يحدث اليوم في عموم الجغرافيا اليمنية عملية ثقافية تحفيزية تهدف على إكساب المجتمع هوية إيمانية وثقافية وحضارية مضافة وهي تعتمد اعتمادا متزايدا على مختلف الجماعات بهدف الوصول للوحدة المشتركة أو الإحساس بها في ظل ما يتعرض له الإسلام من هجوم ومن تشويه متعمد ويفترض أن يحمل شلال الإيحاء المتدفق من بين حروفها مشروعا نهضويا كبيرا يصنع من الفكرة الدينية مشروعا سياسيا واعيا وقادرا على إحداث التحولات وتحريك عجلتها، وهذا ما يفترض أن تدل عليه رموز وإشارات خطاب السيد العلم قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي .
قضيتنا الكبرى اليوم هي الوصول إلى وحدة إنسانية مشتركة، ولا نستطيع ذلك إلا من خلال الفنون، وقد يشكل النشاط الثقافي ركيزة أساسية للوصول إلى ذلك، فالمولد مثلا لا يعني تظاهرات شكلية ولكنه يعني مسارا ونسقا ثقافيا يعيد ترتيب النظام العام والطبيعي ويعيد البناء لمواجهة العدو الذي يتربص بنا الدوائر وغاية مقاصده تفكيك البنى الثقافية وفصل الأمة عن رموزها ومرجعياتها الفكرية والثقافية والإيمانية حتى يسهل عليه فرض ثنائية الهيمنة والخضوع عليها، وقد فعل ذلك بالقياس إلى حركة التطبيع التي تجري مع الكثير من الأنظمة العربية اليوم في عموم الوطن العربي .
وعلينا أن ندرك أنه في اليمن ومنذ بداية تسعينيات القرن الماضي بدأت حركة الانفتاح السياسي الذي تظافرت في تعزيز حركته ووجوده عدة عوامل دولية كانهيار المنظومة الاشتراكية، وإقليمية كحرب الخليج، ووطنية وتتمثل في تحقيق الوحدة الوطنية والسياسية بين شطري اليمن، ومن خلال هذه المتغيرات دخلت عدة مفاهيم جديدة في القاموس السياسي اليمني كالوحدة، والتوافق، والتناوب، والشراكة الوطنية، والعدالة الانتقالية، كما لوحظ الإقبال المكثف على توظيف بعض المفاهيم الجديدة كالحداثة، والتحديث، والديمقراطية، المجتمع، المواطنة، الحريات، حقوق الإنسان …إلخ، ومن اللافت للنظر أن توظيف تلك المصطلحات كان يتم دون نظر أو تدقيق أو حرص من أرباب السياسة أو جماعة صناعة الخطاب السياسي أو المؤسسات ومراكز الدراسات التابعة للمنظومة السياسية وقد ترك ذلك الإهمال ظلالا قاتمة على المفاهيم بعد الصراع الذي عاشته وتعيشه اليمن منذ عام 2007م إلى اليوم الذي تشهد فيه شيوع المفاهيم الملتبسة مثل الاستقلال والحرية والسيادة والتحرير …الخ، فالصراع يترك ظلالا قاتمة على المصطلح وقد يحدث التباسا بغية الوصول إلى انهيار النظام العام والطبيعي وقد حدث ذلك من حيث يدري أرباب السياسة ومن حيث لا يدرون، إذ أن الفجور في الخصومة السياسية يحدث انهيارا قيميا وبالتالي تهديدا واضحا للنظام العام والطبيعي دون مراعاة لأي اعتبارات، إما عن جهل أو غباء سياسي مفرط، أو التباس في مفهوم المواطنة .
لقد وصلنا إلى مرحلة تاريخية فاصلة في اليمن لا بد لنا من الوقوف أمامها بقدر واعٍ من المسؤولية الأخلاقية والمعرفية، فالصراع اليوم لم يعد صراعا عاديا بل يستخدم سيل المعلومات للوصول إلى أهدافه، وقد تكون أهدافه هدم المفاهيم وتغيير المصطلحات وتفكيك النظم المعرفية حتى يصل الخصم إلى حالة التيه، ولذلك فالانتصار في مثل معارك اليوم يبدأ من خلال ضبط المفاهيم وتحديد أبعادها النفسية والأخلاقية والمعرفية فهي محك القيمة الفردية والمجتمعية، ومحك المواطنة الحقة من غيرها، كما أن السلاح التقليدي لم يعد كافيا وحده في إدارة المعارك، فالفنون كما في الحالة التركية تدير مشروعا استعماريا توسعيا ناعما تستخدم الدراما فيه والسياسة والاقتصاد وها هي تتمكن من تثبيت قدمها في العمق العربي بطرق ناعمة، فهي تتواجد في جزيرة سواكن بالسودان دون أن تثير ضجيجا وتتواجد بقطر بغباء قادة الصحراء العربية، وتتواجد بالبحر الأحمر والعربي برضا المجتمع الدولي، فالصراع اليوم ليس كما في أمسه فهو مختلف جدا، فالصراع والانتصار فيه يعتمد على قدرة الدول في توظيف الانفجار المعرفي بما يخدم مصالحها، ولذلك فبناء الفرد وتفجير قدراته وطاقاته من أهم الاستثمارات في هذا الزمن، وذلك من خلال تحديد مفهوم الوطنية والمواطنة وفق قيم وأسس التطورات الحضارية الحديثة وبما يكفل مواطنا واعيا مستقرا نفسيا واجتماعيا من خلال توفر حاجاته البولوجية الأساسية، ومن خلال شعوره بالعدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وهي عوامل تعزز من الانتماء وتشد من العزائم لتفجير الطاقات بصورة إيجابية وليس سلبية .
لكل مرحلة من تاريخ المجتمعات مفاهيمها الخاصة التي تؤطر طريقة تفكير الأفراد والجماعات، وتحدد هوية وطبيعة العلاقات بينهم، ولا تكاد تقتصر جدلية الفكر واللغة على إنتاج مفاهيم جديدة تستجيب للتحولات التي تطرأ على علاقة الفكر بالأشياء وبالعالم بل تعمل على تحسين المحتوى العام للمفردات وتحسين المفاهيم في اتجاه توسيع المحتوى الدلالي أو تضييقه أو تعديله بشكل من الأشكال.
ولذلك نقول: إن المعركة الثقافية اليوم لا تقل شأنا عن المعركة العسكرية ولا بد لنا من خوض غمارها بقدرة كبيرة حتى نحقق الانتصار الذي نرغب ما لم فنحن ندور في دوائر مفرغة لا قيمة لها في الواقع ولا أثر لها في المستقبل، فدوائر التطور متعددة وتشمل إلى جانب الدين العقل والفن ولا بد من التوازن بين الدوائر حتى لا تطغى دائرة على أخرى فيكون الصراع تعبيرا عن النقص لا استقرارا من توازن الكمال بينهم.
فالإسلام رسالة متجددة وليس قالبا جامدا، وهو فكرة ثورية، والفكرة الثورية التي قادها الرسول الأكرم أحدثت تحولا وتبدلا ما زال يذهل المفكرين إلى اليوم والذين جعلوا الإسلام كهنوتا وحالة تسلط جماعات على أخرى تأثرا بما دخل على الإسلام من ثقافات لم يفلحوا بل ساهموا في تراجع فكرة الثورة وأثرها في واقع البشر بل كانوا سببا جوهريا ومباشرا في حالة التخلف والتراجع الحضاري للعرب والمسلمين وهو حال من الذل والهوان يعانونه اليوم كما هو مقروء في الواقع، وعلينا أن نقف عند هذه الفكرة حتى نعيد ترتيب نسقها بما يتوافق مع القيم الثورية الحقة فنحن في سياق مفهوم ثوري يستمد طاقته من الدين الحنيف ولا بد لنا من فهمه والتفاعل مع المعرفة في مستوياتها المتعددة الحديثة حتى نترك أثرا في الحضارة المعاصرة .
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
وزيرا الزراعة في مصر والأردن يترأسان أعمال اجتماع اللجنة الفنية الزراعية المشتركة
ترأس علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، والمهندس خالد الحنيفات وزير الزراعة الأردني، اليوم الأربعاء، اجتماعات الدورة السابعة للجنة الفنية الزراعية المصرية الأردنية المشتركة، بحضور المهندس مصطفى الصياد نائب وزير الزراعة، وبعض قيادات الوزارتين بالبلدين وكذلك أعضاء اللجنة الفنية.
وفي بداية الاجتماع رحب فاروق، بنظيره الأردني والوفد المرافق له، وقال: إن علاقات مصر بالمملكة الأردنية الهاشمية هي علاقات تاريخية وهناك توافق في الرؤى والقضايا السياسية بين القيادتين في البلدين، الأمر الذي يدفعنا دوما لتعزيز علاقات التعاون ليس فقط في قطاع الزراعة بل في كل القطاعات الأخرى.
و وجه فاروق، الشكر إلى الحنيفات، على حسن الاستقبال وكرم الضيافة والترحيب الذي تلقاه أثناء مشاركة الوزير المصري في المنتدى الإقليمي للأمن الغذائي، الذي عقد بالعاصمة الأردنية عمان في شهر نوفمبر الماضي.
وأكد وزير الزراعة على أهمية أن تنتهي أعمال اللجنة الفنية المشتركة عن توافق في الرؤى والوصول بنتائج تؤدي إلى زيادة التعاون الزراعي والتبادل الزراعي للمنتجات بين البلدين الشقيقين.
كما وجه قيادات الوزارة بتسهيل كل إجراءات التعامل والتعاون مع الأردن الشقيق في كافة الأنشطة المرتبطة بالزراعة.
من ناحيته أعرب الحنيفات، عن امتنانه بحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة منذ قدومه لمصر بلده الثاني موجها الشكر لنظيره المصري لما لمسه من التعامل بجدية مع كافة الملفات المشتركة مما يعزز التعاون بين البلدين.
وأشار إلى أن الأردن يعول كثيرًا على مصر الحبيبة سواء في العمق الاستراتيجي أو الأمن الغذائي، قائلًا: إننا نتطلع إلى زيادة انسياب حركة الصادرات الزراعية بين البلدين ووفقا للمعايير الدولية.
وأضاف: سوف نتخذ الإجراءات والآليات التنفيذية لتطبيق ما سوف يتم الاتفاق عليه خلال اجتماعات اللجنة، مؤكدا أننا نعتبر مصر والأردن بلد واحدة ومصلحة مشتركة ونريد الانفتاح الكامل بين البلدين.
وأشار أيضا إلى العمل على تشجيع الاستثمار الزراعي والقطاع الخاص في مصر والأردن، وفي نهاية الاجتماع اتفق الوزيران على إزالة كافة معوقات التعاون وتلبية احتياجات البلدين من السلع والمنتجات الغذائية التي فيها فائض للتصدير.
اقرأ أيضاًمحافظ البحيرة تستقبل وزيري الزراعة المصري والأردني
حصاد وزارة الزراعة في 2024.. تعزيز الأمن الغذائي في مواجهة التحديات المتلاحقة
وزراء الزراعة والتخطيط والري ومحافظ المنيا يسلمون منح «سيل» للمستفيدين بالمنيا