حين تمارس السلطةُ التكوينَ والتكوينَ المضاد!!
تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT
شُغل الناس في مصر وخارجها بالنقاش والتجاذب، حول مركز "تكوين" والذي تم الإعلان عنه من المتحف المصري، أي برعاية رسمية من الدولة، كما أعلن عن ذلك القائمون على المركز، من باب التباهي بأنهم رسميون، أو مشمولون بالرعاية الرسمية من السلطة.
ثم تم الإعلان عن مناظرة بين الشيخ عبد الله رشدي والأستاذ إسلام البحيري، وفجأة أعلن الدكتور يوسف زيدان التهديد بأنه إذا تمت أي مناظرة فسينسحب من المركز، وإعلان مركز تكوين نفسه عن رفض أية مناظرة، وتم إنقاذهم من هزيمة نكراء متوقعة، يمكن لأي متخصص لديه ملَكة خطاب الجماهير، بأن يربحها بأيسر الطرق وفي أقصر الأوقات.
وبعد أيام من رفض المناظرة مع رشدي، فوجئنا بمنشور طويل يكتبه الشيخ أسامة الأزهري، مستشار السيسي الديني، مملوء بالتعالي بشكل فج، يطلب مناظرة كل أعضاء تكوين مجتمعين، يقوم بذلك وحده منفردا، في مشهد استعراضي أكثر منه علمي، وأنه اتصل بأحد القساوسة الأرثوذوكس الكبار، فتضامن معه، ليجري مداخلة في هذه المناظرة، منافحا فيها عن السنة النبوية، ثم الدفاع ضد الشبهات المثارة ضد المسيحية من أحد الأشخاص!! وأنه حال رفض تكوين المناظرة حسب شروطه التي فرضها، فإنه سيتجه لتكوين لجنة تعمل تحت إشرافه هو، يختار فيها مائة من الباحثين والعلماء، كل يرسل سيرته الذاتية ليختار منها ويرجح من يصلح ومن لا يصلح، للعمل على الرد عن كل الشبهات المثارة من أصحاب مركز تكوين، بمعايير معلومة بحكم أعمال الأزهري العلمية السابقة، بأنها معايير أمنية في المقام الأول، وبحسب موضع الباحث المطلوب من السلطة والسيسي، معارضة أو تأييدا، ولو كان من كبار مفكري الإسلام.
إنشاء تكوين وتكوين المضاد يتم ويجري على عين السلطة، ومن الواضح أنه بإيعاز من أجهزتها، أو برعايتها، فالأطراف المختلفة -شكليا وظاهريا- هي متفقة في أن مرجعيتها واحدة، أعني بذلك المرجعية السياسية والفكرية، وهي: نقد الأموات لا الأحياء، ونقد كل ما هو بعيد عن السيسي أو السلطة أو يتماس معها بأي شكل من الأشكال
العجيب في الأمر: رد يوسف زيدان نيابة عن تكوين، وهو قبوله باللقاء بالأزهري، وبالقسيس، شريطة أن يكون لقاء شخصيا سريا غير معلن، للنقاش والحوار، معربا عن تقديره للأزهري.
وهنا عدة ملاحظات على تكوين الذي تزعمه إبراهيم عيسى والبحيري وزيدان وغيرهم، وتكوين الذي أزمع إنشاءه أسامة الأزهري، وهي ملاحظات لا تنفك عن المشهد العام في مصر، والتعامل مع الملف الديني.
أولا: أن إنشاء تكوين وتكوين المضاد يتم ويجري على عين السلطة، ومن الواضح أنه بإيعاز من أجهزتها، أو برعايتها، فالأطراف المختلفة -شكليا وظاهريا- هي متفقة في أن مرجعيتها واحدة، أعني بذلك المرجعية السياسية والفكرية، وهي: نقد الأموات لا الأحياء، ونقد كل ما هو بعيد عن السيسي أو السلطة أو يتماس معها بأي شكل من الأشكال.
ثانيا: بمجرد رعاية السلطة لمركز تكوين، تغير خطاب أعضائه شكليا فقط أيضا، فابتعدوا في جل المقابلات الإعلامية التي خرجوا فيها عن الاستفزاز الفج الذي كانوا عليه سابقا، فلم نسمع على لسان البحيري أي سُباب فاحش كما كان من قبل عند طرح رأي فقهي لأي من الأئمة، بل فتح صدره للنقاش والتناظر مع أي أحد، ولكنه أيضا نقاش في إطار ما تسمح به السلطة، فرفض النقاش -كما أعلن- مع المتطرف، رغم أن أولى الناس بالنقاش والحوار هو المتطرف، إذ كيف يدعي أناس مهمتهم تكوين الفكر العربي والتجديد في الفكر العربي؛ رفض النقاش مع المتشدد أو المتطرف؟!
كما بدا الأمر أنه بترتيب من الأجهزة، إذ ليس من عادة أصحاب تكوين، إذا خاطبهم شخص أزهري أو متدين بهذه اللغة المتعالية، أن يكون ردهم بهذا السكون والهدوء المصطنع، إذ من يتابع أداء هؤلاء أنهم يهوون الصوت الزاعق، والمتكبر والمتعالي على مناقشهم، والبدء بالهجوم، عملا بالمثل المصري: خدوهم بالصوت. لكن الدور المرسوم للتكوينين أن يمضي بهذا الشكل.
ثالثا: بدا من المساحة التي أتيحت لتكوين، وللتكوين المضاد برعاية أسامة الأزهري، أنه يراد به مناكفة الأزهر شيخا ومشيخة ومؤسسة، إذ كيف يعلن شخص عن عمل علمي رسمي، ويطلب فيه باحثين كبارا يكونون تحت إشرافه، بينما الرجل لا صفة له رسميا، ولو كان مستشارا دينيا للسيسي فهو منصب شرفي لا رسمي، بينما المؤسسة المعنية بذلك رسميا مغيبة عن الأمر عن قصد وسوء نية!
وهذا ما نلاحظه في مجريات الأمور منذ إعلان تكوين، فلم يحدث أن تم تجاهل خطاب الأزهر، بينما كان الإعلام من قبل كلما حدثت مصيبة يخرج عمرو أديب وأحمد موسى وغيرهما ليتطاولوا على شيخ الأزهر، مطالبينه بالاستقالة لأنه لا يقوم بعمله ويجدد الخطاب الديني، رغم أن الخطاب الديني معنية به وزارة الأوقاف، لأنها المسؤولة عن المساجد والخطباء، ولا توجد مساجد تابعة للأزهر، ولو وجد فهو من باب الوعظ العام، وبتنسيق مع الأوقاف لأنها المؤسسة الأصل في ذلك، وهو اختطاف لدور الأزهر منذ أيام عبد الناصر، وله قصة طويلة ليس مجالها هنا.
جرى فتح مساحة في المجال العام المصري بهدف الإلهاء، فليس مستهدفا لهذه السلطة أن تقوم بالتنوير، سواء العلماني أو الإسلامي، ولا المحافظة على التراث بكل درجاتها، ولكن في ظل الضغوط الشعبية والعالمية، حول قضية غزة وما يجري فيها، تم طرح التكوين والتكوين المضاد، ليجري النقاش والإلهاء في مساحة تبتعد بالناس عن مشكلات المواطن الحقيقية، سواء المحلية أو الإقليمية
رابعا: بدا للناس أن خروج الأزهري بمبادرته جاء بعد إعلان مركز تكوين عن رعاية الدولة له، وكان رد فعل الناس على الأمر شديدا، ولم يكن في مصلحة الدولة، فكان المطلوب إخراج شخص من جهاز الدولة نفسه، بشكل يبدو للناس مضادا، ليحل المشكلة بما يشبه ما يجري في الصعيد والريف المصري: "قعدة عرب"، وتقبيل الرؤوس، ويا دار ما دخلك شر. وبذلك تكون السلطة هي من قامت بإصلاح ما أفسده تكوين، بتكوين آخر من رحم السلطة ذاتها أيضا، وبإخراج يبدو فيه مشهد الوحدة الوطنية، حيث يقوم شيخ وقسيس، مع علمانيين من المسلمين والمسيحيين، باللقاء والنقاش والحوار.
كل ذلك يتم بمنأى عن المؤسسات المعنية حقيقة بالأمر، وبعيدا عن مشكلات المواطن الحقيقية، سواء المتعلقة بالتجديد الديني، الإسلامي أو المسيحي، أو القومي نفسه، وبمنأى عن مشكلات المواطن اليومية التي يعاني منها، وليس منها في سلم أولوياته: النقاش حول العصر الهجري الأول، وما جرى فيه من أحداث تاريخية لا صلة لها بما يعيشه، وهو المراد تحقيقه من هذه الزوبعة.
خامسا: وهو الأهم، أنه جرى فتح مساحة في المجال العام المصري بهدف الإلهاء، فليس مستهدفا لهذه السلطة أن تقوم بالتنوير، سواء العلماني أو الإسلامي، ولا المحافظة على التراث بكل درجاتها، ولكن في ظل الضغوط الشعبية والعالمية، حول قضية غزة وما يجري فيها، تم طرح التكوين والتكوين المضاد، ليجري النقاش والإلهاء في مساحة تبتعد بالناس عن مشكلات المواطن الحقيقية، سواء المحلية أو الإقليمية، وهي وسيلة مجربة في أدبيات معظم المستبدين، وبخاصة في بلادنا العربية والإسلامية، فيتم طرح مسائل متعلقة بالدين، لا تمت للواقع المعيش بصلة، ولكنها تحرك في الأطراف المختلفة كل الأدوات لخوض معارك مستدعاة، تبتعد بالجميع عن المشكلات الحقيقية المطلوب نقاشها على مستوى كل حامل لراية التنوير أو التجديد.
x.com/essamt74
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر تكوين الأزهري السيسي التجديد مصر السيسي الأزهر الاسلام العلمانية مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة رياضة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مرکز تکوین
إقرأ أيضاً:
الهمباتة لا يقتلون النساء.. ليسوا سواء!!
في نقد مقاربة أخلاقية غير لائقة، تجشمها صحفيٌ إسلامي، في تعريضة له بسردية هيئة الدفاع عن إنقلاب الإنقاذ ، ما بين مرافعتهم في الدفاع عن عصبة الإنقاذ وما بين أدب الهمباتة، نبلهم وفلسفتهم..
ناجي شريف بابكر
.
إذا ما كان الهمباتة وفق ما أورده نص لصحفي قضّى زهرة شبابه يسوِّقُ لمشروع الإنقاذ السماويّ، يبلغ بهم النبل أن ينهبوا الأغنياء واللصوص كيما ينفقوا على الفقراء مما ينهبون، كما كان يفعل اللص النبيل آرسين لوبين في روايات موريس لبلان في السبعينات من القرن الماضي.. فإن ذلك لوحده، رغم ما فيه من التعدي والجناية، قد كان كافيا أن ينفي عنهم شبهة المقارنة بالإنقاذ وإسلامييها البخلاء المُقتِرين سالبيّ اليسطاء حقوقهم وثرواتهم الجمعية.. إنهم ليسوا سواء.
إن الإنقاذ لم تكن كشأنهم، تنهب الأثرياء حتى تنفق على الفقراء أوحتى تغيث الملهوفين، تجيرهم وتحسن جوارهم.. فهي للعار والمفارقة قد دأبت طوال ثلاثين عاما متتابعات، تنهب الفقراء وتغدق على الموسرين.. تجلّى ذلك في تصفيتها لممتلكات الشعب المتمثلة في أصول القطاع العام بواخره وطائراته وقطاراته وموارده المعدنية وأراضيه ومدخراته وتصفية مشافيه العامة التي كانت تكفل له الرعاية الصحية، والمدارس الحكومية التي كان يتعلم فيها أبناء البسطاء وبناتهم، كانت تفعل ذلك حتى لا يجد الفقراء ما يحملهم من القوت والدواب وما عليه يركبون.. حتى لا يجدوا خيارا أمامهم سوى الفقر والمخمصة..فقد أقامت الإنقاذ لأجل ذلك النيابات المتخصصة وأغدقت على منسوبيها أضعاف ما كانوا يتلقونه بالقضائية، كيما يلقوا بثقلهم لصالح المؤسسات الكبرى الجاحدة المتنفذة، في مواجهة المواطن الضعيف المغلوب الذي لا نصير له، نيابة للمصارف، ونيابة لسوداتيل، ونيابة للضرائب، ونيابة للجمارك.. كانت تقوم عبر المحليات بحشد المستضعفين من الصبية المشردين الذين يعملون في غسل السيارات في الشوارع، تحشدهم بالدفارات لمحاكم النظام العام التي تسرق عرقهم وعافيتهم فترسلهم بدورها كعمالة قسرية وكأرقاء في مزارع القصب بسكر عسلاية (صحيفة التغيير).. كانت السلطة فيها مُفسِدَة وظالمة، تتهم من تكره بلا جريرة، تُعزّ من تشاء وتذل من تشاء من الضحايا.. تعتقلهم، وتحاكمهم وتبتزهم لصالح دائنيهم، وتستلم الحوافز كلما زاد حيفها وقهرها للعوام.. ليسوا سواء.
الهمباتة رجال يتغنون ويتفاخرون بإنفاقهم وبأفضالهم وكرمهم واحترامهم لذوي الفضل والشجاعة واحتقارهم للبخل والجبن.. بينما كانت الإنقاذ على العكس من ذلك، شحيحة متمنعة، تُحرِّضُ المستشفيات الخيرية التي شيدتها الكنائس كمشفى السلام في سوبا جنوب الخرطوم، وتلك التي شيدها محسنون كمشفى السويدي وابن عوف، تطارد إداراتها كي تفرض رسوما مقابل ما كانت تمنحه دون مقابل من الدواء والخدمات العلاجية للفقراء الذين لا يجدون ما ينفقون. كانت تطارد رواد المبادرات الخيرية كمنظمة شارع الحوادث وصدقات ومنظمات الغوث الإنساني وتنكل بالقائمين عليها ثم تودعهم السجون. كان أثرياء النفوذ من حرافيش الإسلاميين الذين خلقتهم بثرواتهم الهائلة شحيحين مانعين للماعون وبخلاء، لم تعرف لهم الخرطوم كما عهدت في أثريائها، مشفىً خيريا واحدا، ولا مدرسة ولا جامعة مبذولة للبسطاء ولأبناء الفقراء وذويهم.
كانت سلطة الإنقاذ تقهر النساء والبسطاء المشردين وأبناء الشوارع. كانت تقهر العمال وتفسد عليهم أحلامهم وأجسامهم المطلبية حتى لا تسمع شكاواهم ومخمصتهم.. بينما ترعى العتاة من لصوص المال العام، المقيمين منهم والعابرين للحدود، المترفين وسيئ السمعة والمدانين في جرائم المال العام، على حساب الشرفاء المتعففين من العوام من الكادحين والضحايا.. وتجعل منهم أئمة وزعماءً واعيانا على المجتمع وعلى الأندية الرياضية، تدبجهم بالأوسمة والنياشين وقلادات الشرف. لو أن اللصوص يعبأون بالشرف.. لكن فاقد الشئ لا يعطيه.. ليسوا سواء.-لأن الهمباتة يحفظون العهد والجوار.. بينما سلطة الإنقاذ أجارت بن لادن ثم نهبته أمواله، وقايضت خصومه لتسليمهم إياه بينما كانوا يتمنعون لعدم إكتمال ملفاتهم القضائية، ثم دفعته للخروج وأستولت من بعده على أمواله وأصوله، فسماهم بحكومة الجريمة المنظمة .. أجارت كارلوس ثم خدرته خِلسةَ بإحدى مشافيها، وسلمته للفرنسيين مقابل ثمن بخس خمسين مليونا من الدولارات!!.. إستدرجت متشددي الجهاد الإسلامي وفتحت لهم المتاجر والمقاهي بالخرطوم (يافا.. والجزار) ثم رفعتهم على طائرة خاصة لأمريكا حتى دفعت السخرية بفرقة أصدقاء المسرح في إحدى إسكتشاتها المسرحية "صقر قريش" أن تقايض عبد الرحمن الداخل مقابل "عمبلوق" وهو ذكر حديث السن من أجِنّةِ الماعز، مصحوبا بخمسين كيسا من بصل المكادة.
اوهمت الإنقاذ متشددي القرن الأفريقي بالدعم والمساندة بينما بعثت من خلفهم في المدائن حاشرين، رفعوا بياناتهم وإحداثياتهم للأمريكيين.. حتى نصبّها مكتب التحقيقات الفيدرالي على الملأ كأكبر حكومة في أفريقيا تعاونا في الحرب في مواجهة الإرهاب.. وأخيرا وشى زعيمها بالنقيب أبو زيد لخصومه في جهاز الشرطة بعد أن تحصّل على ما كان بحوزته من دلائل موثقة على فساد الشرطة ومكائدها. حاكموه بالوشاية (الوشاية باللصوص) في محكمة خاصة بهم لا يشهدها العوام من الناس فلبث في السجن بضع سنين، وقد كان يحسب أنه بمفاتحته للرئيس إنما يُسدي لهم صنيعا، ضعف الطالب والمطلوب.. الشرطة التي حينما قتل أحد منسوبيها ببندقية آلية عوضية عجبنا إمرأة ثلاثينية وهي تقف أمام دارها وأسرتها بيدين خاليتين في ضاحية الديوم بالخرطوم. ثم بعد أن حكمت عليه المحكمة بالقصاص مقابل القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، تقدم ثلاثمائة ضابط من ضباطها بإستقالاتهم، ليس إنحيازا للضحية وإنما إستكبارا في مواجهة تنفيذ العدالة قصاصا لحقوق أناس بسطاء في وزن عوضية عجبنا. ثم تحايلوا على الحكم ثم نقضوه، ثم هرّبوا صاحبهم لينجو بجنايته وفي عنقه دماء.. الهمباته لا يقتلون النساء العزل.. ولا يناصرون قاتليهم.. ليسوا سواء..
لأن الهمباتة لا يكذبون فهم لا يخشون أحدا كي يخادعوه، ولا يخلفون وعدا قطعوه، بينما الإنقاذ ممثلة في رأسها كانت تكذب وتتحرّى الكذب، حتى أنها كانت تتسوّل الثقة لدى سامعيها جهارا "حصل كضبت عليكم؟".. كانت كل عام أو إثنين ترسل رأسها ليذهب لأهل الشرق، وفي بضع زيارات متعاقبات لبورتسودان، على قهرهم ومسغبتهم كان يأكل زادهم ويشرب حصتهم من الحساء، ثم يتلو عليهم الآيات وهم عطشى ممحلون، أن خلقنا من الماء كل شئ حي، ثم يقسم لهم أن الماكينات الأن وقد رآها بعينيه في طريقها للعمل لتشييد خط المياه ومضخاتها من ابي حمد إلى بورتسودان.. كان يعدهم فيما يعدهم المنّ والسلوى.. وكان الناس من عجبٍ يُصفقُّون له كأنما كان يسحرهم أو كأنما يسمعونه للمرة الأولى.. صمُ بكمُ عميٌ فهم لا يرجعون.. كانهم لا يملّون أن يصدقوا نفس الاكاذيب والوعود لكرّاتٍ وكرّات، فيما انقضى من السنين والأيام..لكنهم ليسوا سواء..
إن المقاربة ما بين الهمباته وأولئك الذين يدافعون عن نظام فاجر متجبر مقاربة فاسدة تحكي مدى الغفلة التي يغرق فيها مثقفو الإنقاذ وبطانتها، واستعدادهم أن يكتبوا بأيديهم من الشهادات ما يشوّه الحقائق ويهيئ في مكانها المسرح لسرديات أكثر سفها وفسادا..
nagibabiker@gmail.com
إنتهى