لهذه الأسباب تعتزم واشنطن تصنيف كينيا حليفا رئيسيا من خارج الناتو
تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT
في خطوة أميركية لافتة أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عزمه منح كينيا صفة "حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)" لتكون أول دولة أفريقية من جنوب الصحراء تنال هذا التصنيف.
وتم الكشف عن هذه الخطوة في خضم الزيارة التي أجراها الرئيس الكيني وليام روتو إلى واشنطن في 25 مايو/أيار 2024، والتي تعد أول زيارة دولة لرئيس أفريقي من 15 عاما، كما أن روتو سادس رئيس يحصل على دعوة لهذا النوع من الزيارات في عهد الإدارة الحالية.
الزيارة التي توجت بهذا الإعلان وصفتها العديد من المصادر بـ"الاستثنائية"، ما يلقي بالكثير من الأضواء على مراهنة إدارة بايدن على شراكتها العسكرية مع كينيا للمساعدة في قلب دفة الأمور في "سياسة البيت الأبيض المتعثرة تجاه أفريقيا وحل الصراعات في القارة وخارجها"، وفقا لمجلة بوليتيكو الأميركية.
بروتو (يسار) رحب بإعلان بايدن نيته تسمية كينيا كأول حليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج الناتو (الفرنسية) حليف رئيسي من خارج الناتو.. ماذا يعني؟تعد كينيا من أبرز حلفاء واشنطن الأفارقة، حيث تستضيف قاعدة عسكرية أميركية تتركز مهامها في "محاربة الإرهاب" في الصومال، كما وقع الطرفان في سبتمبر/أيلول 2023 اتفاقية تعاون دفاعي مدتها 5 سنوات تستهدف إحلال السلام والأمن الإقليميين، في حين يمثل ترشيح واشنطن كينيا لتصبح حليفا رئيسيا من خارج الناتو خطوة أخرى نحو تعزيز الشراكة الأمنية مع نيروبي.
وهذا التصنيف الذي تعتمده الإدارة الأميركية لبعض الدول من خارج منظومة الناتو، يرمز إلى العلاقة الأمنية الوثيقة بين الطرفين، ورغم أهميته في الدلالة على عمق الشراكة بينهما فإنه لا يصل إلى درجة الالتزامات المتبادلة التي ينخرط فيها أعضاء الناتو.
يوفر هذا التصنيف امتيازات عسكرية واقتصادية أبرزها القدرة على شراء تقنيات عسكرية أميركية من الصعب للدولة غير الحائزة على هذا التصنيف الحصول عليها، لكنه في المقابل لا يضمن أي التزامات أمنية لواشنطن تجاه الدولة المعنية.
ووفقا لما أورده موقع وزارة الخارجية الأميركية حول هذا التصنيف، فإن كينيا حال حصولها عليه ستكون مؤهلة للحصول على قروض المواد أو الإمدادات أو المعدات اللازمة للبحث أو التطوير أو الاختبار، والتأهل لاحتواء مخزونات احتياطي الحرب المملوكة للولايات المتحدة على أراضيها.
بجانب ما سبق، تتمتع الدولة ضمن هذا التصنيف بالنظر في إمكانية شرائها لليورانيوم المنضب، وإمكانية الدخول في اتفاقية رسمية مع البنتاغون لتنفيذ مشاريع البحث والتطوير، كما تستطيع الشركات الكينية تقديم عطاءات على عقود لإصلاح وصيانة معدات وزارة الدفاع الأميركية خارج الولايات المتحدة.
مع موقعها الإستراتيجي الحساس وتراجع دور إثيوبيا يتصاعد دور كينيا التي تمثل أقرب حلفاء واشنطن (الجزيرة) عصافير كثيرة وحجر واحدالزيارة التي كانت مليئة "بالاجتماعات الرسمية والأبهة البراقة التي يحتفظ بها الرؤساء لأقرب الحلفاء" وفق تعبير نيويورك تايمز، وتكليلها بمذكرات دفاعية وبالتعهد بجعل كينيا أول دولة أفريقية من جنوب الصحراء تنال امتياز أن تكون حليفا رئيسيا من خارج الناتو، هدفت الإدارة الأميركية من خلال كل هذا لاصطياد مجموعة من العصافير في آن واحد.
وتتموضع كينيا قرب 3 بؤر أمنية مشتعلة: في القرن الأفريقي والبحيرات العظمى وجنوب البحر الأحمر، وهكذا تبدو هذه الخطوة الأميركية متسقة مع جهود واشنطن لتعزيز وجودها في شرق أفريقيا في الأشهر المنصرمة.
ففي فبراير/شباط الماضي وقعت واشنطن اتفاقية أمنية مع الصومال المجاور تضمنت تعهدا ببناء 7 قواعد عسكرية للجيش الصومالي، حيث تطل المخاوف برأسها من توسع نشاط حركة الشباب الإرهابية في الصومال وشرق أفريقيا مع انسحاب القوات الأفريقية من الصومال آخر 2024.
من جانب آخر ترافقت هذه الزيارة مع جهود واشنطن لتثبيت مقاربة أمنية إستراتيجية جنوب البحر الأحمر على إثر الاضطراب الأمني المتطاول نتيجة الهجمات التي يقوم بها الحوثيون، كما تصاعد الاهتمام الأميركي بالصراع الدائر في شرق الكونغو الديمقراطية مع تزايد حدة تنافسها على البلد الغني بالموارد مع الصين.
ضمن هذا الإطار، يعبر التصنيف الجديد عن رغبة أميركية واضحة في تطوير علاقاتها الأمنية مع نيروبي، ودعمها للتحول إلى شريك أمني بارز في شرق أفريقيا، حيث كان لها جهود ملحوظة في السنوات الماضية في العديد من الملفات الأمنية الساخنة.
وعلى سبيل المثال، فالرئيس الكيني السابق أهورو كينياتا هو مراقب معين بموجب اتفاق بريتوريا الهش الذي أنهى الحرب الأهلية في منطقة تيغراي في أقصى شمال إثيوبيا.
ومع موقعها الإستراتيجي الحساس وتراجع دور إثيوبيا يتصاعد دور كينيا التي تمثل أقرب حلفاء واشنطن في (جماعة دول شرق أفريقيا) التي ضمت ضمن أعضائها مؤخرا كلا من الصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهذا ما يؤهل كينيا للقيام بدور إطفائي الحرائق في كل من القرن الأفريقي ومنطقة البحيرات الكبرى.
وبعيدا عن أفريقيا يذهب تحليل صادر عن "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية" الأميركي إلى أن إدارة بايدن تسعى لدعم المساهمة الكينية في بسط الأمن في هاييتي المضطربة، إذ تقود نيروبي قوة متعددة الجنسيات تضم في صفوفها ألف شرطي كيني مدرب ستستأنف نشاطها، بعد أن أوقفها البرلمان الكيني مؤقتا.
ويمثل نجاح هذه الخطوة مكسبا انتخابيا لبايدن من خلال الترويج للمهمة باعتبارها دليلا على التزامه باستعادة الأمن في هاييتي.
إدارة بايدن تسعى لدعم المساهمة الكينية في بسط الأمن في هاييتي (الأوروبية) طموحات كينيةبدورها ترغب كينيا في الحصول على دعم أميركي لطموحاتها في أداء دور أمني قيادي في محيطها، وهو ما عبر عنه الرئيس روتو بعيد لقائه نظيره الأميركي حين أعرب عن تفاؤله بأن البلدين "سيعملان على تصميم أطر دفاعية وأمنية مناسبة بشكل مبتكر لمساعدة كينيا كدولة أساسية والمنطقة في التعامل مع تحديات السلام والأمن التي تقوض رفاهية الإنسان والتنمية والديمقراطية".
ويذهب العديد من المراقبين إلى أن "يد واشنطن الخفية" تعمل في كواليس العديد من المبادرات التي تقوم بها نيروبي، حيث تقود كينيا، بمشاركة جيبوتي، وساطة لتخفيف الوضع المتوتر بين الصومال وإثيوبيا على خلفية توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي.
كما تعمل كينيا على التوسط بين الفصائل المتحاربة في شرق الكونغو، بجانب احتضانها مؤخرا محادثات بين الفصائل المتقاتلة في جنوب السودان، وفي 18 مايو/أيار تم توقيع إعلان نيروبي الذي ضم مجموعة من القوى السودانية المدنية والمسلحة.
وفي المقابل ستحصل كينيا على الكثير من "الهدايا" الأميركية لدعم دورها الأمني المتصاعد في بيئة جيوسياسية مضطربة.
وقد أكد بيان صادر عن البيت الأبيض مع وصول روتو إلى واشنطن أن الأخيرة ستسلم نيروبي 16 مروحية لتعزيز قدرتها على محاربة الإرهاب ومشاركتها في مهمات حفظ السلام، كما ستتلقى نيروبي ما يقرب من 150 مركبة أمنية مدرعة، وللمرة الأولى سترشح قوات الدفاع الكينية أفرادا منها للدراسة في أكاديميات عسكرية أميركية مختلفة.
غرب المحيط الهنديفي 23 مايو/أيار تم توقيع مذكرة تفاهم بين كينيا والولايات المتحدة تلتزم الأخيرة بموجبها بتحديث قاعدة خليج لامو في الساحل الشمالي المطل على المحيط الهندي، والتي تعد جزءا من قاعدة خليج ماندا.
ويذهب المحلل الكيني في مركز "ساهان" بنيروبي رشيد عبدي إلى أن التفاهمات الأمنية بين بلاده والولايات المتحدة لتطوير قاعدة خليج ماندا تتيح لواشنطن مرونة تشغيلية إضافية في مواجهة الاحتمالات المرتبطة بانتهاء عقد إيجار قاعدتها في جيبوتي هذا العام، بالإضافة إلى التخوفات من علاقات جيبوتي المتوسعة مع الصين وادعاءات التجسس والاحتكاكات الجيوسياسية المتزايدة.
وهو ما قد يجبر واشنطن على البحث عن أماكن أخرى لاستضافة قواتها في الجوار، ويلتقي ذلك مع طموحات كينيا في لعب دور أكبر في غرب المحيط الهندي، حيث تأمل أن يكون التطوير الكبير للقاعدة خطوة نحو أن تصبح قوة بحرية في تلك المنطقة التي تتزايد أهميتها الجيوستراتيجية باستمرار، ولا سيما أن نيروبي تنظر بتوجس إلى الوجود البحري التركي في المياه الصومالية وفق الاتفاق الأمني الأخير بين الطرفين.
سياق جيوسياسي معقديؤكد تحليل نشرته مجلة بوليتكيو الأميركية أنه لا يمكن فصل خطوة واشنطن الأخيرة عن التنافس الجيوسياسي المحتدم في القارة الأفريقية، وأنها ستمنح واشنطن موطئ قدم أقوى في القارة السمراء التي تعاني سياسة الرئيس بايدن فيها فترة عصيبة.
ويأتي ذلك بعد الضربة القوية التي تلقتها واشنطن إثر مطالبة المجلس العسكري الحاكم في النيجر القوات الأميركية بمغادرة البلاد، وفي نفس الوقت التي تتزايد فيه الاستثمارات العسكرية والمالية والدبلوماسية الصينية والروسية في القارة.
كما تسعى واشنطن من خلال تطوير شراكتها الأمنية مع كينيا إلى الحد من تنامي علاقات نيروبي مع الصين، حيث تعد كينيا موطنا لجزء مهم من مبادرة "الحزام والطريق" من خلال سكة حديد نيروبي مومباسا، التي تربط العاصمة السياسية للبلاد بعاصمتها التجارية، وتمثل أكبر مشروع للبنية التحتية في البلاد منذ استقلالها.
وفي نفس السياق يمثل توقيع كينيا والولايات المتحدة على مذكرة تفاهم لتوسيع البنية التحتية وتحديث مطار قاعدة خليج ماندا استباقا من واشنطن لأي سعي من نيروبي للجوء إلى غريمتها الصين للقيام بهذه المهمة، وهي الحالة التي وصفها مسؤول أميركي بأنها "تشكل معضلة إستراتيجية لنا".
وفي وقت سابق من العام الماضي 2023، أشار تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال إلى إعراب مسؤولين أميركيين عن قلقهم من أن تجلب نيروبي شركات إنشاء حكومية صينية لتحديث قاعدة العمليات الخاصة الأميركية المملوكة للدولة الكينية، إذا اختار البنتاغون الخروج من المشروع الذي قد يكلف قرابة 50 مليون دولار.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات من خارج الناتو هذا التصنیف شرق أفریقیا العدید من فی القارة أمنیة مع من خلال فی شرق
إقرأ أيضاً:
يتجاوز مساحة أيرلندا.. ماذا تعرف عن إقليم أرض الصومال الانفصالي؟
نشرت صحيفة "لاكروا" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على الانتخابات التي أُجريت في أرض الصومال، المنطقة الانفصالية الواقعة شمال غرب الصومال، في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أملا في الحصول على الاعتراف الدولي.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن أرض الصومال أعلنت انفصالها عن الصومال منذ 1991، ومع ذلك لم تحظَ باعتراف دولي إلى حد الآن.
وأضافت الصحيفة أن أرض الصومال، التي تتجاوز مساحتها مساحة أيرلندا، تقع في قلب القرن الأفريقي ويبلغ عدد سكانها قرابة ستة ملايين نسمة، ولها موقع استراتيجي يطل على البحر الأحمر.
وقد نظمت أرض الصومال انتخابات رئاسية يوم الأربعاء 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وخلال الحملة الانتخابية وعد المرشحون الثلاثة ناخبيهم بقيادة بلادهم نحو الاعتراف الدولي.
وحسب الصحيفة، تثير النزعة الانفصالية لأرض الصومال غضب السلطات الصومالية منذ أكثر من ثلاثين سنة، حيث تطالب مقديشو بفرض سيادتها على الإقليم.
إعلان الانفصال سنة 1991
وقالت الصحيفة إن تاريخ أرض الصومال تاريخ دموي، ففي أوائل الثمانينات من القرن الماضي اندلعت انتفاضة في هذه المنطقة التابعة للصومال، وقد قوبلت بالقمع من الرئيس الصومالي محمد سياد بري. وقد سُجلت وفاة أكثر من 50 ألف شخص بعد القصف الذي شنته الطائرات الحكومية على هرجيسا، عاصمة الإقليم الانفصالي.
بعد هذه الحرب الأهلية الدموية، أعلنت أرض الصومال انفصالها في 18 أيار/ مايو 1991، وهو ما لم تعترف به مقديشو.
وذكرت الصحيفة أن أرض الصومال شهدت منذ ذلك الحين استقرارا نسبيا، على عكس الصومال التي تعاني من تداعيات حرب أهلية وتمرد حركات متطرفة مستمر منذ عقود.
أمل في الاعتراف الدولي
أضافت الصحيفة أنه رغم مرور ثلاثين سنة على الانفصال، لا يزال المجتمع الدولي يرفض الاعتراف بأرض الصومال، لكن الاتفاق المبرم مع إثيوبيا في كانون الثاني/ يناير الماضي قد يغير مجرى الأمور.
وفقاً لرئيس أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، ينص بروتوكول التعاون مع أديس أبابا على تأجير بلاده 20 كيلومتراً من الخط الساحلي على البحر الأحمر لصالح إثيوبيا. في المقابل، تلتزم أديس أبابا بأن تكون أول عاصمة تعترف رسميًا بجمهورية أرض الصومال.
وختمت الصحيفة بأن هذه الاتفاقية التي لم تدخل بعد حيز التنفيذ أثارت توترات بين إثيوبيا والصومال.