الحمائية الغربية تدفع الصين للتوجه بالسيارات الكهربائية للأسواق الناشئة
تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT
يرمز إحياء الصين مصنع فورد للسيارات في شمال شرقي البرازيل الفقير إلى تقدم الصين العالمي وتراجع الغرب، إذ استحوذت مجموعة "بي واي دي" (BYD) الصينية على المصنع الكائن في كاماساري وهو الذي هجرته الشركة الأميركية بعد نحو قرن من بدء هنري فورد إنتاجه لأول مرة في الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية.
في البرازيلوتعتزم "بي واي دي"، بموجب خطة استثمارية تزيد قيمتها عن مليار دولار، البدء بإنتاج السيارات الكهربائية والهجينة هذا العام في الموقع الجديد بولاية باهيا البرازيلية، والمقرر أن تصنّع فيه هياكل الحافلات والشاحنات ومعالجة مواد البطاريات، وفق ما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز.
والمصنع الجديد للشركة الصينية في البرازيل هو أحد استثمارات الشركات الصينية في سلاسل توريد تصنيع السيارات الكهربائية في أهم الاقتصادات النامية في العالم، وفق الصحيفة البريطانية.
وقد تتسبب النزعة الحمائية الأميركية ضد المنتجات الصينية، من دون قصد، في دفع العديد من الأسواق الناشئة إلى الوقوع في أيدي الصين، حسب التقرير.
وفي الشهر الماضي، انتقد الرئيس الأميركي جو بايدن الدعم المالي الكبير الذي تقدمه بكين للصناعة الصينية، معلنا تعريفات جديدة شاملة على مجموعة من منتجات التكنولوجيا النظيفة، وأبرزها تعريفة بنسبة 100% على السيارات الكهربائية.
وقال بايدن إنها "ليست منافسة. إنه غش.. لقد رأينا الضرر هنا في أميركا".
نزعة حمائيةوتهدف هذه الإجراءات جزئيا إلى تعزيز فرص بايدن في معركته الانتخابية ضد الرئيس السابق دونالد ترامب. لكن الرسوم الجمركية، المقترنة بالقيود المتزايدة على الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة، سيكون لها تأثير هائل على سوق السيارات العالمية، مما يؤدي في الواقع إلى حرمان صانعي السيارات الكهربائية الكبار من أكبر اقتصاد في العالم، وفق الصحيفة.
ومن المتوقع أن ينتهي تحقيق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الدعم في السيارات الكهربائية الصينية الأسبوع المقبل، إذ تحاول بروكسل حماية شركات صناعة السيارات الأوروبية من خلال وقف تدفق السيارات الكهربائية الصينية منخفضة التكلفة إلى الكتلة.
ويقول مسؤولون حكوميون ومديرون تنفيذيون وخبراء إن سلسلة الرسوم الجمركية الجديدة على التكنولوجيا النظيفة التي أصدرتها واشنطن وبروكسل تجبر اللاعبين الرئيسيين في الصين على زيادة تركيزهم على الأسواق في بقية العالم.
أسواق أخرىويدفع هؤلاء بأن هذا سيؤدي إلى الهيمنة الصينية على أهم الأسواق الناشئة في العالم، بما في ذلك جنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، والاقتصادات الغربية المتبقية التي تعتبر أقل حمائية من الولايات المتحدة وأوروبا.
ونقلت الصحيفة عن بيل روسو، الرئيس السابق لشركة "كرايسلر" في آسيا ومؤسس شركة "أوتو موبيليتي"، وهي شركة استشارية في شنغهاي، قوله "هذا هو الجزء الذي يبدو أنه مفقود في هذه المناقشة بأكملها حول (هل يمكننا رفع بعض الرسوم الجمركية وإبطاء التقدم الصيني؟).. هذا فقط دفاع عن وطنك.. لكنه يترك الأسواق الأخرى مفتوحة.. تلك الأسواق مؤثرة والصين تلاحق تلك الأسواق بقوة".
وغالبا ما تكون الاستثمارات الصينية الجديدة ذات شقين، سواء في تصنيع السيارات، أو في المواد الخام التي تعتبر أساسية للاقتصاد الجديد.
ونقلت الصحيفة عن زميلة مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، إيلاريا مازوكو، قولها إن الغرب يحتاج إلى فهم أن طموحات الصين العالمية تخلق فرصة للعديد من البلدان لتوسيع قاعدتها الصناعية والحصول على استثمار أجنبي مباشر في "تقنيات المستقبل".
وأضافت مازوكو أن استثمارات الصين في مجال التكنولوجيا النظيفة في العالم النامي "تعقد حقا" السياسة الخارجية للحكومات الغربية، التي حاولت بالفعل التحذير من خطر الاعتماد على بكين من خلال ما يسمى ببرنامج البنية التحتية لمبادرة "الحزام والطريق" للرئيس شي جين بينغ.
وتقول "من الصعب أن نقول لدولة في العالم النامي: لا ينبغي أن ترغبي في امتلاك المزيد من المصانع أو التكرير، لأن هذا استثمار صيني.. مع (مبادرة الحزام والطريق) كانت ثمة حجة ذات مصداقية مفادها أن كثيرا من الديون لن تكون مستدامة.. لكن في هذه الحالة إذا فتحوا مصانع، فإنهم يوظّفون السكان المحليين، لذا يتقبل قادة هذه البلدان الأمر".
توقعات السوقوتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتم بيع 10.1 ملايين سيارة كهربائية هذا العام في الصين، و3.4 ملايين في أوروبا، و1.7 مليون في الولايات المتحدة، وأقل من 1.5 مليون سيارة كهربائية في كل مكان آخر في العالم.
ومع ذلك، توقعت الوكالة أن ينمو الأسطول العالمي من السيارات الكهربائية بمقدار 8 أضعاف ليصل إلى نحو 240 مليون سيارة في عام 2030، وهذا يعني أن مبيعات السيارات الكهربائية العالمية السنوية تبلغ 20 مليون سيارة في عام 2025 و40 مليون سيارة في عام 2030، أو 30% من إجمالي مبيعات السيارات.
علاوة على ذلك، من المرجح أن تأتي حصة كبيرة متزايدة من هذا التوسع من أسواق جديدة.
وفي بعض الاقتصادات النامية المهمة، تستثمر الشركات الصينية في إنتاج المواد الخام ومعالجتها، وهو الأمر اللافت للنظر أكثر من مشاركة الصين في النظام البيئي للسيارات الكهربائية في إندونيسيا، موطن أكبر احتياطيات من النيكل في العالم، وهو مكون رئيسي في بطاريات السيارات الكهربائية، تقول الصحيفة.
وفي العام الماضي وحده، استثمرت الشركات الموجودة في الصين وهونغ كونغ 13.9 مليار دولار في إندونيسيا، ويعتقد أن معظمها كان في صناعة المعادن والتعدين، وتمثل الشركات الصينية أكثر من 90% من مصاهر النيكل في البلاد.
وحرصت البنوك الصينية على توفير التمويل لمصانع النيكل عندما كان الآخرون مترددين، وفق ما نقلت الصحيفة عن ألكسندر باروس، الرئيس التنفيذي لمجمع موروالي الصناعي في إندونيسيا، أكبر موقع لمعالجة النيكل في البلاد، والذي بنته شركة تسينجشان، وهي شركة صينية لإنتاج النيكل.
أما شركة "بي واي دي" فتبحث عن أصول تعدين الليثيوم في البرازيل، والتي تعمل على تكثيف استخراج المعدن الرئيسي لبطاريات السيارات الكهربائية، وذلك بالتوازي مع استثمارها في إنتاج السيارات في كاماساري.
إستراتيجية أوسعوفي الصين، يُنظر إلى التوسع العالمي من قبل صانعي السيارات الكهربائية على أنه جزء من إستراتيجية أوسع في عهد الرئيس الصيني الحالي لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول النامية من خلال مبادرة الحزام والطريق.
وعلى مدى السنوات الأخيرة، تجاوزت قيمة صادرات الصين إلى الأسواق الناشئة نظيرها في الاقتصادات المتقدمة، وهو تغيير تاريخي بعد عقود من اعتماد النمو الصيني بشكل أكبر على اقتصادات مجموعة السبع.
السيارات الكهربائية سلعة الصين الرائجة في مختلف الأسواق (غيتي)ومع ذلك، فإن توسع صناعة السيارات الصينية في هذه الأسواق الجديدة يهدد بتآكل حصة السوق التي تمتلكها العديد من شركات صناعة السيارات المتعددة الجنسيات.
ووفق الصحيفة، يثير هذا الأمر القلق بشكل خاص بالنسبة للشركات اليابانية التي تمكنت من بناء مكانة قوية في سوق جنوب شرق آسيا.
ونقلت عن مسؤول كبير في الحكومة اليابانية قوله "يمكن للصين أن تقدم عروض مبيعات مقنعة للغاية لدول جنوب شرق آسيا"، مما يسلط الضوء على قدرة بكين على بيع ليس فقط السيارات الكهربائية، ولكن أيضا المواد الخام المهمة للبطاريات. "هذا هو الخطر الأكبر بالنسبة لليابان".
وكان مسؤول تنفيذي كبير آخر يعمل مع شركة صناعة سيارات يابانية أكثر وضوحا، عندما قال "نحن مرعوبون من تدفق السيارات الصينية إلى أسواق جنوب شرق آسيا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
100 ألف وظيفة فورية
فايزة بنت سويلم الكلبانية
faizaalkalbani1@gmail.com
انطلاقًا من الحرص السامي وفي إطار اهتمام حكومتنا الرشيدة بدعم رواد الأعمال وتعزيز نمو القطاع الخاص، انعقد لقاء حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بقصر البركة العامر بأصحاب وصاحبات الأعمال وعدد من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة، ليكون هذا اللقاء بمثابة تأكيد راسخ على مواصلة تحقيق مستهدفات رؤية "عمان 2040" الطموحة، والوقوف على ملف الباحثين عن عمل والعمل بكل جهد من أجل دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام، وقد استعرض جلالته مع ممثلي القطاع الخاص- إذا جاز التعبير- سبلَ تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس.
وفي سبتمبر الماضي، شهد اجتماع مجلس الوزراء الموقر بقصر المعمورة العامر في صلالة، إقرار المجلس تخصيص مبلغ إضافي وقدره 50 مليون ريال عماني لدعم برامج ومسارات تشغيل الباحثين عن عمل في القطاع الخاص، إضافة إلى المبالغ المحصلة بنسبة 1.2% من قيمة فواتير مشتريات كل من قطاع النفط والغاز والوحدات الحكومية والشركات التابعة لجهاز الاستثمار العُماني، بحيث تقوم الجهات المختصة بوضع إجراءات واشتراطات واضحة لضمان استدامة الفرص التي سوف يتم توفيرها.
ومن هذا المنطلق فإنه إذا تم تخصيص مبلغ آخر (وليكن 500 مليون ريال على 3 سنوات) من خلال بنك التنمية أو حساب خاص مخصص لدعم المشاريع الصغيرة، يمكن أن يؤدي هذا التمويل إلى إنشاء ما بين 50 ألف إلى 100 ألف شركة ناشئة خلال الفترة المقترحة، وهذا يعني توفير 100 ألف فرصة عمل على أقل تقدير. وبإمكان هذه الشركات، التي تُمنح قروضًا بدون فوائد أو بفوائد منخفضة للغاية، أن تساهم بشكل مباشر في حل ملف الباحثين عن عمل وكذلك المُسرَّحين من أعمالهم، بالتوازي مع تحفيز نمو الشركات ودعم توسيع أنشطتها، ومن ثم تعزيز قدرتها على توظيف أكبر عدد من الباحثين عن عمل. كما يُمكن تخصيص مبالغ مماثلة لدعم الشباب على فتح مشروعات مُتناهية الصغر (بمعدل 50 ألف ريال لكل شاب)، على شرط أن يُعيِّن كل صاحب مشروع شابًا عُمانيًا واحدًا على الأقل، مع حظر استقدام القوى العاملة غير العمانية في هذه المشاريع.
إن الهدف الطموح المتمثل في الوصول إلى إلى أقل عدد ممكن من الباحثين عن عمل خلال عام واحدٍ (من خلال توفير 100 ألف وظيفة كما ذكرنا سابقًا) قد يبدو على مستوى عالٍ من التحدي، لكنَّ عند النظر إلى الأفكار المقترحة، نجد أن هذا الطموح يُمكن أن يتحقق، إذا ما جرى توسيع القطاع الخاص عبر التمويل المُيسر وخفض الضرائب، وزيادة المشروعات الحكومية، وتفعيل خطط الإحلال في فترة زمنية لا تتجاوز السنة.
ولا شك أن مثل هذه الخطوة ستقلص أعداد الباحثين عن عمل، وتُعزِّز من دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، فعندما يتم تمكين رواد الأعمال وتمويلهم بالشكل الكافي، سينعكس ذلك إيجابيًا على الاقتصاد الوطني، وستحصل الشركات الناشئة على فرص للابتكار والنمو، مما سيخلق بيئة عمل ديناميكية ويزيد من معدلات الإنتاجية، وتبدأ الدورة الاقتصادية عملها، واستيعاب الخريجين الجدد الذين ينضمون الى سوق العمل كل سنة.
ومن بين الأفكار التي نقترحها، تخصيص مبلغ دعم 100 مليون ريال سنويًا للشركات الناشئة، لدعم أجور العُمانيين، على أن تتحمل الدولة من 40-70% من راتب الموظف، حسب عدد الموظفين، إذ كلما زاد عدد المواطنين الموظفين في الشركة الناشئة، زادت نسبة الدعم في الرواتب. على أن تكون كل هذه الخطط قصيرة المدى، ولا تتجاوز 3 سنوات، وبحساب الأرقام فإن إجمالي الميزانية التي يُمكن تخصيصها لهذه الخطط لن يتجاوز المليار ريال، ويُمكن توفيرها من الفوائض المالية أو حتى عبر حلول تمويلية منخفضة التكلفة.
ولا شك أن مثل هذه المقترحات تتماشى مع رؤية عُمان المستقبلية التي تسعى إلى تفعيل دور القطاع الخاص وتخفيف الاعتماد على الوظائف الحكومية.
وعلى الرغم من أننا نطرح مثل هذه الأفكار بعينٍ متفائلة، إلّا أننا في الوقت نفسه يجب أن نشير إلى ضرورة وضع بعض التحديات في الاعتبار، منها على سبيل المثال، أن إنشاء هذا العدد من الشركات الناشئة يتطلب توفير بيئة داعمة تتضمن إرشادًا وتدريبًا لرواد الأعمال الجدد، فضلًا عن تطوير برامج متخصصة في تنمية مهارات الشباب لا سيما الخريجيين الذين لم يبنوا سيرة مهنية ولم يكتسبوا الخبرات المطلوبة بعد.
وأخيرًا.. إن الأفكار المتفائلة التي نطرحها في هذا المقال، أو غيره من المقالات، إنما تنبع من شعورنا بالواجب الوطني تجاه القضايا الأكثر حساسية في المجتمع، والملفات التي يتعين حلحلتها في أسرع وقت، وبصفة خاصة تلك المرتبطة بالاقتصاد، والذي يمثل العمود الفقري في حياة الدول والشعوب. وما اللقاء السامي بأصحاب الأعمال إلّا تأكيد على ما يحظى به الملف الاقتصادي من اهتمام سلطاني سامٍ، وعناية حكومية كبيرة؛ الأمر الذي يفتح الباب أمام المتخصصين وكُتاب الرأي أن يُدلوا بدلوهم ويشاركون في طرح الأفكار والرؤى والمبادرات، التي لا يجب أن تتحمل مسؤوليتها الحكومة وحدها، فكل من يملك فكرة تُسهم في نهضة هذا الوطن وارتقائه، لا يجب أن يبخل بها، بل يطرحها بكل شجاعة وصدق، لأننا جميعًا ننشد عُمان المتقدمة المُزدهرة القوية بأبنائها في كل وقت وحين.
رابط مختصر