الوطن:
2025-04-27@05:07:09 GMT

محمد مغربي يكتب: ثورة اصطناعية لذوي الهمم (1)

تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT

محمد مغربي يكتب: ثورة اصطناعية لذوي الهمم (1)

فى زمن ما، لم يكن للإنسان سوى ساعده للبقاء على قيد الحياة، فهو إما مُحارب يعيش من كدّ يديه وسيفه، وإما عبد قادر على تأدية مهام منزلية للعيش فى كنف سيده، وقتها، كان «ذوو الهمم» يُعدّون عبئاً ثقيلاً على المجتمع، لدرجة دفعت شعوباً إلى التخلّص منهم بأبشع الطرق، ولم يكن «هتلر» سوى منفّذ لتقاليد قديمة حين اعتبر أن أى «صاحب همّة» هو ألمانى «غير نقى»، وبالتالى يجب التخلّص منه.

لكن أفضل ما فى الإنسان أنه يتطور ويتحضّر، لذلك مع نهاية القرن العشرين لم يعد ذوو الهمم عبئاً على الدولة، بل صاروا أصحاب حقوق على الدولة أن تخصصها لهم، وتمنحهم مميزات تساعدهم على الحياة وفق احتياجاتهم الخاصة، بل صار هناك الثالث من ديسمبر، يوماً عالمياً للتذكير بحقوقهم والنظر فيما تم تقديمه إليهم وماذا يحتاجون غداً.

وكما أن كل اختراع طبى يفيد الإنسان بشكل عام، فإنه يفيد أيضاً ذوى الهمم بشكل خاص، وفى السنوات الأخيرة لم يعد الأمر مقتصراً على الطب فقط، فثورة التكنولوجيا وما أنتجته من تقنيات ساعدت كثيراً أصحاب الاحتياجات الخاصة للدمج فى المجتمع وتيسير مهامهم اليومية، بل إن هناك تقنيات صارت تستهدفهم فى المقام الأول، واستطاعت أن تمنحهم ما لم يكونوا يحلمون به، ما يجسّد وجه التكنولوجيا المشرق رغم كل ما يمكن أن يشوب أوجهها الأخرى من ظلام.

ولعل البداية كانت مع التكنولوجيا «AI»، والذى قدّم ثورة فى مختلف الجوانب، وخاصة تمكّين ذوى الإعاقة من خلال توفير أدوات وخدمات تساعدهم فى التغلب على تحدياتهم، فتطبيق مثل «ألكسا» وهو مساعد ذكى يمكنه التحكّم فى الأجهزة المنزلية باستخدام الأوامر الصوتية فقط، ساعد ذوى الهمم كثيراً داخل البيوت لأداء مهامهم اليومية بسهولة.

وكذلك استخدام كرسى «ويليكس» المتحرك الكهربائى ذاتى القيادة، وهو كرسى مزود بكاميرات رقمية مثبتة عليه وشاشة تحكّم رقمى وأجهزة استشعار «Sensors»، وذلك لتجنب العوائق وفهم احتياجات المستخدم وتفضيلاته والتحكم فى الكرسى بناء على هذه المعلومات، أى أنه يمكنه التوجه إلى الوجهة المطلوبة دون حاجة لتدخل المستخدم نفسه، تلك المميزات دفعت شركات عديدة لتصنيع كراسى «ويليكس»، بما فى ذلك شركات أمريكية وألمانية، وتقدر مبيعاته بنحو 5.8 مليار دولار فى عام 2022، فى ظل توقعات بنمو سنوى ليصل إلى 9.4 مليار دولار بحلول 2025.

أما أصحاب الإعاقة البصرية، فقدّم لهم الذكاء الاصطناعى نظارات Vii See الذكية، والتى تساعدهم فى التعرف على الأشخاص والأشياء من حولهم من خلال قراءة النصوص ووصف المشاهد، وتنتج تلك النظارات شركة Vii See اليابانية منذ عام 2017، ويتم فيها استخدام كاميرات رقمية وأجهزة استشعار SenSors، وبتحليل تقنية الذكاء الاصطناعى يتم فهم محيط المستخدم وتقديم المعلومات بطريقة مسموعة.

كما يعد أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى هذا المجال هو استخدام تقنيات التعرف على الصور لوصف محتوى الصور وفهم مضمونها، ومعرفة الأشخاص والأشياء الموجودة فيها، وكذلك التعرف على النصوص المكتوبة على الصور مثل التعرف على العملات ودفع الفواتير.

وبالنسبة لذوى الإعاقة السمعية، لم تغفلهم تقنيات الذكاء الاصطناعى التى قدّمت لهم سماعات «جارفيس» الذكية، وهى سماعات تُساعدهم على فهم المحادثات فى الوقت الفعلى من خلال ترجمة الكلام إلى لغة الإشارة «ترجمة فورية»، وذلك بربط السماعة بتطبيق على الهاتف يسمح لك، كما أن السماعة تعمل بجميع اللغات.

وتم تأسيس شركة «جارفيس» الأمريكية من قِبل فريق من المهندسين وعلماء النفس، ويُقدّر صافى إيراداتها فى عام 2022 بنحو 100 مليون دولار.

الأمر ذاته ينطبق على ذوى الإعاقة فى التعلم، إذ وفّر لهم الذكاء الاصطناعى أدوات تعليمية مخصصة لهم استناداً على تجارب تعليمية تفاعلية، وأدوات مساعدة لتحرير النصوص وإنشاء العروض التقديمية وإدارة المهام، كما قدّم أيضاً مساعدة لتحسين صحتهم النفسى بتوفير أدوات العلاج النفسى والدعم العاطفى، كما يمكنه مساعدة ذوى الإعاقة فى التواصل مع الآخرين وتكوين صداقات جديدة.

هل انتهت القائمة؟ الحقيقة لا، فمنح وهدايا الذكاء الاصطناعى لذوى الهمم طويلة وممتدة لدرجة تجعل اختصارها فى مقال واحد أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، لذلك ففى الجزء الثانى من هذا المقال ستتضح الصورة أكثر، ونعرف أكثر ما يجرى حولنا الآن من تطور مذهل.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: ذوو الهمم التكنولوجيا الذكاء الاصطناعى الذکاء الاصطناعى ذوى الإعاقة التعرف على

إقرأ أيضاً:

محمد عبدالسلام يكتب: فرنسيس الإنسان.. زعيم روحي تجاوز الحواجز وبنى جسور الأخوة والحوار

هذا المقال بقلم المستشار محمد عبدالسلام، الأمين العام لجائزة زايد للأخوّة الإنسانية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.

استيقظ العالم يوم الاثنين الماضي على خبر رحيل البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وقائد ملهم لأكثر من مليار ونصف من سكان عالمنا، ولا شك أن الإنسانية قد فقدت فارسًا من فرسان السلام والدعوة إلى الإخاء الإنساني في أسمى معانيه ولا غرو أن يصفه فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب قائلًا: "البابا فرنسيس رجل سلام بامتياز".

وليس من الإنصاف أن يُختزل الحديث عن البابا فرنسيس في كونه مجرد رمز ديني كاثوليكي، فالرجل كان، بحق، قائدًا روحيًا عالميًا استثنائيًا، وصوتًا للضمير الإنساني، وشريكًا حقيقيًا في صنع السلام، وصديقًا صادقًا ومتفردًا للإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف. ومن واجب الإنصاف أن نُجلّ الإنسان فرنسيس بما قدّمه للبشرية من مآثر خالدة وإرث إنساني فريد، يتجاوز الحدود الدينية والجغرافية.

طوال عشر سنواتٍ من معرفتي الوثيقة بالبابا فرنسيس، منذ أول لقاء جمعني به عام 2015 في سياق عملي كمستشار للإمام الأكبر الطيب، لم أرَ منه إلا التواضع الجمّ والصدق العميق والرحمة الواسعة. لم يكن البابا رجلاً يعيش في أبراج العظمة ولا متكئًا على ألقاب البروتوكول، بل كان قريبًا من الناس، بسيطًا في حضوره، عظيمًا في جوهره.

ما زلت أذكر كيف كان يكتب رسائله وخطاباته لي بخط يده بتواضع مدهش، في مشهد يجسّد تجرّده من المظاهر وميله الفطري للبساطة. كان يُجالس الأطفال، ويُربّت على أكتافهم، ويُنصت لهم، لا تكلفًا بل حبًا صادقًا. وقد رأيت ذلك بعيني في كل لقاء جمعه بأطفالي الثلاث الذين نشأت بينهم وبينه علاقة وجدانية عميقة، لدرجة أنهم ينادونه بعفوية الأطفال وبراءتها "جدو البابا"، ويحتفلون بعيد ميلاده كل عام بكعكة يختارونها بأنفسهم في السابع عشر من ديسمبر، ويُهاتفهم من حين لآخر للاطمئنان عليهم، كما كان يفعل عندما كانت ابنتي خديجه تمر بمرحلة علاجية دقيقة عام 2018.

ومن المواقف التي لا تُنسى، ذلك اللقاء الأول الذي جمع البابا بالإمام الأكبر في مقر إقامته بالفاتيكان "كازا سانتا مارتا"، حيث جلسا إلى مائدة واحدة، فتناول البابا قطعة خبز فقسمها إلى نصفين، أعطى الإمام الأكبر نصفها، وتشاركاها في صمت يعلو على كل خطاب، وكأنهما يكتبان لحظة جديدة في تاريخ التعايش الإنساني، كانت إيذانا بعودة الحوار والعلاقات بين الأزهر والفاتيكان بعد قطيعة دامت لسنوات قبل مجيء الرمزين العظيمين.

لقد جسّد البابا فرنسيس الإيمان بأن تنوّعنا الثقافي والديني ليس سببًا للفرقة، بل هو هبة من الله تستحق أن تُحاط بالعرفان والاحترام. ولذا، لم يكن مستغربًا أن يكون أول بابا في التاريخ يقوم مع شيخ الأزهر بزيارة مشتركة إلى أرض شبه الجزيرة العربية، حين زارا معاً الإمارات العربية المتحدة في عام 2019، ثم مملكة البحرين في 2023، حاملين رسالة سلام وانفتاح، وداعيين لحوار الحضارات، لا صراعها، وقد تجدد اللقاء بين الرمزين في العديد من اللقاءات والمحافل.

ومن أبرز محطات حبريته، توقيع وإطلاق "وثيقة الأخوة الإنسانية" من أبوظبي عام 2019، إلى جانب الإمام الأكبر، كإعلان عالمي يدعو إلى بناء عالم متصالح، يقوم على احترام الإنسان، ونبذ الكراهية، وترسيخ قيم الرحمة والتفاهم، ومثلت محطة تاريخية تشرفت بالمساهمة في الوصول اليها.

ولم يكن التزامه بالأخوّة الإنسانية محصورًا في الحبر والكلمات، بل امتد إلى الأفعال؛ فلطالما وقف إلى جانب اللاجئين والمهمشين، كما فعل حين اصطحب ثلاث عائلات سورية مسلمة لاجئة من جزيرة ليسبوس إلى روما، حيث يعيشون اليوم حياة جديدة ويقولون في كلمات تفيض بالامتنان والعرفان: "لقد أرسله الله لينقذنا".

وعلى صعيد البيئة، كان للبابا فرنسيس صوتًا صادقًا لا يلين. فمنذ إطلاقه الرسالة البابوية التاريخية "كن مسبّحًا" عام 2015، جعل من حماية البيئة أولوية أخلاقية وروحية، ودعا قادة الأديان إلى أن يضطلعوا بمسؤوليتهم تجاه هذا التحدي المصيري، كما التزم بقيادة الفاتيكان نحو الحياد الكربوني الكامل بحلول عام 2050.

وفي مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين الذي استضافته الإمارات العربية المتحدة، وتحديدًا في جناح الأديان الذي نظّمه مجلس حكماء المسلمين – والذي أتشرف بتولي أمانته العامة – تشرفنا بمشاركة البابا فرنسيس والإمام الأكبر معًا في رعاية المبادرة، ووقعا معاً إلى جانب 28 قائدًا دينيًا على "بيان أبوظبي بين الأديان من أجل المناخ"، في لحظة تاريخية تجلّت فيها وحدة الضمير الإنساني في وجه التحديات الكبرى التي تهدد البشرية.

وفي ديسمبر الماضي، كان لي شرف اللقاء الأخير مع قداسته في حاضرة الفاتيكان، خلال لقاء خاص نظمناه للجنة تحكيم جائزة زايد للأخوّة الإنسانية. وقد أعددنا له بهذه المناسبة فيديو تهنئة بعيد ميلاده، شارك فيه عدد من الفائزين وممثلين عن الجائزة، بالإضافة إلى أطفال لاجئين من روما. وعندما شاهد وجوه الأطفال على الشاشة وهم يغنون له، أضاء وجهه بابتسامة عريضة، وارتسمت على محيّاه ملامح الفرح العفوي الصادق.

لقد رحل عن عالمنا رجل استثنائي، عاش من أجل الناس، وأحبّ الفقراء، وسعى لبناء عالمٍ يسوده السلام. إلا أن رسالته لم ترحل، وإرثه لم ينقطع، وسيرته ستظل منارة تهدي الساعين للخير والعدالة.

فلنُكرم ذكراه بالسير على خُطاه في دعوته للسلام والتعايش، ونحمل ما دعا إليه من رحمة، ونُعلي ما نادى به من حوار إنساني، ونمضي في بناء عالمٍ تسوده روح المحبة والأخوة. هذا هو إرث فرنسيس الإنسان: أبٌ في الإنسانية، وزعيمٌ في السلام، ورمزٌ سيبقى حيًّا في ضمائر الأحرار.

الإماراتمصرالبابا فرنسيسرأيشيخ الأزهرنشر الخميس، 24 ابريل / نيسان 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • محمد أكرم دياب يكتب: "بسم الله" سر نصر السادات
  • وزير الاتصالات:نتوسع فى البرامج التدريبية التى تهدف إلى بناء قاعدة عريضة من المهارات الرقمية والمتخصصة فى مجال الذكاء الاصطناعى
  • فرص عمل وإعفاءات مالية.. مزايا عديدة في بطاقة الخدمات المتكاملة لذوي الهمم
  • محمد الغبارى: نظرة الدولة تجاه سيناء تغيرت بعد ثورة 30 يونيو
  • الأميرة عادلة بنت عبدالله ترعى حفل جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان للتفوق العلمي والإبداع في التربية الخاصة
  • اتفاقية لجمعية الصحفيين توفر الذكاء الاصطناعي بلغة الإشارة
  • محمد صبيح يكتب: كجوك يتحدث بثقة .. هكذا مصر على طاولة الكبار بواشنطن
  • محمد حامد جمعة يكتب: الدو
  • محمد مولود الكيرع نائباً لرئيس الاتحاد الإفريقي للتايكوندو: إشعاع مغربي متواصل في المحافل القارية
  • محمد عبدالسلام يكتب: فرنسيس الإنسان.. زعيم روحي تجاوز الحواجز وبنى جسور الأخوة والحوار