مؤامرة الصمت عن السودان ومشكلة اللاجئين فى مصر
تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT
د. أحمد عبدالعال عمر
وظيفة المفكر والكاتب كما تعلمنا من أساتذتنا الكرام هى أن يفكر بصوت مسموع، وأن يكتب بفصاحة وشجاعة فى الموضوعات والقضايا والمشكلات التى يفكر فيها الآخرون دون صوت، لأنهم يخشون التعبير عنها أو لا يملكون مهارات وأدوات هذا التعبير.
ولعل أهم الموضوعات والمشكلات المثيرة للخوف والجدل فى مجتمعنا المصرى اليوم، والتى أصبحت تُثير اهتمام وحيرة رجل الشارع البسيط، واهتمام المسؤولين الرسميين ومؤسسات الدولة، هى مشكلة الوافدين واللاجئين فى مصر عامة، ومشكلة الوافدين واللاجئين السودانيين على وجه التخصيص، بعد أن أدى طوفان لجوئهم إلى مصر هروبًا من الحرب العبثية الدائرة فى السودان منذ عام ونصف، وتمركزهم بأعداد كبيرة فى محافظات ومدن وأحياء محددة إلى بعض المخاوف الأمنية والاجتماعية، وإلى زيادة أعباء المصريين الاقتصادية نتيجة مزاحمة اللاجئين لهم فى سوق وفرص العمل، ونتيجة ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات فى مدن ومناطق تمركزهم على نحو يفوق قدرة المصريين على الاحتمال فى ظل ظروف اقتصادية مصرية داخلية ضاغطة عليهم بالأساس.
وفى حقيقة الأمر، إن صمت العالم ومعظم وسائل الإعلام عن ما يحدث فى السودان من حرب بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، وما يترتب عليها من جرائم فى حق الشعب السودانى، يجعلنى أرى فى هذا الصمت مؤامرة كبرى هدفها إعطاء الفرصة لتمزيق وحدة السودان والسيطرة على خيراته لصالح بعض القوى الإقليمية والدولية، بعد تهجير أكبر عدد من أهله إلى مصر، ليصبح اللاجئون السودانيون فى مصر قنبلة موقوتة يُمكن تفجيرها لاحقًا، وليزيدوا بوجودهم الضخم من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للدولة المصرية.
وهذا يعنى أن مصر هى الخاسر الأكبر من الحرب بين الإخوة الأعداء فى السودان، ومن المؤامرة التى تُحاك ضد شعبه ومقدراته، وأن هذه الحرب وتلك المؤامرة أصبحت تهدد ثوابت أمن مصر القومى، وتهدد كذلك اقتصادها وأمنها الداخلى واستقرار وتوازن مجتمعها على نحو أخطر فى ظنى مما يحدث فى غزة.
ومع احترامى الشديد للخوف الإنسانى وغريزة حب البقاء التى دفعت ملايين السوريين واليمنيين والسودانيين لترك بلادهم وأرض أجدادهم، وتحولهم إلى لاجئين فى بلاد الآخرين، فإننى أظن اليوم أن تهجيرهم وتيسيره مع بداية الحرب الأهلية فى سوريا واليمن والسودان كان مؤامرة تهدف إلى تفريغ المدن السورية واليمنية والسودانية لتصبح الأرض مسرحًا لتنفيذ مخطط إسقاط أنظمة هذه الدول وتمزيق وحدتها وأرضها، مع التقليل بقدر الإمكان من حجم الخسائر البشرية حتى يظل ضمير العالم فى الثلاجة لحين اكتمال مخططات الإسقاط والتقسيم.
وبناء على ذلك يُمكن القول إن هروب هؤلاء اللاجئين السريع مع بداية الحرب من بلادهم وبيوتهم وأرض آبائهم وأجدادهم بدافع السلامة والخلاص الشخصى والعائلى، كان جريمة ضمنية أخرى فى حق أوطانهم يسرت تنفيذ مخططات أعدائها، وربما لو تشبثوا بالبقاء فى بلادهم ودفعوا ثمن ذلك الخيار الوطنى، لأفشلوا إلى حد كبير هذه المُخططات.
وبعيدًا عن موضوع اللاجئين أنفسهم وعلاقتهم بأوطانهم، وأن بعضهم قد استغل حالة انعدام الأمن مع بداية الحرب فى السلب والنهب، ورحل عن بلاده محملًا بالكثير عن المال الناتج عن ذلك، وعودة للحديث عن تفاقم مشكلة الوافدين واللاجئين عمومًا فى مصر والمخاوف والمخاطر الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والثقافية المترتبة عليها، يمكن القول إن التصدى لبحث هذه المشكلة فى بلدنا من أجل محاولة حلها قبل تفاقمها وانفجارها المتوقع فى وجهنا بشكل يُهدد أمننا الاقتصادى والاجتماعى، ويؤثر سلبيًا على علاقتنا الإنسانية والتاريخية والسياسية بهذه البلاد وشعوبها يتطلب دراسة الأسئلة التالية ومحاولة الإجابة عنها:
- ما هى أهم مخاوف المصريين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية من طوفان الوافدين واللاجئين فى مصر، وكيف يمكن التعامل معها وتقليل مخاطرها؟
- ما هى الأعداد الفعلية للوافدين واللاجئين المقيمين فى مصر اليوم، سواء المسجلين منهم فى مفوضية اللاجئين أم غير المسجلين، وما هى طريقة دخولهم لمصر؟
- ما هى دوافع خروج كل منهم من أوطانهم، وما هى إمكانية عودتهم إليها بعد استقرار أوضاعها؟
- ما هى مصادر دخلهم وإنفاقهم فى مصر، ونمط حياتهم وطبيعة علاقاتهم فيها؟
- ما هى أهدافهم الحالية والمستقبلة من وجودهم فى مصر؟ وهل مصر بالنسبة لهم وطن مؤقت لحين استقرار الأوضاع فى بلادهم؟ أم هى وطن بديل وفرصة استثمار وحياة أفضل؟ أم مجرد معبر إلى أوروبا؟.
وأظن أن الإجابة على هذه التساؤلات بموضوعية مع دعوة الدولة المصرية للوافدين واللاجئين لتسجيل بياناتهم وتوفيق أوضاعهم فى موعد نهائى أقصاه يوم 30 يونيو 2024، سوف يمنح صانع ومتخذ القرار فى مصر رؤية أكثر شمولًا لمشكلة الوافدين واللاجئين فى بلادنا، وتحديد الطريقة المثلى للتعامل معهم كل بحسب حالته، وتقليل أعداد المقيمين منهم فى بلادنا بقدر الإمكان، وإعادتهم الواجبة إلى أوطانهم بشكل يحترم إنسانيتهم وكرامتهم وأمنهم، ويضمن الحفاظ على علاقات الجوار ومشاعر الأخوة الإنسانية والقومية مع شعوب هذه الدول، ويكفى المصريون أنهم استضافوا هؤلاء الوافدين واللاجئين فى بلادهم كأهل وأصحاب بيت على مدار أكثر من عشر سنوات.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: اللاجئین فى فى مصر
إقرأ أيضاً:
الأعلى للشئون الإسلامية ينظم الجلسة العلمية الثالثة لمعسكر الوافدين بالإسكندرية
نظم المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف ، الجلسة العلمية الثالثة ضمن فعاليات معسكر أبي بكر الصديق للطلاب الوافدين بمدينة الإسكندرية، تحت عنوان: “مصر.. عبقرية المكان والمكانة التاريخية والحضارية”.
وذلك تحت برعاية الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وبإشراف الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس، وبحضور الدكتور نجاح عبد الرحمن راجح، مدير مديرية أوقاف الإسكندرية.
واستُهلت الفعالية بتلاوة مباركة من آيات الذكر الحكيم، تلتها كلمة للدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، أكد فيها أن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية صرح فكري شامخ، يمد جسور التعارف والتواصل بين شعوب العالم عبر موسوعاته ومؤلفاته وترجماته المتعددة، التي تُبرز سماحة الإسلام ورسالة مصر المستنيرة.
وأشار إلى أن تنظيم هذا المعسكر يأتي في إطار حرص وزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، على تعزيز التواصل مع الطلاب الوافدين، وتفعيل البعد الأفريقي والآسيوي في رسالته التنويرية.
وخلال كلمته، أكد اللواء أركان حرب حمدي لبيب، الخبير الاستراتيجي، خصوصية مصر الدينية والحضارية، ودورها التاريخي والمعاصر في حماية الدين والوطن ومواجهة الفكر المتطرف، مشيرًا إلى أن الأزهر الشريف كان ولا يزال منارة للعلم والوسطية، ينشر الفكر الرشيد ويفنّد دعاوى الغلو والتكفير.
كما أوضح مكانة مصر في النصوص الشرعية وذاكرة الأمة، مستشهدًا بالآية الكريمة: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99]، وبيّن أن أرض الكنانة كانت مأوى للأنبياء والصالحين، وأن النبي ﷺ أوصى بأهلها خيرًا، فقال: «فإن لهم ذمةً ورحمًا».
وأشار اللواء حمدي لبيب، إلى الدور التاريخي والمعاصر لمصر في مواجهة التطرف، موضحًا تكامل جهود المؤسسات الدينية والأمنية والثقافية في تحصين المجتمع ضد الأفكار الهدامة من خلال التعليم والتوعية والخطاب الديني الرشيد الذي يعزز الانتماء الوطني ويرسخ قيم الوسطية والاعتدال.
وأضاف أن الشخصية المصرية بطبعها متدينة، تميل إلى التسامح والاعتدال، وتنأى عن العنف والتشدد، كما أن حب المصريين العميق لوطنهم يجعلهم صفًّا واحدًا في مواجهة أي خطر يهدد أمن البلاد واستقرارها.
من جانبه، عبّر الدكتور نجاح عبد الرحمن راجح عن سعادته بانعقاد هذه المحاضرة ضمن فعاليات المعسكر، مؤكدًا أن هذه الأنشطة تأتي في إطار نشر الوعي الديني والفكر الرشيد بين الطلاب الوافدين إلى مصر، بلد الأزهر والعلم والحضارة.
وفي ختام الجلسة، قدم الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية عددًا من الهدايا التذكارية للمشاركين تقديرًا لمساهمتهم الفاعلة، واختتمت الجلسة بفقرة إنشادية ومدائح نبوية.