بيروت- قفز حزب الله وإسرائيل إلى مستوى جديد من المواجهة العسكرية سواء بالنوع أو الكثافة، حيث يلوح شبح حرب هدد بها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي بقوله "نحن نقترب من نقطة القرار"، ومن قبله تحريض وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير على إحراق لبنان.

تصريحات هاليفي وبن غفير وغيرهما ترجمت غضبا إسرائيليا وخوفا من اتساع مساحة الهزيمة العسكرية من غزة جنوبا إلى لبنان شمالا، حيث يتوعدون بما دأبت الحكومة اليمينية منذ نحو 8 أشهر على قوله دون فعله، وكرره هاليفي بأن "إسرائيل مستعدة لشن هجوم على لبنان".

لم تتوقف إسرائيل عن تهديد لبنان بحرب ثالثة فتاكة وشبيهة بحرب غزة، وأن تعيده إلى "العصر الحجري" كما وعد سابقا وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالنت، في حين يتفادى حزب الله استخدام لغة التهويل الإسرائيلية أداة بالحرب، ويتمسك طوال مواجهته معها بمعادلة مفادها أن جبهة لبنان مرتبطة بإسناد غزة، وإن أوقفت إسرائيل عدوانها عليها فسيعلق حزب الله هجومه العسكري شمالا.

كذلك، يربط حزب الله مستوى انخراطه في الحرب برد الفعل الإسرائيلي، وهو ما أكده الشيخ نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله في مقابلته مع قناة الجزيرة قائلا "التهديدات لا تؤثر علينا، لا نريد حربا شاملة، لكنها إذا فرضت علينا فنحن جاهزون لها، ولن ننسحب من الميدان"، متحدثا عن استخدام الحزب قسما قليلا من قدراته العسكرية وبما يتناسب مع طبيعة المعركة الإسنادية".

تصعيد عسكري

توازيا، كان أداء حزب الله خلال الأيام والأسابيع الماضية موضع مراقبة بعد إدخاله أنواع أسلحة جديدة وصواريخ ثقيلة مكنته من إسقاط طائرات بصواريخ أرض جو، وكثف إطلاق المسيّرات التي وصلت إلى نهاريا لأول مرة.

وشكلت الحرائق الهائلة التي أشعلتها صواريخ الحزب في المناطق الشمالية صدمة في الداخل الإسرائيلي، وقال مفوض شكاوى الجنود الإسرائيليين السابق إسحاق بريك إن من يتابع تدمير المستوطنات في الشمال يدرك أنه ليس لإسرائيل دفاع حقيقي ضد صواريخ حزب الله وقذائفه ومسيّراته.

وعلقت القناة الـ12 الإسرائيلية على مقاطع فيديو تابعة لحزب الله بأنها تظهر "عمق اختراق الصواريخ والطائرات المسيرة لمواقع الجيش الإسرائيلي".

ومنذ اندلاع المواجهة أدت هجمات حزب الله إلى استقدام أكثر من ثلث الجيش الإسرائيلي نحو الشمال ونزوح أكثر من 100 ألف مستوطن، حيث يشكل مصيرهم كابوسا لحكومة بنيامين نتنياهو، خصوصا أن شريحة واسعة منهم تطالب الجيش بضرب الحزب وشن حرب على لبنان وإبعاد قوة الرضوان من جنوب نهر الليطاني "حتى يعودوا بسلام إلى مستوطناتهم"، وهو ما تعجز الحكومة عن فعله.

وإذا كان حزب الله يرد بشكل تناسبي على إسرائيل -كما قال قاسم- فإن تقريرا لمركز "ألما" الإسرائيلي المتخصص بشأن الحدود الشمالية لإسرائيل أشار إلى أن مايو/أيار الماضي شهد تسجيل أعلى كثافة نيران لهجمات الحزب الله، فقد نفذ نحو 325 هجوما بمعدل 10 هجمات يوميا.

وفي الشهر عينه سجل زيادة كبيرة باستخدام الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات المسيرة، فوقع خلاله 95 حادث إطلاق نار مضادة للدبابات مقارنة بنحو 50 حادثة وقعت خلال أبريل/نيسان الماضي.

وقال المركز إن حزب الله نفذ منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى 31 مايو/أيار 2024 ما يقدر بـ1964 هجوما، تم تنفيذ 46% منها ضد البنية التحتية الإسرائيلية والمناطق المدنية.

سيناريوهات الحرب

وبينما أعلنت إسرائيل عن تدريبات عسكرية أجرتها لفحص فاعلية شن حرب واسعة على لبنان عبّر الاتحاد الأوروبي أول أمس الثلاثاء عن قلقه من تصاعد التوتر، ودعا الطرفين إلى الالتزام بالقرار الأممي 1701.

ويتحدث مراقبون عن نوع من التفاهم الإقليمي غير المباشر بين الجانبين الأميركي والإيراني منذ اندلاع الحرب، لجهة عدم السماح بكسر القواعد كليا بين حزب الله وإسرائيل ومنع الانجرار إلى حرب واسعة قد تشعل المنطقة.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي علي حمادة أن ما قيل عنه "حرب مشاغلة ومساندة" بات يتدحرج بالعمق والكثافة إلى مستويات خطيرة.

ويقول حمادة للجزيرة نت إن ما يهم لبنان أن حزام القرى الحدودية يعيش حربا مكلفة، وبعضها صار شبه مدمر بالكامل، حتى أن التكلفة البشرية التي ناهزت 400 شهيد -بينهم 300 من حزب الله- "باهظة بالنسبة لمعركة محدودة".

وبدت إسرائيل أكثر تقدما من حزب الله جغرافيا -بحسب حمادة- لأن المعركة التي بدأت بأقل من 10 كيلومترات بلغت فيها إسرائيل العمق اللبناني حتى حدود صيدا، وصولا إلى 100 كيلومتر عند حدود بعلبك والحدود اللبنانية السورية، حسب ما يقول، وعليه "يقف لبنان أمام حرب حقيقية ومطاطة قد تبلغ مستوى الحرب الواسعة بلحظة تخرج فيها عن سيطرة الطرفين والوسطاء الدوليين".

لكن الأكاديمي والباحث بالشأن السياسي والعلاقات الدولية طارق عبود لا يشاطر حمادة الرأي، لأن توسيع الحرب يحتاج إلى عوامل غير متوفرة، والتي عدّد بعضها للجزيرة نت، ومنها:

عنصر المفاجأة، وهو العنصر الأهم في الحرب، حيث خسرته إسرائيل في غزة وخسرته أيضا في لبنان. القوة النارية التي استخدمتها إسرائيل في غزة لم تشكل رادعا لحزب الله، بل كانت محفزا ليضعها في موقع الدفاع عن نفسها من هجماته المباغتة. عدم حسم حرب غزة عسكريا رغم حجم القطاع الصغير والحصار على المقاومة، مما يعني عجز إسرائيل عن فتح جبهة حرب شاملة مع لبنان.

لذا، يصف عبود التهديدات الإسرائيلية بـ"المقدمة لعمل ما" دون بلوغ الحرب الشاملة، وأنها تهدف إلى "تفعيل ضربات نوعية، وسيقابلها الحزب من نفس جنس الفعل حتما".

ويرى عبود أن الأولوية بتصعيد الحزب راهنا هي مساندة حركة حماس بالمسار السياسي بعد المبادرة الإسرائيلية التي أعلنها جو بايدن، و"حتى يعرف العالم أنه لا يمكن الاستفراد بحماس وأن جبهة الشمال بالمرصاد".

وعليه، فإن الكثافة النارية والنوعية لحزب الله تمنع الحرب عن لبنان -وفق عبود- "لأنها جرس إنذار للإسرائيلين بحجم التكلفة التي سيتكبدونها إذا ما استخدم الحزب كامل ترسانته".

المسار الدولي

وبينما تقود واشنطن ضغوطات للجم إسرائيل عن التدهور في لبنان وصلت خلال الشهرين الماضيين رسائل غربية من باريس وعواصم أخرى حذرت الحكومة اللبنانية من مخاطر تصعيد حزب الله ضد إسرائيل، بحسب حمادة.

ويقول إن "الحكومة اللبنانية ضد الحرب حتما، ولكنها في مأزق بين أن تعلن ذلك بموقف سياسي رسمي يشكل صداما مع حزب الله وبين التعامل البراغماتي واتخاذ المواقف الموضعية التي لا تتجاوز الحزب، ولتمنع الانفجار السياسي والداخلي، في ظل الانقسام حول دوره بالحرب".

وتلعب واشنطن الدور الأهم والمركزي بمستقبل المواجهة بين الطرفين، بحسب الباحث طارق عبود، حيث يعتقد أن الإدارة الأميركية ترفض دخول إسرائيل حربا ثانية تستنزفها دون أفق.

ويقول عبود إن لدى واشنطن حسابات دقيقة بعدما أخذت إسرائيل بيدها إلى الهاوية، ولا تريد ضرب مصالحها وانفجار الشرق الأوسط، لأن الحرب الواسعة مع لبنان تعني فتح جبهات سوريا والعراق واليمن.

ومن اللافت أن نبيه بري رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل الحليفة لحزب الله هو من يقود التواصل مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، أما الأخير -وهو مهندس اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل- فأعرب عن نيته إطلاق مباحثات لإرساء هدنة طويلة الأمد بين لبنان وإسرائيل فور وقف حرب غزة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات إسرائیل عن لحزب الله حزب الله

إقرأ أيضاً:

سر الاستقواء الأمريكي – الإسرائيلي

ناصر قنديل

شكّل الإعلان الصادر عن وزير الحرب في كيان الاحتلال يسرائيل كاتس، حول الحصول على ترخيص أمريكي بالبقاء في المناطق اللبنانية المحتلة دون قيد زمنيّ، صدمة للبنانيين وحكومتهم بعد نيل حكومة الرئيس نواف سلام الثقة وهي تبني آمالاً، كما قالت في مواقف رئيسها ووزير خارجيّتها وسبقهم رئيس الجمهورية بالقول، إنّ الحل الدبلوماسيّ والضغط الدبلوماسيّ هو رهان لبنان لإلزام كيان الاحتلال بالانسحاب من النقاط اللبنانية المحتلة داخل الخط الأزرق تمهيداً للانسحاب من الشق اللبنانيّ من بلدة الغجر الموجود أيضاً داخل الخط الأزرق وصولاً لحسم أمر النقاط التي يسجّل لبنان تحفظه على بقاء الاحتلال فيها وفي مقدّمتها مزارع شبعا المحتلة، كما نص اتفاق وقف إطلاق النار ونص قبله القرار 1701 وكفل الأمريكيّون تنفيذ كيان الاحتلال لهما، والحديث عن الحلّ الدبلوماسيّ والضغط الدبلوماسيّ هو التوصيف المنمّق لما ينتظره لبنان الرسمي من واشنطن، التي لا يُخفى على أحد حجم دورها في تظهير الصورة الجديدة للحكم والحكومة.
تجاهلت واشنطن مسؤوليتها بإصدار نفي لكلام كاتس، وتجاهل لبنان الرسميّ تجاهل واشنطن وكلام كاتس معاً، لما في الأمر من إحراج، ولبنان الرسمي لا يملك أن يقول ما يقوله بعض اللبنانيين عن مبرّرات وذرائع للموقف الإسرائيلي، لأنه يعلم أن الاتفاق واضح والتزامات لبنان فيه لا لبس حولها وهي محصورة في بند وحيد هو انسحاب قوات حزب الله إلى ما وراء الليطاني، ولبنان الرسمي راضٍ عن تجاوب حزب الله مع ما طلبه منه الجيش اللبناني في هذا السياق، وكان يعلن أنه لا يعتبر أن هناك أي إخلال لبناني بالموجبات يبرر الإخلال الإسرائيلي، عندما كانت “إسرائيل” تقول إن مبرّر إخلالها هو أن الاتفاق مشروط بانتشار الجيش اللبنانيّ وانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، كما قال بنيامين نتنياهو عشية انتهاء مدة الستين يوماً المنصوص عليها في الاتفاق لانسحاب إسرائيلي كامل إلى ما وراء الخط الأزرق.
أمامنا مشهدان واحد ميدانيّ والثاني سياسيّ، حتى تاريخ نهاية مهلة الستين يوماً، الميداني يقول إن الاحتلال فشل في احتلال القرى والبلدات اللبنانية طوال أيام المواجهات العسكرية الممتدة من 27 أيلول 2024 الى 27 تشرين الثاني 2024، إلا أنه في أيام تطبيق الاتفاق دخل 47 قرية وبلدة ودمّر ما فيها من منازل وبنى تحتية، بعدما صار أمن الجنوب في عهدة الدولة اللبنانيّة والحل الدبلوماسيّ، والعجز الإسرائيلي عن احتلال القرى والبلدات خلال المواجهات هو الذي أجبره على قبول الاتفاق الذي ينصّ على الانسحاب الكامل، وما لمسه من قدرة على حرية التوغل والتدمير في مرحلة تطبيق الاتفاق هي ما أغراه على طلب تمديد المهلة، لكننا في السياسة كنّا طول المرحلتين أمام مشهد تعبّر عنه المواقف الصادرة عن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، تتحدث حصراً عن اتفاق يقضي بانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، ومواقف أمريكية في لجنة الإشراف على الاتفاق تقول إن هناك انتهاكات إسرائيلية تهدّد الاتفاق ويجب أن تتوقف.
إذا كان الدخول في المسار الدبلوماسيّ شكل مصدر شعور الإسرائيلي بالاطمئنان لدخول مناطق لم يتمكّن من دخولها خلال الحرب، والسعي لتمديد المهلة حتى 18 شباط، ثم التنكّر للمهلة واختيار البقاء في أراضٍ لا خلاف على وجوب الانسحاب منها. فالسؤال هو ماذا حدث حتى صار لدى الإسرائيلي تعديل في الخطاب وربط الانسحاب بشروط لا تقتصر على انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني؟ ولماذا تبدّل الخطاب الأمريكي من اعتبار التأخير الإسرائيلي والبقاء في أراضي لبنان انتهاكاً للاتفاق وباتت تعطي الترخيص للبقاء دون مهلة زمنيّة، كما قال كاتس؟
الجواب المؤلم، هو أن الداخل اللبناني المعادي للمقاومة هو السبب، وأن هذا الداخل اللبناني الذي دأب على الزعم بأن لا انسحاب كامل دون إنهاء أمر سلاح المقاومة، ولا أموال سوف يسمح بوصولها بهدف إعادة الإعمار دون نزع هذا السلاح، وجد خطابه موضع طعن في مصداقيّته واتهامه بالعدائيّة لدرجة وصفه الإسرائيلي أكثر من “إسرائيل” نفسها، حتى تمّ تشييع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فتحرّك أصحاب هذا الخطاب يحملون ما يسمّونه بالتراخي الأمريكي والإسرائيلي مسؤولية ما يسمّى بتعافي حزب الله واستعادة بيئته وشعبيته، وكانت النتيجة بالون الاختبار الذي أطلقه كاتس وصمتت عنه واشنطن، كورقة ضغط بيد هذا الداخل اللبناني عساه يستطيع توظيفه، كما يزعم في محاصرة المقاومة وابتزازها، وربما تحقيق مكاسب في اتجاه تسريع وضع مستقبل سلاحها على الطاولة.
إذا كان قد حُسم أمر أن الحكومة هي حكومة القرار 1701 وليست حكومة القرار 1559، فإن ما لم يُحسم بعد، هو هل القرار 1701 هو خطوة نحو القرار 1559 أم هو خطوة نحو القرار 425؟
إذا كان نص خطاب القَسَم عن حق الدولة في احتكار حمل السلاح وبسط سلطة الدولة بقواها الذاتية على كامل أراضيها، استعادة لما جاء في اتفاق الطائف، فإنه من المفيد التذكير أن اتفاق الطائف ترافق مع رهانات وأحلام دبلوماسيّة شبيهة برهان قادة الدولة الحاليين، يومها مسار مدريد ووعود تنفيذ القرار 425، واليوم وعود أمريكية بتحييد لبنان عن صراعات المنطقة وأزماتها، كان كلام الطائف قبل مقتل رابين، وكانت وعود أمريكا للبنان قبل إعلان تهجير غزة.
الاستقواء الأمريكي الإسرائيلي بالداخل اللبناني، رهان يسقط مع سقوط الحل الدبلوماسي للاحتلال، كما هو حال الاستقواء من بعض الداخل اللبناني بالحضور الأمريكي والإسرائيلي.
* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية

مقالات مشابهة

  • لبنان يسير بين خطّين.. وهواجس من التعثّر والاصطدام!
  • حزب الله أبلغ المعنيين: لن نسلّم سلاحنا شمال الليطاني
  • الدولة وسلاح حزب الله: تسوية او مواجهة
  • الحسيني يكشف عن الدولة التي اغتالت حسن نصر الله| ويؤكد: ليست إسرائيل
  • سر الاستقواء الأمريكي – الإسرائيلي
  • هل تستطيع أوروبا تعويض كييف عن المعدات العسكرية التي أوقفتها واشنطن؟.. خبراء يجيبون
  • هل تستطيع أوروبا تعويض كييف المعدات العسكرية التي أوقفتها واشنطن.. خبراء يجيبون
  • هل يعود حزب الله من رماد البيجر؟
  • الرئيس اللبناني: أتطلع إلى المحادثات التي سأجريها مع الأمير محمد بن سلمان
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟