوريا لا تربطه أي ارتباطات أو علاقات مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أو أي قوى إقليمية أخرى.

وبينت هذه المصادر أن اللقاءات التي يمكن أن تحدث مع التحالف الدولي يتم فيها اختيار شخصيات "هامشية" لا تحظى بإجماع عشائري لحضور مثل هذه الاجتماعات، ويتم اختيارها من قبل قوات سوريا الديمقراطية، ويتم تجاهل شيوخ العشائر عن قصد، ولم ينتج عن اجتماعات العشائر مع التحالف الدولي إلا "التسويف والمماطلة".

من ناحيته، يقول مضر الأسعد "إن تنظيم بي كي كي الإرهابي يتلقى الدعم من نظام الأسد الذي قام بتسليمه مناطق في أقصى شمال شرقي سوريا وأسلحة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة، وأعطاه الشرعية في التجنيد الإجباري والقسري، حتى أن من يخدم العسكرية مع تنظيم بي كي كي يعفى من الخدمة العسكرية مع نظام الأسد".

وأشار إلى أن هذا التنظيم يتلقى دعما كذلك من التحالف الدولي بقيادة أميركا، ومن إيران، و"للأسف من بعض الدول العربية التي تهدف إلى تصفية الوجود العربي في المنطقة ومحاربة العشائر العربية".

طموح وآمال

من ناحيته، يحدد حسين عبد اللطيف أهدافا لتحرك القبائل العربية في هذه المنطقة السورية، ويقول "نريد أن نستعيد هويتنا العربية الإسلامية ونحافظ عليها، ونريد أن نضمن حقوق الأهالي في أرضهم وأن يتشبثوا بها، فهي أرضهم وأرض أجدادهم، وأن تكون إدارة المنطقة بيد أبنائها".

وأضاف أن ثورة العشائر ثورة حق وثورة كرامة ضد الظلم وضد العدوان وضد الاحتلال. وشدد على أن المكون العربي في المنطقة جزء من الشعب السوري، ونريد حلا سياسيا للشعب السوري عامة، ونكون جزءا منه؛ "فلسنا جزءا من قسد حتى تتفاوض نيابة عنا أمام أي جهة، سواء كانت داخلية أو خارجية.

أما أسعد الهفل فيرى أن المكون الكردي مكون أصيل وتاريخي في المنطقة، لكن الثورة موجهة إلى قوات "قسد" التي هي واجهة لحزب "بي كي كي" و"مشاريعها الانفصالية التي لن يكتب لها النجاح، ونطالب إخواننا في شرق الفرات وغربه بالتلاحم ونبذ الخلافات حتى نحافظ على هويتنا العربية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قوات سوریا الدیمقراطیة شمال شرقی سوریا التحالف الدولی المکون العربی فی المنطقة نظام الأسد العربی فی بی کی کی

إقرأ أيضاً:

منير أديب يكتب: التنظيمات الإسلاموية وأمن المنطقة العربية.. حماس نموذجًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ما زالت هناك أكثر من قراءة وتقدير لما حدث في 7 أكتوبر من العام 2023، لا أحد يمنع حماس ولا المقاومة الفلسطينية من القيام بدورها المرتبط بمقاومة المحتل ولا اتخاذ أي إجراءات من شأنها تحرير الأرض المغتصبة.

القانون الدولي والإنساني يُعطي الحق لكل من احتلت أرضه في مقاومة العدو، واتخاذ  كافة الوسائل التي تؤدي في النهاية إلى التحرير، ولكن هذا لا يُبرر للمقاومة أنّ تنفرد بقرار الحرب خاصة وأنه يُؤثر ليس فقط على أمن فلسطين ولكن على أمن المنطقة العربية أيضًا.

حماس تُدافع عن القضية الفلسطينية من منطلق ديني وعلى خلفية انتماء وأيديولوجيا تحكمها؛ قد لا يكون هناك تعارض مع ما تعتقده وبين مشروع التحرير، ولكن اختزلت واختصرت هذا المشروع في تصورها الديني، وهذا ما سوف نأتي على ذكره لاحقًا.

لا أحد يستطيع أنّ يُشكك في نوايا المقاومة، ولا أحد يستطيع أنّ يستثني حركة حماس من المعادلة السياسية أو الأمنية في فلسطين أو حتى في قطاع غزة، هذه رؤية تتسق مع الواقع الحالي ومع التركيبة الفلسطينية التي أفرزت هذه الفصائل.

هذا لا يمنع من محاسبة حماس، بل على الحركة أنّ تراجع نفسها وتُعيد تقييم خطواتها السابقة واللاحقة، سواء انقلابها على السلطة الفلسطينية بقطاع غزة في العام 2007، أو حتى قرار هجومها على إسرائيل قبل خمسة عشر شهرًا.

قرار الحرب الذي اتخذته حماس منفردة ربما أثر على أمن المنطقة العربية بأكملها، وربما يدفعها إلى الدخول في حرب مع إسرائيل خلال فترة قادمة؛ فضلًا التغير الجيو سياسي الذي لف هذه المنطقة وما زال، وهذا بسبب قرار الحركة وترتيباتها مع أطراف غير عربية.

بررت حماس عبر خطابات عديدة على لسان قادتها أو على لسان قريبين من الحركة، أنّ من أسباب هجوم 7 أكتوبر هو الوقوف أمام تيار التطبيع العربية مع إسرائيل!

وهنا سؤال، ما علاقة مقاومة حماس لإسرائيل بهذه الطريقة التي اختارتها بقرار أي دولة عربية التطبيع مع إسرائيل من عدمه؟ هل حماس نصبت نفسها وصيّة على المنطقة العربية؟ وهل المقصود أنّ تكون هناك حرب في المنطقة بين العرب مجتمعين وإسرائيل؟

من حق حماس أنّ تواجه إسرائيل بالكيفية التي تُريدها، ولكنها لا بد أنّ تضع في ذهنها عدة اعتبارات تتعلق بأمن المنطقة العربية، فكما أنّ العرب ساندوا وما زالوا فلسطين منذ العام 1948 فعلى كل حركات المقاومة أنّ تراعي اعتبارات الأمن في المنطقة، وهذا يؤدي بنا إلى مقاربة مهمه تتعلق بمن يتحمل فاتورة الحرب التي لم يُشارك في قرارها وقد لا يكون مستعدًا لها.

الحرب الإسرائيلية الأخيرة دفعت إلى طرح مشروع دونالد ترامب القديم والخاص بصفقة القرن المرتبط بتهجير الشعب الفلسطيني إلى الواجهة؛ ولكن الإدارة الأمريكية ما زالت تدفع بقوة في اتجاه هذا المشروع بحجة عدم وجود ما يصلح للعيش في قطاع غزة، وهنا باتت الأردن والقاهرة طرفًا في المواجهة.

صحيح هناك تكاليف يدفعها العرب في المواجهة مع إسرائيل وفي تحمل عبء المواجهة؛ ولكن لا بد أنّ يكون قرار الحرب والسلم ليس فصائيليًا، ولكن فلسطينيًا خالصًا؛ وهذا ليس معناه أنّ تستأذن المقاومة كلما ألقت صاروخًا على إسرائيل، ولكن لا بد من وجود ثوابت يحترمها كل الفلسطينيين، من أجل خدمة القضية الفلسطينية.

حماس حركة مقاومة ولها مشروعها؛ ولا أحد يُطالبها بأن تترك البندقية، فأي سلام لا بد أنّ يُبنى على القوة، وإذا كان  هناك من غصن للزيتون فلا بد من وجود بندقية تدافع عنه.

لا بد أن تكون حماس جزءا من الإجماع الوطني، فليست هي حركة المقاومة الوحيدة ولن تكون، فمنظمة التحرير الفلسطينية الأقدم في النشأة والمعبر الوحيد عن الشعب الفلسطيني، فإذا الأولى قد خرجت في العام 1987، فإنّ الثانية نشأت في العام 1964.

منظمة التحرير المعبر الشرعي والرسمي عن الشعب الفلسطيني، وهي حركة تحرر وطني، منظمة سياسية شبة عسكرية تُعبر عن كل الفلسطينين في كل المحافل الدولية، ومعترف بها في الأمم المتحدة وأمام المجتمع الدولي ونجحت في استرداد الكثير من حقوق الفلسطينيين.

أما حماس، فقد اختارت أنّ تكون منظمة إسلامية، فهي من حيث المبدأ لا تُعبر عن كل الفلسطينيين، صحيح تُقاوم إسرائيل ولكن لا يمكن أنّ نطلق عليها حركة تحرر وطني؛ فهذا الوطن يضم كل الأديان والطوائف، حتى ولو ادعت أنها تُدافع عن كل هذه الأديان، ولكنها في الحقيقة لا تضم إلا أيديولوجيا الدين والتنظيم بين صفوفها، وهكذا تتعامل مع المنضمين لها.

فلسطين التي شرفها الله بالمسجد الأقصى يوجد بها كنيسة القيامة، يُقال إنّ هذه الكنيسة بنيت فوق جلجثة أو الجلجثة، وهي مكان الصخرة التي يعتقد أن السيد المسيح صلب عليها حسب اعتقاد مسيحي الشرق الأوسط.

وهنا اعتقاد لدى المسيحيين بأنّ هذه الكنيسة سوف تشهد قيامة السيد المسيح من بين الأموات، على كل الأحوال فلسطين بلد مسلم لكل الديانات والطوائف التي تعيش فيها، ولابد لكل الفلسطينيين أنّ يسعوا لتحرير بلدهم، التحرر ليس مسيحيًا ولا إسلاميًا ولكنه تحرر وطني، وهذا ما تفتقده حماس على مستوى الإدراك العملي وعلى مستوى المسمى أيضًا.

تتحمل حماس ما حدث في المنطقة العربية خلال العام والنصف الأخيرين وما سوف تشهد المنطقة خلال العقد القادم، فأي تغيير ليس لصالحها ولا لصالح المنطقة العربية ولا لصالح القضية الفلسطينية، في ظل ضغوط أمريكية ودولية لتصفية هذه القضية، وهنا يبدو المشهد العربي مدافعًا عنها ومتحملًا العبء الأكبر في المواجهة رغم ما ادعته الحركة بأنّ قرار الحرب جاء مواجهًا لمشاريع التطبيع العربي!

مقالات مشابهة

  • صحفية: العشائر الفلسطينية ترفع صور الرئيس السيسي تقديرًا لموقفه الرافض للتهجير
  • تعرف على حجم المساعدات التي وصلت لغزة بعد وقف إطلاق النار
  • من هنأ الشرع ومن امتنع.. هذه مواقف الدول العربية الجديدة تجاه سوريا
  • تستند عليها المرحلة الانتقالية في سوريا.. ماذا تعرف عن الشرعية الثورية؟
  • فؤاد: ثورة سوريا ستنجح لأنهم يتبعون نصائح تركيا
  • منير أديب يكتب: التنظيمات الإسلاموية وأمن المنطقة العربية.. حماس نموذجًا
  • الدفاع التركية تؤكد وقوفها مع سوريا ضد التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمنها ووحدتها
  • ماذا تعرف عن قاعدة غوانتانامو التي ستستضيف المهاجرين؟
  • الآثار والمتاحف تعلن فتح أبوابها أمام البعثات الأثرية التي كانت تعمل في سوريا
  • بالأسماء.. الفصائل المسلحة التي «حلّت نفسها» وشاركت بـ«مؤتمر النصر» في سوريا