مساء الثلاثاء الماضي، وفي احتفالية كبرى أعلن النادي الأهلي المصري، وبعد موافقة القوات المسلحة، عن إنشاء إستاد رياضي يسع 44 ألف متفرج، وذلك ضمن مدينة رياضة تُبنى وفق طراز عالمي على مساحة 43 فدانا في 4 سنوات وبتكلفة 12 مليار جنيه، وتضم متحفا، ومدرسة، وجامعة، وفندقا، ومستشفى، بحي الشيخ زايد بمدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة).



حتى هنا الخبر مبهج وسعيد لكل عشاق النادي المصري العريق؛ ولكن، بالحديث عن التمويل المقدر بـ12 مليار جنيه، يظهر هنا تحالف يضم 15 شركة إماراتية وأمريكية ومصرية، وتبرز أسماء 6 وزراء مصريين سابقين، وشخصية إعلامية إماراتية؛ فيما يلفت النظر  وجود شخصيات عليها الكثير من علامات الاستفهام وترتبط بملفات فساد، وتربح، وأعمال خارج إطار القانون.

بين تلك الأسماء، الوزيرة السابقة للاستثمار داليا خورشيد، زوجة رئيس البنك المركزي المصري السابق، وصاحبة الارتباطات بدولة الإمارات والتي برز اسمها بقضايا فساد مالي وإداري.

ففي أيار/ مايو 2019، تفجرت فضيحة خورشيد عندما منعت مؤسسة "الأهرام" المصرية طباعة صحيفة "الأهالي"؛ بسبب تحقيق صحفي عن شركة "إيجل كابيتال" للاستثمارات المالية المملوكة لجهاز المخابرات، التي تسيطر على سوق الإعلام والدراما بمصر، وتديرها خورشيد.

التحقيق الممنوع من النشر، كشف عن عمليات فساد تقوم بها الوزيرة السابقة ومتورط بها زوجها المسؤول المصرفي الأكبر بالبلاد، حيث استغلت نفوذه للضغط على البنوك لمنع الحجز على إحدى شركات الكيماويات المتعثرة، والتابعة لنجل أسامة الباز السياسي الأشهر بعهد حسني مبارك.

أيضا، برز من ضمن التحالف أسم شركة سيناء التابعة لرجل الأعمال المقرب من رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، إبراهيم العرجاني، الذي يتعاظم دوره  بالبلاد منذ رئاسته لاتحاد القبائل والعائلات العربية، مطلع أيار/ مايو الماضي، ما دفع البعض لوصفه بأنه "دولة داخل الدولة".

كما أنه وخلال سنوات انتقل من وصف مجرم خارج عن القانون ويتاجر في الممنوعات وشارك بقتل جنود مصريين في سيناء بعهد حسني مبارك، إلى شخصية وطنية قام الجيش المصري بتسليحه عام 2017، لقيادة مليشيات قبائل سيناء للمشاركة في القضاء على الإرهاب، ليتحول إلى رجل أعمال صاحب إمبراطورية اقتصادية بجميع المجالات.

وتعمل "العرجاني جروب" بمجالات البناء، والخدمات الأمنية، والتطوير العقاري، والسياحة، والصرافة، والزراعة، والاستيراد والتصدير، والإعلان والتسويق، فيا حصل على حق رعاية النادي الأهلي والمشاركة في بناء منشآته الرياضية العام الماضي.

"ملامح التحالف"
وبالنظر إلى التحالف الوليد لبناء مدينة النادي الأهلي، فإنه يحمل اسم شركة "القلعة الحمراء لإدارة المنشآت"، ووقع اتفاقية إطارية مدتها 25 عاما مع شركة الأهلي للمنشآت الرياضية، على أن يقوم بأعمال الانشاءات بالمدينة، فيما يحتفظ النادي بالملكية الكاملة للأرض.

ويرأس مجلس إدارة شركة "القلعة الحمراء"، محمد كامل، وبعضوية وزراء التعليم والتخطيط، والاتصالات، والثقافة، والنقل السابقين، طارق شوقي، وأشرف العربي، وياسر القاضي، وإيناس عبدالدايم، ووائل الجيوشي، بجانب رئيس قنوات أبوظبي الرياضية الإماراتي يعقوب السعدي.

ويضم التحالف العالمي لبناء مدينة الأهلي الرياضية، 15 شركة دولية وعربية ومصرية ‎منها: "بلتون" لترويج وتغطية الاكتتاب، و"بالم سبورت" الإماراتية، و"هيلتون الدولية"، والخبير العالمي "ستيفن ويبرينك"، و"الإسكندرية للخدمات الطبية"، و"محرم باخوم للاستشارات الهندسية"، و"أبناء سيناء للتشييد والبناء"، و"المصرية للإنشاءات"، و"ديستانس ستوديو للاستشارات"، ومجموعة "الاستشارات الهندسية"، ومجموعة "تروجان للمقاولات العامة" الإماراتية، و"بوجيرتمان"، و"كابيتال بلو" للتسويق.

"أعمال التحالف"
وفي قراءة لأعمال بعض شركات التحالف، فإن "بالم سبورتس" الإماراتية، تتبع الشركة العالمية القابضة (IHC: ADX)، وتعمل بقطاع الفنادق والمرافق الترفيهية والرياضية ورياضة الجوجيتسو، وتأسست عام 2010 بأبوظبي، ويرأسها الإماراتي عبد المنعم الهاشمي، أحد المقربين من العائلة الإماراتية الحاكمة.

وعبر صفحتها الرسمية نشرت الشركة الخميس، خبرا يعلن اختيارها كمشغل رسمي لمجمع "القلعة الحمراء" أو "مشروع القرن" الرياضي الضخم، فيما بدا من تفاصيل الخبر أنها تضع عينيها على قطاع الرياضة المصري والإفريقي إذ وصفت الخطوة بالاستراتيجية التي تفتح أمامها فرصا تضعها في طليعة صناعة إدارة الرياضة.


كما يبرز من بين شركات التحالف اسم "هيلتون العالمية"، شركة الضيافة الأمريكية التي تأسست عام 1919، وتدير وتملك حق الامتياز لمحفظة واسعة من الفنادق والمنتجعات، من بينها في مصر، فيما يثار الحديث عن دورها في الصفقة ببناء فندق 5 نجوم يحمل اسم "هيلتون".

وأيضا "هيل إنترناشونال" الأمريكية المتخصصة بمجال الإنشاءات، والتي تأسست عام 1976، في فيلادلفيا، وبنسلفانيا، وتمتلك 42 فرعا في 100 دولة، ويرأسها في مصر رؤوف غالي، ومن أعمالها في مصر إدارة البناء والبرامج في المتحف المصري الكبير بقيمة 800 مليون دولار.

أما شركة الإسكندرية للخدمات الطبية، أو "المركز الطبي الجديد"، فيقوم بعمليات التشغيل الطبي لمستشفى مدينة الأهلي، وتأسس عام 1988 وفي الوقت الذي يشغل إحدى أكبر مستشفيات الإسكندرية، أشارت صفحة الإعلامي أسامة جاويش عبر موقع "إكس"، إلى أن  للمركز  علاقة وثيقة بجهات أمنية، ويتعاقد معه مجلس الدفاع الوطني، ومديرية أمن الإسكندرية.

وعن "محرم باخوم للاستشارات الهندسية"، فهي شركة مصرية تأسست عام 1950، ولها فرع منذ العام 2008 في الإمارات، وبمحفظتها الكثير من الأعمال السابقة مع شركات الجيش المصري، وخاصة ازدواج قناة السويس، والمتحف الكبير، وحديقة العاصمة الإدارية، وتصميم مبنى وزارتي الدفاع والداخلية.

وبشأن "ديستانس ستوديو كونسلتنتس"، فتعمل بمجال الهندسة المعمارية والاستشارات منذ عام 2000، بالشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا ولها مكاتب بالقاهرة، وجدة، وأبوظبي، والدوحة، شاركت ببناء "ديستينو تاور" بالعاصمة الإدارية.

أما "إي سي جي" (جماعة المهندسين الاستشاريين)، فهي شركة استشارات هندسية تأسست بمصر عام 1969، وتوسعت أعمالها أفريقيا إلى ليبيا، والمغرب، وتنزانيا، وأوغندا، وآسيويا إلى الكويت، والسعودية، والإمارات، فيما شاركت بتدشين مبنى "الركاب رقم 2" بمطار القاهرة، وفندق "سانت ريجيس"، و"مول العرب"، و"بورتو أكتوبر"، في مصر.

وحول "أبناء سيناء للمقاولات"، فتدور الكثير من علامات الاستفهام حول مصادر تمويل مجموعة العرجاني وشركاته المتعددة وسط حديث عن أعمال خارج إطار القانون كتجارة المخدرات والسلاح والذهب وفرض الإتاوات على الفلسطينيين بمعبر رفح البري، في قضية رصدتها وسائل الإعلام العالمية.

كما أن لشركة أبناء سيناء التي تقول إنها تأسست بالعام 2010، وتعمل في الإنشاءات، والاستيراد والتصدير، وإدارة المحاجر، والتوسعات العمرانية، وتأجير المعدات واستصلاح الأراضي، ارتباط بالإمارات إذ يوجد لها فرع بدبي.

أما شركة "بوجيرتمان"، الموكل لها تصميم استاد النادي الأهلي، فتأسست عام 1982، في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، ولها سابقة أعمال كبيرة في إنشاء الاستادات بينها استاد للكرة الشاطئية بجزيرة سيشل.

أما مجموعة "تروجان للمقاولات"، فتأسست كشركة للتطوير العقاري بأبوظبي عام 2012، وتتبع "ألفاظبي القابضة"، التي تمتلك أبوظبي القابضة 49 بالمئة من حصتها، فيما تتبع الأخيرة للصندوق السيادي الإماراتي وتشارك بمشروع تنمية "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي الغربي لمصر.

" هل تمهد الصفقة لبيع الأهلي؟"
مراقبون وناقدون رياضيون أعربوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن مخاوفهم من أن تكون تلك الخطوة لبيع الأهلي.

وكتب الناقد الرياضي أحمد سعد، عبر صفحته بـ"فيسبوك": "تم تدشين عملية بيع النادي الأهلي للإمارات"، مضيفا: "الكابتن محمود الخطيب أدى المهمة بنجاح".



وهو ما حاول شرحه وتفصيله الناقد الرياضي وليد الفيل، حيث قال مخاطبا رئيس الأهلي: "نخشى أن يدفعك شغفك بحلم الإستاد إلى التعجل باتخاذ خطوات قد تؤدي للندم بدلا من الإنجاز"، فيما وجه تساؤلاته حول المقابل الذي ستحصل عليه الشركات الممولة من النادي، مؤكدا أن عمل اكتتاب لمحبي النادي ينهي الكثير من المخاوف.


وقبل عام وفي أيار/ مايو 2023، قدم الإعلامي الرياضي المصري مهيب عبدالهادي، دعوة عبر فضائية "إم بي سي مصر" السعودية، طالب فيها بطرح الأندية المصرية الحكومية للبيع وخاصة النادي الأهلي، صاحب التاريخ والبطولات والقيمة التسويقية العالية، مقابل رقم 2 مليار دولار، بدعوى مساعدة البلاد في أزمتها مع العملات الصعبة.

وتأسس الأهلي عام 1907، وله 4 فروع بالقاهرة الكبرى، أقدمها التاريخي بمنطقة الجزيرة، ومدينة نصر، والسادس من أكتوبر، والتجمع الخامس.

وهو، الأعرق بين أندية القارة الإفريقية والعربية والمصرية، حيث حصل على بطولات دوري وكأس مصر، ودوري وكأس أبطال أفريقيا، وكأس العرب، والأفروآسيوية، وله 9 مشاركات تاريخية ببطولة كأس العالم للأندية، التي حصل على مركزها الثالث 3 مرات.

وللأهلي 43 لقبا للدوري العام المصري، أولها بموسم (1949/1948) وآخرها في 2023، )، و39 لقبا ببطولة الكأس، وبطولة كأس السوبر المحلي بـ14 مرة، ليبقى أكثر الفرق  تتويجا بالبطولات المحلية.

وقاريا، يتزعم الأهلي فرق أفريقيا ويحمل لقب "نادي القرن"، كونه الأكثر تتويجا بلقب دوري أبطال أفريقيا بـ12 بطولة، وببطولة السوبر الأفريقي 9 مرات، وبكأس الكؤوس الأفريقية 4 مرات، وبكأس الاتحاد الأفريقي التي تندر مشاركته بها مرة واحدة عام 2014.

ويرى مراقبون أن دولة السيسي، تسيطر بشكل كبير على النادي الأهلي، وأن إدارته لم تعد صاحبة قرار في توقيع تعاقد أو فسخ آخر.

وأشاروا إلى أن ذلك بدا لافتا منذ آب/ أغسطس 2022، عندما استحوذت الشركة "المتحدة للرياضة" على حقوق تسويق رعاية النادي الأهلي بشكل حصري لمدة 4 مواسم اعتبارا من (2022/2023 وحتى 2025/2026)، وبمنح شركات العرجاني، حق رعاية النادي وعقود الإنشاءات فيه في كانون الثاني/ يناير 2023.

"مقلق ويثير التخوف"
وفي قراءته للأمر، قال البرلماني المصري السابق طلعت خليل: "كسياسي مصري عاشق للنادي الأهلي، مبدئيا فهذا التحالف شيء مقلق ويثير التخوف على تاريخ ومستقبل النادي الأهلي".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن مخاوفه تلك تتشكل خاصة وأن "هذا التحالف ومكوناته تأتي في ظل توجه فيه الرياضة تصادر وتصبح بيزنس، ورغم أن التوجه العالمي في مجال الرياضة هو تحولها إلى بيزنس، والقادم في مصر كذلك، لكن لدينا تساؤلات ومخاوف".


وختم متسائلا: "ما أبعاد هذا البيزنس في مصر؟، وهل يريدون أن يتحكموا في مفاصل الرياضة المصرية، والبداية من الأهلي؟"، ملمحا إلى أن "حضور أسماء مثل داليا خورشيد والعرجاني وغيرهما تثير تلك التساؤلات وهذا القلق".

"تحري أمني"
من جانبه أعرب خبير اقتصادي مصري، عن أسفه قائلا لـ"عربي21": "الوضع سيئ جدا، والأسماء المذكورة من شخصيات وشركات تحتاج لمن يعمل عليهم تحريات أمنية لنعرف كيف خرجوا بشركاتهم وحصلوا على أصولها ودخلوا السوق وطلعوا على وجه الدنيا".

وبينما فضل عدم ذكر اسمه لحساسية الأمر له، أكد أن "الأهلي قلعة وطنية عريقة؛ لكن ملف الكرة والرياضة والفن عموما يتم التلاعب بهم، منذ أيام وزير الحرية المصري عبدالحكيم عامر، وكذلك على يد نجلي حسني مبارك علاء وجمال".

"تحت رحمة النظام"
من جانبه، قال الكاتب والباحث المصري محمد فخري، إنه "من الشبهات وعلامات الاستفهام التي يطرحها عقد الشراكة محل النقاش أن تكلفة المنشآت بمدينة الأهلي 12 مليار جنيه، وكان من المتاح أن يتحملها النادي ويقوم هو بالإنشاءات وجنى الأرباح من اليوم الأول".

فخري، في حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "ولو وافق النادي على عقد رعاية الشركة القطرية والتي بلغت في عرضها المبدئي 200 مليون دولار في 4 سنوات، وهو ما يقترب من 10 مليارات جنيه".

وأكد أن "الأهلي منذ سنوات خضع ضمن عشرات المؤسسات المصرية التي خضعت تحت رحمة النظام القائم"، لذا فإنه يرى أن "اتفاق كهذا يأتي في إطار امتثال الأهلي المتواصل لأوامر النظام".

وأوضح الكاتب المصري أن "هذا ما حدث من قبل في عشرات القرارات، ومنها سيطرة المخابرات على قناة الأهلي والعبث بها، ثم إجبار إدارة النادي على رفض عروض الرعاية المبهرة واستبدال ذلك بالتعاقد مع شركة المتحدة للرياضة والتسويق، والتي صنعت على عجل ليحصل الأهلي على الفتات المتبقي من تعاقدات الشركة".

ولفت إلى أن "سيطرة النظام على الأهلي وإدارته استمرت بإسناد الرعاية وتنفيذ مشروعات النادي من خلال رجل النظام الأقوى والواجهة الاقتصادية الأضخم إبراهيم العرجاني"، ملمحا إلى أن "محمود الخطيب استسلم لذلك منذ فترة وتعايش مع الأمر، وما يحدث الآن هو استمرار وتطور طبيعي".

وخلص للقول: "إذا انضواء الأهلي وتحالفه مع الشخصيات والمؤسسات والجهات (داخليا وخارجيا) التي لا تلقى اتفاقا ولا قبولا شعبيا هو أمر مفروغ منه"، مضيفا: "والمؤسف أن ما أُعلن من بنود الاتفاق غير شافيا".

وأكد أنه "يمنح العرجاني والشركاء الإماراتيين أرباحا مذهلة لأكثر من عقدين من الزمن بعد إنشاء المدينة الرياضية، بما فيها الإستاد، في حين لن يحصل الأهلي إلا على جزء بسيط من الأرباح بعد مرور 15 سنة من الآن، على أن تؤول إليه المنشآت بعد ربع قرن".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الأهلي المصري الإمارات العرجاني مصر الأهلي الإمارات العرجاني المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النادی الأهلی مدینة الأهلی تأسست عام الکثیر من فی مصر إلى أن

إقرأ أيضاً:

موكب أسطوري لحزب العرجاني وحشد للفقراء يستفزان المصريين.. ماذا يجري؟

أعرب ناشطون مصريون عن غضبهم الشديد من حجم موكب قيادات حزب "الجبهة الوطنية" المرتبط باسم رجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني، والمولود الجديد بدعم من حكومة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، الذي يجوب أحياء القاهرة، وسط عدد كبير من سيارات الدفع الرباعي وسيارات نصف نقل من الأغلى ثمنا، مع حافلات تقلّ حشود من الأهالي.

المشهد الذي يأتي على طريقة موكب العرجاني في سيناء، والذي وصفه البعض بـ"المهيب" ويفوق موكب السيسي، عبرّت عنه الصحفية المصرية، مي عزام، عبر  منشور لها على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "شاهدت رصة من السيارات النصف نقل الجديدة وغالية الثمن، تحمل شعار واسم حزب الجبهة الوطنية في شارع التسعين بالتجمع الخامس وكذلك أتوبيسات ركاب ضخمة جديدة".



كذلك، أعلن عدد من الناشطين على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، في مصر، عن غضبهم، جرّاء تجميع آلاف المصريات من الفقراء، ومن الذين يحصلون على معاش تكافل وكرامة، أمام مقرات الشهر العقاري، في جميع أنحاء مدن مصر، لعمل توكيلات للحزب الجديد، ما اعتبروه: "امتهانا لكرامة نساء معدومات، واستغلال سياسي لحاجتهن".

موكب حزب العرجاني، (رئيس اتحاد القبائل والعائلات المصرية)، وتجمعات نساء معدمات، دفعا البعض للتساؤل حول: أسباب دعم النظام للحزب الجديد بفتح أبواب مكاتب "الشهر العقاري" الحكومية لجمع ملايين التوكيلات من البسطاء، رغم غلق ذات المكاتب أمام السياسي المسجون حاليا، أحمد الطنطاوي، وفق شكاوى المرشح الرئاسي، بمواجهة السيسي، خلال انتخابات العام الماضي.

البعض الآخر، ذهب حد التساؤل حول: ما إذا كان تأسيس مثل هذا الحزب في هذا التوقيت التي يُنعت بـ"الصّعب" الذي يواجهه نظام السيسي، محليا وإقليميا ودوليا، ضمن خطط مستقبلية لوصول الحزب إلى السيطرة على مقاعد البرلمان المحتملة في أيلول/ سبتمبر المقبل، ثم تبنيه تعديلات دستورية جديدة، تُبقي على السيسي في حكم البلاد مدى الحياة أو منح السلطة لأحد أبنائه.



وفي السياق نفسه، أكّد الناشط المصري، محفوظ الطويل، أنه شاهد مشهد حزب الجبهة الجديد على كورنيش النيل في المنيل، الاثنين الماضي، مشيرا إلى توقعاته بأن "يكون تأسيس مثل هذا الحزب الغريب هو تخطيط لتعديل الدستور تعديل فج مريب".

وكان السيسي قد أجرى تعديلات دستورية واسعة جرت في نيسان/ أبريل 2019، تبناها حزب السلطة الحالي "مستقبل وطن"، والتي منحت السيسي حكم مصر عامين إضافيين على مدة حكمه الثانية (2018- 2024)، وجعلت من حقه الترشّح لولاية ثالثة مدتها 6 سنوات حتى 2030، بجانب صلاحيات أخرى أثارت جميعها غضب المعارضة.


كذلك، يتخوّف البعض من تحويل بعض المسلحين والخارجين سابقا على القانون من تجار المخدرات ومهربي السلاح إلى شخصيات سياسية، تنال الشرعية والوجاهة من قبل النظام وتحويل أعمالهم غير المشروعة إلى كيانات رسمية ما يزيد تغولها، بحسب مراقبين.

وقال الباحث المصري في الشؤون العسكرية، محمود جمال: "في الوقت الذي تتجول فيه جماعات بعربيات دفع رباعي في شوارع القاهرة بدعوى أنها حزب سياسي؛ سعت القيادة العامة السورية بقيادة أحمد الشرع منذ اللحظات الأولى لاتفاق مع قادة الفصائل لحل جميع الجماعات المسلحة ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع"، مشيرا إلى أن "الجماعات المسلحة ضد مفهوم الدولة".

في الوقت الذي تتجول فيه ميلشيات بعربيات دفع رباعي في شوارع القاهرة بدعوى أنها حزب سياسي سعت القيادة العامة السورية بقيادة أحمد الشرع منذ اللحظات الأولى لاتفاق مع قادة الفصائل لحل جميع الجماعات المسلحة ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع، الميلشيات المسلحة ضد مفهوم الدولة.#العرجاني — Mahmoud Gamal (@mahmoud14gamal) January 6, 2025
وأكد رئيس حزب "الخضر المصري" محمد عوض، أن "أولى سمات جماعات العنف والارهاب، امتلاكها أساطيل من سيارات الدفع الرباعي".



أما بخصوص مشهد سيارات حزب "الجبهة الوطنية"، وقدرتهم على حشد البسطاء من المصريين أو "حزب الكنبة"، كما يُطلق على جل المصريين، نفى أحد أعضاء حزب "مستقبل وطن"، أي احتمال لتأثر الحزب، موضحا أن نائب رئيس الحزب، أحمد عبد الجواد، قد شارك قيادات الحزب الجديد احتفالهم بتدشين "الجبهة الوطنية"، مردفا: "لكل منا استعداداته وإمكانياته وأرضه التي يعمل فيها".


"التمويل وغسل السمعة"
اعترف عضو اللجنة التأسيسية لحزب الجبهة الوطنية، ووكيل البرلمان السابق، سليمان وهدان، بأن تمويل الحزب يتمّ عن طريق رجال أعمال وشركات، مُعلنا خلال لقاء بفضائية "ON"، أنّ: "أهم الممولين من رجال الأعمال، هم: كامل أبوعلى، ومحمد أبوالعنين،  وإبراهيم العرجاني، وشخصيات أخرى مثل أيمن الجميل".

إثر ذلك، تجري عملية تغطية واسعة على ما يوصف بـ"جرائم العرجاني وغسل سمعة أسرته التي جرى اتهام بعضهم بالتجارة في المخدرات والسلاح وباحتجاز ومحاصرة والهجوم والاعتداء على قوات الشرطة المصرية في سيناء، عام 2008".

وقال سليمان وهدان، إن: "العرجاني الذي يشارك ابنه عصام العرجانى في الهيئة التأسيسية للحزب، ضحّى بابنه وسيم، وأخيه أحمد في محاربة الإرهاب، وذلك على غير حقيقة ما جرى من وقائع وأحداث، سجلتها الصحف المحلية".

ولقي وسيم العرجاني، وهو في عمر الصّبا، مصرعه وثلاثة آخرين، إثر حادث سير بطريق (القاهرة- الإسماعيلية) بتاريخ 21  آب/ أغسطس 2020، كما قُتل أحمد العرجاني، (28) عاما شقيق إبراهيم العرجاني، بتاريخ 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، في سيناء، على: "يد قوات الأمن التي اتهمته بتهريب السلاح من حدود دولة الاحتلال الإسرائيلي"، وفق ما نشره الموقع الإخباري المصري "اليوم السابع".

وأبرز الموقع نفسه أن "قبيلة العرجاني فرضت "الترابين" حصارا مسلحا حول نقطة شرطة المدفونة بشمال سيناء، واحتجزوا 11 من رجال الشرطة داخلها"، وهي الأحداث التي تلاها أيضا توقيف إبراهيم العرجاني والحكم عليه بالحبس مدة عامين.

مصر التي تواجه منذ عام 2013، ما يصفه عدد من الناشطين بـ"غلق للمجال العام وتضييقا على عمل السياسيين والجمعيات الأهلية والأحزاب وتفريغا لها من أدوارها السياسية والمجتمعية، وتعاملا أمنيا مع سياسييها، وفق رصد حقوقي، بها نحو 120 حزبا بعضهم تحت التأسيس ينتظر قرار لجنة شؤون الأحزاب باعتماده رسميا، لكنه ووفق موقع الهيئة العامة للاستعلامات هناك نحو 87 حزبا مقننا"

لكنه وعلى غير المتوقع ظهر في 3 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وبأحد فنادق شرق القاهرة تجمّع تحت اسم "اتحاد مصر الوطني"، على غرار اسم اتحاد القبائل العربية المثير للجدل، والذي يقوده العرجاني، بتشكيل مجلس رئاسي له من 5 شخصيات سياسية، إلى جانب وزراء ومحافظين سابقين وبرلمانيين حاليين وشخصيات عامة.

وإزاء الانتقادات الحادّة التي طالت اسم الحزب المقترح، قد تم تغيير اسم الحزب من "اتحاد مصر الوطني"، إلى حزب "الجبهة الوطنية"، في 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهو ما أعاد للواجهة مجددا رئيس مجلس النواب المصري السابق المختفي لنحو 4 سنوات، علي عبد العال، وضمّ شيخ الطريقة الأحمدية الإدريسية السيد الإدريسي.


وإلى جانب العرجاني، هناك 4 وزراء سابقين للإسكان، والزراعة، والتضامن، والتنمية المحلية، خرج منهم 3 من تشكيل حكومة مصطفى مدبولي الحالية في الصيف الماضي.

وهم: عاصم الجزار (2019- 2024) والرئيس الحالي لمجلس إدارة شركة نيوم المصرية التابعة لـ"العرجاني جروب"، والسيد القصير (2020- 2024)، ونيفين القباج (2019- 2024)، وعادل لبيب (2013- 2015).

أيضا ضم الحزب الجديد، نوابا في البرلمان الحالي، بينهم: أحمد رسلان، ومجدي مرشد، وهشام مجدي، ومارغريت عازر، وعاطف مخاليف، وسليمان وهدان، إلى جانب عضو مجلس النواب عن مرسى مطروح والقيادي باتحاد القبائل المصرية والعربية أحمد رسلان.

"تحول من النمط المليشياوي"
في قراءته، قال السياسي والإعلامي المصري، حمزة زوبع: "منذ بداية ظهور العرجاني، ومن بعدها تفجر قضية الذهب في طائرة زامبيا آب/ أغسطس 2023، نحن أمام نمط مليشياوي يجري تحضيره، ويبدو حين تم تأسيس اتحاد القبائل العربية، انزعج بعض ما بقي من مؤسسات في مصر، فكانت الفكرة هي تحويله إلى حزب".


المتحدث السابق باسم حزب "الحرية والعدالة" المصري الحاكم سابقا، أضاف لـ"عربي21": "ولكن السؤال المركزي من هو العرجاني في الخريطة السياسية المصرية والاجتماعية؟"، مجيبا: "هو رجل قتل من أفراد الشرطة، وأخيه قُتل على يد الشرطة، ونجله مات في حادث سير، ويزعم سليمان وهدان أحد مؤسسي الحزب الجديد، أن نجله وشقيقه راحا ضحية الإرهاب".

وتساءل زوبع، مجددا: "كيف تُصنع الزعامات السياسية؟"، موضحا أنه "يجري على نفس نمط تصنيع محمود بدر الشهير (بانجو) وأصحابه في حملة (تمرد) 2013 ضد الرئيس محمد مرسي، فهي نفس الفكرة بصناعة أشخاص بمعامل الاستخبارات، وهذا بالتالي يجعلك تعرف أن الهدف ليس دائما هو صناعة حياة سياسية لأن هؤلاء لا يؤمنون بالسياسة، وهذا الشق الأول وهو إشغال الرأي العام".

أيضا، لفت إلى أن الغريب من وجهة نظره أن: "يأتي باحث مثل ضياء رشوان برتبة وزير كرئيس هيئة الاستعلامات الحكومية لينضم إلى كتيبة العرجاني، وهذا السؤال السياسي ولكن ما وراء السياسي هو: كيف تصرح الدولة والسلطة بعربات نصف نقل مكتوب عليها حزب (الجبهة الوطنية)؟، ومن يملكها؟، ومتى اشتراها؟، وكيف يتركونها في وقت غير مسموع فيه إطلاق هتافات باستادات الكرة أو رفع علم أو شال فلسطين؟".

ويرى أن "السماح لهؤلاء بعمل مظاهرات في الشوارع بسياراتهم يكشف مدى العلاقة الوطيدة بين هذه المنتج الذي ظهر في المجتمع وتم تسويقه بالبداية على أنه اتحاد قبائل، وإثر الانتقادات قال الإعلامي المقرب من النظام مصطفى بكري لنعتبرها جزءا من الجيش المصري".


ويعتقد السياسي المصري، أننا "أمام بناء مليشيات أزعم أنها لترهيب الشعب، ثم هي في طريقها للتحول إلى حزب لتخويف الشعب أيضا"، منتقدا "مشهد حشد البسطاء لتوقيع توكيلات للحزب وكأنهم أعضاء فيه، وكأنه لدينا الآن قبائل سيناوية لديهم أموال وسلاح وحزب ولا يمكن لأحد أن يتكلم".

ومضى زوبع، في قراءته، بالقول: "صناعة مليشيا جديدة في مصر يجعلك تشعر أنه لن يكون هناك خلاف أو صدام قادم بين الجيش والشرطة من ناحية والشعب من ناحية ثانية، وأنه تجري صناعة أشخاص آخرين لقتل المصريين بحجة الدفاع عن الوطن".

وألمح في نهاية حديثه إلى أن "هذا ما فعلوه من خلال (حركة تمرد)، وما فعلوه في 30 حزيران/ يونيو 2013، حيث أخرجوا البلطجية ومسجلي الخطر لمنع المتظاهرين وضربهم في المظاهرات الشعبية عقب مجزرة فض (رابعة العدوية)، وغيرها من المجازر، حيث كان هم من يحارب الناس ويطاردونهم خاصة بأحياء الفجالة والظاهر بالقاهرة".


"على درب الأسد"
في رؤيته للأمر وتعليقه عليه، قال الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية والعلاقات الدولية، أحمد مولانا، في حديثه لـ"عربي21"، إن: "النظام يعيد توزيع أوراقه دون أن يُقدم على تنفيذ أي إصلاحات، وبالتالي الضغوط على المواطنين تزداد، والأفق السياسي مسدود".

وأكد مولانا أن: "حزب (الجبهة الوطنية) مجرد إعادة تدوير لمحاولات أخرى فاشلة مثل حزب (مستقبل وطن)، لصنع رديف شعبي، ولكن بدلا من مواجهة المشاكل الحقيقية يلجأ النظام لخطوات تزيد الأزمات بدلا من حلها".

ولفت إلى أنه "يراهن على شخصيات لها تاريخ مشين، ومصر لن تنهض بهؤلاء، وبدلا من الاتعاظ ببشار الأسد وشبيحته، نظام السيسي يسير على ذات الدرب".

مقالات مشابهة

  • لا يليق بمكانة النادي ولا قيمته.. وليد الفراج يدخل على خط أزمات الأهلي
  • موكب أسطوري لحزب العرجاني وحشد للفقراء يستفزان المصريين.. ماذا يجري؟
  • تحالف فلسطين بلندن يرفض محاولات الشرطة منع انطلاق مظاهرة من أمام مقر BBC
  • لأول مرة.. قائمة النادي الأهلي في مواجهة استاد أبيدجان بدون أجانب
  • تحالف فلسطين يرفض محاولات شرطة لندن منع انطلاق مظاهرة من أمام بي بي سي
  • غرفة دبي العالمية تدعم توسع شركة تكنولوجيا زراعية إماراتية إلى مملكة إسواتيني
  • «غرفة دبي العالمية» تدعم توسع شركة تكنولوجيا زراعية إماراتية في أفريقيا
  • "غرفة دبي" تدعم توسع شركة تكنولوجيا زراعية إماراتية إلى مملكة إسواتيني
  • البوابة تكشف بالأسماء.. النادي الأهلي يستغنى عن ربع الفريق
  • فيديو.. ترامب يعلن استثمار شركة إماراتية 20 مليار دولار في أمريكا