الوطن:
2024-06-30@00:01:02 GMT

الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: كيف وصلتنا السنة؟ (5)

تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT

الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: كيف وصلتنا السنة؟ (5)

بيَّنّا بالأدلة القاطعة أنَّ أول مَن قام بتدوين السنَّة والتصنيف فيها هو سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال الكتب التى أمر بكتابتها وإرسالها إلى المدن المختلفة، والأخرى التى حفظها بصورة تبين أنها قوانين ثابتة لا تُنقض ولا تَنخرم.

وأشرنا لكتابه لسيدِنا عمرو بن حزم، رضى الله عنه، حين أرسله إلى اليمن وهو الكتاب الذى ذاع ذيوعاً أشبه التواتر، أى: نُقلَ نقلاً مستفيضاً يستحيلُ معه الشك فى صحته، يقول ابن عبدالبر القرطبى (ت 463) -أحد كبار علماء الحديث-: وهو كتاب مشهور عند أهل السِّيَر، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفةً تستغنى بشهرتها عن الإسناد؛ لأنه أشبه التواتر فى مجيئه، لتلقى الناس له بالقبول والمعرفة.

وثَم شىء لا بد من الوقوف عنده، وهو رسائله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والزعماء، فقد وصلتنا نصوص هذه الرسائل، والأصل أنها أُرسلت لأممٍ أخرى، فكان ينبغى أَلَّا تصلَ إلينا نصوصُها، ووجودُها فى كتبِ السنةِ النبويةِ وفيما أُلِّف مِن كتب السيرة، بل وصولُ أصولٍ مخطوطةٍ قديمةٍ لها، كل هذا دليل واضح على أنها دُوِّنت إمَّا بأمرهِ صلى الله عليه وسلم، وإما بسماحه بذلك، والوقوف على النّقْلة الحضارية التى أوجدها صلى الله عليه وسلم يجعلنا نميلُ إلى أنه صلى الله عليه وسلم هو الذى أمر بحفظ هذه المكاتبات الرسمية، بالدليل أن حفظ المكاتبات والوثائق الرسمية كان موجوداً عند الخلفاء من بعده صلى الله عليه وسلم، حتى إن سيدنا عمر بن الخطاب جعل لهذه المكاتبات خزانة خاصة فى بيت الخلافة، وتطور هذا فى عهد سيدِنا عثمان إلى منشأة خاصة سُمّيت «بيتَ القراطيسِ» أى: بيت الوثائق.

بل كانت نُسَخ هذه الوثائق متاحةً بين أيدى سائرِ الصحابة رضى الله عنهم، فقد جمع سيدنا عمرو بن حزم المتقدم ذِكره -رضى الله عنه- من هذه الوثائق بضعة وعشرين كتاباً كتبَها النبى صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى الكتاب الذى أرسلَه به سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فكان هذا أول مجموعة لبعض الوثائق النبوية، وقد نُقلَ عنه هذا المجموعُ الوثائقىُّ جيلاً فجيلاً، حتى إن المحدِّث والمؤرخ الكبير شمس الدين محمد بن طولون الدمشقى (ت 953) قد جعل هذا المجموع ذيلاً لكتاب جمع فيه مكاتبات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوانه «إعلام السائلين عن كُتب سيد المرسلين»، وهو كتاب مطبوع متداول.

وقد وصلنا ما يصور لنا مجالس العلم على عهده صلى الله عليه وسلم، فقد كان الصحابة يقومون بالتدوين فى مجلسه صلى الله عليه وسلم وتحت سمعه وبصره، يقول سيدُنا عبدالله بن عمرو، رضى الله عنهما: «بينما نحن حولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم نكتبُ..»، وهذه العبارة تبين كيف كان جلوسهم حوله صلى الله عليه وسلم كجلوس التلاميذ حول شيخهم، وهى الصورة التى ظلت إلى عهد قريب فى المعاهد العلمية كالأزهر الشريف، حيث يتحلق الطلاب حول الشيخ، وهذا الحديث يبين أن صورة هذا المجلس سُنة بعُد عهدُ الناس بها، كما أنَّ العبارة السابقة صريحة فى أنَّ الكَتَبة متعددون.

وقد وردت طريقة إلقاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام فى مجلسه، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديثَ كسَردِ الناس؛ أى: لم يكن يُكثره ويُتابع بين ألفاظِه، بل كانت ألفاظه قليلة جامعة، فقد أُوتىَ صلى الله عليه وسلم جوامعَ الكلم؛ أى: يستطيع أن يجمع المعانى الكثيرة فى ألفاظ قليلة، وقد قيل فى وصف قلة ألفاظه صلى الله عليه وسلم: كانَ يُحدّثُ حديثاً لو عَدهُ العادُّ لأحصاهُ، وهذا يناسب طبيعة هذه المجالس العلمية التى يحرص رُوَّادها على كتابة العلم وحفظه.

وقد يظن البعض أن مجالس كتابة العلم هذه لم تكن إلا فى المدينة، وهذا غير صحيح، فقد كانت كذلك منذ أول الوحى فى مكة، يقول سيدُنا عبدالله بن عمرو: كنتُ أكتبُ كلَّ شىءٍ أسمعُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريدُ حفظَه، فنهتنى قريشٌ وقالوا: أتكتبُ كلَّ شىءٍ تسمعُه مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يتكلّمُ فى الغضب والرضا؟!

فأمسكتُ عن الكتابِ، فذكرتُ ذلك لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأومأَ بإصبعِهِ إلى فِيهِ [فَمِه]، فقال: «اكتبْ، فوالذى نفسِى بيده ما يخرجُ منه إِلَّا حقٌّ».

فعبارة (نهتنى قريش) دون ذِكرِ غيرهم، ومفهوم عبارة: (ورسول الله بشر يتكلم فى الغضب والرضا) التى قد تكون نقلاً بالمعنى لقول مشركى مكة، أو حكاية لقول بعض المسلمين فى أوائل الإسلام حيث لم يدركوا حقيقة العصمة، كل هذا يبين أن التدوين بدأ مع بداية الدعوة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الله صلى الله علیه وسلم رسول الله رضى الله

إقرأ أيضاً:

حكم قول "الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه"

قالت دار الإفتاء المصرية، إن صيغة "الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه" جائزة شرعًا، فهي صيغة يُراد بها المبالغة في حمد الله تعالى، وهذه الصيغة وإن لم ترد في نص آية أو حديث فإنه لا يعني عدم جواز الذكر بها؛ وذلك لأنَّ الذكر بابه واسع، وقد ورد بمثلها عدد من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتلقاها العلماء بالقبول.

الإفتاء توضح مفهوم الحسد وبيان خطورته دار الإفتاء توضح بعض مظاهر حماية ورعاية الإسلام للبيئة بيان فضل الحمد ومعناه

الحق تبارك وتعالى حميدٌ يُحب الحمد، والحميد في حقه تعالى أي: الْمَحْمُود الْمُثنَى عَلَيْهِ، وَالله عز وَجل هُوَ الحميد بِحَمْدِهِ لنَفسِهِ أزلًا وبحمد عباده لَهُ أبدًا..

وقد ورد عن الأسود بن سريع رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي مَدَحْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ بِمَحَامِدَ، قَالَ: «أَمَا إِنَّ رَبَّكَ يُحِبُّ الْحَمْدَ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، والإمام البخاري في "الأدب المفرد" واللفظ له.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْحَمْدِ»، أخرجه البَيْهَقِي في "شعب الإيمان"، وأبو يَعْلَى الموصلي في "مسنده".

الحمدلله

ونبَّه النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم على أنَّ أفضل العباد يوم القيامة وأول من يُدعى إلى الجنة: مَن يَحمدون الله كثيرًا وفي جميع أحوالهم؛ فعن عمران بن حُصَيْن رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ» أخرجه الحاكم في "المستدرك" واللفظ له، والطبراني في "المعجم الكبير".

قال الإمام المُناوي في "فيض القدير": [(الْحَمَّادُونَ) لله أي: الذين يكثرون حمد الله أي: وصفه بالجميل المستحق له من جميع الخلق على السَّرَّاء والضَّرَّاء فهو المستحق للحمد من كافة الأنام].

والحمد: فعلٌ ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعمًا على الحامد أو غيره، ومورده اللسان، وقد يكون مُتَعَلِّقًا بنعمةٍ أو لا، بخلاف الشكر فمورده اللسان وغيره، ولا يكون مُتَعَلِّقًا إلا بنعمة، فالحمد أعمُّ من الشكر باعتبار المتعلَّق، وأخص باعتبار المورِد، والشكر بالعكس. والحمد مأمورٌ به مطلقًا.

مقالات مشابهة

  • هل تصح الصلاة في المساجد التي بها أضرحة؟.. «الإفتاء» تُجيب
  • الشيخ خالد الجندي يكتب: ثورة انتصار لمقاصد الشرع الشريف
  • موعد وفضل صيام يوم عاشوراء 2024.. العد التنازلي بدأ
  • دعاء قضاء الحاجة للشيخ الشعراوي.. ردده باستمرار
  • ‏ما حكم قول: “براؤون يا رسول الله”؟
  • عيد الغدير.. استحضار للبلاغ التاريخي وترسيخ لمبدأ الولاية في الإسلام
  • بداية نزول الوحي على النبي
  • فى ظلال الهجرة النبوية المشرفة
  • الشيخ ياسر مدين يكتب: كيف وصلتنا السُّنة؟ (8)
  • حكم قول "الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه"