ما حكم صيام عشر ذي الحجة بحسب دائرة الإفتاء الأردنية؟
تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT
دائرة الإفتاء تجيب على سؤال حول حكم صيام أيام العشر من ذي الحجة
في ظل اقتراب أيام العشر من ذي الحجة، يتساءل الكثيرون عن فضل صيام هذه الأيام المباركة، وهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم صيامها؟ دائرة الإفتاء الأردنية تقدم توضيحًا شاملاً حول هذه المسألة بناءً على الفتوى رقم 3310.
اقرأ أيضاً : تحديد بداية شهر ذي الحجة وعيد الأضحى المبارك فلكيًا
حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على بذل الأعمال الصالحة في الأيام العشر من ذي الحجة؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟) قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: (وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) رواه البخاري.
فالحديث أطلق هذه الأعمال الصالحة ولم يقيدها بعمل صالح معين، فتشمل قراءة القرآن والذكر والتسبيح وصلة الرحم والصيام؛ قال الحافظ ابن حجر: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتّى ذلك في غيره". [فتح الباري 3 /390].
ويستدل من حديث ابن عباس السابق أيضا ورود لفظة الأيام، واليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ومعلوم أن أفضل عمل النهار الصوم، كما أن أفضل عمل الليل القيام، ولذلك سن قيام الليل في العشر الأواخر من رمضان، فيكون صيام العشر الأوائل من ذي الحجة مندوباً قياساً على ذلك.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم هذه العشر ويحافظ على صيامهن؛ فعن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ" رواه أحمد والنسائي وابن حبان وصححه، وقد تكلم المحدثون في أسانيد أحاديث فضل صوم الأيام العشر من ذي الحجة، فلم يثبت فيها شيء صحيح. انظر: [نصب الراية 2/ 156]، ولكن ذلك لا يمنع فضل صوم هذه الأيام؛ لدلالة حديث البخاري رحمه الله السابق على عموم فضل الأعمال الصالحة فيه ومنها الصيام.
وأما ما رواه مسلم بإسناده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ)، فقد أجاب عنه العلماء، قال الإمام النووي: "قول عائشة: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط)، وفي رواية لم يصم العشر، قال العلماء: هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا الأيام التسعة من أول ذي الحجة، قالوا: وهذا مما يتأول فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحباباً شديداً، لاسيما التاسع منها وهو يوم عرفة، وقد سبقت الأحاديث في فضله...، فيتأول قولها لم يصم العشر أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما، أو أنها لم تره صائماً فيه، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر، ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر الاثنين من الشهر والخميس. ورواه أبو داود وهذا لفظه وأحمد والنسائي" [شرح النووي على مسلم 8/ 71].
اقرأ أيضاً : شروط الأضحية وحكمها.. تقرير مفصل من دائرة الإفتاء الأردنية
وقال ابن حجر في [فتح الباري 2/ 460]: "لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله؛ خشية أن يفرض على أمته".
وعليه؛ فيندب للمسلم أن يصوم هذه الأيام العشر بقدر استطاعته؛ لأن أجر صيام التطوع عظيم عند الله تعالى، فإن اجتمع الصيام مع فضيلة الأيام العشر صار أجره مضاعفاً، وعلى فرض عدم ثبوت حديث صحيح في صيام النبي صلى الله عليه وسلم لعشر من ذي الحجة، فلا يستلزم عدم فضل صوم هذه الأيام. والله تعالى أعلم.
المصدر: رؤيا الأخباري
كلمات دلالية: الصيام ذي الحجة عيد الأضحى المبارك الإفتاء العام النبی صلى الله علیه وسلم العشر من ذی الحجة دائرة الإفتاء الأیام العشر هذه الأیام صوم هذه
إقرأ أيضاً:
يوم الشهيد وذكرى 10 رمضان
يأتي احتفالنا هذا العام بذكرى نصر العاشر من رمضان عقب الاحتفال بيوم الشهيد في التاسع من مارس، وهما صنوان، إذ لا معركة بغير شهداء، وما كنا لننتصر في حربنا ضد العدو المحتل الغاصب لولا أن قدم بعض جنودنا البواسل أرواحهم في سبيل الله دفاعا عن الوطن، وتحريرا لكل شبر من أرضه، وتطهيرا لترابه من دنس الصهاينة الملاعين.
وإذا كنا قد اعتدنا على تقديم واجب العزاء في حالات الوفاة، ولكن في حالة الشهادة لا عزاء، وإنما تهنئة واجبة لذوى الشهيد على الهدايا والعطايا الربانية التي تجعل هذا الشهيد نفسه يتمنى أن يعود إلى الدنيا فيقتل في سبيل الله مرة بعد مرة.
يقول لله تعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ" (آل عمران: ١٦٩- ١٧١).
وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ، يُحِبُّ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأرْض مِنْ شَيْءٍ إِلا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ». متفق عليه.
وَعَنْ أنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ، لَهُ عِنْدَ الله خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِلاَّ الشَّهِيدَ، لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ مَرَّةً أخْرَى". متفق عليه.
وعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدالله هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ هَذِه الآيةِ: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" قَالَ: أَمَا إِنّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلّقَةٌ بِالعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الجَنّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمّ تَأْوِي إلَىَ تِلْكَ القَنَادِيلِ، فَاطّلَعَ إلَيْهِمْ رَبّهُمُ اطّلاَعَةً، فَقَالَ: "هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئاً؟ قَالُوا: أَيّ شَيْءٍ نَشْتَهِي؟ وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الجَنّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرّاتٍ، فَلَمّا رَأَوْا أَنّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتّىَ نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرّةً أُخْرَىَ، فَلَمّا رَأَىَ أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا" أخرجه مسلم.
وَعَنْ أنَس بن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ البَرَاءِ، وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ، أتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالتْ: يَا نَبِيَّ الله، ألا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ - وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، أصَابَهُ سَهْمٌ - فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي البُكَاءِ؟ قال: "يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أصَابَ الفِرْدَوْسَ الأعْلَى". أخرجه البخاري.
وَعَنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ الله عَزَّ وَجَلَّ خِصَالاً: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيْمَانِ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذاب القَبْرِ، وَيَأْمَنُ يَوْمَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إنْسَاناً مِنْ أَقَارِبهِ". أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في شعب الإيمان.
أرأيتم لماذا نقدم التهنئة لا العزاء لذوى الشهداء؟.
نسأل الله تعالى أن يبلغنا الشهادة، ولا يحرمنا أجرها.