يرمز إحياء الصين مصنع فورد للسيارات في شمال شرقي البرازيل الفقير إلى تقدم الصين العالمي وتراجع الغرب، إذ استحوذت مجموعة "بي واي دي" (BYD) الصينية على المصنع الكائن في كاماساري وهو الذي هجرته الشركة الأميركية بعد نحو قرن من بدء هنري فورد إنتاجه لأول مرة في الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية.

في البرازيل

وتعتزم "بي واي دي"، بموجب خطة استثمارية تزيد قيمتها عن مليار دولار، البدء بإنتاج السيارات الكهربائية والهجينة هذا العام في الموقع الجديد بولاية باهيا البرازيلية، والمقرر أن تصنّع فيه هياكل الحافلات والشاحنات ومعالجة مواد البطاريات، وفق ما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز.

والمصنع الجديد للشركة الصينية في البرازيل هو أحد استثمارات الشركات الصينية في سلاسل توريد تصنيع السيارات الكهربائية في أهم الاقتصادات النامية في العالم، وفق الصحيفة البريطانية.

وقد تتسبب النزعة الحمائية الأميركية ضد المنتجات الصينية، من دون قصد، في دفع العديد من الأسواق الناشئة إلى الوقوع في أيدي الصين، حسب التقرير.

وفي الشهر الماضي، انتقد الرئيس الأميركي جو بايدن الدعم المالي الكبير الذي تقدمه بكين للصناعة الصينية، معلنا تعريفات جديدة شاملة على مجموعة من منتجات التكنولوجيا النظيفة، وأبرزها تعريفة بنسبة 100% على السيارات الكهربائية.

وقال بايدن إنها "ليست منافسة. إنه غش.. لقد رأينا الضرر هنا في أميركا".

نزعة حمائية

وتهدف هذه الإجراءات جزئيا إلى تعزيز فرص بايدن في معركته الانتخابية ضد الرئيس السابق دونالد ترامب. لكن الرسوم الجمركية، المقترنة بالقيود المتزايدة على الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة، سيكون لها تأثير هائل على سوق السيارات العالمية، مما يؤدي في الواقع إلى حرمان صانعي السيارات الكهربائية الكبار من أكبر اقتصاد في العالم، وفق الصحيفة.

ومن المتوقع أن ينتهي تحقيق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الدعم في السيارات الكهربائية الصينية الأسبوع المقبل، إذ تحاول بروكسل حماية شركات صناعة السيارات الأوروبية من خلال وقف تدفق السيارات الكهربائية الصينية منخفضة التكلفة إلى الكتلة.

ويقول مسؤولون حكوميون ومديرون تنفيذيون وخبراء إن سلسلة الرسوم الجمركية الجديدة على التكنولوجيا النظيفة التي أصدرتها واشنطن وبروكسل تجبر اللاعبين الرئيسيين في الصين على زيادة تركيزهم على الأسواق في بقية العالم.

أسواق أخرى

ويدفع هؤلاء بأن هذا سيؤدي إلى الهيمنة الصينية على أهم الأسواق الناشئة في العالم، بما في ذلك جنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، والاقتصادات الغربية المتبقية التي تعتبر أقل حمائية من الولايات المتحدة وأوروبا.

ونقلت الصحيفة عن بيل روسو، الرئيس السابق لشركة "كرايسلر" في آسيا ومؤسس شركة "أوتو موبيليتي"، وهي شركة استشارية في شنغهاي، قوله "هذا هو الجزء الذي يبدو أنه مفقود في هذه المناقشة بأكملها حول (هل يمكننا رفع بعض الرسوم الجمركية وإبطاء التقدم الصيني؟).. هذا فقط دفاع عن وطنك.. لكنه يترك الأسواق الأخرى مفتوحة.. تلك الأسواق مؤثرة والصين تلاحق تلك الأسواق بقوة".

وغالبا ما تكون الاستثمارات الصينية الجديدة ذات شقين، سواء في تصنيع السيارات، أو في المواد الخام التي تعتبر أساسية للاقتصاد الجديد.

ونقلت الصحيفة عن زميلة مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، إيلاريا مازوكو، قولها إن الغرب يحتاج إلى فهم أن طموحات الصين العالمية تخلق فرصة للعديد من البلدان لتوسيع قاعدتها الصناعية والحصول على استثمار أجنبي مباشر في "تقنيات المستقبل".

وأضافت مازوكو أن استثمارات الصين في مجال التكنولوجيا النظيفة في العالم النامي "تعقد حقا" السياسة الخارجية للحكومات الغربية، التي حاولت بالفعل التحذير من خطر الاعتماد على بكين من خلال ما يسمى ببرنامج البنية التحتية لمبادرة "الحزام والطريق" للرئيس شي جين بينغ.

وتقول "من الصعب أن نقول لدولة في العالم النامي: لا ينبغي أن ترغبي في امتلاك المزيد من المصانع أو التكرير، لأن هذا استثمار صيني.. مع (مبادرة الحزام والطريق) كانت ثمة حجة ذات مصداقية مفادها أن كثيرا من الديون لن تكون مستدامة.. لكن في هذه الحالة إذا فتحوا مصانع، فإنهم يوظّفون السكان المحليين، لذا يتقبل قادة هذه البلدان الأمر".

توقعات السوق

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتم بيع 10.1 ملايين سيارة كهربائية هذا العام في الصين، و3.4 ملايين في أوروبا، و1.7 مليون في الولايات المتحدة، وأقل من 1.5 مليون سيارة كهربائية في كل مكان آخر في العالم.

ومع ذلك، توقعت الوكالة أن ينمو الأسطول العالمي من السيارات الكهربائية بمقدار 8 أضعاف ليصل إلى نحو 240 مليون سيارة في عام 2030، وهذا يعني أن مبيعات السيارات الكهربائية العالمية السنوية تبلغ 20 مليون سيارة في عام 2025 و40 مليون سيارة في عام 2030، أو 30% من إجمالي مبيعات السيارات.

علاوة على ذلك، من المرجح أن تأتي حصة كبيرة متزايدة من هذا التوسع من أسواق جديدة.

وفي بعض الاقتصادات النامية المهمة، تستثمر الشركات الصينية في إنتاج المواد الخام ومعالجتها، وهو الأمر اللافت للنظر أكثر من مشاركة الصين في النظام البيئي للسيارات الكهربائية في إندونيسيا، موطن أكبر احتياطيات من النيكل في العالم، وهو مكون رئيسي في بطاريات السيارات الكهربائية، تقول الصحيفة.

وفي العام الماضي وحده، استثمرت الشركات الموجودة في الصين وهونغ كونغ 13.9 مليار دولار في إندونيسيا، ويعتقد أن معظمها كان في صناعة المعادن والتعدين، وتمثل الشركات الصينية أكثر من 90% من مصاهر النيكل في البلاد.

وحرصت البنوك الصينية على توفير التمويل لمصانع النيكل عندما كان الآخرون مترددين، وفق ما نقلت الصحيفة عن ألكسندر باروس، الرئيس التنفيذي لمجمع موروالي الصناعي في إندونيسيا، أكبر موقع لمعالجة النيكل في البلاد، والذي بنته شركة تسينجشان، وهي شركة صينية لإنتاج النيكل.

أما شركة "بي واي دي" فتبحث عن أصول تعدين الليثيوم في البرازيل، والتي تعمل على تكثيف استخراج المعدن الرئيسي لبطاريات السيارات الكهربائية، وذلك بالتوازي مع استثمارها في إنتاج السيارات في كاماساري.

إستراتيجية أوسع

وفي الصين، يُنظر إلى التوسع العالمي من قبل صانعي السيارات الكهربائية على أنه جزء من إستراتيجية أوسع في عهد الرئيس الصيني الحالي لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول النامية من خلال مبادرة الحزام والطريق.

وعلى مدى السنوات الأخيرة، تجاوزت قيمة صادرات الصين إلى الأسواق الناشئة نظيرها في الاقتصادات المتقدمة، وهو تغيير تاريخي بعد عقود من اعتماد النمو الصيني بشكل أكبر على اقتصادات مجموعة السبع.

السيارات الكهربائية سلعة الصين الرائجة في مختلف الأسواق (غيتي)

ومع ذلك، فإن توسع صناعة السيارات الصينية في هذه الأسواق الجديدة يهدد بتآكل حصة السوق التي تمتلكها العديد من شركات صناعة السيارات المتعددة الجنسيات.

ووفق الصحيفة، يثير هذا الأمر القلق بشكل خاص بالنسبة للشركات اليابانية التي تمكنت من بناء مكانة قوية في سوق جنوب شرق آسيا.

ونقلت عن مسؤول كبير في الحكومة اليابانية قوله "يمكن للصين أن تقدم عروض مبيعات مقنعة للغاية لدول جنوب شرق آسيا"، مما يسلط الضوء على قدرة بكين على بيع ليس فقط السيارات الكهربائية، ولكن أيضا المواد الخام المهمة للبطاريات. "هذا هو الخطر الأكبر بالنسبة لليابان".

وكان مسؤول تنفيذي كبير آخر يعمل مع شركة صناعة سيارات يابانية أكثر وضوحا، عندما قال "نحن مرعوبون من تدفق السيارات الصينية إلى أسواق جنوب شرق آسيا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

انهيار أسواق العالم .. وترامب يتمسك بموقفه بشأن الرسوم الجمركية

 
طوكيو (أ ف ب)
سجلت الأسواق المالية في العالم انهياراً الاثنين على خلفية تمسك الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرسوم الجمركية المعمّمة، التي فرضها على باقي الدول، ورد الصين عليها، ما ينذر بعواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي.
وبعد جلستين من الخسائر يومي الخميس والجمعة، تشهد أسواق الأسهم الأوروبية زلزالاً «غير مسبوق»، بحسب محللين، إذ انخفض مؤشر داكس الألماني بأكثر من 5%، وكذلك مؤشر كاك 40 في باريس.
وسُجل انهيار الاثنين في الأسواق الآسيوية من طوكيو إلى شانغهاي مرورا بسيول وتايبيه. وبلغ التراجع 13% في هونغ كونغ التي سجلت أسوأ جلسة منذ 16 عاماً.
وكانت وول ستريت شهدت الجمعة أسوأ يوم لها منذ 2020.
ولدى سؤاله عن انهيار الأسواق الذي قد يكون له أثر مدمر على الاقتصاد العالمي، تمسك ترامب بموقفه قائلاً: «في بعض الأحيان يتعين تناول علاج من أجل التعافي».
وأكد ترامب أن بلاده أصبحت «أقوى بكثير» منذ الإعلان عن هذه الإجراءات، معتبراً أن تراجع الأسواق لم يكن قراراً متعمداً من جانبه.
وقرر ترامب فرض رسوم جمركية عامة بنسبة 10% على مجمل الواردات الأميركية منذ السبت، متهماً شركاء الولايات المتحدة الاقتصاديين بـ«نهب» بلاده.
وستشتد الوطأة على التجارة العالمية الأربعاء مع فرض رسوم إضافية على قائمة طويلة من البلدان، التي تصدر إلى الولايات المتحدة أكثر مما تستورد منها، ولاسيما رسوم بنسبة 34% على الصين و20% على الاتحاد الأوروبي.
ويزداد الانهيار حدة في ظل رد الصين التي أعلنت فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 34% على الواردات الأميركية، بغية «إعادة الولايات المتحدة إلى الطريق الصحيح للنظام التجاري التعددي»، بحسب نائب وزير التجارة الصيني لينغ جي.
لكن لينغ جي تعهد بأن تبقى بلاده «أرضاً مثالية وآمنة وواعدة» للاستثمارات الأجنبية.
وفي مواجهة الاضطرابات التي تشهدها الأسواق المالية، أعلن أكبر صناديق الاستثمار المملوكة للدولة في الصين عزمه المساهمة في «الأداء المستقر» للأسواق.
وكتب ترامب الأحد على منصته «تروث سوشال» «لدينا عجز تجاري هائل مع الصين والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الأخرى».
وتابع «الطريقة الوحيدة لتسوية هذه المشكلة هي الرسوم الجمركية التي ستدر عشرات مليارات الدولارات على الولايات المتحدة».
واتهمت بكين واشنطن الاثنين بممارسة «الهيمنة باسم المعاملة بالمثل».
وأكد ترامب أنه تحدث خلال عطلة نهاية الأسبوع «مع كثير من الأوروبيين والآسيويين ومع العالم بأسره. جميعهم يريدون بشدة التوصل إلى اتفاق».
وأشار إلى أن الأوروبيين «يأتون إلى طاولة (المفاوضات)، يريدون التحدث، لكن لن يكون هناك نقاش إلى أن يعطونا الكثير من المال على أساس سنوي».
وقال وزير المال سكوت بيسنت لشبكة إن بي سي: «تواصلت أكثر من خمسين دولة مع الحكومة بشأن تخفيض حواجزها الجمركية ورسومها ووقف تلاعبها بأسعار الصرف».
وأوضح بيسنت بشأن الشركاء التجاريين: «سنرى ما إذا كان ما يعرضونه جديراً بالمصداقية، لأنه بعد 20 أو 30 أو 40 أو 50 عاماً من السلوك السيئ، لا يمكننا الانطلاق مجدداً من الصفر».
وحذّر بيسنت أن: «هذا ليس أمراً يمكنكم التفاوض عليه خلال بضعة أيام أو بضعة أسابيع»، ملمحاً إلى أن الرسوم المشددة قد تبقى سارية لعدة أشهر على الأقل.
وضاعف الأوروبيون، من جانبهم، الاتصالات في نهاية الأسبوع قبل عقد اجتماع الاثنين في لوكسمبورغ لوزراء التجارة الخارجية في دول الاتحاد الأوروبي من أجل تحديد «الرد الأوروبي على الولايات المتحدة».
ووعدت بروكسل بفتح «مفاوضات جادة» مع واشنطن لمواجهة هذه الرسوم التي تعتبرها «غير مبررة».
ورأى كبير المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض كيفن هاسيت أن الدول التي عرضت بدء محدثات «فعلت ذلك لأنها تدرك أنها ستخضع لنسبة مرتفعة من هذه الرسوم الجمركية».
وهو يعارض بذلك التحذيرات بأن الرسوم الجديدة ستنعكس سلباً على الاقتصاد الأميركي، ولو أنه أقر بأنه «ستكون هناك زيادات في الأسعار»، لكنه أكد «لا أعتقد أننا سنرى وطأة كبيرة على المستهلكين في الولايات المتحدة».
غير أن معظم خبراء الاقتصاد يتوقعون أن تؤدي التعريفات الجديدة على المنتجات المستوردة إلى الولايات المتحدة إلى تسارع التضخم وتراجع الاستهلاك.
وقال ستيف كوكراين، كبير الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في وكالة موديز «قد نشهد في وقت قريب جداً ركوداً في الولايات المتحدة».

أخبار ذات صلة تراجع حاد في الأسهم العالمية بعد الانهيار الكبير في وول ستريت رسوم ترامب الجمركية تثير مخاوف ارتفاع التضخم

مقالات مشابهة

  • استنكار في الأردن لقمع مظاهرة السفارة الإسرائيلية.. ودعوات للتوجه إلى الحدود
  • كيف عصفت تعريفات ترامب الجمركية بالعالم؟
  • الخارجية الصينية: تصريحات نائب الرئيس الأمريكي حول الصين تفتقر للمعرفة والاحترام
  • ثورة في صناعة السيارات| الصين تعلن عن المصنع الأضخم عالميا والأكبر من سان فرانسيسكو
  • هل العالم مُقبل على أزمة مالية جديدة نتيجة رسوم ترامب؟
  • مئات المواطنين بكفرالشيخ يستعدون للتوجه إلى رفح لدعم القيادة السياسية.. صور
  • انهيار أسواق العالم .. وترامب يتمسك بموقفه بشأن الرسوم الجمركية
  • رسوم ترامب الجمركية تخفض أسهم الأسواق الناشئة إلى أقل مستوى منذ 2008
  • أزمة رسوم ترامب الجمركية تدفع الأسواق العالمية إلى حافة الانهيار.. وموجة الهبوط تشمل النفط والذهب
  • الضفة الغربية تنتفض.. إضراب شامل ومسيرات غضب دعمًا لغزة وأحرار العالم يلبون النداء