خبير لـ"صفا": أزمة السلطة الاقتصادية غير مسبوقة والدول الداعمة لها قادرة على إنقاذها
تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT
رام الله - خــاص صفا
أكد الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم أن السلطة الفلسطينية تمر بأزمة اقتصادية عميقة ومركبة، تختلف عن سابقاتها من الأزمات المالية.
وأوضح عبد الكريم، في حديث لوكالة "صفا"، أن الاقتصاد الفسطيني يعاني ضغوطا كبيرة ويتعرض لاستنزاف مستمر بسبب إجراءات الاحتلال التعسفية على مدار عقود، من تقييد لحركة المواطنين والتغول الاستيطاني الكبير، الذي عطّل بدوره الحياة الاقتصادية في مختلف محافظات الضفة، إلى جانب الاقتطاع من أموال المقاصة.
ومنذ نوفمبر/ تشرين ثاني من عام 2021، لم تتمكن السلطة من دفع كامل أجور موظفيها، والتزمت بدفع 80%-85% منها، حتى بداية العدوان على غزة في أكتوبر/ تشرين أول الماضي.
وأضاف عبد الكريم أن إجراءات الاحتلال العقابية اشتدت قساوة بعد السابع من أكتوبر/ تشرين أول، إذ تم منع أكثر من 200 ألف عامل فلسطيني من العمل في الأراضي المحتلة، وأغلق الاحتلال كافة حواجزه العسكرية مع الضفة، منذ دخول الحرب على غزة.
وبيّن أن منع العمال الفلسطينيين من العمل في الداخل أدى إلى فقدان ما يقارب مليار ونصف شيكل شهرياً، وشح السيولة النقدية المتاحة، التي انخفضت بأكثر من ٦٠٪.
وأشار إلى أن حجز 40% من أموال المقاصة، أي ما يعادل نحو 300 مليون شيكل، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العدوان على غزة، ومن ثم كامل المقاصة، أدى إلى فقدان أكثر من 70 % من السيولة التي كانت تضخها في الاقتصاد شهرياً.
وقال إن الاحتلال كان ينتهج خطة الأمن مقابل الاقتصاد سواء في غزة أو الضفة، لتقليل التهديدات الأمنية التي تتعرض لها، وفق رؤية تعتقد أن الرخاء المادي يقلل الاضطرابات، واحتواء وتيرة المقاومة سيؤدي إلى الاستقرار الأمني، إلا أن ما حدث في 7 أكتوبر نسف كل هذه النظريات.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن الأزمة الحالية عميقة ومرتبطة بموضوع سياسي، لافتاً إلى أن حكومة الاحتلال لديها نية مبيتة فيما يخص مستقبل الصراع، تهدف إلى تقويض فكرة إنشاء دولة فلسطينية، وفصل غزة عن الضفة وتغيير شكل السلطة الفلسطينية.
وكان جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) حذر المستوى السياسي في الكيان من انهيار السلطة الفسطينية بفعل الإجراءات التي استهدفتها مؤخراً، ومن بينها حجز أموال المقاصة التي تشكل نسبتها 65% من إجمالي الإيرادات المالية للسلطة.
وذكر عبد الكريم أن السلطة قادرة على الاستمرار بسبب إيجادها مصادر تمويل بدون تكلفة، عن طريق الاستدانة من رواتب الموظفين، وعدم دفع مستحقات القطاع الخاص إلى جانب الاقتراض، وغيرها من المصادر التي تحقق لها نقل الأعباء المالية دون سدادها، موضحاً أن باستطاعة الحكومة الاقتراض من البنوك لفترات قصيرة ومحدودة، لأن البنوك لن تستطيع تحمل مخاطر أكبر.
وأدى احتجاز المقاصة إلى جانب تراجع المنح الخارجية إلى مفاقمة أزمة السلطة المالية، ودفعها إلى التوجه للاقتراض من البنوك المحلية، ليصل الدين العام إلى 14 مليار شيكل مع نهاية الربع الأول لعام 2024.
وحول احتمالية أن تخلق هذه الأزمة المالية حالة تذمر في الشارع الفلسطيني، قال عبد الكريم إن غالبية المواطنين الفلسطينيين يعتقدون أن السلطة حالياً غير قادرة على دفع رواتبهم بسبب إجراءات الاحتلال، وأن التذمر ضد السلطة يعني تذمراً ضد الضحية.
وبيّن أن الخيار المطروح أمام السطلة للخروج من المأزق، هو وقف العدوان ووضع أفق سياسي لتحقيق "حل الدولتين" وتوحيد الصف الفلسطيني ووقف الإجراءات المالية العقابية من الاحتلال.
وقال إن تراجع الدعم العربي والدولي، يعكس أن هذه الدول ترتقب ترتيبات سياسية جديدة، مؤكدًا أن "الدول المؤيدة للسلطة والحريصة على بقائها، قادرة على إنقاذها وحل الأزمة".
ولفت إلى ضرورة وضع خطة تقشف وإصلاح إداري ومالي، كفيلة باستعادة الثقة بين المواطنين والحكومة، دون المبالغة في الاعتماد على نتائجها وحدها.
وتشهد المنح الخارجية للميزانية الفلسطينية تراجعاً كبيراً، حيث تدهور الدعم من 1.2 مليار دولار في عام 2012، إلى أقل من 350 مليون دولار في نهاية 2023.
وأموال المقاصة هي الضرائب التي يدفعها الفلسطينيون على السلع المستوردة من "إسرائيل"، أو من خلال المعابر الحدودية بمتوسط شهري 220 مليون دولار.
ويصل إجمالي اقتطاع الاحتلال السنوي من أموال المقاصة إلى 1.5 مليار دولار، ما يعادل تقريباً 50% من إجمالي أموال المقاصة، ونحو 25% من إجمالي الموازنة الفلسطينية السنوية.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: السلطة الفلسطينية أموال المقاصة عبد الکریم قادرة على
إقرأ أيضاً:
MEE: السلطة الفلسطينية تشترك مع الاحتلال في هدف القضاء على المقاومة
سلط تقرير لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني الضوء على عمليةالسلطة الفلسطينية الأمنية في مخيم جنين، وكذلك قرار حظر قناة الجزيرة، الذي جاء بعد فترة قصيرة من حظر "إسرائيل" لذات القناة.
وقال الموقع "إن حظر السلطة الفلسطينية لقناة الجزيرة، وما يرافق ذلك من عدوان تمارسه ضد الفلسطينيين في جنين، من شأنه أن يزيد من قناعة الفلسطينيين بأن دور السلطة الفلسطينية ليس الدفاع عن حقوقهم وإنما خدمة المصالح الإسرائيلية".
وأضاف إن "أحد الأهداف الأساسية لـ"إسرائيل" في غزة والضفة الغربية معاً هو القضاء على جميع أشكال المقاومة الفلسطينية، وهو خطوة بالغة الأهمية تمهيداً للتوجه نحو إقامة "إسرائيل الكبرى".
وتابع: "رغم أن السلطة الفلسطينية لا تشاطر "إسرائيل" رؤيتها فيما يتعلق بمشروع "إسرائيل الكبرى"، إلا أنها تشترك معها في هدف القضاء على المقاومة الفلسطينية".
وفيما يلي نص التقرير مترجما:
قامت السلطة الفلسطينية في الأسبوع الماضي بحظر قناة الجزيرة، والتي هي واحدة من عدد قليل من المنصات الإخبارية العالمية التي توفر تغطية كبيرة وثابتة للاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ زمن طويل في المناطق الفلسطينية وكذلك لعمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تنفذ حالياً في قطاع غزة.
وصف المراقبون إجراء السلطة بأنه "صادم".
فما الذي عساه يجبر كياناً يمثل الفلسطينيين فيما هو ظاهر على تقويض واحد من الأصوات الدولية القليلة المكرس لتسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين؟
من أجل فهم ذلك، لابد من النظر في السياق الأوسع.
تقدم السلطة الفلسطينية، والتي هي جزء من مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، نفسها باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. رسمياً، تحكم السلطة أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.
ولكن، ولسنين عديدة، لم يزل الغرض الأساسي للسلطة الفلسطينية هو دعم وخدمة الاحتلال الإسرائيلي.
شراكة "مقدسة"
ولدت السلطة الفلسطينية من رحم عملية أوسلو للسلام في تسعينيات القرن الماضي. يرى الخبراء أن تلك العملية كانت عبارة عن "خدعة" إنما حبكت من أجل الحفاظ على الوضع القائم، المتمثل بالاحتلال، وفي نفس الوقت توفير غطاء سياسي هام لكل من "إسرائيل" والولايات المتحدة.
كانت منظمة التحرير الفلسطينية حينذاك تسعى جاهدة للاحتفاظ بالهيمنة السياسية داخل المناطق الفلسطينية، وكانت في نفس الوقت بحاجة ماسة للمساعدة الاقتصادية.
من خلال سلسلة من اتفاقيات أوسلو، تم توقيعها ما بين عام 1993 وعام 1995، ألقت الولايات المتحدة و"إسرائيل" لمنظمة التحرير بحبال النجاة المالية والسياسية. ومقابل ذلك، وافقت السلطة الفلسطينية، التي كانت قد تشكلت حديثاً، على القيام بكثير من المهام القذرة للاحتلال.
تحت غطاء "التنسيق الأمني" تطورت السلطة الفلسطينية لتغدو "مقاولاً بالباطن ومتعاوناً" في خدمة الاحتلال الإسرائيلي.
كان الرئيس محمود عباس في عام 2014 قد وصف التنسيق الأمني بأنه "مقدس"، مؤكداً بذلك على عمق الشراكة بين الطرفين.
تاريخياً، تضمن هذا التنسيق إخماد كل صوت مخالف، بما في ذلك الصحافة، بالنيابة عن "إسرائيل".
فعلى سبيل المثال، أقدمت السلطة الفلسطينية ما بين كانون الثاني/ يناير 2018 وآذار/ مارس 2019، على اعتقال ما يزيد عن 1600 فلسطيني بسبب "التعبير السلمي" عن الرأي. وفي عامي 2020 و 2021، قمعت السلطة الفلسطينية عدداً من الاحتجاجات السلمية الفلسطينية. وفي عام 2022 حظرت السلطة الفلسطينية عشرات المواقع الإخبارية الفلسطينية التي تنتقد "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية.
سوف لن يرضي قرار السلطة الفلسطينية الأخير حظر قناة الجزيرة الفلسطينيين الذين ينظرون إلى هذه القناة بإيجابية.
الدليل على التنسيق
لطالما اعتبر الفلسطينيون السلطة الفلسطينية متعاونة مع "إسرائيل"، ولعل هذا ما يفسر لماذا تعكس استطلاعات الرأي باستمرار انطباعات سلبية عن السلطة الفلسطينية.
إلا أن التنسيق المفتوح للسلطة الفلسطينية مع "إسرائيل" لم يكن أبداً من قبل بهذا الوضوح.
يأتي حظر السلطة الفلسطينية لقناة الجزيرة فقط بعد شهور من قرار "إسرائيل" حظر الشبكة، ومن ثم مداهمة مكاتب الشبكة في رام الله وإغلاقها. من المستبعد ألا يلاحظ الفلسطينيون أن الإجراء الذي اتخذته السلطة الفلسطينية لم يكن سوى نسخة طبق الأصل عن الإجراء الإسرائيلي.
وكذلك جاءت إجراءات القمع التي مارستها السلطة الفلسطينية ضد مجموعات المقاومة في جنين لتبدو تقليداً سافراً للأفعال التي يقوم بها الإسرائيليون أنفسهم.
منذ الخامس من كانون الأول/ ديسمبر نفذت السلطة الفلسطينية مداهمات عنيفة، وقتلت ما مجموعه ثمانية فلسطينيين، بما في ذلك مدنيون عزل، وصحفية شابة.
تشبه هذه الأعمال التصعيد الذي تمارسه "إسرائيل" في أرجاء الضفة الغربية.
في شهر آب/ أغسطس 2024، شنت "إسرائيل" أضخم عملية عسكرية تنفذها هناك منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فقتلت مئات الفلسطينيين واعتقلت الآلاف منهم، ودمرت البنى التحتية الحيوية.
من الوارد أن يرى كثير من الفلسطينيين في إجراءات القمع الأخيرة التي مارستها السلطة الفلسطينية دليلاً على تعاونها مع "إسرائيل"، بل وعلى تبعيتها لها.
ولسوف يعزز من الانطباع بأن السلطة الفلسطينية تلتزم بما يمليه عليها الإسرائيليون مقاطع الفيديو المزعجة التي يظهر فيها ضباط فلسطينيون وهم يسيئون معاملة منتقدي السلطة الفلسطينية.
"إلقاء حماس تحت عجلات الحافلة"
لربما كانت الغاية من الإجراءات الأخيرة التي للسلطة الفلسطينية التقرب من "إسرائيل" والولايات المتحدة، سعياً لإثبات أنه يمكن الاعتماد عليها كلاعب أساسي في إدارة غزة ما بعد الحرب.
وما هو مهم أيضاً أن هذه الإجراءات قد تشير كذلك إلى أن السلطة الفلسطينية تسعى إلى إلقاء حماس، التي تحكم غزة، تحت عجلات الحافلة، كما يقال في المثل.
كانت حماس وفتح، وهي الحزب الذي يتحكم بالسلطة الفلسطينية، قد وقعتا في شهر حزيران/ يونيو في بكين على اتفاق حكومة وحدة.
كان الاتفاق تاريخياً، جزئياً لأن حماس مجموعة إسلامية بينما فتح حركة علمانية، ولكن أيضاً لأن الفصيلين خصمان لدودان.
ما تراكم من زخم باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية لربما بات الآن ميتاً.
فقد أدانت حركة حماس بقوة حظر السلطة الفلسطينية لقناة الجزيرة وعمليات المداهمة التي شنتها في جنين، باعتبار أن هذه الأفعال تمثل عدواناً على الإسلاميين، بما في ذلك حماس ذاتها.
لربما باتت السلطة الفلسطينية ترى بأن حماس ضعفت جداً، وأن السلطة غدت قادرة على فرض سيطرتها على قطاع غزة بدون المجموعة الإسلامية.
لن تكون هذه هي المرة الأولى التي تلقي بها السلطة الفلسطينية بحركة حماس تحت عجلات الحافلة.
ففي عام 2006 فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية، ولكن فتح والولايات المتحدة و"إسرائيل" رفضوا الاعتراف بالنتائج وحاولوا عمل انقلاب. إلا أن المحاولة الانقلابية أفضت إلى حرب أهلية وإلى انقسام المناطق الفلسطينية.
هدف للمقاومة
أحد الأهداف الأساسية لـ"إسرائيل" في غزة والضفة الغربية معاً هو القضاء على جميع أشكال المقاومة الفلسطينية، وهو خطوة بالغة الأهمية تمهيداً للتوجه نحو إقامة "إسرائيل الكبرى".
رغم أن السلطة الفلسطينية لا تشاطر "إسرائيل" رؤيتها فيما يتعلق بمشروع "إسرائيل الكبرى"، إلا أنها تشترك معها في هدف القضاء على المقاومة الفلسطينية.
ولكن الإبادة الجماعية التي تقوم بها "إسرائيل" حالياً لم تنجح في القضاء على حماس، ولن تفلح في القضاء على المقاومة الفلسطينية بعمومها.
بل على العكس من ذلك، قد تؤدي الإبادة الجماعية التي تمارسها "إسرائيل" وما تقوم به من توسع عدواني داخل الضفة الغربية إلى تكثيف المقاومة على المدى البعيد.
إن حظر السلطة الفلسطينية لقناة الجزيرة، وما يرافق ذلك من عدوان تمارسه ضد الفلسطينيين في جنين، من شأنه أن يزيد من قناعة الفلسطينيين بأن دور السلطة الفلسطينية ليس الدفاع عن حقوقهم وإنما خدمة المصالح الإسرائيلية.
وهذا بالنسبة لكثير من الفلسطينيين يجعل من السلطة الفلسطينية عقبة تعيق تحررهم بدلاً من أن تكون وسيلة لنيل الحرية.
ونتيجة لذلك قد تصبح السلطة الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى هدفاً للمقاومة.
وبالنظر إلى الأمام، قد يصبح حكم أجزاء من الضفة الغربية مهمة في غاية الصعوبة تقض مضاجع السلطة الفلسطينية ناهيك عن أن تتمكن من مد نفوذها إلى قطاع غزة.