دروسٌ وعِبَرٌ من ذكريات النكسة الأليمة وأيام الطوفان المجيدة
تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT
في ظلال #طوفان_الأقصى “76”
دروسٌ وعِبَرٌ من ذكريات #النكسة الأليمة وأيام الطوفان المجيدة
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
يستعيد الفلسطينيون بالكثير من الحزن والأسى والمرارة والألم نكسة العام 1967، التي منيت فيها الجيوش العربية بهزيمةٍ منكرةٍ، وقضي عليها بصورةٍ مهينة، وصمتت أبواقها المدوية مخزيةً، وانكفأ قادتها الملهمون أذلةً، وتشتت جنودها قتلى وأسرى وفارين بصورةٍ محزنةٍ، تاركين خلفهم جرحى يئنون ومصابين يستغيثون، إذ انهارت الجيوش في ساعاتٍ معدودة وكأنها جيوشٌ من ورق، وألويةٌ وكتائبٌ وفرقٌ كأنها صور، أو هياكل من طينٍ وقشٍ، وخيالات مآتةٍ من خشبٍ وقماشٍ، لا تخيف معتدياً ولا تفزع طيراً، فسقطت راياتها وجرجرت أذيالها خائبةً خاسرةً أمام جيش الكيان الذي ما زال يتأهل ويتطور، ولا يملك القوة الكافية ولا الردع المهاب، ولا يحظى بالدعم الكافي والإسناد المطلوب.
يكاد الفلسطينيون لا يصدقون أبداً ما جرى لهم وما لحق بهم جراء هذه الحرب، التي قضت على أحلامهم الكبيرة باستعادة الأرض والعودة، وقتلت الروح المعنوية العالية التي سكنتهم وعاشوا بها، وظنوا أنهم بها أقوى وسينتصرون، وبها أقدر وسيعودون، إلا أنها كانت صادمة لهم وكاوية لوعيهم، فتسببت في تعميق شتاتهم وتجديد لجوئهم، ومزقتهم أكثر وبعثرتهم في منافي الأرض ونثرتهم في أرجائها الأربعة.
وجرعتهم المر والهوان وألحقت بهم العار بضياع الشطر الثاني من أرضهم، واحتلال ما بقي من قدسهم، وتدنيس أقصاهم وانتهاك حرمة مقدساتهم، وزاد في الحرقة والأسى، وعمق الهزيمة والانكسار، ضياع أراضٍ عربيةٍ أخرى مصرية وسورية وأردنية ولبنانية، كان المرجو منها أن تكون جبهات مقاومة، وساحات إسنادٍ ومشاغلة، إلا أنها سقطت بسرعة، وعجزت الجيوش عن حمايتها والدفاع عنها، وما زالت عاجزة عن استرجاعها وتحريرها.
يستغرب الفلسطينيون ومعهم كل الشعوب العربية، كيف انهارت جيوشهم ولم تصمد، ولم تستطع القتال ولم تتمكن من المواجهة، وهي التي بُذلَ فيها الكثير لتقوى، ودُفع لأنظمتها الكثير لتتهيأ وتتجهز، وتأملت فيها شعوبها كثيراً لتنتصر، والتحق بها خيرة أبناء أمتنا لينالوا سبق القتال وشرف التحرير، وهم الذين آمنوا بشعارات القوة وصدقوا دعاة التحرير، فجادوا بأرواحهم والمهج، وضحوا بالمال والولد، ولكنهم صدموا أن العدو الأضعف منهم انتصر عليهم، والأقل عدداً منهم تغلب عليهم، والمحاصر بين البحر وأعدائه في أرضٍ صغيرةٍ ضيقةٍ محدودة، اتسعت حدوده وامتد نفوذه، وسيطر على أضعاف المساحة التي أنشأ عليها كيانه.
يزداد استغراب الشعوب العربية التي صدق آباؤها وضحى أجدادها في ظل طوفان الأقصى المبارك، وهم يرون أن ثلةً صغيرةً من أبناء أمتهم، في غزة ولبنان، وفي يمن العرب البعيد، تمكنت وحدها، وهي المحاصرة المضيق عليها، الفقيرة المعدمة، القليلة العدد والمحدودة السلاح، من مواجهة العدو وهو في أعتى حالاته، وأقوى مراحله، وأكثرها تفوقاً واستعلاءً، ودعماً وإسناداً.
إلا أنها استطاعت في حربٍ دمويةٍ طويلةٍ دخلت شهرها التاسع، أن تصمد أمام آلة الحرب الوحشية، وأن تثبت أمام المؤامرة الدولية، والتحالف الأمريكي الأوروبي الفاضح مع الكيان الصهيوني، ونجحت إلى حدٍ كبيرٍ في إفشال مخططاته وإحباط مؤامراته، وكبدته خسائر كبيرة في أرواح جنوده وضباطه، وعطلت حياته وضيقت سبل عيشه، وتسببت في انهيار اقتصاده وتصدع كيانه وتفكك جبهته الداخلية.
يتساءل العرب والفلسطينيون معاً، كيف استطاعت مجموعاتٌ صغيرة من المقاومين، لا يزيد عددهم عن الألفي مقاوم، يحملون أسلحةً فرديةً خفيفة، ولا يملكون غطاءً جوياً يحميهم، ولا مدفعية ميدان تمهد طريقهم، ولا دبابات تسهل مهمتهم، ولا قوى أخرى تساندهم، وهم ليسوا جيشاً ولا ألوية نظامية، اجتياح الحدود واجتياز السياج وتقطيع الأسلاك الشائكة، واقتحام البلدات والمستوطنات، ومهاجمة المواقع والثكنات، والوصول إلى المهاجع والملاجئ، وقتل المئات من الجنود والضباط الإسرائيليين، واقتياد أعدادٍ كبيرة منهم أسرى إلى داخل قطاع غزة، والسيطرة خلال ساعتين لا أكثر على ضعفي مساحة قطاع غزة، وتطويع فرقة غزة العسكرية الإسرائيلية الأقوى في المنطقة الجنوبية، وأسر قادتها وسوقهم مكبلين إلى مضاجع الموت أو إلى مقراتٍ سريةٍ في القطاع، أعيت العدو وحلفاءه عن اكتشافها وتحديد مكانها واستنقاذ أسراهم منها.
ليست المشكلة في أمتنا العربية وشعوبها، فهي صادقةٌ وفيةٌ، مخلصةٌ قويةٌ، مؤمنةٌ واثقةٌ، ثابتةٌ صامدة، لا تخشى العدو ولا تهابه، ولا تتردد في قتاله، ولا تجبن عن مواجهته، ولا تبخل في تقديم الأرواح والتضحية بالأموال والممتلكات في سبيل تحرير الأوطان وتطهير المقدسات، وهي تؤمن أنها قادرة على هزيمة العدو وتحقيق النصر، وتعتقد يقيناً أنها ستتغلب عليه وستفكك كيانه، وستشطب اسمه من الخارطة السياسية وستزيل كيانه من الجغرافيا الدولية، ولن يكون له وجودٌ بيننا ولا بقاء في أرضنا.
نحن لسنا ضعافاً فنُقتل، ولا خرافاً فنُذبح، ولا أذلاء فنخضع، أو جبناء فنسكت، بل نحن شعوبٌ مقاتلةٌ، تنتمي إلى أمةٍ مقاومة، عزيزةٍ أبيةٍ رائدةٍ راشدة، وهي أمةٌ أصيلةٌ نبيلةٌ، وهي أصل السامية وشرف الإنسانية، أمةٌ عريقةٌ ممتدة، تضرب جذورها في أعماق التاريخ، وينبت رجالها من قلب الأرض أطهاراً، ويخرجون لمواجهة العدو من جوفها أبطالاً، ويكبرون فيها كالجبال ثباتاً ورسوخاً، ويبقون فيها وقوفاً كالأشجار طولاً وشموخاً، وهم على وعدٍ جديدٍ وعهدٍ حديدٍ، ألا تتكرر النكسة، وألا تبقى النكبة، وأن يعلو طوفان الأقصى ويتسع، وفي ربوع الأرض يمتد، وأن يكون هو بداية النصر وتباشير العودة، وطوفان الخلاص وطلائع التحرير.
بيروت في 6/6/2024
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: طوفان الأقصى النكسة
إقرأ أيضاً:
الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الصدارة ولكن.. 4 دروس أفرزتها انتخابات ألمانيا
تعيد الانتخابات الألمانية تشكيل المشهد السياسي في ألمانيا مع صعود أحزاب اليمين المتطرف وأقصى اليسار، وفوضى الائتلافات وعدم اليقين بالنسبة للأحزاب الصغيرة. هل سيتمكن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة ميرتس من تشكيل ائتلاف حكومي قبيل عيد الفصح؟
بعد أن أدلى عشرات الملايين من الألمان بأصواتهم في الانتخابات الفيدرالية الأحد - وهو ما يعادل نسبة 84% من الناخبين المؤهلين للتصويت في البلاد البالغ عددهم حوالي 60 مليون ناخب - تشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الصدارة في الحكم بحوالي 28.5%.
ويلي حزبَ يمين الوسط حزبُ البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي شهد قفزة بنحو 10% منذ انتخابات 2021، حيث بلغت نسبته الآن حوالي 20.5%.
لم يتم فرز جميع الأصوات حتى الآن، ولكن من غير المتوقع أن تتغير النتيجة بشكل كبير، مما يعني أن البلاد تتجه مرة أخرى إلى حكومة ائتلافية، حيث لم تعرف ألمانيا أبدا في تاريخها المعاصر حزبا سياسيا فاز بالأغلبية المطلقة.
ما الذي ينتظر حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وزعيمه فريدريش ميرتس، وما هي النتائج الأربعة الرئيسية التي ستسفر عنها انتخابات الثالث والعشرين من فبراير شباط؟
1. تقدم واضح للاتحاد المسيحي الديمقراطي، لا تحالف مع حزب البديل من أجل ألمانياعلى الرغم من تقدم الاتحاد المسيحي الديمقراطي في الانتخابات، إلا أنه سيظل بحاجة إلى شريك أو شريكين في الائتلاف الحاكم. إذا حصل اليمين المتطرف على حوالي 1.5% إضافية من الأصوات عند انتهاء الفرز، فإنه يمكن للاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الشقيق الاتحاد الاجتماعي المسيحي أن يشكلا ائتلافًا مع حزب البديل من أجل ألمانيا.
ومع ذلك، استبعد ميرتز من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي مرة أخرى تشكيل ائتلاف "أسود وأزرق" أو ائتلاف "منتصف الليل"، وأمهل نفسه حتى عيد الفصح لإيجاد حل عملي.
في مناظرة ما بعد الانتخابات التي أجرتها قناة ARD الألمانية العامة في برنامج "برلينر رونده" الذي بثته قناة ARD مساء الأحد، اجتمع جميع المرشحين الرئيسيين لمناقشة أهم النتائج.
وأعاد ميرتس التأكيد على موقفه الرافض لتشكيل ائتلاف مع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، مؤكداً أن سياساته لا تتماشى مع سياسات الاتحاد المسيحي الديمقراطي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي.
2. سيناريو ائتلاف آخر يسمى ائتلاف "إشارات المرور"؟وكانت الحكومة السابقة، المكونة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة المستشار أولاف شولتس وحزب الخضر والحزب الليبرالي الديمقراطي الحر، قد انهارت بعد أن أقال شولتس وزير ماليته وزعيم الحزب الديمقراطي الحر كريستيان ليندنر في نوفمبر من العام الماضي.
وقد طغى مشهد الخلاف داخل الحكومة على صورة الائتلاف، فصدّقت صناديق الاقتراع هذا الواقع ومُنيت الأحزاب بخسائر جسيمة في استحقاق الأحد.
وقد لا يتمكن الحزب المتصدر في الانتخابات، وهو الاتحاد الديمقراطي المسيحي، من الحصول على أغلبية 50% وتشكيل حكومة، وقد لا يتمكن من تحقيق ذلك بشريك واحد فقط. ما يثير إمكانية تشكيل ائتلاف آخر من ثلاثة أحزاب.
وإذا فشل الحزب الديمقراطي الحر في تجاوز عتبة ال 5%، فإن الشريكين الوحيدين المتبقيين القابلين للتطبيق في الائتلاف بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي هما حزب الخضر والحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وعلى الرغم من أن الحزب المسيحي الديمقراطي استبعد التحالف مع حزب الخضر طوال الحملة الانتخابية، إلا أن ماركوس سودر، زعيم الحزب المسيحي الاجتماعي الديمقراطي، وهو الحزب الشقيق للاتحاد المسيحي الديمقراطي، صرح الأحد في برنامج "برلينر رونده" على قناة ARD العامة بأن مثل هذا الائتلاف لم يعد مطروحًا.
كما صرح روبرت هابيك، مرشح حزب الخضر لمنصب المستشار، بأن التحالف مع الاتحاد المسيحي الديمقراطي لم يعد مطروحًا بالنسبة له ولحزبه. أما مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمنصب المستشار أولاف شولتز فقد اكتفى بالقول إنه لن يقود أي محادثات ائتلاف من هذا القبيل، لأنه "تقدم بطلب للحصول على منصب المستشار".
3. مكاسب كبيرة لليمين المتطرف وأقصى اليسار المتطرفعلى عكس الانتخابات السابقة، اكتسبت الأحزاب في أقصى الطيف السياسي زخمًا كبيرا في هذا الاستحقاق.
إذ ارتفعت أسهم حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف بأكثر من 10% منذ الانتخابات الفيدرالية الأخيرة عام 2021، في حين حقق حزب أقصى اليسار "دي لينكه" أو حزب اليسار مكاسب كبيرة أيضًا.
وكان حزب اليسار قد تمكن من دخول البوندستاغ عام 2021 رغم حصوله على 4.9% فقط من الأصوات الثانية. وقد حصل الحزب على ثلاثة تفويضات مباشرة وبالتالي استفاد من بند التفويض الأساسي الذي تجاوز عتبة 5%.
ونتيجةً لذلك، حصل الحزب على 39 مقعدًا بما يتناسب مع حصته من الأصوات الثانية وتمكن من البقاء في البرلمان مع حصوله على تفويض كامل.
ركز حزب البديل من أجل ألمانيا حملته على الاقتصاد والهجرة، في حين ركز أقصى اليسار على القضايا الاجتماعية مثل الحد الأقصى للإيجار.
ووفقًا لـ ZDF، رأى الناخبون أن قضية "اللاجئين واللجوء" أكثر أهمية من "المعاشات التقاعدية" أو "حماية المناخ". وأولوا أهمية أكبر لـ"السلام والأمن" و"الاقتصاد" و"العدالة الاجتماعية".
Related المناخ لم يعد أولوية في انتخابات ألمانيا 2025 وقضايا الأمن والاقتصاد تطغى على المشهد حزب البديل من أجل ألمانيا: الحرب في أوكرانيا ليست حربناانتخابات ألمانيا: اليمين المحافظ في المركز الأول وهزيمة تاريخية للحزب الاشتراكي بزعامة أولاف شولتزكيف يعمل النظام الانتخابي في ألمانيا؟ وما أبرز التعديلات الجديدة التي طرأت عليه هذا العام؟4. الخسارة المحتملة للأحزاب الصغيرةللحصول على مقاعد في البوندستاغ في ألمانيا، يجب أن يحصل أي حزب على أكثر من 5% من إجمالي الأصوات أو الفوز بثلاثة تفويضات مباشرة على الأقل في الدوائر الانتخابية الفردية.
لذلك فإن انتخابات ال23 شباط فبراير قد تحدد مصير وبقاء الأحزاب الصغيرة مثل الحزب الديمقراطي الحر الليبرالي، وحزب اليسار المتطرف، وحزب اليسار المتطرف، وتحالف ساهرا فاجنكنشت اليساري المحافظ.
وبينما يبدو أن أقصى اليسار المتطرف قد ضمن مكانه في البوندستاغ (البرلمان الألماني)، فإن مستقبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر لا يزال غير مؤكد في الوقت الحالي.
إذ حصل الحزب الديمقراطي الحر حتى الآن على حوالي 4.6%، في حين تبلغ نسبة أصوات الحزب الديمقراطي الحر نحو 4.9%. ومع عدم اكتمال فرز جميع الأصوات حتى الآن، لا تزال هناك احتمالية أن تشهد نتائج كلا الحزبين تذبذبا في أي من الاتجاهين.
خلال المناظرة التي أجرتها قناة ARD بعد الانتخابات، أشار ليندنر إلى أنه قد يترك السياسة فقال: "نحن لا نعرف النتائج النهائية بعد. ومع ذلك، أنا واقعي، وقد يحتاج الحزب الديمقراطي الحر إلى إدخال إصلاحات غدًا".
مسيرة عمرها 25 عاماوقد غرد ليندنر على حسابه بموقع إكس بالقول: " اليوم أنسحب من السياسة. ينتابني إحساس واحد: الشعور بالامتنان لمسيرة عمرها 25 سنة وقد كانت محفزة ومليئة بالتحديات وزاخرة بالمشاريع والنقاشات"
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية زيلينسكي مستعد للتنحي مقابل انضمام أوكرانيا لحلف الناتو رفضٌ تلاه قبول: أوكرانيا تستأنف مفاوضاتها مع واشنطن بشأن المعادن النادرة نتنياهو يحذر دمشق: على الإدارة الجديدة سحب قواتها من جنوب سوريا ولن نتسامح مع تهديد الطائفة الدرزية الحزب الاشتراكي الديموقراطيحكومةبرلمانألمانياالانتخابات التشريعية الألمانية 2025أولاف شولتس