عدنان زاهر
صدرت الأوامر واضحة لقُناص الفرقتين المتحاربتين، و بصورة لا تقبل التأويل أو الجدل و هي ( ان يطلق القناص النار على اى شيء متحرك في اطار مرمى بندقيتهما الحديثتين و التي صممتا خصصيا للقتل و القنص ).
ولكن بالنسبة لقناص الفرقة الأخرى فقد كانت أوامره أكثر تحديدا و دقة ( يجب ان تكون الأصابة في الرأس ، القلب أو الأمعاء ).
عندما صدرت تلك الأوامر عند قيام الحرب، لم يكن سكان الحى و المغادرين للمنطقة على علم بها ، خاصة " الدابى " الذى اصر على المكوث لإطعام حيوانات سعيته
لا أدرى لماذا لقب في حلتنا ب ( الدابى ) بالرغم من أن الحكاوى الشعبية المتداولة تصف الدابى بالغدر، الخيانه و الشراسة ، لكن العارفين بالغابة يقولون ان غدره و شراسته مرتبط بخوفه و محاولات حماية نفسه.
صفات " دابى " حلتنا قد كانت تتناقض مع صفات ( الدابى ) الحقيقي فهو رغما عن ضخامة جسده ووجهه المتسم بالجدية الا أنه طيب القلب ، متسامحا و يكره الغدر لكنه لا يقبل الحقارة.
كان كريما كجده ( الكمنده ) الذى عمل بالسكة حديد حتى تقاعده و إنشائه " سبيلا " و " قدرة " فول للعطشى و الجوعى المارين بمنزله. لكن بعض الناس يقولون إن الاسم أطلق عليه بعد عراكه المشهور مع " كبشور " و هي قصة صارت دعاء على المفتري و مثلا شعبيا جاريا في الحى.
القصة كما يرويها البعض باختصار هي كالآتي، فقد عمل كبشور المتحور من صبى " مكوجى " الى سائق " ركشة " يمتلكها ، على استفزاز و إساءة " الدابى " دون سبب أو مبرر. لكن المتعارف أيضا عن كبشور تهجمه و اعتداءه على الغير لإبراز قوته ، سطوته و سيطرته على الآخرين، و لذلك السبب كان مكروها من عامة أهل الحى..... كما يضيف الغاضبون عليه، ان امتلاكه لركشة جاءت من عمله السرى في الممنوع و الحرام.
الحدث تم في الصباح الباكر عندما كان الدابى يشرب قهوة الصباح امام دكان صديقه جابر الخضرجى. دون سبب جاء كبشور الى المكان ثم قام بإساءة و استفزاز الدابى، حاول الدابى تجاهله و تفاديه بكل الطرق لكن ذلك السلوك المتزن و المتصف بالوقار جعل كبشور يتمادى في فعله ،عندها لم يجد الدابى بدا عن الدفاع عن نفسه.
تفاجأ كبشور بضرب الدابى المبرح له، ولم يجد بد من الصياح خوف الهلاك، لكن المتواجدين ذلك الصباح تجاهلوا صياحه عمدا نكاية فيه، و لم يهبوا لنجدته. عندها فقط تدخل صديق الدابى الخضرجى " جابر " لفض العراك ليس حبا فى كبشور و لكن خوفا من موته على يد الدابى.....يقولون ان " كبشور " أختفى لمدة أسبوع من السوق ثم ظهر بعد ذلك ذليلا و منكسرا. من ذلك العراك استمد الدابى لقبه و من ثم سريان المثل الشعبى الذى يقول ( أنشاءالله يدقوك دقة الدابى لكبشور ) !
لم تُعرف مهنة محددة للدابى لكن الثابت إنه بعد اكمال المرحلة المتوسطة عمل في دكان والده الصغير في الحى الذى كان في الأصل غرفة من منزل الأسرة، ثم ورث العمل و الدكان بعد وفاة والده.
الدابى لم يكن يرد طلبا لمحتاج حضر لدكانه ، كان يتأبط معه المثل المنسوب للحكيم الشعبى ( فرح ود تكتوك حلال المشبوك ) و الذى يقول ( التاجر يتم ميزانو ، و يحلى لسانو ، شوف أكان ما اتملأ دكانو ).....توسعت تجارته التي تلبى احتياجات الحى، و لم تنقص بضاعته في كل الظروف.
ورث من جده لوالدته و أسرتهم الممتدة تربية و " سعية " الحيوانات من اغنام ، خراف ، أرانب ، بط ، دجاج....و غيرها، لكن لخبثاء الحى و حساده رأيا آخر، فهم يقولون ان تلك الهواية فرضت عليه فرضا، لأنه كان عقيما و لم يستطع الانجاب رغم زواجه المتكرر !
البرنامج اليومي ل ( الدابى ) كان معروفا للجميع، يصحو مبكرا لتفقد " قدرة " الفول التي قام بوضعها على النار ليلا و معرفة مستوى نجاضه ، بعد ذلك يذهب لأداء صلاة الفجر في جامع السوق الصغير ثم يشرب قهوة الصباح عند صديقه جابر الخضرجى الذى يكون قد جهزله صفق البصل الأخضر، الخضروات التالفة ل " سعيته " ، و لم يكن جابر يأخذ نقودا مقابل ذلك، بل هي عربون للصداقة التي امتدت بينهما لسنوات طويلة.
من دكان جابر يتجه لدكاكين ( التشاشه ) لشراء الفول و التوابل و أي احتياجات أخرى قبل الذهاب الى المنزل، و فتح الدكان في تمام السادسة و النصف لاستقبال أفواج طلبة الحى الذاهبين الى مدارسهم لشراء الإفطار المكون في العادة من سندوتش الطحنية او الفول " المظبط " الذى اشتهر الدابى بطهيه. كان الأطفال يحبون ( عم الدابى ) كما ينادونه، لتعامله الأبوي، ودُه و الاستجابة دون ضجر لطلباتهم الملحاحة.
كانت الحياة تسير بهدوء و بوتيرتها العادية عندما صحى الدابى فجأة في الصباح الباكرعلى صوت طلقات و دانات عالية ثم صراخ مروع في الشارع ، فتح الباب ليشاهد من جاءوا لأداء فريضة الصلاة و هم يتراكضون في اتجاهات مختلفة و يتصايحون هربا من الرصاص المتطاير و مؤشرين له بعدم الخروج.
لزم منزله و لم يقم بفتح الدكان اتقاء للرصاص المنهمر كالمطر ، مع سماعه لأصوات انفجارات لم يسمعها في حياته من قبل. مكث عدة أيام في المنزل عندما حضر اليه بعض من أهل الحى طالبين منه المغادرة معهم...رفض نصيحتهم في رفق لكن فى إصرار، و هو يقول لن يترك " سعيته " تموت جوعا.....ذهبوا تاركين له و مغادرين.
بدأت حيواناته في الصياح من الجوع بل نفق بعضها، فهو لم يطعمهم لعدة أيام و لحسن حظه فقد كان خريف ذلك العام وافر المطر و عمل على نمو الأعشاب في الخور الذى يجاور منزله. أحضر " منجلا " كان يمتلكه و ذهب للخور لقطع الأعشاب لحيواناته الجائعة. بعد مدة من الزمن نفدت الأعشاب المجاورة لمنزله ،و لم يكن امامه من خيار سوى الذهاب للخور الأكثر بعدا لجلب مزيد من العشب.
كان قد فرغ لتوه من ملئ كيسه الصغير بالأعشاب الطرية، ومستعدا للعودة الى منزله فرحا بإمكانية اطعام حيواناته، عندما دوت أصوات الرصاص المنطلقة من قناصين الطرفين.
" الدابى " كان يقطع عشب الحياة من الشريط الفاصل .... . سقط على الأرض.......و العشب الذى قام بجمعه طوال ساعات، يتخضب بالدماء المندلقة على الخور ، و يتناثر في اتجاه الرياح !!
عدنان زاهر
مايو 2024
elsadati2008@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: لم یکن
إقرأ أيضاً:
«البحث عن السيد رامبو»
ﻓﻴﻠﻢ ﺷﻌﺒﻰ ﻛﺴﺮ ﺣﺎﺟﺰ اﻟﻌﺎلمية
طُرح فى قاعات العرض السينمائى فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو، ليكون أول الأعمال المعروضة فى موسم رأس السنة بعد النجاح الكبير الذى حققه الفيلم خلال جولته فى المهرجانات السينمائية.
والفيلم أثبت نجاحاً كبيراً لموضوعه المحلى الذى استطاع وصنَّاعه أن يتخطوا حاجز العالمية.
قال المخرج خالد منصور إنه سعيد للغاية بعرض الفيلم فى دور العرض السينمائية المصرية، فعلى الرغم من الحضور القوى الذى أثبته الفيلم فى المهرجانات العالمية فإنه صنع الفيلم بالأساس من أجل الجمهور أولاً، وينتظر بشدة ردود الفعل هنا.
وأضاف «خالد» أن البداية دوماً تتسم بالصعوبة، وكانت مغامرة من أجل العثور على منتج يؤمن بالمشروع ويقرر دعمه بدون معرفة مسبقة بكيفية ظهوره.
وأكد «خالد» أن صناعة الأفلام الروائية الطويلة تختلف تماماً عن الأفلام القصيرة من حيث الحجم والإنتاج والإيقاع.
فيما تحدث الفنان عصام عمر عن سر انجذابه لشخصية حسن التى أداها خلال الفيلم قائلاً إن السر فى فكرة التخلى، فلقد تخلى عنه والده فى مرحلة الطفولة وهو لا يريد التخلى عن رامبو كما حدث معه، فشخصية حسن انفعالاتها داخلية ولا يتحدث كثيراً.
وأضاف عصام أن رامبو فيلم شعبى استطاعوا به كسر حاجز أفلام المهرجانات فهو يصلح للاثنين، وهو سعيد بكل الترحاب الذى لاقاه الفيلم فى كل المهرجانات العالمية والآن متحمس لردود فعل الجمهور فى السينمات فى مصر.
فيما قال المنتج محمد حفظى، إنه تحمس للغاية للفيلم فهو دائماً ما يتحمس للأعمال الأولى خاصة لو كانت جيدة، وفكرة عرضه فى المهرجانات العالمية كانت شيئاً متوقعاً بالنسبة له.
وأضاف حفظى أن الفيلم ليس فنياً فقط بل إنسانى أيضاً، فبطل الفيلم حارس أمن يتبنى كلباً، رغم ذلك فإن الفيلم يناقش موضوعاً اجتماعياً، من خلال نظرته للإنسان والحيوان.
بينما تحدثت المنتجة رشا حسنى عن كواليس التصوير مع الكلب، مؤكدة أن التعامل مع الكلاب ليس سهلاً بالمرة واستعانوا بمدربين متخصصين وتم تدريب الكلاب لمدة شهرين بعد رحلة البحث والتطعيمات لأنها كانت كلاب شوارع.
وأضافت رشا أنها آمنت بالفيلم وفكرته، وعملت على الفيلم ليس فقط كمنتجة، ولكن أيضاً عملت على تأمين ميزانية لتمويله وشاركت فى رحلة البحث عن معامل لتطوير السيناريو.
وأكدت الفنانة ركين سعد أن الفيلم قريب جداً من الناس فشخصياته حقيقية وتعبر عنهم لذلك أحبوا أن يتم عرضه فى السينما كما المهرجانات.
وأضافت أن شخصية أسماء التى تلعبها خلال الفيلم مؤثرة جداً خلال الأحداث، فهى ذات طبيعة متوسطة، وهى كركين لم تقدم هذا النمط من قبل، فالشخصية تتميز بشىء من الحساسية ولكنها معتمدة على نفسها فى الوقت نفسه.
وقالت الفنانة سماء إبراهيم إنها سعيدة للغاية بالعرض الأول مع الجمهور المصرى هنا فى بلده ومتحمسة للغاية، وأكدت أنها استمتعت فى الكواليس مع عصام عمر وباقى للفريق والمخرج خالد منصور.
وأضافت سماء أنها استمتعت جداً بالكواليس، فالصعوبة فقط كانت فى التصوير فى البرد، فخالد منصور مخرج متميز وواعد وذكى ويهتم بكافة التفاصيل.
بينما قال الفنان أحمد بهاء أن أكثر ما جذبه للفيلم هو السيناريو والفكرة الرائعة لمحمد الحسينى وخالد منصور، وقد أخذ وقته فى المذاكرة شهوراً طويلة وجمعتهم عدة جلسات عمل.
وأضاف «بهاء» أنه متحمس وقلق من عرض الفيلم فى دور العرض السينمائية المصرية فهذا هو الامتحان الحقيقى فى مواجهة الجمهور المصرى على الرغم من عرضه فى عدة مهرجانات عالمية والترحاب الذى لاقاه إلا أن مصر لها طعم آخر.
وتحدث السيناريست محمد الحسينى عن رحلة كتابته للفيلم، مؤكداً أن الفكرة جاءت لخالد منصور أولاً وعرضها عليه ثم بدأوا العمل عليه سنين طويلة بجانب أعمالهم.
وأضاف الحسينى أن المسودة الأخيرة التى تم عرضها هى رقم ١٣، لذلك فهو متحمس للغاية لعرضه بين الجمهور المصرى.