عربي21:
2025-04-27@23:10:32 GMT

هواجس حول المدرسة التونسية

تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT

تعيش الأسر التونسية في شهر حزيران/ يونيو من كل عام ضغط الامتحانات والمناظرات وخاصة مناظرة الثانوية العامة (البكالوريا). تثير هذا المرحلة كثيرا من اللغط حول المدرسة والتعليم في تونس ومستقبل المدرسة ومستقبل خريجيها، ويغلب على الكلام كثير من اليأس الممزوج بحنين إلى زمن ذهبي للمدرسة التونسية، فاللحظة التعليمية في تونس هي لحظة شك في المستقبل رغم الانخراط العام في العملية التعليمية.



أسئلة المستقبل ترتد إلى حديث تمجيد التجربة ومواساة الذات بمكاسب تآكلت مع شحنات تقديس للزعيم مؤسس المدرسة، وهي نزعة توثين تكبل كل فكر وكل طموح.

صراع أيديولوجي حول المدرسة

كان الحديث في أول الثورة عن ضرورة إعادة تأسيس التعليم في تونس؛ بعد أن استنفدت الإصلاحات السابقة أغراضها وانتهت إلى مدرسة يقول الجميع أنها فاشلة ولكن لا أحد يجرؤ على إعادة التأسيس، غير أن حديث الثورة وطموحاتها التأسيسية برُدَ وعاد الحديث عن الإصلاح بالترقيع هنا وهناك؛ دون مشروع ودون رؤية استشرافية لمدرسة قادرة على الدخول في القرن الواحد والعشرين الرقمي.

كان الحديث في أول الثورة عن ضرورة إعادة تأسيس التعليم في تونس؛ بعد أن استنفدت الإصلاحات السابقة أغراضها وانتهت إلى مدرسة يقول الجميع أنها فاشلة ولكن لا أحد يجرؤ على إعادة التأسيس، غير أن حديث الثورة وطموحاتها التأسيسية برُدَ وعاد الحديث عن الإصلاح بالترقيع هنا وهناك
في واقع مصاب بكل أدواء الأيديولوجيا حُشرت عملية إصلاح التعليم في معركة الاستئصال المدمرة، حيث يذهب البعض إلى أن كل إصلاح هو اعتداء على قدسية الزعيم المؤسس الذي يُنسب إليه فضل يصل إلى حد القول إنه خلق البلد من العدم وأن كل تغيير أو تعديل هو كفر بالزعيم، لذلك يسعى إلى تقدس الماضي ومنع التجديد.

يدعم هذا اتجاه ثان يعتبر المدرسة مكانا للتحديث الفكري ويحمّلها مهمة كنس الثقافة الدينية المتخلفة، وينتهي هذا القول بمنع الإسلاميين من إدارة وزارة التربية، فهي إقطاع خالص لتيار الحداثة لا يُسمح لإسلامي بالولوج إليه كي لا تتم أسلمة التعليم؛ هذا رغم انكشاف أمر مهم وهو أن ليس للإسلاميين مشروع لتحديث التعليم ولا حتى لوضع تصورات تعليم ذي منحى إسلامي (إن كان يوجد مثل هذا المنحى).

ما هي رهانات تيار التحديث الآن؟ هناك رهان واحد هو منع الإسلاميين من المساس بالتعليم كما ورثناه عن حقبة الستينات، لذلك يعتبر الصراع حول المدرسة والتعليم عامة أكبر العوائق التي تقوم الآن أمام إصلاح العملية التعليمة وتطوير أداء المدرسة لتكون في مستوى زمن تعليمي مختلف عن زمن الاستقلال. وقد تضافر جهد النقابات اليسارية والقومية مع جهد الأحزاب للإبقاء على هذا الإقطاع منطقة محرمة على كل تحديث وتطوير؛ لم يلجه الإسلاميون لكنه لم يتطور أيضا.

الإصلاح الذي يتأخر

حقيقة يقر بها الجميع ويتهربون من علاجها؛ المدرسة التونسية التي بنت الدولة انتهت صلاحيتها واستنفدت قدرتها على الاستمرار، لقد أدت مهمة كبيرة وخرجت رجال الإدارة والتعليم والأمن والجيش (تونسة الإطارات).

منذ التسعينات وصلت المدرسة إلى مرحلة القطيعة بين التعليم والتشغيل فظهرت بطالة الخريجين ولا تزال تتفاقم، لكن البرامج لم تتعدل على تعليم من أجل السوق بل لا تزال تروج لمدرسة تخرج موظفين عموميين (يقبضون من الدولة).

ترمي المدرسة الآن بعدد كبير من الخرجين ذوي تكوين هش في سوق شغل مغلقة وفي زمن إغلاق الوظيفة العمومية لأسباب اقتصادية، لكن البرامج التعليمية والخطط الكبرى لم تتغير، لذلك نلاحظ أن الناس يجتهدون بوسائلهم الخاصة لإنقاذ أبنائهم من المدرسة العمومية ومصير خريجيها. فيدفعون "دم قلوبهم" من أجل رفد تكوين أبنائهم بالدرس الخاص ثم بالذهاب إلى الجامعات الخاصة (التي انتشرت بسرعة) وإرسال أبنائهم إلى التعليم بالخارج.

لا ينشغل الأهالي كثيرا بمن يدير الوزارات التعليمية ولا بانتمائه السياسي بقدر انشغالهم بتوفير بيئة دراسية سليمة خالية من العنف والمخدرات ونظيفة ويحترم فيها المتعلم ولا يتم فيها ابتزاز الأهالي بالدرس الخاص، حيث أن سمعة رجال التعليم انهارت لدى الأهالي
ومن علامات اجتهاد الأهالي بعد يأسهم من المدرسة الميل الجارف لتعليم أولادهم اللغة الإنجليزية كلغة ثانية ووسيلة لدخول العالم؛ بديلا عن اللغة الفرنسية الميتة التي لا تفتح سوقا، وهي لغة مفروضة بقوة سياسية على المدرسة حتى أن ساعات تدريسها في المراحل الأولى تفوق عدد ساعات اللغة العربية الأم، وفي كل مناظرة تتحول أعداد (علامات) التلاميذ في اللغة الفرنسية إلى نكتة عامة.

كل حركة الأهالي تشير إلى حاجة قوية إلى إصلاح المدرسة لكن الإصلاح يتأخر ونظن أن زمنه قد فات والمدرسة العمومية متجهة إلى انهيار كامل، رغم الضجة التي ترافق المناظرات كالثانوية العامة.

خطوط الإصلاح المطلوب

اجتهادات الأهالي الفردية تشير إلى المطلوب دون تنظيرات أيديولوجية. أول مطالبهم ذات طبيعة تشغيلية، وهو تحرير أولادهم من نير اللغة الفرنسية حيث يرى الجميع قصور هذه اللغة وثقافتها المهيمنة عن فتح مغاليق سوق الشغل العالمية، فأبواب الهجرة والعمل تُفتح بمفتاح اللغة الإنجليزية، وحتى الشركات الاستثمارية القليلة التي تحل بتونس تطلب من المنتدب للشغل إتقان اللغة الإنجليزية.

لا ينشغل الأهالي كثيرا بمن يدير الوزارات التعليمية ولا بانتمائه السياسي بقدر انشغالهم بتوفير بيئة دراسية سليمة خالية من العنف والمخدرات ونظيفة ويحترم فيها المتعلم ولا يتم فيها ابتزاز الأهالي بالدرس الخاص، حيث أن سمعة رجال التعليم انهارت لدى الأهالي نتيجة هذا الابتزاز الرخيص؛ لقد وصل الأمر إلى تنظيم دروس خاصة في الرياضة قبل اختبارات الثانوية العامة، والقلة الباقية من المخلصين تعجز عن الدفاع عن نفسها أمام تيار جارف يبيع المهنة ويقبض.

اللحظة السياسية في تونس بعيدة جدا عن الاهتمام بهذا الأمر، وستنفق تونس وقتا طويلا ومكلفا قبل العودة إلى هذه المعمعة التأسيسية والخوض فيها بعقل مفتوح لا تتدخل فيه فرنسا بسفيرها ولا بخبرائها المندسين في الوزارات؛
اكتشف الأهالي فارق التأجير بين القطاع الخاص والوظيفة العمومية ولم يعد يغريهم التوظيف في الدولة؛ بقدر ما يطلبون تعليما قابلا للتسويق المهني في الداخل والخارج.

يمكن لهذا الطموحات وهي عينة وليست كل المطلوب؛ أن تتحول إلى قاعدة إصلاح للتعليم العام وإعادة بناء المدرسة التونسية على قواعد جديدة تدخل بالتونسيين القرن الواحد والعشرين (وقد مر ربعه دون إصلاح). وهناك أمور لا يمكن إلا أن تثمّن في السياق، وهي استعدادات كبيرة لدى الأهالي لدعم التعليم بحرّ مالهم وقد فعلوا دوما، فالمدارس الأولى بنيت ببعض حلي الأمهات.

متى يكون ذلك؟ للأسف اللحظة السياسية في تونس بعيدة جدا عن الاهتمام بهذا الأمر، وستنفق تونس وقتا طويلا ومكلفا قبل العودة إلى هذه المعمعة التأسيسية والخوض فيها بعقل مفتوح لا تتدخل فيه فرنسا بسفيرها ولا بخبرائها المندسين في الوزارات؛ الذين يخططون لتونس كيف تصدر الأطباء والمهندسين إلى فرنسا بأقل كلفة ممكنة فتشغلهم بأقل من أجور الفرنسيين، كما كانت تفعل عبر تاريخها الطويل مع العمالة الوافدة في تنظيف الشوارع (في الستينات) وفي علاج مرضاها الآن.

لنحتفل بالناجحين ونغنم خروج أولادنا من تحت سطوة نقابات اليسار المغرمة بدرس المثلية الجنسية في المدارس بصفته إصلاحا تعليميا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التونسية التعليمية الأيديولوجيا التحديث المدارس تونس مدارس التعليم أيديولوجيا التحديث سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد صحافة رياضة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حول المدرسة التعلیم فی فی تونس

إقرأ أيضاً:

سماء جسر الشغور تتزين بالورود.. مروحيات الجيش العربي السوري تشارك الأهالي احتفالاتهم بذكرى تحرير المدينة



جسر الشغور 2025-04-25mohamadسابق سلمية يحرز لقب بطولة النصر لكرة الطائرة للسيدات بفوزه على تلدرة انظر ايضاً هزة أرضية خفيفة بقوة 2 درجة شمال غرب جسر الشغور

دمشق-سانا ضربت هزة أرضية خفيفة بقوة 2 درجة على مقياس ريختر شمال غرب جسر الشغور

آخر الأخبار 2025-04-25وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل تصل إلى روما للمشاركة بمراسم ‏تشييع قداسة البابا فرنسيس 2025-04-25الشيباني أمام مجلس الأمن: رفع العقوبات يسهم بتحويل سوريا إلى شريك قوي في السلام والازدهار والاقتصاد الدولي 2025-04-25الوزير الشيباني يرفع علم سوريا الجديد أمام مقر الأمم المتحدة 2025-04-25وزير التنمية الإدارية يناقش مع محافظ إدلب رفع كفاءة العمل المؤسساتي ‏في المحافظة 2025-04-25وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني يرفع علم سوريا الجديد أمام مبنى الأمم المتحدة في نيويورك 2025-04-25مراسل سانا: انطلاق بطولة النصر 3 لفروسية قفز الحواجز تحت عنوان “شهداء الثورة السورية المباركة” في نادي الفروسية المركزي بالديماس بريف دمشق بمشاركة أكثر من 100 فارس وفارسة 2025-04-25الوزير الشعار: إعادة هيكلة وزارة الاقتصاد والصناعة تؤسس لتكامل ‏العملية الاقتصادية 2025-04-25مراسل سانا: انطلاق المباراة النهائية من بطولة النصر لكرة الطائرة للسيدات بين فريقي سلمية وتلدرة على أرض صالة كرة الطائرة بمدينة الفيحاء الرياضية في دمشق 2025-04-25بمعايير عالمية.. مدن جديدة للمعارض في المحافظات والبداية من حلب ‏ 2025-04-25الرئيس الشرع يلتقي وزير الزراعة

صور من سورية منوعات صفائح لعضلة القلب من الخلايا الجذعية… خطوة نحو العلاج الأول من نوعه في العالم 2025-04-17 أول سماعة طبية رقمية في اليابان تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل نبضات القلب 2025-04-10فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • العوامل التي قادت تونس إلى تراجع استثنائي
  • التعليم تنتهي من وضع أسئلة امتحانات الثانوية العامة 2025 وتستعد لطباعتها
  • أسبوع صعب عليك .. نجم الكرة التونسية يوجّه رساله لـ وائل جمعة
  • مجلس ضاحية السيوح يبحث احتياجات الأهالي وتعزيز جودة الحياة
  • مؤتمر "البيجيدي" يحتفي بحركة النهضة التونسية وممثلها ينوه بتجربة المغرب وبحكمة محمد السادس
  • «التعليم» تُتيح النماذج الاسترشادية لمادة اللغة العربية للثانوية العامة 2025
  • مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُشارك في معرض تونس الدولي للكتاب
  • سماء جسر الشغور تتزين بالورود.. مروحيات الجيش العربي السوري تشارك الأهالي احتفالاتهم بذكرى تحرير المدينة
  • مروحيات الجيش تشارك باحتفالات ذكرى تحرير مدينة جسر الشغور في ريف إدلب، بإلقاء الورود على الأهالي
  • وزير الزراعة يزور مقر مرصد الصحراء والساحل في العاصمة التونسية