التحول إلى الدعم النقدى بداية إصلاح الخلل
تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT
عانت منظومة الدعم على مدار سنوات طويلة من خلل وتشوهات عديدة لدرجة تسببت فى إثقال كاهل الموازنة العامة للدولة بأعباء كبيرة وذلك نتيجة إهدار أموال طائلة من أموال الدعم بسبب العشوائية والفساد وغياب الضمير لدى البعض الذى تسبب فى وصول الدعم لأعداد كبيرة غير مستحقة وهو ما يسبب ضرراً للفئات الأكثر احتياجا والأولى بالدعم.
لذلك منظومة الدعم العينى لم تعد ملائمة بسبب هذه التشوهات وعدم القدرة على تحديد المستحقين للدعم بدقة، فضلاً عن عدم وجود قاعدة بيانات دقيقة للمستفيدين، وآن الأوان للتحول إلى الدعم النقدي؛ فهو الأنسب والأكفأ لدعم محدودى الدخل والأسر الأكثر احتياجا وضمان وصول الدعم لمستحقيه.
إن إعلان الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، إحالة قضية التحول من الدعم العينى إلى النقدى للحوار الوطنى لمناقشتها، خطوة مهمة من جانب الحكومة وإن كانت متأخرة، فأن تأتى متأخراً خير من ألا تأتى أبدا، وأن تتخذ الحكومة خطوات جادة نحو دراسة التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى فذلك أمر محمود منها أن تستمع للخبراء والمتخصصين وتستجيب للمقترحات البناءة التى تستهدف الصالح العام للوطن والمواطن، ومنها الاقتراح الذى طرحته بصفتى عضواً بمجلس الشيوخ المصرى بضرورة التحول إلى الدعم النقدي، لذا وجب أن أتوجه بالشكر إلى الدكتور مدبولى رئيس مجلس الوزراء على استجابته لمقترحنا.
كما أثمن الاستجابة السريعة من مجلس أمناء الحوار الوطنى بعقد اجتماع يوم السبت الماضي، لبحث الأمر، وترحيبه بإحالة قضية التحول إلى الدعم النقدى إلى الحوار الوطنى، وأن الحوار سيتصدى عبر آلياته المعتمدة لقضية الدعم وما هو مطروح من الحكومة حول إمكانية تحويله من عينى إلى نقدي، ومن الضرورى أن يولى الحوار الوطنى أهمية قصوى وأولوية لقضية الدعم التى تمس أكثر من 60 مليون مواطن، فالموضوع معقد ومتشابك ويحتاج إلى اتخاذ قرارات جريئة ومتأنية بعد الاستماع إلى كل الرؤى والتصورات من الخبراء والمتخصصين والاستفادة بتجارب الدول الأخرى.
الجميع يتفق على أهمية حوكمة وإعادة هيكلة منظومة الدعم، ووضع الضوابط اللازمة لضمان وصول الدعم لمستحقيه، ومنها التحول إلى الدعم النقدي، وضرورة تطبيق الميكنة والرقمنة فى المنظومة وإعداد قاعدة بيانات دقيقة للمستحقين والمستفيدين من الدعم، وتشديد الرقابة على هذه المنظومة للحد من الفساد حتى يتم «ترشيد الدعم» وضمان وصوله لمستحقيه من الأسر الأولى بالرعاية والأكثر احتياجا، مما يمنع إهدار المال العام بسبب حصول بعض غير المستحقين على الدعم، والدعم النقدى يصب فى صالح المواطن، حيث إن رئيس الحكومة أكد على أن «الدولة ستظل مُلتزمة بوجود واستمرار الدعم، خاصة فى السلع الأساسية التى تمس حياة المواطن، وأن كل محاولاتنا تستهدف ترشيد هذا الدعم، حتى يتسنى لنا كدولة استدامة تقديمه».
إن كل الخبراء الاقتصاديين يؤكدون أنه «لضمان استدامة منظومة الدعم ووصوله لمستحقيه، لا سبيل لذلك إلا من خلال التحول من دعم عينى إلى دعم نقدي، والحقيقة أن تطبيق الدعم النقدى هو السبيل الوحيد لتوفير الأمان الاجتماعى للفئات الأكثر احتياجا، خاصة أنه يذهب مباشرة إلى المواطن، وسيضمن تنقية كشوف المستفيدين من الدعم واستبعاد غير المستحق، وسيساهم فى السيطرة على أموال الدعم وتوجيهها فى الأغراض المخصصة لها، وبالتالى القدرة على مواجهة الفساد فى هذه المنظومة وتطهيرها.
فمن مزايا التحول إلى الدعم النقدى أنه يتم تحويل الأموال مباشرة إلى المستفيدين، مما يقلل من إهدار المال العام، وبما يضمن وصول الدعم للمستحقين فقط، وخفض معدل الفقر ودعم الأسر الأولى بالرعاية والأكثر احتياجا، فالدعم النقدى سيساعد على تمكين المرأة اقتصاديا، وتحفيز النمو الاقتصادى وتعزيز ثقافة الإنتاج لدى المواطنين، وتحقيق الضمان الاجتماعى للأسر والمساهمة فى تحقيق الأمن المجتمعي، والاستثمار فى رأس المال البشري، والارتقاء بالمستوى التعليمى لأفراد الأسر المستفيدة، وتحسين مستوى تغذية الأطفال الصغار والرعاية الصحية للأم والطفل، وتحويل الأسر متلقية الدعم الى أسر منتجة.
ختاماً.. أتمنى سرعة مناقشة أهم قضية تمس المواطن المصرى فى الحوار الوطنى وهو الدعم، والاستماع إلى وجهات نظر الخبراء والمتخصصين والمهتمين بالملف، وإعداد رؤية اقتصادية شاملة حول آليات التحول إلى الدعم النقدي، وتحديد مدى الاحتياج إلى تشريع لتطبيق الدعم النقدى أم الاكتفاء بإصدار قرار جمهورى بذلك، والاستعانة بنماذج لتجارب ناجحة فى دول طبقت الدعم النقدى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حازم الجندى منظومة الدعم أموال طائلة أموال الدعم إلى الدعم النقدی إلى الدعم النقدى التحول إلى الدعم الحوار الوطنى منظومة الدعم وصول الدعم من الدعم
إقرأ أيضاً:
من محل إصلاح أحذية إلى الرصيف.. عم محمود رحلة إصرار لا تتوقف |شاهد
في أحد شوارع القاهرة، وتحديدًا في شارع المبتديان، يجلس "عم محمود" على الرصيف، بجواره صندوق تلميع الأحذية، وعيناه تحملان نظرة رضا وإصرار نادرين في هذا الزمن.
بعد 43 عامًا من العمل داخل محل لإصلاح الأحذية، اضطر لمغادرته بسبب ارتفاع الإيجارات، لكنه لم يستسلم، وواصل عمله على الرصيف المقابل، متمسكًا بمصدر رزقه الحلال.
رحلة كفاح بدأت منذ الصغريعود أصل عم محمود إلى محافظة أسيوط، لكنه انتقل للعيش في القاهرة منذ عقود، حيث استقر في حي السيدة زينب. بدأ عمله في إصلاح الأحذية منذ صغره، واكتسب خبرة كبيرة جعلته وجهًا مألوفًا لزبائن المنطقة.
ومع تغير الظروف الاقتصادية وارتفاع تكلفة الإيجار، وجد نفسه مضطرًا لمغادرة المحل، لكنه لم يتوقف عن العمل.
العمل على الرصيف بدلًا من البطالةرفض عم محمود الاستسلام للظروف أو انتظار المساعدة، فقرر أن يأخذ صندوقه الصغير، ويجلس على الرصيف المقابل لمواصلة عمله.
يبدأ يومه في العاشرة صباحًا ويواصل العمل حتى الرابعة عصرًا، قبل أن يعود إلى منزله في حلوان، حيث ينتظر استلام وحدته السكنية في مشروع "روضة السيدة".
إصرار وقناعة رغم قلة الدخللدى عم محمود ثلاثة أبناء، جميعهم أنهوا تعليمهم وتزوجوا، لكنه لا يعتمد عليهم في مصاريفه، بل يفضل أن يعتمد على نفسه. رغم أن دخله اليومي لا يتجاوز 80 إلى 100 جنيه، إلا أنه قانع وسعيد برزقه، مؤمنًا بأن البركة في القليل.
الرزق بيد الله.. والرضا مفتاح السعادةخلال لقائه في برنامج "ساعة الفطار" الذي يقدمه الإعلامي هاني النحاس على قناة صدى البلد، سئل عم محمود عما إذا كان يشعر بالحزن بعد مغادرته المحل الذي عمل به لعقود، فأجاب بثقة: "الزعل مش هيجيب حاجة.. الرزق بيد الله، وأنا راضي بحالي وسيبتها على الله."
مساعدة الآخرين رغم ضيق الحالبأخلاقه الرفيعة، لا يرفض عم محمود تلميع أحذية من لا يملكون المبلغ كاملاً، فهو يراعي ظروف الناس كما راعت الظروف حاله، بابتسامة هادئة، يقول: "لو حد قال لي ما معاييش غير 5 جنيه، همسحهاله.. المهم إنه يكون رايح شغله بشياكة."
قصة عم محمود ليست مجرد حكاية رجل يعمل على الرصيف، بل هي درس في الإصرار والرضا، ورسالة أمل بأن العمل والاعتماد على النفس هما السبيل للحياة الكريمة، مهما كانت الظروف.