نابلس- في ظل الغياب القسري، أصبحت الأسيرات يرين ذويهن وأنفسهن في الأحلام، وما أن يفقن حتى يقضين وقتا في تفسير ما رأين، وهواجس الخوف تلفهن، ليبقى الأمل معلقا حتى تأتي الأخبار بعد أيام أو أسابيع وبشكل غير مباشر، عبر زيارة لمحامٍ أو قدوم أسيرة جديدة.

بهذا الوصف لخصت الأسيرتان المحررتان الشقيقتان بنان (24 عاما) وإباء (22 عاما) صلاح شريدة حال رفيقاتهن الأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وما يواجهنه من معاناة تجاوزت كل المحاذير، وانتهكت أبسط حقوقهن بالأسر وبالإنسانية، خاصة بعد الحرب على غزة.

وفي منزل العائلة في قرية سالم قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، كانت الفتاتان لا تزالان تستقبلان المهنئين بالإفراج عنهن بعد يومين من تحررهن من سجون الاحتلال، وعلى جدار سطح المنزل علقت العائلة يافطة ترحب بهن وتهنئهن بسلامة التحرر، فمن يطلق سراحه من سجون  الاحتلال هذه الايام يكون "كمن كُتب له عمر جديد".

قوات الاحتلال اعتقلت الفتاتين بنان وإباء شريدة في رمضان الماضي من داخل المسجد الأقصى (الجزيرة) التهمة صلاة في الأقصى

سردت الشقيقتان بنان وإباء للجزيرة نت قصة معاناتهن منذ لحظة الاعتقال قبل أكثر من شهرين من داخل المسجد الأقصى أثناء توجههن لإحياء ليلة القدر، حيث اقتدن مكبلتين بعد احتجازهما لعدة ساعات وتفتيشهما بشكل عنيف أمام جموع المواطنين إلى مركز تحقيق القشلة بمدينة القدس.

لم يكن ذنب الفتاتين الشقيقتين إلا أنهما قررتا الصلاة في المسجد الأقصى، منتهزتين قربهما منه بحكم دراستهما في جامعة القدس "أبو ديس" شرق المدينة، وبمناسبة شهر رمضان، حيث لا يمكن للفلسطينيين من الضفة الغربية زيارته بأي وقت دون شروط الاحتلال التعجيزية التي يفرضها على المصلين.

وبين مركز تحقيق القشلة بالقدس وسجني "هشارون" و"الدامون" الإسرائيليين خضعت الشقيقتان لتحقيق قاس طوال 22 يوما، استخدم فيه الاحتلال أبشع أنواع العقاب والتهديد والابتزاز، ترغيبا وترهيبا لنزع اعترافهما، فكان يتم شبحهما وشتمهما بألفاظ نابية، وتهديدهما باعتقال أفراد من عائلتيهما، وحرمانهما من التعليم الجامعي، وهددوهما بنشر صورهما دون حجاب.

وكباقي الأسرى، عمد الاحتلال لتقييد أيديهن وأرجلهن وتعصيب أعينهن خلال نقلهم عبر البوسطة (حافلة السجن) إلى مراكز التحقيق والمحكمة، التي عرضن عليها 8 مرات، حتى قضى الاحتلال بحبسهن شهرين وفرض غرامة مالية بقيمة 600 دولار أميركي، بتهمة دخول المسجد الأقصى دون تصريح.

تقول بنان للجزيرة نت "مكثنا بالبوسطة لساعات وعزلنا داخلها، وتعمد السجانون تعذيب الأسرى أمامنا بالسحل والضرب والإذلال، وتقصدوا نقل معتقلين مدنيين من اليهود معنا، حيث كانوا يشتموننا ويسبون ديننا ونبينا بألفاظ نابية".

وتضيف أيضا أن أحد الضباط نقلهم رفقة جندي بمركبة خاصة -وليس بالبوسطة- من سجن "الدامون" في حيفا شمالا -حيث تقبع الأسيرات الفلسطينيات- إلى مركز تحقيق القشلة بالقدس، وأنزلهم من المركبة بعد أن قطع مسافة معينة، وأدار يديهن خلف ظهورهن "بعد أن قيدهن بالحديد، وسط رعب شديد، وكان ذلك يوم عيد الفطر" كما تقول بنان.

وعاشت عائلة الأسيرتين الشقيقتين معاناة صعبة طوال فترة اعتقالهما، فقد استدعي والدهما للتحقيق وسط حالة من الترهيب، ولم يكن يعرف عن ابنتيه أدنى معلومة، لا وقت اعتقالهما ولا بعد ذلك، ولا حتى يوم الإفراج عنهما.

الأسيرات من قطاع غزة تعرضن لحالات تعذيب أشد مما تعرضت له باقي النساء (شؤون الأسرى) ظروف تنكيل وتعذيب

ومنذ لحظة الاعتقال، مارست قوات الاحتلال العنصرية ضد الشقيقتين شريدة، فكان التحقيق معهما منفردا، وكذلك عزلهما عن بعضهما داخل المعتقل.

ومثل غيرهن من الأسيرات، واجهت بنان وإباء قمع السجان واقتحامه للغرف، والاعتداء عليهن بالضرب دون تمييز بين كبيرة وصغيرة ومريضة، فقلصوا الطعام وقدموا أسوأه، كما كانوا يرفضون الخروج للعيادة رغم حالتهن المرضية، خوفا من العقاب.

تقول بنان "لا يوجد مطبخ، والطعام يأتي جاهزا ونيئا، وحلوا دون ملح، فالفطور بضع لقيمات، والغداء إما حمص أو عدس مسلوق مع أرز محروق، والدجاج مرة واحدة أسبوعيا، واللحم لم نره، حتى أنه في إحدى المرات كان الطعام مملحا فاحتفلت الأسيرات بذلك".

وعانت الأسيرات أيضا الاكتظاظ داخل الغرف، ومنع لقاء المحامين أو زيارات الأهل، والحرمان من النوم، ومنع الاستحمام لفترات طويلة، وغير ذلك من الإجراءات التنكيلية بحقهن.

وتقول إباء إن معاناتهن -ورغم صعوبتها- لا تقارن بما واجهته عشرات الأسيرات اللواتي عشن المأساة في بداية الحرب، أو ممن اعتقلن بعد ذلك كالأسيرات الغزيات، اللواتي أُحضرن لسجن الدامون بحالة يرثى لها، حيث كن بملابس ممزقة وقد نزع حجابهن، وحرمن الاستحمام لفترة طويلة، "ويؤكد ذلك أنهن كن يُحتجزن بمعسكرات الاعتقال التي أقامها الجيش لفترات طويلة، قبل نقلهن لسجن الدامون".

وتوضح في التفاصيل أن الأسيرات يقمعن بغاز الفلفل لأتفه الأسباب "كأن لا يروق للسجانين لون الحذاء وشكله، وخاصة خلال العد اليومي". وتضيف بأن العديد منهن ضُربن بعنف وأخريات تم سحلهن، وواحدة أُغمي عليها لثلاث ساعات دون أن يحرك السجان ساكنا، وأخريات ترك القيد في معاصمهن أثرا، وواحدة وثقت بثلاثة أقفال بيديها، وأخريات أصبن بكسور وتمزقات عضلية، فضلا عن التفتيش العاري، ووضع رؤوس بعضهن في المرحاض.

لكن الأسوأ والأكثر خطرا هو ما عانته أسيرات غزة، حيث تنقل إباء أن قوات الاحتلال عزلت نساء غزة لوحدهن بعيدا عن بقية الأسيرات، وفيهن المسنات، "وهناك الجدة وابنتها وحفيداتها معا"، ورغم إفراجه عن بعض منهن، أبقى الاحتلال على 3 ونقلهن لغرف أسيرات الضفة الغربية، وهو ما أتاح للشقيقتين بنان وإباء فرصة الالتقاء بهن.

وكان أكثرهن معاناة الأسيرة أسماء اسليم، وهي أم لأربعة أطفال، هددها الاحتلال بتصفيتهم أمامها لحظة اعتقالها من دير البلح وزوجها عرفات شتات.

وتقول إباء وهي تروي بحزن حكاية رفيقتها بالمعتقل "هددوها بكل شي لنزع أي اعتراف منها، ولأكثر من 40 يوما لم تكن تعرف شيئا عن زوجها، وفي جلسة تحقيق استدعيت لها أحضروه لتهديدها به، ففوجئت به مبتور القدمين واليدين ومصابا في رأسه، وكانت هي أيضا مصابة بكدمات صعبة في وجهها، وكلاهما لا يعرفان إذا كان أولادهما على قيد الحياة".

وكانت القوات الإسرائيلية قد اعتقلت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 9 آلاف فلسطيني، بينهم أكثر من 300 امرأة، سواء من الضفة الغربية أو فلسطينيات الداخل أو الغزّيات اللواتي يسكن في الضفة الغربية، بقي منهن نحو 75 أسيرة في سجن الدامون، بينما اعتقل الاحتلال عشرات الأسيرات من داخل غزة بعد الحرب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الضفة الغربیة المسجد الأقصى

إقرأ أيضاً:

نصف مليون فلسطيني يعودون إلى شمال غزة خلال 72 ساعة

الثورة /عبد الملك الشرعبي

شكلت مشاهد عودة مئات آلاف النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة، – والذي اطلق عليه ” طوفان العودة” -صدمة كبيرة في الداخل الصهيوني قادة ومستوطنين، كما مثل مشهد العبور والتدفق الكبير في اليوم الأول للعودة ، لحظة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وجسدت أهمية حق العودة، وتمسك الفلسطينيين بأرضهم، مهما كان حجم التضحيات.

وقالت تقارير أممية إن قرابة نصف مليون فلسطيني نازح قد عادوا إلى شمال قطاع غزة خلال الثلاثة الأيام الماضية .

وقالت صحيفة هآرتس العبرية: إن تلك الصورة لمشهد العودة حطمت أوهام النصر المطلق التي روج لها بنيامين نتنياهو وأنصاره منذ أشهر.

واعتبر زعيم المعارضة الصهيونية يائير لبيد أن عودة سكان غزة إلى منازلهم قبل عودة جميع سكان مستوطنات غلاف غزة “دليل مؤلم” على عجز حكومة نتنياهو.

فيما عبر رئيس حزب “العظمة اليهودية” إيتمار بن غفير عن حالة الإحباط في “إسرائيل” من مشاهد عودة النازحين، وقال “إن فتح طريق نتساريم ودخول عشرات الآلاف من سكان غزة إلى شمال القطاع هي صور لانتصار حماس وجزء مهين آخر من الصفقة المتهورة ” على حد قوله.

واعتبر منتدى القادة والجنود الاحتياط بالجيش الصهيوني عودة الغزيين إلى شمال قطاع غزة خطوة خطيرة، وتعني “التنازل عن أصل استراتيجي تم الحصول عليه في الحرب لصالح صفقة جزئية وخطيرة. وبدلاً من هزيمة حماس، فإن الجيش الإسرائيلي سيدفع ثمنا باهضا لهذا القرار .

وفي المقابل اعتبرت فصائل المقاومة الفلسطينية عودة النازحين بهذا الزخم والتدفق ترسل رسالة “أن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه، وأن الهجرة ليست خيارًا لا طوعيًا ولا بالإكراه، وأن هذا له دلالات واضحة على المستوى الجماعي، والفردي تعكس تمسك الفلسطينيين بحق العودة والتصاقهم بأرضهم وبوطنهم”.

وقالت أن مشاهد العودة للنازحين حملت في طياتها ردا عمليا على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي دعا فيها إلى ترحيل الفلسطينيين إلى مصر والأردن، ودول أخرى.، بأن الشعب الفلسطيني عمليًا متشبث بأرضه ولن يرضى عنها بديلًا.

ويرى خبراء ومحللون أن عودة النازحين إلى شمال غزة- بهذا التدفق الكبير رغم الدمار الشامل لكل شيء في الشمال .

أفشلت مخطط الاحتلال الإسرائيلي الكبير بعودة الاستيطان إلى قطاع غزة، وحطمت آمال اليمين الصهيوني المتطرف  الذي كان يلهث من أجل احتلال شمال القطاع وفصه عن جنوبه للأبد ليكون مستوطنة جديدة للاحتلال  .

كما يعكس مشهد العودة الكبير للنازحين – من الجنوب ومن الوسط إلى الشمال- مستوى الوعي الفلسطيني وحب التمسك بأرضه، رغم الدمار الكبير الذي تعرضت له ، بعد أن حول الاحتلال شمال القطاع إلى مكان غير صالح للحياة ، وكان يعتقد أن أصحاب الأرض سيرفضون العودة إلى أرضهم بعد الدمار الشامل الذي تعرضت له .

وأكد المحللون أن حشود العائدين المتمسكين بالأرض ومبدأ العودة ضربت عصب ومفهوم فكر الدولة اليهودية الذي يقوم على مبدأ عملية الإحلال وطرد السكان والسيطرة على الأرض بالقوة ”

كسر معادلة التهجير

وشكل عودة النازحين بهذا الحجم الكبير وغير المشهود -في نظر الكثير من المحللين والمراقبين- حدثا تاريخيا بامتياز، كسر معادلة استمرت منذ عام 1948 تعني أن انتصار إسرائيل يساوي تهجير الفلسطينيين ، كما أفشلت عودة السكان إلى شمال غزة المخطط الصهيوني بإفراغه من سكانه . كما أفشلت خطة الجنرالات التي قامت على مبدأ دفع السكان للهجرة من خلال القصف والقتل والتدمير..

وفي السياق، فان عودة النازحين بهذا السيل الجارف ، قد عصف بسردية صورة الفلسطيني الذي يمكن أن يتخلى عن أرضه، والتي سيطرت على العقلية العربية والإسلامية والعالمية، وقبلها الصهيونية واهتز معها واحدة من أهم المرتكزات المستقبلية للمشروع اليهودي بالضفة الغربية، وهو مبدأ الحسم الذي تبنى عليه الصهيونية الدينية خطتها في ضم وحسم الضفة الغربية , كما أكد على ذلك رئيس وزراء كيان الاحتلال نتنياهو ، ومعه الفكر الصهيوني المتطرف .

تلاشي خيار العودة للحرب

ويرى المحللون أن فكرة عودة الحرب من قبل كيان الاحتلال -بعد اكتمال عملية تسليم الأسرى الإسرائيليين – ستشكل  مشكلة كبيرة جداً في الداخل الإسرائيلي على مستوى المؤسسة العسكرية أو السياسية، ، خصوصا في مناطق شمال القطاع الذي عاد اليه مئات الآلاف من النازحين.

وقالت صحيفة هآرتس إنه سيكون من الصعب على “إسرائيل” العودة للحرب وإجلاء المدنيين مرة أخرى من المناطق التي ستغزوها مجددا حتى لو انهار الاتفاق نهاية الأسابيع الستة من المرحلة الأولى ، سيما وان المقاومة قد استعادت القدرات العسكرية والتجهيز للمواجهة مع قوات  الاحتلال في حال قرر الأخير العودة للحرب ، وخصوصا بعد مشاهد عودة النازحين إلى شمال القطاع وظهور عناصر المقاومة بهذه الصورة من التنظيم والقوة والحضور الكبير. بعد أن كان جيش الاحتلال يعتقد انه قد قضى على غالبية قيادات وعناصر حركة حماس .

مقالات مشابهة

  • إصابة فلسطيني برصاص الاحتلال جنوب الخليل
  • نصف مليون فلسطيني يعودون إلى شمال غزة خلال 72 ساعة
  • استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي في نابلس
  • الاحتلال الصهيوني يعتقل أكثر من 20 فلسطينيًا فجر اليوم
  • إعلام فلسطيني: قوات الاحتلال تقتحم مدينة البيرة بالضفة الغربية
  • العدو الصهيوني يصيب مسن فلسطيني بالرصاص في مخيم طولكرم
  • وضعوا السلاح برأس زوجته.. مسلحون يقتحمون منزل نجم كرة قدم إسباني
  • إعلام فلسطيني: قوات الاحتلال تقتحم عدة أحياء بالبيرة ورام الله والقدس المحتلة
  • استشهاد فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية
  • أرماح الرياضية تتعاقد مع أحد الشركات التابعة لـ “بنان العقارية” لتطوير ناديين رياضيين بالرياض