مؤتمر القاهرة وفرص السلام في السودان

محمد جميل أحمد

تبدو مآلات الحرب السودانية اليوم أكثر خطورةً من أي وقت مضى، في ضوء المعطيات المخيفة التي كشفت عنها تلك المآلات؛ من شبح للمجاعات وانهيار الدولة المركزية وما يترتب عن ذلك الانهيار  في منطقة جيوسياسية يجاور فيها السودان خمس دول شهدت حروباً أهليةً طاحنة، إلى جانب المخاطر الأخرى التي يمكن أن تترتب عن انهيار الدولة في السودان، من مظاهر الجريمة المنظمة، والهجرة السرية، والإرهاب ، فضلاً عن وصول أوضاع الاقتتال الجارية الآن إلى الحرب الأهلية الشاملة.

تلك المآلات ستعني بالضرورة أن مصالح كبرى لدول عالمية وإقليمية ستتضرر وهي مصالح لا يمكن غض الطرف عنها في ظل التشابك الحيوي الذي كشفت عنه طبيعة التجارة الدولية اليوم، إلى جانب التوازنات الجيوسياسية التي ستضطر تلك الدول إلى  البحث عن حل للأزمة السودانية، بالرغم من انشغال العالم اليوم بحربين؛ الحرب الروسية الأوكرانية، وحرب إسرائيل في غزة .

وتبدو كل من مصر الولايات المتحدة الأمريكية هما الدولتان المعنيتان أكثر بخطورة مآلات الحرب السودانية على مصالحهما الأمنية والجيوستراتيجية.

فمن ناحية تدرك الولايات المتحدة، أن هناك أكثر من سبب يدفعها إلى البحث عن حلول للأزمة السودانية، فالحرب في السودان اليوم لا تشيه أي حرب أهلية في أفريقيا. فالصومال الذي انهارت فيه الدولة منذ العام 1990 لم يكن سوى طرف على هامش القرن الأفريقي، وليس لموقعه الجيوستراتيجي تلك الخطورة التي يمثلها الموقع الجيوسياسي للسودان، فضلاً عن أن هناك دواع أخرى تجعل من الولايات المتحدة معنيةً بوقف الحرب في السودان على نحو خاص، ذلك أن الولايات المتحدة قد أدركت تماماً أن رغبة الشعب السوداني في الديمقراطية والدولة المدنية  رغبة صادقة، ولاحظت أمريكا تلك الرغبة عبر وفرة من المعطيات التي عكسها المشهد السياسي في السودان منذ العام 2019 سواءً عبر اسقاط الجنرال عمر البشير في أبريل العام 2019 أو في مقاومة عملية فض اعتصام القيادة العامة في يونيو من العام ذاته، أو في رفض انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي واجهه الشعب السوداني بمظاهرات انطلقت منذ اليوم الأول للانقلاب وظلت مستمرةً لأكثر من عام لم يستطع فيه الانقلابيون تكوين حكومة ولا تسيير دولاب العمل العام بسبب تلك المظاهرات التي دفع الشعب السوداني فيها أكثر من 120 شهيد وشهيدة من خيرة أبناء الشعب السوداني، حتى اضطر الانقلابيون للتوقيع على الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر 2022 مع القوى السياسية، لكن سرعان ما انكشفت رغبة الجيش وحلفائه من عناصر النظام القديم في تفجير الوضع السياسي باندلاع حرب 15أبريل 2023 التي لاتزال مجرياتها راهنة.

ومن جهة أخرى تدرك مصر مآلات خطر الحرب في السودان على مصالحها القومية وعلى رأسها الأمن المائي الذي يعني أن وضعاً آمناً في السودان هو ضرورة استراتيجية لأمن مصر  القومي، ولقد ظهرت هذه الحاجة على نحوٍ ملح مع بروز تلك المخاطر التي المذكورة  لمفاعيل الحرب في السودان، لذلك تبدو مصر اليوم أكثر من أي وقت مضى استعداداً للبحث عن سلام  في السودان والبحث جدياً عن ما يضمن حماية مصالحها الأمنية الجيوستراتيجية هناك.

ولعل الدعوة إلى مؤتمر لحوار سوداني سوداني في القاهرة يوم 30 يونيو تعتبر  أبرز العلامات التي تعكس حرص مصر في ضوء معلومات سربتها الولايات المتحدة للأولى محذرةً لها من أن وضع الحرب في السودان بحلول شهر يوليو قد يصل إلى نقطة اللاعودة وعلى نحو يعكس خطورةً شديدة على أمن مصر ودول المنطقة.

ولقد ترافق مع تلك الجهود من أجل البحث عن السلام في السودان حدث كبير هو قيام المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بقيادة رئيس وزراء حكومة الثورة د. عبد الله حمدوك، في أديس اببا بين يومي 27 – 30 مايو الماضي وهو مؤتمر حشد كثيراً من القوى الحزبية والنقابية ولجان المقاومة والإدارة الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، وعكس التمثيل فيه طيفاً واسعاً للمجتمع السياسي السوداني، ونرجو أن يكون لنجاحه اللافت دوراً كبيراً في تعزيز الحل السياسي بالوصول إلى اتفاق ينهي الحرب في السودان ويعزز قيام حكومة مدنية، لاسيما وأن تنسيقية (تقدم) قد أعلنت موافقتها المبدئية على المشاركة في مؤتمر الحوار السوداني السوداني بالقاهرة في 30 يونيو الجاري.

*نقلا عن صحيفة عمان

 

الوسومحرب الجيش والدعم السريع سلام السودان مؤتمر القاهرة للحوار السوداني مصر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: حرب الجيش والدعم السريع سلام السودان مصر

إقرأ أيضاً:

بوريطة في لقائه مع بلينكن: جلالة الملك يقدر الشراكة مع الولايات المتحدة لإحلال السلام في الشرق الأوسط

زنقة 20 | الرباط

استقبل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اليوم الثلاثاء، وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بمقر وزارة الخارجية بواشنطن.

و أجرى الجانبان مباحثات حول الوضع في الشرق الأوسط والاستقرار في شمال إفريقيا.

بوريطة و في تصريح له خلال المؤتمر الصحافي مع بلينكن قال :” نجتمع اليوم، و بلدانا تحتفل بالذكرى العشرين لمرحلتين مهمتين في علاقتنا: اتفاقية التجارة الحرة، وهي الاتفاقية الوحيدة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع دولة أفريقية؛ ومناورات الأسد الأفريقي العسكرية، وهي أكبر مناورات عسكرية تجريها الولايات المتحدة في القارة.”

و أضاف بوريطة :” نحن أيضًا، كما قلت، شركاء في السلام. وهو أمر حيوي اليوم حيث نشهد تصعيدًا في الشرق الأوسط، ومشاكل في منطقة الساحل، وفي ليبيا، وفي أوروبا. لذا فهي فرصة للتنسيق، ويقدر جلالته هذه الشراكة. ونود أن نعمل معًا لإحلال السلام في كل هذه المناطق بالعالم”.

مقالات مشابهة

  • 9 معلومات حول الشاعر السوداني الراحل محمد المكي إبراهيم
  • بوريطة في لقائه مع بلينكن: جلالة الملك يقدر الشراكة مع الولايات المتحدة لإحلال السلام في الشرق الأوسط
  • توكل كرمان من لاهاي أمام تجمع عالمي: العالم يواجه الآن خطراً خطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية
  • نِقابة الصحفيين السودانيين تختتم فعاليات مؤتمر قضايا الإعلام السوداني الأول
  • «الأرصاد» تكشف حالة الطقس الآن.. سحب منخفضة وفرص أمطار على القاهرة الكبرى
  • قطر وبربادوس والوقوف مع الحق السوداني والإنساني
  • وفاة الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم.. الموت في زمن الشتات ورحيل هرم شعري ناطق
  • الوزير صباغ: استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية منذ 1967 بما فيها الجولان السوري وارتكابه جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب لا يزال شاهداً ماثلاً على إخفاق الأمم المتحدة في إنهاء هذا الاحتلال العنصري التوسعي ويمثل دليلاً دامغاً على منع الولايات
  • عُمان تشارك في مؤتمر "السلام والتنمية في الإطار العربي والأفريقي" بالقاهرة
  • تقرير تقصي الحقائق وقوة حفظ السلام هل تشكل مقدمه للفصل السابع