سواليف:
2024-12-18@03:36:14 GMT

تأملات قرآنية

تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT

#تأملات_قرآنية د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 58 من سورة الأعراف: “والْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ”.
لطالما أبهرتني بلاغة الحذف التركيبي في القرآن عند المقارنة بين متقابلين، ففي الجملة الأولى من هذه الآية يضرب الله تعالى مثلا للنفس الطيبة بالبلد الطيب، ليذكر المقابل في الجملة الثانية والذي يفترض أن يكون البلد الخبيث، لكنه حذف ذلك وجاء بصيغة الفعل (خبث) للدلالة على أن الخبث هنا فعل اختياري وليس من صميم تكوين النفس التي فطرها الخالق على الطيبة.


كما ذكر في الأولى (يخرج نباته)، لكنه في الثانية استعاض عن ذكر النبات بالإشارة اليه بـضمير مستتر هو فاعل للفعل المضارع (لا يخرج)، ويعود على النبات.
ودائما ما يؤكد القرآن هذه السنة الكونية فيقول تعالى: “قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” [آل عمران:26]، فهل يعني أن الخير فقط هو الذي بيده والشر بيد آخرين؟، طبعا كل شيء بيده ولا يتم إلا بإرادته، لكنه يقصد أن الخير كله منّة وعطاء منه، أما الشر فلا يختاره لعباده، وإنما هو متحقق كحصائد لأعمالهم غير الصالحة.
ويؤكد ذلك قوله تعالى: “مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ” [النساء:79].
يضرب الله لنا في هذه الآية مثلا من الواقع، في تشبيه النفس البشرية الصالحة بالأرض الطيبة التي تنبت خيرا، فيما لايخرج من النفس التي انتهجت منهج السوء غير المخرجات الضارة.
لذلك أراد الله أن تبقى النفوس على الفطرة الطيبة التي فطرهم عليها، وليس من وسيلة لذلك أنجح من التقوى، وليس من سبيل لدوام ذلك إلا بالإيمان، والإيمان يعظم ويرتقي بمقدار علو الهمة ومضاء العزيمة.
تحمل الشدائد والصعاب مقياس عزائم النفوس، وكلما كانت المسئولية أعلى كلما كانت إمتحانات التأهيل أصعب، ومتطلبات النجاح أعلى، فتأهيل سائق السيارة الصغيرة وامتحان مؤهلاته وقدراته، ليست بالقدر الذي تتطلبه قيادة الحافلة، ولقيادة طائرة فإن المتطلبات تصبح أعلى بكثير، وترتفع إلى درجة قياسية في حالة قيادة السفينة الفضائية.
حتى بين الأنبياء الذين يتمتعون بمواصفات مثالية، لا يحوزها غيرهم من البشر، كان بينهم تفاوت، فسمي خمسة منهم “أولو العزم”، كانوا أشدهم صبرا، لأنهم اكثرهم تعرضا للأذى والشدائد، ومن بين كل هؤلاء، كان خاتمهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، الأصلب معدنا والأقسى تحمّلا.
لقد تم تأهيله منذ نشأته لتحمل الصعاب، وكان من تقدير الخالق عز وجل في سابق علمه أن ينشأ أميا لا يقرأ، فأفرغ حيزه العقلي ليتسع للحمل الثقيل المتأتي من العلم الإلهي: “إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ” [المزمل: 5]، فلا يختلط معه شيء من علوم البشر البدائية آنذاك، ولا من هذر الفلاسفة الأقدمين، فنزل القرآن العظيم في روعه مباشرة، طوال ثلاثة وعشرين عاما، كانت تنزل الآية والآيتان أحيانا، وقد تنزل سورة كاملة أحيانا أخرى، إنما في الغالب كان نزولها ُمنجّما متوافقا مع حالة قائمة أو إجابة على تساؤل راهن، تشير الى تأويلها، وكان يرافقها علم بموقع هذه الآية مما قبلها أو بعدها، فكان يوصي كتبة الوحي الأمناء بتثبيت موقع كل آية حتى اكتمل، وبالكمال الذي لا يبارى، وبتلك الدقة الفائقة.
لقد تم بناء كيان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بمواصفات مذهلة اكتملت فيها الشخصية المثالية، فكيف لا وهو سيتحمل ما لا تستطيعه الجبال: “لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ” [الحشر:21]، فحمل هذا الجسد البشري كل هذا الحمل العظيم، لأن نفساً عظيمةً تسكنه.
هكذا النفس الطيبة كالأرض الطيبة تنبت خيرا عميما، وكذلك يفعل الإيمان، فهو يرفع القدرات البشرية بلا حدود، فتحمل النفس ما لا يمكن حمله.
وهذا تفسير ما أذهل العالم، فالعدوان على غـ ـزة كان لتزول منه الجبال، وفعلا أزال أضخم المباني، لكن النفوس المؤمنة على قلة عددها وعدتها لم تتأثر، بل تحملت وصمدت، بالمقابل انهزمت قيادات الجيوش العربية قبل القتال لخلوها من الايمان والتقوى.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تأملات قرآنية

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: أخبرنا النبي ﷺ عن فضل التقوى في كثير من أحاديثه الشريفة

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن عباد الرحمن يتوجهون إلى الله في سؤالهم لله أن يكونوا أئمة للمتقين، قال تعالى في تلك السورة المباركة التي تتحدث عن صفات عباد الرحمن حكاية عنهم في دعائهم : (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا). فهم يدركون أهمية التقوى.

واجاب جمعة،فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، عن التقوى ما هي ؟ التقوى في لغة العرب : مشتقة من وقاه وقيا ووقاية : صانه. من قبيل اشتقاق المصدر من الفعل على مذهب الكوفيين أو التقوى ليس بمصدر بل اسم كالعلم ويؤيده ما في القاموس واتقيت الشيء وتقيته حذرته.

وهناك معاني كثيرة لها في الاصطلاح ذكرها العلماء لعل أبسطها : التباعد عن كل مضر في الآخرة، وقد ذُكر في معناها أيضا : أنها عبارة عن حجاب معنوي يتخذه العبد بينه وبين العقاب ، كما أن الحجاب المحسوس يتخذه العبد مانعا بينه وبين ما يكرهه [أحكام القرآن للجصاص].

وقد أخبر ربنا أن التقوى سبيل الفلاح، فقال تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). وأعلم عباده أن الله مع المتقين، ففازوا بمعية ربهم ونصرته وتأييده، قال تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ). وترتبط التقوى بتذكر صفات الجلال لله سبحانه وتعالى، فيربط ربنا بين أمره بالتقوى، وبين تذكر صفات الجلال كالجبار والمنتقم وشديد العقاب، فقال تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ).

وجعل ربنا التقوى هي معيار التفاضل المعتبر عنده، ونفى وجود تفاضل وتمايز بين خلقه إلا وفقا لذلك المعيار ألا وهو معيار التقوى فقال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

وأخبر ربنا أن التقوى هي الوصية التي يوصي بها عباده على مر الزمان، فقال تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِياًّ حَمِيداً ).

وقد أخبر النبي ﷺ بفضل التقوى في كثير من أحاديثه الشريفة، فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : «أكثر ما يدخل الجنة تقوى الله وحسن الخلق»[أخرجه الترمذي]. وعن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي» [أخرجه مسلم]

مقالات مشابهة

  • آيات قرآنية تحفظك من الخوف والهم وتزيد الرزق.. إمام الدعاة نصح بها
  • الإفتاء: الإسلام يحرم الإسراف في استهلاك المياه
  • كل كلام يقوله الإنسان محسوب عليه إلا 3 أمور فما هي؟.. علي جمعة يوضح
  • كيف تحصن نفسك من الفتن والإقلاع عن المعاصي.. علي جمعة يوضح
  • هل يجوز ترديد آيات قرآنية في السجود؟.. دار الإفتاء تجيب
  • اعدام أردني في السعودية
  • آيات قرآنية عن الشكر لله عز وجل
  • حكم تأجيل العمل وقت الدوام ليكون عملًا إضافيًّا
  • علي جمعة: أخبرنا النبي ﷺ عن فضل التقوى في كثير من أحاديثه الشريفة
  • هل يجوز هبة ثواب تلاوة القرآن للأحياء؟ دار الإفتاء تجيب