أنهى الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان زيارته السادسة للبنان بنظرية أقلقت اللبنانيين، الذين يقفون في الأساس على مفترق طرق، ولا يحتاجون إلى من يذكّرهم بأن لبنان بسياسته المعروفة إلى زوال. هم يعرفون أكثر من غيرهم أن أمور لبنان لا يمكن أن تستمر كما هي إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وأن الذين "يأكلون" العصي ليس كمن يعدّونها.

فأيًّا تكن الجهة الخارجية التي تبدي حرصًا على مستقبل لبنان لن تكون أكثر حرصًا من اللبنانيين أنفسهم على هذا المستقبل، الذي يبدو بالنسبة إلى البعض غامضًا فيما لم يفقد البعض الآخر الأمل في إعادة الضوء إلى حيث الظلمة تسود وتتوسّع.
فإذا كان "مسيو" لودريان يقصد بزوال لبنان السياسي زوال الفساد والمحاصصة والزبائنية و"الشطارة" على الطريقة اللبنانية فإن أغلبية اللبنانيين التواقين إلى رؤية بلدهم كسائر بلاد العالم المتحضّر تؤيد ما ذهب إليه الموفد الفرنسي، بل يمكن أن تزيد على نظريته ما يمكن أن يكون مفيدًا أكثر في حال كحال لبنان. فاللبنانيون، إلى أي فئة انتموا، سواء أكانوا في "الخطّ الممانع" أو في "الخط المعارض"، معرّضون لما هو أسوأ مما هم عليهم حاليًا، خصوصًا إذا استمّر التعاطي في الأمور الكبيرة من قِبل بعض السياسيين بهذه الخّفة، التي لم توصل إلا إلى الطريق المسدود.
ولأن هذا الوضع لم يعد مقبولًا لا من قِبل زيد ولا من قِبل عمر فإن ما يقترحه البعض بدلًا من "النق" و"لعنة الظلام" ولطم الخدود والولولة والهرولة نحو المجهول هو أن يجلس الجميع حول طاولة واحدة متساوين في الحقوق والواجبات، ومن دون أن يستقوي أحد على الآخر إلا بما يملكه من قوة إقناع بمنطق وعقلانية وبعيدًا عن الغرائز والعصبيات، وأن يطرح الجميع ما تجمّع لديهم من هواجس ومخاوف هي نتيجة معاناة طويلة لمفهوم خاطئ لمعنى المواطنة، التي لم تكن في مرّة من المرّات صادقة وواضحة.
لقد آن الأوان، على ما يقوله هؤلاء، لأن يطرح اللبنانيون قضاياهم على المشرحة. فإما أن يتفقوا، وهو أمر ممكن إذا صفت النوايا وتخّلى الجميع عن انانياتهم وارتباطاتهم الخارجية، أو أن يجدوا طريقة أخرى للعيش معًا وفق صيغة جديدة تضمن لكل مجموعة من مكونات النسيج اللبناني أن تعيش مبادئها وقيمها كما تراها مناسبة لوضعيتها الداخلية، من دون أن يعني ذلك الاحتكام كلما "دق الكوز بالجرّة" إلى منطق القوة، الذي لم يوصل اللبنانيين إلاّ إلى مزيد من التباعد والتشرذم والانقسام.
فالحوار المجدي هو السبيل الوحيد للخروج من نفق المزايدات الرخيصة. وهذا لا يعني أي حوار حتى ولو كان سيوصل المعنيين إلى التوافق على رئيس لن يستطيع أن يحكم في ظل كل هذه التراكمات والترسبات. فإذا لم يسبق الحوار الرئاسي حوار من نوع آخر تُطرح فيه كل الهواجس بدءًا من تفسير واضح لا لبس فيه للمواد الدستورية الغاضة، والتي تحمل أكثر من معنى، أو بالأحرى تفتح شهية المجتهدين الدستوريين، وصولًا إلى الاستراتيجية الدفاعية، ومرورًا بكل ما له علاقة بما يكتنف طريقة عيش اللبنانيين بين بعضهم البعض من ملابسات، وذلك انطلاقًا من ثوابت وطنية قد أصبحت أكثر من مسلمات بالنسبة إلى أغلبية اللبنانيين، وهي بالسعي إلى إيجاد أرضية مشتركة تضمن قدسية العيش الواحد في جغرافية صغيرة جدًّا قبل أن تضيع هوية هذه الجغرافيا، وقبل أن يصبح لبنان بلدًا بديلًا، إذ لا يعود ينفع ساعتئذ أي حوار فيضرب من يضرب ويهرب من يهرب.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

حزب الله يؤكد أنه لا يمكن أن يقبل أن تواصل إسرائيل استباحة لبنان

قال الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، أمس السبت إن الحزب لا يمكن أن يقبل بأن تكون هناك معادلة تستبيح فيها إسرائيل لبنان، وطالب بوضع حد لعدوانها، مؤكدا أن الحزب التزم باتفاق وقف إطلاق النار ولا وجود مسلحا له في الجنوب.

وقال قاسم في خطاب متلفز "إسرائيل هي في موقع العدوان، هذا العدوان يجب أن يوضع حد له. لقد تجاوزت بأن قصفت الضاحية الجنوبية لأول مرة منذ وقف إطلاق النار، وكذلك اعتدت على مناطق عدة في جنوب لبنان، لا يمكن أن نقبل أن يستمر هذا المنهج".

وشدد بأنه لا يمكن للحزب أن يقبل بأن تكون هناك معادلة تستبيح فيها إسرائيل لبنان "وتسرح وتمرح في أي وقت تريد ونحن نتفرج عليها. كل شيء له حد".

وقال "لن نسمح لأحد أن يسلبنا حياتنا، وأرضنا، وعزتنا، وكرامتنا، ووطنيتنا، وقوتنا وإمكاناتنا في مواجهة هذا العدو"، مضيفا  "لسنا ضعفاء في مواجهة مشاريع أميركا وإسرائيل. إذا كنا صبرنا خلال المرحلة السابقة حتى الآن، فهو صبر الذي يريد أن يعطي الفرصة لحلول تخفف من الآلام والضحايا".

وأكد أن المقاومة لا يمكن أن تبقى متفرجة إذا واصلت إسرائيل القتل والتدمير.

كما قال بإنه لا يمكن أن يقبل الحزب بالتطبيع ولا بالمسارات السياسية التي تحاول من خلالها إسرائيل تحقيق مكاسب.

القصف الإسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية خلف 5 قتلى و20 جريحا (الفرنسية)

وقصفت إسرائيل الجمعة ضاحية بيروت الجنوبية، معقل حزب الله، للمرة الأولى بعد أربعة أشهر من الهدنة، وزعمت أن القصف جاء ردا على إطلاق صواريخ على أراضيها، ونفى حزب الله أي صلة له بإطلاق هذه الصواريخ.

إعلان

وأسفرت 3 من تلك الغارات على الجنوب اللبناني عن مقتل 5 أشخاص وإصابة 20 آخرين، ضمن سلسلة الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

وتابع قاسم "منذ عقد اتفاق وقف إطلاق النار غير المباشر مع الدولة اللبنانية، أصبحت المسؤولية عند الدولة اللبنانية. مسؤوليتها أن تنهي الاحتلال، وتوقف العدوان، وتضغط على الدول الكبرى التي رعت، وتفتش عن الأساليب المناسبة  لإنهاء الاحتلال".

وأضاف "إذا كانت تظن إسرائيل أنها تصنع معادلة جديدة في أن تتذرع بذرائع واهية من أجل أن تقتل وأن تدخل إلى هذه الأماكن المختلفة، وأن تعتدي على الضاحية والبقاع والجنوب، فهذا أمر مرفوض. وعلى الدولة اللبنانية أن تتصدى له، وما زال الوقت يسمح بالمعالجة السياسية والدبلوماسية".

لكنه أكد أنه إذا لم تلتزم إسرائيل باتفاق الهدنة و"لم تتمكن الدولة اللبنانية من القيام بالنتيجة المطلوبة على المستوى السياسي، فلن يكون أمامنا إلا أن نعود إلى خيارات أخرى لا تنسجم مع الوضع الحالي".

وأضاف أن حزب الله التزم بالاتفق بشكل كامل، ولم يكن لديه تواجد مسلح في جنوب نهر الليطاني، في حين لم تنسحب إسرائيل من كامل الأرض اللبنانية، وبقيت محتلة لنقاط، بحسب قوله.

وشدد قاسم بأن "إسرائيل تخترق وتعتدي في كل يوم، سواء على الأفراد أو على الممتلكات أو على المناطق، سواء في الجنوب أو في البقاع أو في كل مناطق لبنان"، وقال إن "هذه كلها سُميت في فترة معينة خروقات، لكن بعد ذلك لم تعد خروقات، لأنها عدوان تجاوز كل حد والتبريرات الإسرائيلية لا معنى لها".

مقالات مشابهة

  • دار الفتوى في رسالة العيد: دعوة اللبنانيين للوقوف خلف جيشهم ودولتهم
  • المطران إبراهيم هنّأ اللبنانيين بعيد الفطر السعيد‎
  • حزب الله يؤكد أنه لا يمكن أن يقبل أن تواصل إسرائيل استباحة لبنان
  • سلام يهنئ اللبنانيين والعالم العربي بمناسبة عيد الفطر
  • سكاف: نأمل أن تحمل ⁧‫الاعياد‬⁩ مساحة تلاقٍ وحوار إلى اللبنانيين
  • باسيل: اللبنانيون يتخوفون وكل شخص يشعر بأزمة وجود
  • الرئيس عون هنأ اللبنانيين بعيد الفطر: عزمي لن يلين على تحقيق ما عاهدتُ به
  • أورتاغوس أجرت محادثات صعبة مع المسؤولين اللبنانيين: لإسرائيل حق الرد
  • الرئيس اللبناني: خيارنا الوحيد الانسحاب الإسرائيلي وإعادة الأسرى وترسيم الحدود بالدبلوماسية
  • هل يمكن كبح جماح حزب الله في سوريا ولبنان؟