عبر أمهاتهم.. صوت القمر يروي الجانب المخفي من حياة الشهداء
تاريخ النشر: 3rd, August 2023 GMT
نابلس- "كيفك يما؟ وكيف أصحابي والبلد من بعدي؟ وهل اشتقتم لي؟ وكيف شعورك حين دخلت غرفتي؟ وهل لا زلت تذكرين طعامي المفضل؟ وماذا عن وصيتي؟" كلها أسئلة تدور في "صوت القمر" عبر حوار مغلق في عالم ما بعد الموت، بين صوت الشهيد القادم من فضاء بعيد، وأمه التي تجيبه بصدق، كأنهما يتبادلان حديثا اعتاداه آنفا ويستعيدانه الآن افتراضا بعد الغياب قسرا.
"صوت القمر" فيلم وثائقي أعده وأنتجه صحفيون في محطة "حياة" الإذاعية بنابلس، ويقدم حوارا افتراضيا بين الشهداء وأمهاتهم؛ يسألونهن عن حالهن وأحوال البلد بعدهم. في إشارة إلى المقاومة، وما إذا استمر رفاقهم في النضال وعملوا بوصاياهم.
تقدم الأمهات عبر الوثائقي -الذي يستمر نحو 40 دقيقة- إجابات عن كل ذلك بواقع ما جرى فعلا، واختتم العمل بأصوات حقيقية لشهداء من آخر لحظات حياتهم، حين بعثوا وصاياهم لأمهاتهم خاصة ولرفاق النضال بعدهم، ومن ذلك "بحبك يما، أوعكم (إياكم) تتركوا البارودة (البندقية)".
وارتقى في نابلس وحدها خلال عامي 2022 و2023 أكثر من 80 شهيدا، واصطلح إطلاق لقب "قمر" مع اسم كل شهيد.
أم عدي والدة الشهيد محمد العزيزي (أبو صالح) -مؤسس مجموعة "عرين الأسود" المقاومة- يستعرض الوثائقي قصة نجلها ورفاقه الذين ارتقوا شهداء، حيث قالت "إن الفيلم تناول موضوعا يدور في الخلد يوميا بيني وبين أبو صالح، وأنا أرد بالإجابات نفسها".
وتضيف للجزيرة نت "أفتقد أبو صالح في كل شيء وفي جميع الأحداث والمناسبات، وفي هاتفه النقال وصوره على جدران غرفته التي أدخلها يوميا وأشم رائحته في ملابسه".
وفي عنصر المكان شيء آخر تفتقده أم عدي، وترى فيه وقودا يشعل الأمل فيها كلما تذكرت نجلها الشهيد؛ ففي "الحوش" (فناء المنزل) تستذكر آخر حوار جرى معه بينما هو مشتبك مع الاحتلال قبل أن يرتقي شهيد أواخر يوليو/تموز 2022، حيث طلب منها الخروج من المنزل حتى لا تتأذى، واعدا إياها بأنه سيتبعها مباشرة، "وفعلا لحق بي، ولكنه كان شهيدا".
كل هذه الذكريات لم تغب عن بال أم عدي ورفيقاتها أمهات الشهداء، وهو حدث يعشنه يوميا، ليأتي الفيلم ويوثقه بكل تفاصيله، وتقول أم عدي "عمد الوثائقي إلى ترجمة مشاعرنا وحديث الذات الذي لا يفارقنا مع أبنائنا وأخرجه إلى العلن؛ فروح الشهيد تظل حاضرة في كل مكان وزمان".
وعن الوثائقي، تقول أميرة حموضة -معدة في فريق العمل بوثائقي "صوت القمر"- إن فكرة الفيلم تناولت أمرا معتادا، وهو حياة الشهيد وسيرته وأفعاله المقاومة، التي تنشر بمجرد رحيله، وهي على أهميتها إلا أن هناك "الجانب الإنساني المخفي من حياة بعض الشهداء وذويهم، خاصة الأمهات، ولهذا اخترنا الشهداء غير المتزوجين لنعرف آخر لحظاتهم مع أمهاتهم".
واختار القائمون على العمل الفني 20 أمًّا تحدثن عن أبنائهن الشهداء وعن تفاصيل حياتهن، واستطعن إحياء ذكرى أبنائهن بأجمل الكلمات رغم الألم وغصة المشهد، وتقول حموضة "كان الموقف الأصعب أثناء التصوير؛ فالفيلم حرَّك مشاعر الأمهات وأوجاعهن، وكان وقودا لآمالهن بالعيش للحظات مع أبنائهن رغم رحيلهم".
وتضيف أن الوثائقي أكد أن الشهداء ليسوا مجرد أرقام، وأن نضالهم يستحق الاستمرار بتداول سيرهم، "وأن ذلك أقل الواجب أمام تضحياتهم؛ فكل الشهداء كانت لهم حياة وأحلام وأمنيات، ورحيلهم ترك غصة لدى أمهاتهم".
و"صوت القمر" التجربة الأولى لأميرة ورفاقها، ويرون أنها خطوة نحو أعمال أخرى تقف عند معاناة الفلسطينيين، لا سيما الجثامين المحتجزة بمقابر الأرقام والأسرى الفلسطينيين.
وفي عرضه الأول بمبنى جامعة القدس المفتوحة بنابلس، لم تلتق الأمهات ممن شاركن في العمل فحسب، بل حضرت معظم أمهات الشهداء بنابلس وأخريات من مناطق مختلفة، وذرفن سويا دموع الحزن والقهر.
رسائل للعالم وأخرى محليةوعبر هذه الدموع، أراد محسن جبر مخرج "صوت القمر" وفريقه أن يبعثوا رسالة للعالم مفادها أن أمهات الشهداء يعانين الفقد ويتألمن للفراق وليس كما يروج له بأنهن "يلقين بأبنائهن للموت"، وقال إن الأم الفلسطينية دوما تسعى لأن ترى ابنها في أعلى المواقع والمراتب.
ويقول جبر للجزيرة نت إنهم أرادوا إيصال رسالة أيضا لأمهات الشهداء بأن الكل يشاركهن أوجاعهن وآلامهن الممزوجة بالعز والفخر، وأن "الجانب الإنساني" الذي لا يعرفه كثيرون من حياة أبنائهن سيظل حاضرا.
ويسعى جبر ورفاقه للوصول إلى العالمية بعملهم الفني الذي استغرق إعداده نحو شهرين، ويعمل الفريق على ترجمة العمل للغة الإنجليزية ولغات أجنبية أخرى.
ومحليا، حظي الفيلم الوثائقي بقبول واسع لدى المجتمع النابلسي وبيئة المقاومة على وجه الخصوص، وذلَّل "راديو حياة" -الجهة المنتجة للفيلم- الصعوبات أمام فريق الإعداد، وتقول مديرة "راديو حياة" هند سعد إنهم رأوا أن العمل الفني مكافأة لأمهات الشهداء ومحاولة "للوقوف بجانبهن في محنتهن، وتأكيد الشهيد ليس مجرد رقم، وأن قصص الشهداء تُخلد بوصفها شواهد للتاريخ".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
حماس: المقاومة حافظت على حياة الأسرى وتعاملت معهم بانسانية
الثورة نت/وكالات أكدت حركة حماس أن كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية حرصت خلال مراسم تسليم جثامين الأسرى الصهاينة على مراعاة حرمة الموتى ومشاعر عائلاتهم، مشددة على أن جيش العدو لم يراعِ حياتهم وهم أحياء. وأوضحت الحركة، في بيان صحفي، أن المقاومة حافظت على حياة الأسرى وتعاملت معهم بإنسانية، إلا أن العدو قتلهم مع آسريهم عبر قصف أماكن احتجازهم، مؤكدة أن الحكومة الإسرائيلية تتحمل المسؤولية الكاملة عن مقتلهم بعد أن عرقلت اتفاق التبادل مرارًا. واتهمت حماس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمحاولة التنصل من مسؤوليته عن مقتل الأسرى، قائلة إنه “يتباكى اليوم على جثامين أسراه الذين عادوا إليه في توابيت، بينما كان هو السبب المباشر في قتلهم”. وأضافت الحركة أن كتائب القسام بذلت كل ما في وسعها لحماية الأسرى، لكن القصف الإسرائيلي المكثف حال دون إنقاذهم جميعًا. وفي رسالة لعائلات الأسرى، قالت حماس: “كنّا نفضل أن يعود أبناؤكم إليكم أحياءً، لكن قادة جيشكم وحكومتكم اختاروا قتلهم بدلًا من استعادتهم”، مضيفة أن إسرائيل قتلت 17,881 طفلًا فلسطينيًا خلال عدوانها المستمر على غزة، وأن عائلات الأسرى الإسرائيليين كانت “ضحية لقيادة لا تكترث لأبنائها”. واختتمت الحركة بيانها بالتأكيد على أن التبادل هو السبيل الوحيد لاستعادة الأسرى أحياءً، محذرة من أن أي محاولة لاستعادتهم بالقوة العسكرية أو استمرار الحرب لن تؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر في صفوف الأسرى الإسرائيليين.