محاولات إيجاد حكم بديل لحماس في غزة.. ونموذج روابط المدن
تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT
منذ بداية الحرب الحالية على قطاع غزة، قد ركزت إسرائيل على هدف استراتيجي بمثابة إنجاز واضح للعيان، يتمثل في الإطاحة بحكم حماس، الذي بدأ عام 2007 بعد سيطرتها على قطاع غزة. منذ ذلك الحين، وتروج إسرائيل بطرق متعددة لضرورة إيجاد بديل لحماس فب القطاع، على الرغم من صعوبة الخيارات من وجهة نظرها، إلا أن هذا الاتجاه تعزز بعد الهجوم المفاجئ الذي شنته الحركة على القواعد العسكرية ومستوطنات غلاف غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
كتب الصحفي نداف إيال في الملحق الأسبوعي لصحيفة يديعوت أحرونوت "موسف شبات" نهاية الأسبوع الماضي، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وافق على بدء مناقشة استبدال حكم حماس في غزة بإنشاء قيادة محلية مكونة من العشائر والقبائل في شمال القطاع. ووفقا لما أعلنه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يوم 2 حزيران/ يونيو 2024، فإن هذا التغيير سيشمل تطهير غزة من عناصر حماس، واختيار وإعادة تأهيل القيادات الجديدة بالتعاون مع جهات دولية، ثم تزويدها بأدوات تطبيق القانون. في الوقت نفسه، سيقوم الجيش الإسرائيلي بحماية هذه القيادات من تهديدات حماس(1).
يهدف هذا السيناريو إلى تقسيم المناطق الفلسطينية إلى مقاطعات معزولة يديرها رؤساء بلديات أو مخاتير، مما يقضي على حلم إقامة أي كيان فلسطيني مستقل ويفكك السلطة الفلسطينية
في الواقع، هذه الفكرة ليست جديدة بل تم طرحها أيضا في مراكز الأبحاث الإسرائيلية كمستقبل محتمل للضفة الغربية. يهدف هذا السيناريو إلى تقسيم المناطق الفلسطينية إلى مقاطعات معزولة يديرها رؤساء بلديات أو مخاتير، مما يقضي على حلم إقامة أي كيان فلسطيني مستقل ويفكك السلطة الفلسطينية(2).
في مطلع الثمانينيات، حاولت إسرائيل تنفيذ خطة مشابهة تُعرف بـ"روابط القرى"، لكن هذه الفكرة باءت بالفشل. حيث بادر مصطفى دودين بتقديم اقتراح إلى "مناحيم ميلسون" ينص على ضرورة إنشاء جسم بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية، يخضع للسياسات الصهيونية. أسس دودين أول رابطة للقرى في منطقة الخليل، وذلك بزعم أنها جمعية زراعية تهدف إلى مساعدة وتطوير الفلاحين، وهو ما قام بتسويقه كمبادرة لتقديم خدمات إدارية واجتماعية للفلسطينيين(3).
وُصمت هذه الروابط بالعمالة المباشرة والواضحة لإسرائيل، وتمت ملاحقة المخاتير المتعاونين وقتلهم من قبل نشطاء الانتفاضة الفلسطينية. اليوم، تسعى إسرائيل لإنشاء جسم مشابه لذلك في غزة، ولكن من الصعب أن ينجح هذا السيناريو في ضوء الدروس المستفادة من الماضي. الفلسطينيون لا يزالون يحملون ذاكرة حية عن تلك الفترة ويعتبرون التعاون مع الاحتلال خيانة، مما يجعل تكرار هذه التجربة أمرا صعبا للغاية.
رغم الضربات العسكرية، لا تزال حركة حماس وفصائل المقاومة تتمتع بقوة تنظيمية ومؤسساتية كبيرة. حماس، التي ترسخت في المجتمع الفلسطيني من خلال شبكة من الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية، لن تسمح ببساطة بتولي العشائر أو العائلات حكم غزة، وبنيتها التحتية القوية وعلاقاتها المتشابكة مع شرائح المجتمع تجعل من الصعب على أي قوة جديدة أن تحل محلها دون مقاومة شديدة.
السلطة الفلسطينية، بمؤسساتها وأجهزتها الأمنية، تتمتع بنفوذ قوي في الضفة الغربية ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات تقسيم السلطة في غزة. رغم أن السلطة لا تعارض مبدئيا العودة لحكم غزة، إلا أنها ترفض أي ترتيبات تثير سخط الشارع الفلسطيني. تسعى السلطة لتوحيد الجبهة الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير تضمن لها الشرعية وتنفيذ مشاريعها.
من الناحية الأمنية، تبحث إسرائيل عن سلطة في غزة تضمن استقرار الحدود وتحميها من التهديدات. تجربة 7 أكتوبر، تظهر أن أي سلطة غير قادرة على ضبط الأمن في غزة لن تكون مقبولة لدى إسرائيل، بالتالي، فإن العشائر أو العائلات ليست لديها القدرات الأمنية والتنظيمية اللازمة لضبط الحدود ومنع التهديدات الأمنية المستمرة بالنسبة لاسرائيل.
من تجربة "روابط القرى" الفاشلة في الثمانينيات، إلى قوة حماس والسلطة الفلسطينية، وصولا إلى الرفض الدولي وخاصة المصري، والمتطلبات الأمنية الإسرائيلية، كلها عوامل تعيق تنفيذ هذا السيناريو. فشل إسرائيل في تحقيق هذا الهدف يعني هزيمتها في قطاع غزة أمام المقاومة الفلسطينية، ويظهر حدود قدرتها
العديد من الدول في العالم قد ترفض فكرة إقامة حكم عشائري أو عائلي في غزة، لا سيما مصر، التي تربطها علاقات جغرافية وجيو سياسية مع القطاع. فمصر، التي تحمل مخاوف أمنية من انتشار الفوضى إلى سيناء، لن تسمح بتحويل غزة إلى بؤرة جديدة للاضطرابات، كما أن الاتفاقيات الدولية مثل إدارة معبر رفح تتطلب وجود سلطة شرعية يمكنها تنفيذ هذه الاتفاقيات بفعالية.
السؤال الأهم يكمن في مدى استعداد الدول المانحة للتعاون مع حاكم جديد في غزة؟ إذا لم تحظ هذه القيادة الجديدة بشرعية دولية وشعبية، فإن الأزمات في غزة ستتفاقم وقد تصل إلى حد الحرب الأهلية. الدول المانحة تشترط وجود سلطة شرعية وفعالة لضمان أن تصل المساعدات إلى مستحقيها وتستخدم في إعادة الإعمار بشكل صحيح.
من تجربة "روابط القرى" الفاشلة في الثمانينيات، إلى قوة حماس والسلطة الفلسطينية، وصولا إلى الرفض الدولي وخاصة المصري، والمتطلبات الأمنية الإسرائيلية، كلها عوامل تعيق تنفيذ هذا السيناريو. فشل إسرائيل في تحقيق هذا الهدف يعني هزيمتها في قطاع غزة أمام المقاومة الفلسطينية، ويظهر حدود قدرتها على التأثير في الشؤون الداخلية الفلسطينية، مما يعزز موقف حماس ويزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني.
__________
(1) للاستزادة انظر/ي: https://www.ynet.co.il/yedioth/article/yokra13947650
(2) للاستزاد انظر/ي: عاموس يادلين وآخرون، "الخطوط العريضة للساحة الإسرائيلية الفلسطينية" (العبرية)، معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي –جامعة تل أبيب، (2018).
(3) للاستزادة انظر/ي: بهاء جرادات، "إسرائيل وروابط القرى: من نشأتها إلى حلها"، باب الواد 14/2/2021.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة إسرائيل حماس الفلسطينية إسرائيل فلسطين حماس غزة مقالات مقالات مقالات اقتصاد صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطة الفلسطینیة هذا السیناریو قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
"حماس" تدين الموقف الأمريكي الداعم لقرار إسرائيل حظر عمل وكالة الأونروا
أدانت حركة "حماس"، في بيان يوم الخميس، الموقف الأمريكي الداعم لقرار إسرائيل حظر عمل وكالة (الأونروا).
وقالت الحركة في بيان يوم الخميس: "نعد هذا الموقف امتدادا لتاريخ من الانحياز الأمريكي السافر للاحتلال ولإجراءاته المتصادمة مع القانون الدولي والمواثيق الإنسانية".
وأضافت الحركة أن "المداخلة الأمريكية أمام محكمة العدل الدولية، جاءت متماهية مع الموقف الصهيوني الساعي لتقويض دور الأونروا وإحكام حلقات الإبادة حول شعبنا الفلسطيني، في ظل جريمة التجويع الوحشية القائمة ضد المدنيين الأبرياء في قطاع غزة".
وأشارت إلى أن الاتهامات التي تسوقها إسرائيل للأونروا هي أكاذيب مفضوحة، تخفي وراءها مساعي إجرامية لشطب الوكالة وإنهاء دورها الإغاثي تجاه الشعب الفلسطيني لا سيما قضية اللاجئين الفلسطينيين.
ودعت حماس المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى الوقوف بحزم أمام هذه السياسات الخطيرة، والعمل على ضمان استمرار عمل وكالة الأونروا، ودعمها ماليا وسياسيا لتتمكن من أداء مهامها وفق التفويض الأممي.
وقالت الولايات المتحدة في جلسة استماع بمحكمة العدل الدولية في لاهاي يوم الأربعاء "إنه لا يمكن إجبار إسرائيل على السماح لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بالعمل في غزة".
وأفادت الولايات المتحدة بأن لإسرائيل الحق في تحديد المنظمات التي يمكنها توفير الاحتياجات الأساسية لسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال المستشار القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية جوشوا سيمونز "تحتفظ سلطة الاحتلال بهامش تقدير فيما يتعلق بخطط الإغاثة المسموح بها".
وأضاف "حتى لو كانت المنظمة التي تقدم الإغاثة منظمة إنسانية محايدة، وحتى لو كانت جهة فاعلة رئيسية، فإن قانون الاحتلال لا يجبر السلطة المهيمنة على السماح بعمليات الإغاثة التي تقوم بها تلك الجهة الفاعلة المحددة وتسهيلها".
وشدد سيمونز أيضا على "المخاوف الجدية" التي تشعر بها إسرائيل بشأن نزاهة الأونروا.
وكان ممثلو الأمم المتحدة والفلسطينيون قد اتهموا إسرائيل في افتتاح جلسات الاستماع يوم الاثنين بانتهاك القانون الدولي برفضها السماح بدخول المساعدات إلى غزة.
كما دعت روسيا إسرائيل إلى إعادة النظر في موقفها تجاه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وقال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا في أثناء المناقشات في مجلس الأمن الدولي إن "الوضع الكارثي في قطاع غزة يتفاقم بنتيجة الحصار المستمر منذ نحو 60 يوما الذي يمنع نقل إمدادات الأغذية والأدوية، ما أدى إلى نفاد الاحتياطيات في المستودعات، وذلك فيما لا تزال آلاف الشاحنات التابعة للأونروا المحملة بالمساعدات الإنسانية جاهزة للتوجه إلى القطاع".
وأشار إلى أن "ما يؤزم الوضع بشكل مفتعل هو الحظر الإسرائيلي على أنشطة الأونروا"، مؤكدا أن "هذه الهيئة تلعب دورا أساسيا لا بديل له في إجراء العمليات الإنسانية على الأرض وتقديم المساعدة الشاملة للفلسطينيين".
وحذر من أن "تقويض عمل الوكالة سيزيد من سوء الوضع الصعب أصلا لدى سكان غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية"، مضيفا: "ندعو إسرائيل لإعادة النظر في قرار وقف التعامل مع الأونروا".
يذكر أن إسرائيل قررت حظر أنشطة وكالة "الأونروا" ووقف جميع أنواع التعامل معها حيث اتهمت موظفين في الوكالة بالمشاركة في الهجوم على إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023.