تحمل إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب دلالات عديدة سياسية وتاريخية. فهي المرّة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي يُتهم فيها رئيس سابق بتهم جنائية. كذلك هي المرة الأولى في تاريخ أميركا التي يُتهم فيها مرشح رئاسي بنفس اللائحة من الاتهامات.

نحن إزاء سابقة تاريخية وسياسية في بلد لم يتخيل آباؤه المؤسسون قبل قرنين ونصف القرن أن يأتي للسلطة شخص بمواصفات ترامب وسلوكياته وأخلاقياته.

وهو ما يجعله حالة فريدة ومختلفة عمن سبقوه سواء من الرؤساء أو المرشحين للرئاسة. ويجب ألا ننسى أيضًا أن ترامب كان أول رئيس في السلطة تجري محاولة عزله مرتين من قبل الكونغرس الأميركي ولم تنجحا.

لا يمنع القانون الأميركي أي شخص مدان جنائيًا من خوض الانتخابات الرئاسية. فحسَب المادة الثانية من الدستور الأميركي هناك ثلاثة شروط للترشح للرئاسة بأميركا، وهي: أن يكون المرشح مواطنًا أميركيًا منذ مولده، وأن يكون مقيمًا في الولايات المتحدة لمدة 14 عامًا على الأقل، وألا يقل عمره عن 35 عامًا عند الترشح، ولا تتضمن الشروط عدم الإدانة الجنائية أو حتى السجن.

وجميع هذه الشروط تنطبق على ترامب، وبالتالي فليس هناك ما يعوق خوضه السباق الانتخابي. ولكن المدهش حقًا أنه يحق للمرشح الرئاسي أن يحكم البلاد من خلف القضبان؛ إذا كان حُكم عليه بالسجن وفاز في الانتخابات، وهو وضع لا يكاد يكون موجودًا في أي بلد آخر سوى الولايات المتحدة.

ولعل الجدل الدستوري الذي يدور حاليًا في الولايات المتحدة، هو مدى قدرة ترامب على أن يعفو عن نفسه بحكم صلاحيات العفو التي يتمتع بها الرئيس عن السجناء السياسيين.

ومنذ أدانت هيئة المحلفين في نيويورك الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بنحو 34 تهمة جنائية في قضية دفع أموال خلافًا للقانون لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية، أثيرت أسئلة عديدة حول شكل العقوبة المتوقع إصدارها عليه، وما إذا كانت هذه العقوبة سوف تمنعه من الترشح للرئاسة في الانتخابات التي من المتوقع أن تُجرَى في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وتداعيات ذلك على مستقبله السياسي.

بالنسبة للمسألة الأولى، فإن ترامب يواجه واحدة من ثلاث عقوبات:

أولاها: هي عقوبة الغرامة المالية بحيث يدفع مبلغًا من المال دون سجنه. والثانية: هي أن يخضع لعقوبة المراقبة، بحيث لا يستطيع السفر خارج البلاد، إلا بعد الحصول على إذن من الضابط المسؤول عن مراقبته. والثالثة: هي السجن، وهنا يختلف الأمر سواء الحد الأدنى للسجن في مثل هذه الحالة، والذي يصل إلى حوالي 16 شهرًا، أو الحد الأقصى وهو أربع سنوات.

وليس واضحًا ما إذا كانت عقوبة أربع سنوات هي عن كل تهمة من التهم الأربع والثلاثين، أم عن مجموع التهم كلها. وقد يقرّر القاضي أنه لا حاجة للسجن، ويتم الحكم على ترامب بأحكام مخففة، ولعل هذا هو السيناريو الأرجح، وذلك لسببين:

أولهما: عُمر الرئيس ترامب والذي يصل إلى حوالي 77 عامًا، وهو أمر يؤخذ بعين الاعتبار عند توقيع العقوبة على الأشخاص من ذوي العمر المتقدم، بغض النظر عما إذا كان رئيسًا سابقًا أو مواطنًا عاديًا. وثانيهما: هو عدم وجود سوابق جنائية لترامب.

وبغض النظر عن شكل العقوبة التي سيوقعها القاضي خوان ميرشان في يوليو/تموز المقبل، فإن فريق ترامب الدفاعي سوف يستأنف الحكم، وهو ما قد يجعل القضية تمتد شهورًا، وربما سنوات كي يتم البتّ فيها بشكل نهائي.

أثر الإدانة

ولكن إلى أي مدى قد تؤثر هذه الإدانة على شعبية ترامب وفرصه في الفوز بالانتخابات الأميركية؟

حقيقة الأمر فإنّ الأثر لن يكون كبيرًا على حظوظ ترامب السياسية، بل على العكس قد يفيده. فالكتلة الداعمة له صلبة ومتماسكة أيديولوجيًا وسياسيًا. وقد تمثل هذه الإدانة دافعًا جديدًا لهم لانتخاب ترامب مجددًا على أساس أنه يتعرّض لمؤامرة من الدولة العميقة، ومن الحزب الديمقراطي، ومن الرئيس الحالي جو بايدن شخصيًا. وهو ما قاله ترامب عقب خروجه من المحكمة يوم الخميس الماضي، حيث اتّهم المحاكمة بأنها مزوّرة.

كما أنّ ترامب سوف يستغلّ الموضوع لزيادة شعبيته، وهو بارع في ذلك، وهو الآن يسمي نفسه أنه "سجين سياسي"، من أجل استدرار تعاطف مؤيديه. كما أنه سوف يستغل ذلك لزيادة تمويل حملته الانتخابية، وهو ما حدث على مدار الأيام القليلة الماضية، حيث انهالت التبرعات على حملته الانتخابية إلى درجة أثّرت في عمل الموقع الإلكتروني للحملة.

وحدهم الناخبون المتردّدون الذين لم يحسموا أمرهم بعد بالتصويت سواء لبايدن أو ترامب، قد تؤثر هذه الإدانة على قرارهم، ولكن معرفة حجم ذلك، مسألة تحتاج لبعض الوقت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة وهو ما رئیس ا

إقرأ أيضاً:

ألمانيا بين الاستقلال عن أميركا وصعود اليمين المتطرف

لم تكن الانتخابات الألمانية هذه المرة مجرد سباق سياسي عادي، بل وصفت بأنها انعكاس لتحولات كبرى في ألمانيا وأوروبا، حيث شهدت الساحة السياسية انهيار أحزاب تقليدية طالما كانت في قلب المشهد، وصعودا دراماتيكيا لليمين المتطرف، الذي تمكن لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية من اختراق الحواجز التي وضعها الألمان لحماية ديمقراطيتهم من تكرار مآسي الماضي.

وفي خلفية المشهد، كان الحضور الأميركي بارزا بقوة، سواء في محاولات التأثير على مسار الانتخابات، أو في رسم ملامح الأولويات السياسية لألمانيا في المستقبل.

يأخذنا هذا التقرير في رحلة لتحليل ما حدث في هذا المشهد الانتخابي المعقد، من سياقاته الدقيقة إلى نتائجه التي قد تعيد رسم الخريطة السياسية ليس في ألمانيا وحدها، بل في القارة الأوروبية بأكملها.

سياق معقد وأمة ساخطة

بحسب تقرير لمراسل أسوشيتد برس جير مولسون، فإن الانتخابات، التي أجريت قبل 7 أشهر من الموعد المخطط له بسبب انهيار ائتلاف المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس، تأتي في سياق معقد اتسم بصراع داخلي متزايد ولد استياء واسع النطاق لدى الرأي العام الألماني.

فقد هيمنت على الحملة المخاوف بشأن الركود المستمر لأكبر اقتصاد في أوروبا والضغوط للحد من الهجرة. والأهم من كل ذلك، حالة من عدم اليقين المتزايد بشأن مستقبل أوكرانيا وتحالف أوروبا مع الولايات المتحدة.

إعلان

فألمانيا الدولة الأكثر سكانا في الاتحاد الأوروبي كانت -بحسب مولسون- ثاني أكبر مورد للأسلحة لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة، ويعول عليها بشكل محوري في طبيعة وشكل استجابة القارة للتحديات الراهنة والمقبلة، بما في ذلك التعامل مع التوجهات الجديدة للإدارة الأميركية تحت قيادة دونالد ترامب.

وبحسب افتتاحية لصحيفة لوموند، فقد جرت الانتخابات الألمانية في ظل تحول جذري في العلاقات بين أوروبا وأميركا، مع عودة ترامب إلى السلطة، مصمما على إدارة ظهره لأوروبا ونموذجها الديمقراطي والاقتراب من روسيا التي تشن حربا على أوكرانيا.

ففي هذا السياق المعقد جرت الانتخابات الألمانية لتحمل معها ما وصفته صحيفة لوموند بالصدمة الثلاثية، فقد أسفرت عن تحول كبير يمكن قراءته من 3 عناوين رئيسية:

إضعاف الأحزاب التقليدية

إنها ظاهرة باتت شائعة في كل أنحاء أوروبا، وإن كانت ألمانيا قاومتها بشكل أفضل، فرغم تصدره وحصوله على 28.6% من الأصوات، لم يتمكن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشار الألماني المنتخب فريدريش ميرتس من الوصول إلى نسبة الثلث التي كان يأمل الحصول عليها، حسب الاستطلاعات.

وفي مقال مشترك لعدة صحفيين وباحثين في صحيفة الغارديان بعنوان "لقد تحولت ألمانيا إلى اليمين.. فماذا يعني هذا بالنسبة للبلاد وأوروبا؟" تعتبر الكاتبة مريم لاو أن انتصار الديمقراطيين المسيحيين كان باهتا بل مخيبا للآمال.

وبدوره انهار الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة شولتس، بنتيجة 16.4%، وهو انخفاض حاد مقارنة بنتيجته البالغة 25.7% في عام 2021، بل إن هذه هي أسوأ نتيجة يحققها الحزب منذ عام 1890.

وتكبد حزب الخضر -الذي كان أيضا في حكومة شولتس- خسائر فادحة فلم تتجاوز نسبته 11.6% من الأصوات بتراجع 3 نقاط عن 2021، بينما اختفى ليبراليو الحزب الديمقراطي الحر من البوندستاغ (البرلمان الألماني)، بعد أن عجزوا عن الوصول لعتبة الـ5%.

إعلان

من ناحية أخرى، سجل حزب اليسار الراديكالي الصغير بفعل مواقفه القوية ضد اليمين المتطرف حضورا لم يكن متوقعا حيث حصد نسبة 8.8%.

صعود اليمين المتطرف والدور الأميركي

لقد تمكن حزب البديل من أجل ألمانيا من الحصول على نسبة هي الأعلى لليمين منذ الحرب العالمية الثانية وفاق كل الأحزاب المتطرفة في بقية أوروبا بتجاوزه عتبة 20% وحصوله على 20.8%، وهو ما يضاعف تقريبا نتيجته عام 2021، ويجعله اليوم ثاني أكبر حزب في ألمانيا.

وفي مقال الغارديان تعتبر الكاتبة فاطمة أيدمير أن المقاومة ضد اليمين المتطرف يجب أن تصبح الآن جادة، فالنجاح التاريخي الذي حققه اليمين المتطرف في الانتخابات الألمانية لا يشكل تهديدا لجميع الفئات المحرومة في هذا البلد فحسب بل إنه تهديد للديمقراطية يجب أن يثير قلق الجميع.

لكن دور الهجرة لم يكن العامل الوحيد في نجاح الحزب، إذ ألقى تقرير لمجلة "التايم" الضوء على دور التدخل الأميركي، الذي شكّل نقطة دعم مهمة لـ"البديل من أجل ألمانيا".

ففي تقرير لمجلة التايم الأميركية تضمن مقابلة خاصة مع زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا أليس فايديل، تقول المراسلة سيمون شوستر إن فايديل كادت تسقط مغشيا عليها قبيل عيد الميلاد الماضي عندما قرأت تغريدة إيلون ماسك على "إكس" التي كتب فيها "حزب البديل من أجل ألمانيا وحده قادر على إنقاذ ألمانيا"، ووصفتها زعيمة الحزب بأنها "هدية من السماء".

ماسك أعلن خلال بث مشترك مع فايديل دعمه لحزب البديل من أجل ألمانيا (غيتي)

فلم يسبق لحزب البديل من أجل ألمانيا أن حصل على مثل هذا التأييد القوي من قبل، بل كان دائما على الهامش ومحاصرا من قبل الساسة الألمان الذين يعتبرونه خطرا على ألمانيا بدلا من أن يكون منقذا لها.

فقد صنفت هيئة الاستخبارات الرئيسية في البلاد بعض فروع حزب البديل من أجل ألمانيا على أنها جماعات متطرفة، ووضعت العديد من قادتها تحت المراقبة. لكن كل ذلك، حسب مجلة التايم، لم يمنع إدارة ترامب من احتضان حزب البديل من أجل ألمانيا، فبعد إعلان إيلون ماسك دعمه الصريح لحزب البديل والحملة التي شنها على الأحزاب الألمانية الأخرى جاء الدور على  جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي.

إعلان

ورغم تصنيف هيئة الاستخبارات الألمانية لبعض فروع الحزب كجماعات متطرفة ووضع عدد من قادته تحت المراقبة، لم يكن ذلك رادعا لدعم إدارة ترامب، حسب مجلة التايم، فقد التقى جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي بفايديل على هامش مؤتمر ميونخ للأمن.

وباعتباره منبوذا من المؤسسات الرسمية الألمانية، لم تتم دعوة حزب البديل للمؤتمر، ولم يُسمح لفايديل بالدخول إلى مقر انعقاده، فكان لقاؤها مع نائب الرئيس الأميركي في قبو الفندق الذي يقيم فيه، كما تنقل المجلة عن فايديل أن رسالة فانس كانت بمثابة "جرس إنذار" للمؤسسة الألمانية: "لن تسمح الولايات المتحدة لأوروبا بعد الآن بإبعاد اليمين المتطرف عن سياستها".

وبالفعل نقل فانس هذه الرسالة إلى المجتمعين في ميونخ في اليوم نفسه، وقال من على المنصة إن "إبعاد الناس عن العملية السياسية لا يحمي شيئا، بل إنه في الواقع الطريقة الأكثر أمانا لتدمير الديمقراطية".

وكان الخطاب صادما بالنسبة للمسؤولين الأوروبيين، ووصفه عدد منهم بأنه عمل صارخ للتدخل في الانتخابات الألمانية ودعم واضح من إدارة ترامب لحزب البديل من أجل ألمانيا.

جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي ترامب (رويترز)

وتنقل التايم عن فايديل فرحتها العارمة بدعم إدارة ترامب، حيث تقول "إنه أمر لا يصدق، إنها واحدة من أعظم اللحظات بالنسبة لنا"، وعندما سُئلت عن أسباب دعم ترامب لحزبها قالت فايديل: "قد يكون هناك شيء شخصي وراء ذلك، فإن جده فريدريك ترامب هاجر من ألمانيا إلى الولايات المتحدة في أواخر القرن الـ19، فربما دفعت روابط الدم هذه الرئيس الأميركي إلى النظر عبر المحيط والتساؤل: "ما الذي يحدث في قارة أجدادنا؟".

وحسب التايم يشترك ترامب مع اليمين المتطرف الألماني في ما وصفته بالشعور بالاستياء، فحزب البديل يرفع شعار "العودة إلى العظمة الألمانية" ويسخر من النخب الليبرالية ويسعى إلى تجريدها من السلطة، تماما كما فعلت حركة ماغا في الولايات المتحدة.

إعلان

وتتحدث التايم عن بعد شخصي آخر في العلاقة بين إيلون ماسك ورئيسة حزب البديل فايديل، فلعائلة الأخيرة ارتباطات بالنازيين، حيث "كان جدها لأبيها هانز فايديل عضوا في قوات الأمن الخاصة في عهد هتلر وعينه أيضا قاضيا عسكريا في بولندا المحتلة من قبل ألمانيا، وتطلبت الوظيفة منه إرسال أعداء النظام النازي إلى معسكرات الاعتقال".

أما إيلون ماسك، تضيف التايم، فقد "وُلد ونشأ في جنوب أفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري، حيث وجدت سياسات ذلك النظام دعما بين عائلته، وأعلن جده لأمه، جوشوا هالديمان، تعاطفه مع هتلر وكان مدافعا بشدة عن نظام الفصل العنصري، الذي اعتبره طليعة الحضارة المسيحية البيضاء".

مسار جديد تسلكه ألمانيا

لعل أهم التحولات التي حملتها الانتخابات الألمانية هو ذلك الإعلان الصريح للمستشار المستقبلي ميرتس عن نيته انتهاج مسار جديد تسلكه ألمانيا لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.

ففي أولى تصريحاته بعيد ظهور النتائج مساء الأحد 23 فبراير/شباط 2025، قال ميرتس على شاشة التلفزيون الألماني "لم أكن أتصور يوما أن أتفوه بهذا: سأعمل على تحقيق استقلال بلادي عن الولايات المتحدة"، مما ولّد صدمة سياسية وإعلامية في داخل ألمانيا وخارجها، ومعلنا توجها غير مسبوق للسياسة الألمانية في العصر الحديث.

ووفقا لصحيفة لوموند، فمن الواضح أن ميرتس تعلم الدروس من الزلزال الجيوسياسي الراهن، مضيفة أنه بالنسبة لزعيم ألماني، فإن مثل هذه الخطوة ليست سهلة، وبالتالي فلا بد من الترحيب بهذا الوضوح: فحقيقة أن ألمانيا في هذه اللحظة التاريخية ملتزمة بوضوح وبحزم بالوحدة الأوروبية تشكل أهمية قصوى خصوصا بالنسبة لفرنسا، ولنأمل أن يتمكن المستشار ميرتس من تشكيل حكومة في أقرب وقت ممكن، فالوقت ينفد، على حد قول الصحيفة.

ويعتبر بول تايلور من صحيفة الغارديان أن أوروبا تحتاج إلى الزعامة الألمانية لإنقاذ حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، ويبدو فريدريش ميرتس عازما على توفير هذه الزعامة، فهو أكثر جرأة وأقل حذرا من المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس، على حد قوله.

إعلان

ويضيف تايلور "لقد قال ميرتس إن أولويته المطلقة ستكون "تعزيز أوروبا حتى نتمكن من تحقيق استقلال حقيقي خطوة بخطوة عن الولايات المتحدة"، مضيفا أنه "لم يكن من الواضح ما إذا كنا سنظل قادرين على التحدث عن الناتو في شكله الحالي، فبعد تقارب ترامب مع روسيا لم تعد أوروبا تستطيع الاعتماد على الحماية الأميركية، ودعا المستشار إلى مفاوضات مع المملكة المتحدة وفرنسا بشأن تقاسم رادعها النووي مع ألمانيا وأوروبا.

كيف يكون شكل الائتلاف المتوقع؟

حسب تحليل على موقع هيئة الإذاعة الألمانية، ترى الكاتبة ساندراين بلانشارد أن الائتلاف الأكثر احتمالا للحصول على الأغلبية في البوندستاغ سيكون تحالف الديمقراطيين المسيحيين مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي بقيادة المستشار المنتهية ولايته شولتس، رغم أنه يتوقع أن تكون المفاوضات معقدة، فهناك نقاط خلاف عديدة تتعلق بالديون والسياسة الضريبية وإصلاح نظام التقاعد، وليس محسوما ما إذا كان ميرتس سيحظى بالأغلبية بالتحالف مع الديمقراطيين الاجتماعيين فقط أم سيحتاج إلى شريك ثانٍ أيضا، والذي من الناحية الواقعية لن يكون سوى حزب الخضر.

وقد أكد ميرتس أنه يعلم أن المفاوضات لن تكون سهلة لكن "الأمر الأكثر أهمية هو إعادة تأسيس حكومة قابلة للحياة في ألمانيا في أسرع وقت ممكن فالعالم الخارجي لن ينتظر مفاوضات مطولة".

وفي حين استبعد ميرتس مرارا وتكرارا إشراك حزب البديل لألمانيا في الحكومة، قالت زعيمته فايديل إن الحزب "منفتح على مفاوضات الائتلاف مع حزب ميرتس، وأنه بخلاف حصول ذلك، فلن يكون ميرتس قادرا على فعل شيء ولن يتمكن من تنفيذ برنامجه مع الأحزاب اليسارية".

وفي السياق ذاته، ترى الكاتبة مريم لاو من الغارديان أن ميرتس نظرا للنتيجة الباهتة التي حصل عليها حزبه، أصبح في مأزق عالقا بين المحافظة والاستبداد، ففي حين يصوره الديمقراطيون الاجتماعيون -الذين سيتعين عليه الحكم في ائتلاف معهم- باعتباره شعبويا يمينيا يمهد الطريق أمام اليمين المتطرف، يصيح حزب البديل من أجل ألمانيا في وجهه: "نحن المستقبل، يا سيد ميرتس! اتبعنا إذا كان لديك أي قوة متبقية".

هوير: إستراتيجية حزب البديل من أجل ألمانيا من الآن هي كسر ما يسمى جدار الحماية الذي يمنعه من الوصول إلى السلطة(غيتي) هل كسر اليمين جدار الحماية؟

ترى المؤرخة كاتيا هوير في مقالها في صحيفة الغارديان البريطانية أن إستراتيجية حزب البديل من أجل ألمانيا من الآن هي كسر ما يسمى جدار الحماية الذي يمنعه من الوصول إلى السلطة، ولذلك أعلنت فايديل للمستشار الجديد أن "بابها مفتوح للشراكة، حتى يمكن تنفيذ إرادة الشعب".

لكن فايديل أيضا تسخر من ميرتس وتقول: "إنه ينسخ برنامج حزبها فقط لكنه لا يستطيع تنفيذه، لأنه يحتاج للحكم إلى ائتلاف مع أحزاب يسارية لا تسمح له بفعل أي شيء".

إعلان

وتتلخص أولويات حزب البديل لألمانيا في ملف الهجرة، حيث يدعو إلى إغلاق حدود ألمانيا أمام طالبي اللجوء والطرد الجماعي للمهاجرين خصوصا أولئك القادمين من العالم الإسلامي.

وحسب صحيفة التايم، فإنه بالنسبة لفايديل، يبدو أن ما يسمى جدار الحماية منهار، فقد فازت بدعم ملايين الناخبين، والآن يبدو أن البيت الأبيض في صفها، وكرمز لامتنانها، تحتفظ بقبعة بيسبول حمراء معروضة في مكتبها، مكتوب عليها "لنجعل ألمانيا عظيمة مرة أخرى".

مقالات مشابهة

  • الرئيس اللبناني: أتطلع إلى المحادثات التي سأجريها مع الأمير محمد بن سلمان
  • كابتن أميركا يحافظ على الصدارة وسط تباطؤ تاريخي في شباك التذاكر الأميركي
  • فون دير لاين تدعو لتسليح أوكرانيا "بسرعة" حتى لا تصبح لقمة سائغة في فم روسيا
  • عاجل | مراسل الجزيرة: الرئيس السوري يجتمع بأعضاء اللجنة المكلفة بصياغة مسودة الإعلان الدستوري
  • هل تصبح بريطانيا مفتاح أوروبا لمواجهة ترامب؟
  • الرئيس الإيراني يعترف برغبته في التفاوض مع أميركا قبل رفض المرشد
  • الرئيس اليمني في خطاب للشعب بمناسبة شهر رمضان : الأمة التي تجتمع على الخير لا تهزم أبدا
  • ألمانيا بين الاستقلال عن أميركا وصعود اليمين المتطرف
  • الرئيس الألماني يبدأ زيارة إلى أميركا الجنوبية
  • كيف يمكنك جعل المال يعمل لصالحك؟.. فوربس تخبرك