لوبس: الشعبوية واليمين المتطرف يهددان أوروبا من الداخل
تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT
تشهد القارة الأوروبية بأكملها تقريبًا هجومًا قوميًّا شعبويًّا لم يسبق له مثيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذه الحركات المتطرفة، التي تجعل الديمقراطيات تتآكل، في طريقها إلى فرض أجندتها على البرلمان والمجلس الأوروبيين.
بهذه التوطئة بدأت مجلة لوبس الفرنسية تحقيقا قالت فيه إن الشعبوية الوطنية وصلت في كل أنحاء أوروبا مستويات غير مسبوقة، ولم تفلت من موجة المد والجزر هذه سوى أيرلندا.
وأوضحت أن الانتخابات التي تبدأ اليوم (السادس) من يونيو/حزيران وتستمر 3 أيام ستؤدي، إذا تأكدت نيات التصويت، إلى استحواذ اليمين المتطرف على حوالي 25% من المقاعد.
ورجحت المجلة أن تؤدي زيادة بنحو 40 مسؤولا منتخبا إلى تغيير التوازن في حين قد يشهد حزبا التجديد والخضر انخفاضا في أعداد ممثليهما.
أما بالنسبة للمجلس الأوروبي، الذي يجمع رؤساء أو حكومات الدول الـ27، فإن 6 مقاعد منه تشغلها بالفعل جماعات شعبوية أو تدعمها: إيطاليا، والمجر، والسويد، وفنلندا، وسلوفاكيا، ومؤخراً هولندا، ومن الممكن أن تتوسع القائمة لتشمل بلجيكا والنمسا، حيث يشق القوميون المتطرفون طريقهم إلى الفوز في الانتخابات العامة، حسب لوبس.
وحتى ألمانيا، التي تُذكِّر كتبها المدرسية -بلا كلل- بالسنوات الـ12 من دكتاتورية الرايخ الثالث، تعاني من هذه الموجة بعد أن طالت بلدانا كانت قد جربت أسوأ ما في الأنظمة الشمولية كإيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال، بل وصلت دولا كانت تعتبَر في السابق نماذج للديمقراطية كالسويد وفنلندا.
وتساءلت المجلة مع صحيفة دير شبيغل الألمانية "هل التاريخ يعيد نفسه؟"، قائلة "علينا أن نعود إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية لنجد مثل هذه الظاهرة".
اختلاف جذري
وتعليقا على ذلك، تنقل المجلة عن مارك لازار، الأستاذ الفخري في معهد العلوم السياسية في باريس والمؤلف المشارك لدراسة حول "نطاق وحدود الشعبويين القوميين الأوروبيين"، التي نشرها معهد مونتين قوله "هناك نقاط مشتركة لا يمكن إنكارها مع فترة الثلاثينيات"، ومثلما كانت الحال في تلك الحقبة، تمارس حركات اليمين حاليا الغوغائية ومعاداة النخب والعنصرية وكراهية الأجانب، وفقا للأستاذ.
لكن لازار لاحظ اختلافا جذريا بين نموذجي التطرف القديم والحديث، "فهناك تحول كامل في النموذج" إذ إن الحركات اليمينية الحالية لا تدعو إلى استخدام العنف -حتى لو تركت الغموض يلف ذلك الأمر- كما حدث في تظاهرات السادس من فبراير/شباط 1934، كما أنها لا تدعو إلى الديكتاتورية ولا إلى كراهية الديمقراطية، كما كان الفاشيون والنازيون يفعلون.
وعلاوة على ذلك، لا تريد هذه الحركات خلق زعيم جديد مثل موسوليني أو هتلر، لكنها تدعو لاستعادة ما تعتبره " فرنسا السابقة، أو إيطاليا التقليدية، أي بدون المهاجرين".
ولذلك فإن هذه الحركات لا تشن هجوما مباشرا على الديمقراطية، بل هجمات مبطنة، فالشعبويون الوطنيون يمارسون الآن لعبة المؤسسات الديمقراطية للحصول على السلطة ومن ثم تقويضها من الداخل، وفقا للمجلة.
وحذرت لوبس من أن الاتحاد الأوروبي لم يصل قط لهذا الحد من الهشاشة منذ بدايات بنائه في عام 1950، عندما قال أحد آبائه المؤسسين "نحن فقط في بداية الجهد المبذول لتحقيق الوحدة والرخاء والسلام في نهاية المطاف".
وبعد مرور 75 عامًا، تتضاعف المخاطر التي تواجه هذا الاتحاد متمثلة في الحرب في أوكرانيا، وزيادة الهجمات الإلكترونية وعمليات إفساد النخبة التي يقف وراءها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ناهيك عن الشكوك حول المظلة الأميركية، وفقا للمجلة.
ومن ناحية أخرى، لفتت المجلة إلى أنها لا تتوقع أن يشكل الأعضاء اليمينيون في البرلمان الأوروبي كتلة واحدة لاختلافهم بشأن حرب أوكرانيا ما بين قريب من روسيا ومدافع عن أوكرانيا.
لكنها شددت على أن ما هو محل إجماع بين هذه الحركات، هو أولا وقبل كل شيء، معاداة الإسلام والهجرة والتعددية الثقافية، فتلك هي الأمور التي تثير استياءهم، وهي التي تجعل هذه الجماعات تتكتل وترسخ أقدامها.
فمنهم من يعد بحظر القرآن ومنهم من يرى أن الإسلام لا يتماشى مع المجتمع الأوروبي، وكلهم يدعون إلى وقف الهجرة غير النظامية وطرد المهاجرين غير النظاميين إلى بلد خارج الاتحاد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات هذه الحرکات
إقرأ أيضاً:
مجلة العربي الأفريقي (مارس 1979): عام كنت رئيس تحرير صحيفة لعدد واحد
(إلى روح الحبيب عبد الرحمن السلاوي، باسطة سلا، قبلني على علاتي وأحسن)
تمر بنا بشهر مارس هذا الذكرى الثلاثين لصدور مجلة "العربي الأفريقي" (مارس 1979) الشهرية التي لم يصدر منا سوى عدد بهي واحد وأغلقها نظام نميري بالضبة والمفتاح. وكان صاحب امتيازها هو الأستاذ عبد الرحمن السلاوي رجل الأعمال المعروف وقدت أنا هيئة تحريرها من وراء ستار.
جئت إلى رئاسة تحرير المجلة خلواً من خبرة مؤكدة في صالة التحرير. ولكنني التقطت بعض مفاهيم في التحرير انتهزت سانحة المجلة لتطبيقها. ومن تلك المفاهيم وجوب أن يكون للمجلة مركز معلومات. وبدأت بقص ما يرد في الصحف والمجلات في موضوعات بعينها لحفظها في فايلات ثم موالاتها بقص وإضافة ما يستجد في الأمر. وما زلت أعتقد أن غياب مثل هذا الأرشيف منقصة كبيرة في صحافتنا اليوم. فصحافيونا يهجمون على المسألة حارة من نارها لا يلطفها تاريخ لها أو منطق في ذلك التاريخ. ولذا كثيراً ما اتسمت تلك الكتابات ب "القطع الأخضر" المهوش. فيأتي الرأي فطيراً لا ينعدل به رأس البلد بحكمة النظر المحيط. ولا تستعين هذه الصحف حتى بأرشيف وكالة سونا الذي جمعت فيه مثل هذه الفايلات وأوعت. وبلغ بي اليأس من جفاء الصحف لإنشاء مراكز معلومات أن اقترحت على الحكومة أن تنشئ مركزاً تجري عليه من رسوم تفرضها على الصحف.
كان من بين أفكاري التحريرية الأخرى أن أسوى لغة المجلة. وأعني بذلك مسألتين. أن نتفق على طريق رسم كلمات خلافية حتى نكتبها بصورة موحدة في الجريدة. فكلمة مثل "مسئول" تعددت صور كتابتها. ولا يصح أن ترد في نفس المجلة برسوم مختلفة. هذه واحدة. أما الفكرة الأجرأ فكانت إعمال قلم التحرير فيما يرد من مقالات حتى نسوى الكتابة في المجلة على وتيرة واحدة تلتزم الديباجة العربية. وتذكرت تجربتي مع المجلة قبل أسابيع حين جمعتني بالدكتور عبد الله حمدنا الله مجلس امتحان لطالب دراسات عليا. فأحصى له عبد الله أخطاء في الأسلوب أخرجت البحث من مدار الديباجة العربية إلى سواها. وساقني هذا الحرص على هذه الديباجة لإخضاع مقالات لكتاب كبار لهذه السوية الأسلوبية. وخرجت من التجربة بأن أميز مثقفينا يحسنون التعبير عن أفكارهم باللغة الإنجليزية لأنهم تدربوا مدرسياً على ذلك. فإما العربية فهم يكتبون بها كفاحاً أو احتساباً.
ومن بين ذكريات تحرير العربي الأفريقي التي تمكنت مني هو نجاحنا في استدراج المرحوم إبراهيم حسن علام المراجع العام آنذاك للكتابة للمجلة بعد نزوله المعاش. فقد كنت قرأت له كلمة من أطرف ما عرفت أيامها مزج فيها بين اسمه (إبراهيم) وإطلاق "حاج إبراهيم" على (الكلب) عندنا. وراوح بين المعنيين خلال ملابسات في حياته ضحكت لها كثيراً. ولما فكرنا في كاتب لبابنا الأخير الخفيف "عن الزمان وأهله" اقترحت علاماً على السلاوي. وركبنا سيارته ساب وطفقنا ندور شوارع الامتداد الجديد بحثاً عنه. فوجدناه وأكرم وفادتنا وقبل بلطف أن يكتب لنا مرادنا. وكتب قطعة جميلة لعددنا الأول عنوانها "زواج عجوز فان". وربما كان العنوان من اختياري. وهي عن عوائد الزواج بين شعب الجوامعة الذي نشأ هو بينه في بلدة أم روابة. فحدثنا عن الزواج بالمنيحة أو المنحة وهي الإمهال في الدفع. وعرض لدور النسيبة المبغوض بينهم. ولذا سموا شوكة الحسكنيت السوداء الفتاكة ب "خشم النسيبة". وزواج العجوز من شابة من أبغض الحلال عندهم. فهم يأخذون الشاب "ساكت على حنجوره (الحنجرة)" بينما يلعنون الشائب ب "الملة الفوق صنقوره". وحكي عن حفر الآبار وحيل ذلك كما تحدث عن إحسان الجوامعة لقص الأثر أو القيافة.
لم يحتمل نظام نميري العربي الأفريقي فأهلكها. مع أننا لم ندخر وسعاً في "ترقيد شعرة جلده". فما كان خافياً علينا أنه نظام لا صبر له على التعبيرات المستقلة. واتخذ من ذريعة تحالف قوى الشعب العاملة سبباً ليطوي كل شيء تحت مظلته: الاتحاد الاشتراكي الفرد كما كان يقال بفخر مستبد. وفاتحت السلاوي، صاحب الامتياز، في ضرورة تأمين المجلة من القيل والقال وكيد النظام وشماتة المعارضين الذين لا يؤمنون أنه بوسع أحد أن يؤدي خدمة متجردة للوطن في شرط استبداد نميري. وهم سينتظرون إلى يوم الخلاص منه ليأذنوا بالصحافة. واقترحت عليه أن يجعل الغلاف كله لنميري. ولم يعجب السلاوي الاقتراح لأنه خشي ألسنة المعارضين الحداد. وراجعته فقبل على مضض. وما قبل حتى أبدع في اختياره صورة من أرشيف وزارة الثقافة والإعلام ظهر فيها نميري ينظر إلى مجسم للكرة الأرضية مركزاً على خارطة أفريقيا والشرق الأوسط. واقتطفنا عبارة له تقول: "لقد توحد السودان محققاً للأمة العربية صيغة جديدة لا تتعارض فيها أفريقيته مع عروبته". وظننا أنّا ألقينا للوحش الهائج قطعة من اللحم النيء كما يقول اهل الإنجليزية عن ملاطفة الشرير. ولم تسلم المجلة من بطش نميري. فأوقفها.
ولا نعرف حتى الآن بالتحديد سبب تعطيلها للأبد. ولم يتفضل النظام علينا بوجهة وسمعنا بدلاً عن ذلك تكهنات. فسمعنا أن الصورة السخية التي ظهرت بها المجلة: مادة غنية ألوانها مفروزة تسر الناظر، وسوست للنظام. فظن أن ليبيا، عدوه اللدود آنذاك، هي التي انفقت عليها. وقيل لنا أن المؤسسة الصحفية الرسمية هي التي كانت وراء هذه الوسوسة لأنها فشلت بصورة ذريعة في إخراج أي من مجلاتها بما يشبه العربي الأفريقي من قريب أو بعيد. ولكن وجدت من رد التوقيف إلى نشرنا للدكتور عبد لله النعيم كلمة بعنوان "عودة الدين في الغرابة: الدين غائب، الدين عائد، وهو عائد في غرابة". وهي كلمة خصصنا لها باباً عنوانه "رؤية إسلامية" ننشر فيه عقيدة الفرق الإسلامية السودانية في مناسبة بدء القرن الهجري الخامس عشر. وربما لم نوفق في البدء لرؤية الجمهوريين. فقد اتضح لي لاحقاً أن النصف الثاني من عقد السبعينات كان مسرحاً لصراع شديد بين الجمهوريين والعلماء الدينية. فقد تعقب العلماء الجمهوريين وأستاذهم محرضين المصلين عليهم في كل جامع وفوق كل منتدى لحمل الحكومة على تنفيذ حكم الردة في الأستاذ وفض تلاميذه عنه ومنعهم من الدعوة لفكرتهم. وأرادوا من ذلك تنفيذاً قرار محكمة الردة الأولى ضد الأستاذ محمود في 1968. وبدا لي من بحثي المتأخر أن جهلنا بخفايا صراع محمود والعلماء رمانا في نشر مقال ربما استفز العلماء المتنفذين لسد كل فرجة يتسرب منها فكر خصمهم الألد. ولم يمنع تحوطنا لكبر نفس نميري برسم صورته على الغلاف من التوقيف. فقد غابت عنا أشياء أخرى.
لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما رضيت من تجربة العربي الأفريقي بديلاً. كلها: باسطة سلا. رفقة عبد الرحمن وأخوته والمحررين والمصممين والمعينين كلهم. كنت رئيس تحرير لعدد واحد. ولكنه عدد ولا كل الأعداد.
ibrahima@missouri.edu