شبكة انباء العراق:
2024-06-29@14:25:57 GMT

السلطان العاقل والعقل الجاهل

تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT

بقلم : هادي جلو مرعي ..

إستعصى على السلطان فهم الطريقة التي يفكر فيها قومه، فكلما إنجز عملا لصالحهم سخروا منه، وشتموه، وحركوا السفهاء من بينهم ليثيروا غبار الفتنة في وجهه حتى ظن أنه يحكم قوما مجانين لاشفاء لهم، وقد ذهبت عقولهم الى الأبد. فكلما شق نهرا قالوا: ماذا يفعل هذا المجنون، فضحكوا، وإذا رصف طريقا قالوا: يعبد الطريق ويتركنا نعاني من الحرمان، ثم يتحدثون عن بناء الإنسان، وضربوا مثلا في الصين التي قرر حكامها أن يقيموا سورا عظيما حول بلادها يقيهم هجمات الأعداء، وتفاخروا به، وصار من عجائب الدنيا، ولكن الأعداء الذين فشلوا في تجاوز السور إلتجأوا الى طريقة أخرى، وقاموا بشراء الحراس الذين فتحوا لهم الأبواب، فتنبهوا الى خطأهم حين إعتنوا بالسور، ونسوا قبل ذلك الإعتناء بالحارس الذي يحمي السور، وعلى قاعدة بناء الإنسان قبل الأوطان، ولكن ذلك وحده لايكفي أيضا وسط الفوضى الكونية التي يعيشها العالم.


العراق مثلا.
في هذا البلد دخل الإنجليز عام 1917 وحكموا بعد مئات من السنين كان العراق فيها تحت سطوة العثمانيين، وكان الجوع والمرض والخراب والحرمان يطبع حياة الناس، وكان الولاة العثمانيون لايعترفون بوجود بشر، وكان همهم تحصيل الضرائب، ونهب ماإستطاعوا وما وجدوا فيه قيمة، وحين إنتهى زمنهم تحول العراق الى محمية بريطانية فتحت أعين العراقيين على التحديث، ولكن ذلك لم يكف فقد ركزوا على مصالحهم أكثر بالرغم من قيامهم بإنشاء النوادي الترفيهية والموانئ والمدارس الحديثة، وبعض الطرق ومد السكك الحديدية، وتركوا بعض التحديث والعمران، وسمحوا بقيام الدولة الملكية التي قامت بوضع أسس دولة أنشأت ماسمي مجلس الإعمار الذي أخذ على عاتقه القيام بتحديث الدولة، ولكن الإنسان العراقي كان آخر هموم السلطان، ثم أسقطت الملكية، ودخل العراق في دوامة الصراع بين المكونات العرقية والدينية، ومن إنقلاب الى إنقلاب حتى صار العسكر يحكمون، ولم يكن من أمل، حتى إذا جاءت ثورة تموز، ومضت الأيام، وحكم صدام، وغنت مائدة نزهت:
حياك يابو حلا يابهجة الأيام
دخل العراق في دوامة الحرب والموت والديون والعذابات والتهجير، وصارت ثقافة الناس تمجيد الحاكم، والتضحية في سبيله، وبين ضحية، وبين مؤمن بذلك النظام غابت مشاريع التنمية، وبعدها كانت حرب الكويت، ولعبة الحصار القاتل، فصار أطفال بغداد يدخلون مستشفى الإسكان غرب العاصمة، ويغادرونه في توابيت وضعت على سيارات التاكسي تجوب شارع 14 رمضان، والفنانة العربية العظيمة (رغدة) تشيعهم الى المقابر، وصرنا نغني في ساحات الكليات والجامعات: فلتسقط أمريكا فلتسقط، ونضع العلم المنجم مرسوما على الأرض، وندوسه بأقدامنا فرحين، بينما الحصار جعلنا نتشارك الطحين مع جلود الأفاعي والفئران الصغيرة الميتة، وكنا نأكل بيتزا مطحونة دون أن نشعر، حتى إذا جاءت الأمبراطورية السادسة وإحتلت العراق بنفسها في العام 2003 وسلمته الى الفوضى عاش الناس تجربة مختلفة قاسية مريرة بين فوضى الحكم، والتنافس على السلطان، وسرقة الأموال العامة، والدخول في دوامة الحرب الطائفية، وتدخلات الخارج، ودخول المشاريع التي لاجدوى منها للعراقيين كانت الآمال تتضائل، وكنا نتوارث عن آبائنا وأجدادنا عقد الحرمان والتهميش والتمييز بين قومية وأخرى، وطائفة وأخرى، وحتى اللهجات المحلية التي يراها البعض معيبة فكأننا مجموعات من القبائل نزحت الى أرض الرافدين، وتوطنت فيها، ولاتربطها بها صلة، ولاعلاقة لها بسومر وآشور كأنما بدوي يتغنى بعمران قديم عقل ناقته الى جواره، ثم سكن فيه، ثم صار وريثا لتلك الحضارة البعيدة.
هانحن نعود الى لغة قديمة بالية، ونطرح الإسئلة السخيفة المتوارثة فإذا رأينا جسرا يعلوا ويزين مدينتنا قلنا، مالهذا الحاكم يبني جسرا، وينسى بناء الإنسان؟ وإذا رأينا طريقا يعبد بالإسفلت قلنا، مالهذا الحاكم يرصف الطرق، ويتجاهل الإنسان، وإذا رأيناه يفتتح محطة للكهرباء، أو مشروعا للصرف الصحي، أو مشروع ماء، أو ملعبا،أو نفقا قلنا وأين بناء الإنسان؟
ياعمي إتقوا الله.. الإنسان المحكوم بالعقديات والموروثات الإجتماعية، وقد غلب عنده الطبع على التطبع، وعاش لقرون محطما وورث ابناءه وأحفاده الخوف والرعب والضياع تريده أن يبتنى من قبل حكومة محاصرة، وأن تترك هذه الحكومة الإعمار والبناء وتتجاهل إن أول سبل بناء الإنسان أن يشعر بالطمأنينة. أن تجتهد ليجد عملا، وطريقا يمر منه الى المدرسة والجامعة والعمل، وجسرا يعبر منه الى المشفى. وبنية تحتية ليشعر أنه محترم. بناء الإنسان ليس بالكلام المعسول، بل بالخدمات والعمل، وفي كل ذلك نحن مقصرون. ماتقوم به الحكومة الأن تم تجاهله طوال عشرين عاما مرت، فلاتبيعوا أكاذيبكم برؤوسنا وأنتم تبحثون عن مكاسب مالية وسلطوية.. قولوا الحقيقة: إن فلانا فضح فشلكم فصرتم تحاولون إسقاطه…

هادي جلومرعي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات بناء الإنسان

إقرأ أيضاً:

جبل.. بي بي سي تلاحق عراقيًا خطيرًا في بلجيكا

السومرية نيوز-دوليات

انطلاقًا من حادثة غرق قارب في البحر شمال فرنسا قبل حوالي شهرين، ما أدى لوفاة خمسة أشخاص، من بينهم طفلة تدعى سارة، قادت شبكة "بي بي سي" البريطانية، تحقيقا وملاحقات طويلة للمهرب الرئيسي المسؤول عن وفاة هؤلاء الأشخاص بينهم الطفلة سارة، والمهرب عراقي كردي، يطلق عليه لقب "جبل". يتحدث فريق بي بي سي، عن كيفية تمكنه من التوصل الى "جبل" العراقي في بلجيكا، ويقول وصلنا إلى "أنتويرب في أيار، وبدأنا العمل على خطة لتحديد موقع جبل ومواجهته، وقد زودنا أحد عملائه السابقين بصورة له، كما زودنا مصدر آخر بنسخة من جواز سفره العراقي وبطاقة هوية أوروبية يبدو أنها صدرت في عام 2021 في بلدة إيطالية نائية على أحد التلال، حيث تجري هناك تحقيقات في عمليات الجريمة المنظمة".

اكتشفنا أن الاسم الحقيقي لهذا الشخص الملقب جبل، هو "ريبوار عباس زنكنة"، كردي من شمال العراق، غير متزوج، ويبدو أنه مسلم متدين، جبل نفسه مهاجر، لكن وضع هجرته غير واضح، ومن المعروف أنه كان يعيش مؤخرًا في كاليه وبروكسل وأنتويرب، قيل لنا إنه عمل مع شريكين وقد يكون هناك شخصية أكثر أهمية في العراق.

التقى زميلنا محمود، الذي يتحدث العربية ويتظاهر بأنه مهاجر يبحث عن طريق إلى بريطانيا، بوسيط في صالون حلاقة في أنتويرب، والذي أكد أنه يعرف جبل وسيرتب له الاتصال بنا، انتظرنا قرابة أسبوعين، ولكن في النهاية رن هاتفنا في وقت متأخر من إحدى الليالي.

جاء الصوت في الهاتف، "مرحبا. إذن، هل تريد الذهاب إلى بريطانيا؟ كم عدد المقاعد التي تحتاجها؟ هل أنت مستعد؟"

فريق بي بي سي كان يراقب المهرب جبل في معسكر للاجئين في لوكسمبورج حيث حاول الاختفاء هناك، تحدث جبل إلينا بعبارات قصيرة ومختصرة. وفي تلك المكالمة، وفي مكالمتين هاتفيتين لاحقتين، أكد لنا أنه لا يزال مهتم جدا بالموضوع، مؤكدا لنا أن الرحلة عبر القناة كانت "آمنة"، وأنه طور من الأداء منذ وفاة سارة.

سألنا جبل "كم شخص منكم مستعد؟"، مضيفا أنه ليس من الممكن العبور في اليوم التالي نظرا لأن الطقس في كاليه لم يكن جيدا بما يكفي، ولكن بعد ساعات من تلك المكالمة الأولى، علمنا من مصدر أن جبل غادر أنتويرب مؤخرا على عجل. وكان السبب أنه الاعتقال لتورطه في الوفيات الخمس التي وقعت في أبريل/نيسان، كان جبل هاربا.

في ذلك المساء الأول في لوكسمبورغ، تمكن زميلنا من التحدث إلى جبل عبر الهاتف، وادعى أيضا بأنه مهاجر يدعى محمود، وفي تحرك منسق، قام زميل آخر من بي بي سي بالتجول حول محيط المجمع في نفس الوقت، وأطلق بوق السيارة على فترات منتظمةـ وعند الاستماع إلى المحادثة، سمعنا بوضوح صوت بوق سيارة زميلنا الآخر في خلفية المكالمة مع المهرب للتأكد من أنه موجود في هذا المجمع".

لقد كان جبل هنا في المجمع، ولكن كيف نغريه للخروج دون إثارة الشكوك؟ إذا هرب مرة أخرى وفشلنا في تعقبه، فسنعود إلى نقطة البداية، كان الخيار الوحيد هو المراقبة، وهكذا، لمدة ثلاثة أيام، ظل فريقنا يراقب، ويرصد مدخل المجمع، وكان هناك من يراقب من نقطة عالية تطل على المركز، مما يمنحنا رؤية للداخل.

وأخيرا في اليوم الثالث وقبل الساعة الثالثة ظهرا بقليل رصدنا جبل، وكان يخرج مع مجموعة من المهاجرين الآخرين، استدار إلى اليسار، متجها نحو محطة الترام، عندها بدأ فريقنا في الركض نحوه، كان المهرب يتجول بلا مبالاة عبر ساحة عامة تغمرها أشعة الشمس، ولم يكن ليدرك أن هناك أحدا يلاحقه.

بدا رجلا قصير القامة، ممتلئ الجسم، يبلغ من العمر 39 عاما، يرتدي بدلة خضراء شاحبة وقبعة بيسبول، وكأنه شخص عادي يقوم بنزهة بعد الظهر سيرا من مركز استقبال المهاجرين إلى محطة ترام قريبة، قلنا له لقد عرفناك انت المهرب، وبينما كنا نتحدث إليه، بادرنا قائلا، "ليس أنا يا أخي. لا أعرف أي شيء ما مشكلتك؟"، بدا قلقا، لكنه حافظ على صوته منخفضا ولم يواجهنا بينما كان يتراجع نحو محطة الترام.

أخرجت صورة لسارة، وسألته عما إذا كان هو المسؤول عن وفاة الطفلة البالغة من العمر سبع سنوات. هز رأسه مرة أخرى، ثم اتصلنا برقم هاتفه، كان بإمكانه تجاهله، كان بإمكانه الانتظار في صمت حتى وصول الترام، ولكن عندما طلبنا منه الرد على هاتفه، وإظهاره لنا، بدا مرتبكا للحظة، لكنه فعل ما طلبناه، اقتربنا، ورأينا شاشة الهاتف ورأينا رقم هاتفنا الذي كنا نستخدمه للاتصال به منذ أيام لتنظيم رحلة بالقارب إلى بريطانيا، الآن تأكدنا لا يمكن أن يكون هناك شك في هويته.

وفي أعقاب مواجهتنا مع جبل، أبلغنا الشرطة الفرنسية، التي تقود التحقيق في الوفيات التي وقعت في أبريل/نيسان، بالنتائج التي توصلنا إليها، فقالوا إنهم لن يعلقوا في هذه المرحلة.


مقالات مشابهة

  • جبل.. بي بي سي تلاحق عراقيًا خطيرًا في بلجيكا
  • إنجازات مشرفة للرماية العمانية في بطولة ببريطانيا
  • وزير العدل: أكتظاظ السجون يصل إلى 300% وننسق مع القضاء بشأن الإفراج الشَرطي
  • خبير تربوي: نشهد نقلة نوعية في التعليم بمصر بسبب توجيهات السيسي
  • خبير تربوي: نقلة نوعية في التعليم الجامعي بعد ثورة 30 يونيو
  • خبير تربوي: نقلة نوعية في التعليم الجامعي بعد ثورة 30 يونيو (فيديو)
  • استعراض توصيات إعادة تطوير الواجهة البحرية لميناء السلطان قابوس
  • العاطفة ليست نقيصة، والعقل ليس كافيا
  • جامعة السلطان قابوس والذكاء الاصطناعي
  • ثورة 30 يونيو.. 11 عامًا من بناء الجمهورية الجديدة