واشنطن- خلال حديثه مع مجلة تايم، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن "المحكمة الجنائية الدولية شيء لا نعترف به". ويمثّل هذا التصريح موقفا منفصلا بشكل كامل عن موقفه السابق والذي أيّد فيه كل ما قامت به المحكمة في سعيها لفرض عقوبات ومحاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد شنّه الحرب على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

كما سبق وطالب قادة الكونغرس، من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، البيت الأبيض بتقديم كل الدعم الممكن لمحكمة العدل الدولية في سعيها لتضييق الخناق على روسيا، إلا أن الموقف الأميركي تغير تماما حينما تعلق الأمر بإسرائيل وبانتهاكاتها المستمرة المرتبطة بعدوانها على قطاع غزة.

وجاء مشروع قانون مجلس النواب الأميركي، والذي يسمح بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ولا سيما إذا حققت أو حاكمت أشخاصا محميين من واشنطن أو حلفائها، ليمثل خطوة أخيرة في هذا المسعى.

المدعي العام كريم خان قدّم طلبات للجنائية الدولية لاستصدار أوامر اعتقال بِتُهَم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية (رويترز) معايير مزدوجة

مرّ التشريع الذي حمل الرقم (HR 8282) بتأييد أغلبية 247 صوتا مقابل معارضة 155، حيث صوّت لصالح مشروع القرار جميع النواب الجمهوريين و42 نائبا ديمقراطيا. ويجب أن يحظى مشروع القانون بموافقة مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس الأميركي جو بايدن حتى يصبح قانونا.

وجاء التشريع كرد فعل على إصدار المحكمة أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، إضافة لثلاثة من قادة حركة حماس.

وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أعلن قبل نحو أسبوعين أنه قدّم طلبات إلى المحكمة لاستصدار أوامر اعتقال بِتُهَم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، فيما يتعلق بالعدوان على غزة وهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وقال خان إن نتنياهو وغالانت، يتحملان المسؤولية عن الجرائم ضد الإنسانية في غزة، وإن الأدلة خلصت إلى أن مسؤولين إسرائيليين حرموا فلسطينيين من أساسيات الحياة، وإنهما متواطئان في التسبب بمعاناة وتجويع المدنيين في غزة.

واعتبرت المعلقة السياسية والخبيرة بالشؤون الدولية آسال راد، في حديثها للجزيرة نت، أن تصويت مجلس النواب على فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية يُعد "مثالا آخر على المعايير الأميركية المزدوجة"، وعلى قيام المشرعين بكل ما في وسعهم لحماية إسرائيل من أي مساءلة عن جرائم الحرب التي ارتكبتها.

وبينما حثّ المشرعون إدارة بايدن على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في ملاحقتها لبوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، فإنهم يهددون الآن محكمة دولية بإجراءات عقابية لمجرد أداء وظيفتها، حسبما تقول الخبيرة.

علاقة أميركا بالمحكمة

ورغم أن الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا عضوتين بالمحكمة الجنائية الدولية، فإن مسؤولين أميركيين عبّروا عن الغضب من توجه المحكمة، خاصة أنها المرة الأولى التي تسعى فيها لمحاكمة حليف لأميركا.

ويفسَّر الموقف الأميركي من المحكمة الجنائية الدولية بخوف واشنطن من تعرض الجنود والساسة الأميركيين للمحاكمة دون حماية دستورية أميركية، ومن قضاة دوليين. وبدلا من ذلك، تتكئ واشنطن على قوانينها المحلية وقانون جرائم الحرب لعام (1996)، وهو قانون يطبق إذا كان أحد الضحايا أو مرتكب جريمة حرب مواطنا أميركيا أو عضوا في الجيش الأميركي.

ووصلت معارضة واشنطن للمحكمة الجنائية الدولية إلى ذروتها خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث تعهدت واشنطن بفرض عقوبات على القضاة والمدعين العامين في المحكمة إذا شرعوا بالتحقيق فيما قالت عنه المحكمة إن "أفرادا من الجيش الأميركي ووكالة الاستخبارات المركزية ربما ارتكبوا جرائم حرب بتعذيب المعتقلين في أفغانستان عام 2016".

وبالفعل، فرضت واشنطن عقوبات على أعضاء المحكمة، وحظرت الحسابات المصرفية لرئيسة المحكمة السابقة فاتو بنسودا، لكن العلاقات بدأت بالتحسن مع بدء عهد الرئيس جو بايدن، الذي تعهد باحترام قواعد القانون الدولي، حيث أسقطت واشنطن العقوبات.

توافق على إسرائيل

رغم أن البيت الأبيض عارض وبشدة فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، وانهارت المحادثات بين الحزبين في مجلس النواب حول الرد على تحركات المحكمة ضد إسرائيل، فإن 42 عضوا ديمقراطيا صوّتوا في مجلس النواب مع الجمهوريين لصالح مشروع القانون.

وأصبح التصويت هو الأحدث في سلسلة متزايدة من مشاريع القوانين المثيرة للجدل والمتعلقة بحماية إسرائيل و"معاداة السامية"، وهو ما وصفه بعض قادة الديمقراطيين بأنه إستراتيجية متعمدة للحزب الجمهوري لتقسيمهم.

ومن بين أهم الديمقراطيين الذين صوّتوا لصالح مشروع القانون النائبة إليسا سلوتكين، من ولاية ميشيغان، والمرشحة لمقعد مجلس الشيوخ بالولاية، على الرغم من سجلها السابق المتوازن في قضايا عديدة.

وقال مايكل ماكول رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب بعد تمرير مشروع القرار، إنهم بحاجة إلى التصرف بسرعة، "لأن هذه القضية تتقدم بالفعل بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعا"، حتى إن موظفي المحكمة الجنائية الدولية أنفسهم لم يعلموا أن طلبات المذكرة ستمضي قدما بهذه الوتيرة، وهذا هو السبب في أننا نتقدم بمشروع القانون هذا الآن.

وفي حديثها للجزيرة نت، قالت الخبيرة آسال راد إنه "من غير المرجح أن يصبح التشريع قانونا"، وبررت ذلك بأن إدارة بايدن أشارت إلى أنها لا تدعم فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، لكنها تدعم نوعا من الإجراءات غير المحددة.

وأضافت أن مسؤولي إدارة بايدن أدانوا المحكمة الجنائية الدولية لسعيها إلى إصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين، كما أن تصرفات المشرعين الأميركيين والخطاب الصادر عن إدارة بايدن يقوضان المحكمة والقانون الدولي، الأمر الذي يضاعف الصورة السلبية للولايات المتحدة بسبب تواطئها مع الفظائع الإسرائيلية في غزة.

ويخشى البيت الأبيض من أن تدفع العقوبات الأميركية المحكمة الجنائية الدولية إلى ملاحقة إسرائيل بشكل أقوى، وأن يجبر مشروع القانون الولايات المتحدة على فرض عقوبات على الحلفاء المقربين الذين يمولون المحكمة وقادتهم والمشرعين والشركات الأميركية التي تقدم خدمات للمحكمة.

وفي تغريدة على منصة "إكس" أثنت لجنة العلاقات الأميركية الإسرائيلية "أيباك" على قرار مجلس النواب، حيث تعد المنظمة أحد أكبر وأهم منظمات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وتسهم بملايين الدولارات في تمويل الحملات الانتخابية لمئات المرشحين لمجلسي الكونغرس، النواب والشيوخ.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فرض عقوبات على المحکمة الجنائیة الدولیة مشروع القانون إدارة بایدن مجلس النواب جرائم حرب

إقرأ أيضاً:

 ترامب يعين وزير خارجيته و يُحكم قبضته على الكونغرس بعد احتفاظ الجمهوريين بالأغلبية

13 نوفمبر، 2024

بغداد/المسلة:  أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يوم الأربعاء عن تعيين السناتور ماركو روبيو وزيرا للخارجية، مؤكداً بذلك ما تداولته وسائل الإعلام الأميركية. ووصف ترامب في بيان رسمي السناتور روبيو بأنه “مدافع شرس عن وطننا وصديق حقيقي لحلفائنا ومحارب لا يتراجع أمام أعدائنا”، مشيراً إلى مواقفه المعروفة ضد الصين ودعمه لسياسة “أميركا أولاً”.

ويعدّ هذا التعيين خطوة تعكس توجهات ترامب الاستراتيجية لولايته الثانية، حيث يهدف إلى تعزيز النفوذ الأميركي في الساحة الدولية وتقوية التحالفات التقليدية، لا سيما في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد.

و في سياق متصل، احتفظ الجمهوريون بالأغلبية في مجلس النواب، وفقاً لما أعلنته وسائل الإعلام الأميركية، مما يعزز هيمنة الحزب الجمهوري على الكونغرس ويمنح الرئيس المنتخب هامشاً مريحاً للمناورة التشريعية.

ووفقاً لتقديرات شبكتي “سي إن إن” و”إن بي سي نيوز”، حصل الجمهوريون على 218 مقعداً على الأقل، مما يؤكد احتفاظهم بالأغلبية في مجلس النواب. هذا الانتصار أتى عقب انتزاعهم الغالبية في مجلس الشيوخ من الديمقراطيين، مما يمنح ترامب دعماً كبيراً لتحقيق أجندته الطموحة.

وأشاد النائب الجمهوري مايك جونسون، المتوقع أن يبقى رئيساً لمجلس النواب، بهذا النصر قائلاً، “كان فوزاً حاسماً يعكس رغبة الشعب في تطبيق برنامج +أميركا أولاً+.”

في انتخابات الخامس من نوفمبر، فاز ترامب بالتصويت الشعبي بنسبة 50.2% مقابل نائبة الرئيس كامالا هاريس، كما حقق انتصارات في الولايات المتأرجحة الحاسمة، ما ساهم في تأمين عودته إلى البيت الأبيض بولاية ثانية.

ويرجح أن يسهم سيطرة الجمهوريين على الكونغرس في تسهيل تنفيذ وعود ترامب بفرض تدابير حازمة تتضمن طرد أعداد كبيرة من المهاجرين، وتخفيض الضرائب، وتخفيف الضوابط التنظيمية لتحفيز الاقتصاد.

تداعيات وتوقعات

مع تعيين ماركو روبيو وزيراً للخارجية، يُتوقع أن تتخذ الإدارة الجديدة مواقف صارمة تجاه الصين، وأن تشهد السياسة الخارجية للولايات المتحدة زخماً أكبر في التعاون مع الحلفاء في مواجهة التحديات الدولية المتزايدة.

واحتفاظ الجمهوريين بالأغلبية في مجلس النواب يمثل مكسباً استراتيجياً بالغ الأهمية للرئيس المنتخب دونالد ترامب؛ إذ يمنحه ذلك قاعدة دعم قوية في الكونغرس، مما يسهل عليه تمرير أجندته السياسية والقانونية دون مقاومة كبيرة من الديمقراطيين.

هذه الأغلبية تمنح ترامب القدرة على تنفيذ خططه بفعالية وسرعة أكبر، خاصة في قضايا محورية، مثل خفض الضرائب، وفرض سياسات صارمة على الهجرة، وإعادة النظر في بعض الاتفاقيات التجارية والتنظيمات البيئية، إضافة إلى تعزيز سياسات “أميركا أولاً”. كما أن سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ) توفر لترامب الدعم اللازم لتعيين مرشحيه في المناصب القضائية والتنفيذية، ما يعزز تأثيره على المدى الطويل حتى بعد انتهاء ولايته.

وتعد الأغلبية في مجلس النواب دعامة قوية للتصدي لأي محاولة من الديمقراطيين لعرقلة سياساته، سواء عبر التحقيقات أو الإجراءات التشريعية، فضلاً عن تحصين إدارته من أي محاولات مساءلة قد تتبناها المعارضة.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • هيمنة الجمهوريين على غرفتي الكونغرس.. ماذا تعني لترامب؟
  •  ترامب يعين وزير خارجيته و يُحكم قبضته على الكونغرس بعد احتفاظ الجمهوريين بالأغلبية
  • الجمهوريون يحكمون السيطرة على الكونغرس الأمريكي
  • تعديلات جديدة لـ"كتلة الحوار" على مشروع قانون الإجراءات الجنائية
  • الإجراءات الجنائية.. عقوبات جديدة للممتنعين عن الشهادة أمام جهات التحقيق
  • الأسبوع المقبل.. مجلس النواب يستأنف مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد
  • إسرائيل تشكك بحيادية قاضية في المحكمة الجنائية الدولية
  • "تشريعية النواب": 540 مادة بمشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد
  • «النواب» يواصل مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد الأحد المقبل
  • اتهامات بالتحرش وتمارض| ماذا أصاب أعضاء “الجنائية الدولية” بعد مذكرة اعتقال نتنياهو؟.. خبير يكشف