تقول الطرفة اليهودية إنه يمكن لأي حوار أو نقاش عادي عابر بين أي اثنين في العالم أن ينتهي إلى توافق، في أحسن الحالات، أو إلى وجهتَي نظر. أما أي حوار أو نقاش عادي عابر بين أي يهوديين اثنين فإنه ينتهي، في غالب الأحيان، بثلاث وجهات نظر، على الأقل، بل ويمكن له أن ينتهي إلى ما هو أكثر من ذلك أيضاً.
هكذا هو، عملياً، ما نراه ونلمسه من خطاب الرئيس الأمريكي، جو بايدن.
بايدن، الكاثوليكي الصهيوني، (مع الأسف) والمتحدّر من جذور إيرلندية كاثوليكية، (مع الأسف) أدخل نفسه، ومعه نتنياهو، وكل الفلسطينيين والعرب في العالم، في متاهة، لها، مثل كل المتاهات، بداية ومدخل، ولكنها تختلف عن كل ما عداها من متاهات: إنها متاهة بلا نهاية.
على أن في الإدارة الأمريكية، على ما يبدو، عقلاء. فاختار هؤلاء العقلاء أن يلقي الرئيس الأمريكي خطابه الذي كشف فيه هذه «المبادرة الإسرائيلية» بعد دقائق فقط من بدء دخول عطلة يوم السبت اليهودي بتوقيت فلسطين، لكي يعطي ذلك 24 ساعة، على الأقل، لنتنياهو للتعاطي مع خطاب بايدن، وردود الفعل عليه، أثناء حرمان الوزيرين اليهوديين الإثنين في حكومته بالغة العنصرية: بن غفير وسموطرتش، ومعهما القناة التلفزيونية 14 الإسرائيلية، من إصدار أي تعليق ورد فعل على الى ما بعد انتهاء عطلة السبت اليهودية.
جاء هذا التطور، الذي يمكن له أن يكون علامة على بدء العد التنازلي لتوقف الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة وأهله واللاجئين فيه، في مرحلة معاناة إسرائيل من حالة ارتباك وتخبّط غير مسبوقة، وعلى جميع الأصعدة:
ـ صعيد السلطة التنفيذية: خلافات داخل الحكومة. خلافات داخل «الحكومة المصغّرة» الكابينيت. خلافات داخل «مجلس الحرب» المنبثق عن الحكومة المصغرة، وآخر التطورات هو إعلان بن غفير أنه وأعضاء حزبه سيصوتون في الكنيست «بموجب ما يمليه عليهم ضميرهم» ولا يلتزمون بشروط اتفاقية الإئتلاف الحكومي، الى أن يكشف لهم نتنياهو نص مسودّة المقترحات التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي. ويضاف الى ذلك طبعاً إنذار غانتس بالانسحاب من الحكومة، ومن مجلس الحرب بعد غدٍ، ما لم يستجب نتنياهو لطلباته وشروطه، دون أن ننسى ما تقوله المصادر الإسرائيلية عن قطيعة منذ أشهُر بين نتنياهو ووزير الدفاع في حكومته، يوآف غالَنت.
لا حاجة للتوسع أيضاً في الحديث عما تعانيه الأقلية الفلسطينية في إسرائيل من حاملي بطاقة الهوية الإسرائيلية
ـ صعيد الجيش وقوات الأمن: وصلت الخلافات داخل القيادة العليا للجيش، حد مطالبة عدد من الجنرالات في هيئة الأركان باستقالة رئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي، كما ذكرت الصحف الإسرائيلية والقنوات الفضائية خلال أيام الأسبوع الماضي. إضافة لما تم نشره عن دعوة عسكري في شريط فيديو جاء فيها أن آلاف جنود الاحتياط سيلتزمون بأوامر نتنياهو، وليس بأوامر غالنت وهليفي، وهو الشريط الذي أعاد نشره يائير، ابن رئيس الحكومة، نتنياهو على صفحته، ثم سحبه بعد ساعات.
ـ صعيد المجتمع والشارع اليهودي: لا حاجة للتوسع في الكلام عن التشققات الطولية والعرْضية في الشارع اليهودي في إسرائيل، فالجميع يعرفها ويتابعها. تشققات بين اليمين الفاقع العنصرية، واليمين المتشدد، واليمين المعتدل، وكل هؤلاء مع الليبراليين، (بالمقاييس الإسرائيلية الصهيونية العنصرية) وما تبقى ممن يعرّفون على أنفسهم باعتبارهم يسارا إنسانيا عقلانيا مستنيرا. يضاف إلى ذلك الحريديم (الأرثوذكس) والمتدينين العاديين والعلمانيين بتفرّعاتهم. كذلك بين الأشكناز (الأوروبيين والغربيين عموماً) والسفاراديم (الشرقيين، من الدول العربية وإيران وتركيا وغيرها). ويلتقي كل هؤلاء في ساحة صراع نشيطة منذ سنوات بين من هم «ضد بيبي» (نتنياهو) ومن هم «مع بيبي» مهما عُرف وما قيل ويقال عنه.
أما عن بسطاء الناس من المواطنين اليهود في إسرائيل، فيكفي أن أسجل ملاحظتين فقط مقتبستين مما جاء في الصحف الإسرائيلية في الأسبوعين الماضيين: (1) امرأة إسرائيلية تقول وتعترف لمراسل الجريدة، إنها منذ السابع من أكتوبر، لم تعد تكتفي بتسكير باب منزلها فقط، عندما تدخله، بل تحرص على تسكير كل أبواب غرف بيتها، بين الصالون وغرفة الجلوس والمطبخ وغرفة النوم. و(2) ما قاله إيتان دافيدي، رئيس لجنة مستوطنة مرغاليوت، (المقامة على أراضي قرية هونين المهجرة) في الجليل الأعلى، عند الحدود الشمالية مع لبنان، يوم 27 أيار/مايو الماضي، إثر تعرض مستوطنته لثلاث قذائف مضادة للدروع، دمرت مبنى سكرتارية المستوطنة، قال (معاريف 30.5.2024): «نعلن الانفصال والقطيعة مع حكومة إسرائيل، وسنغيّر الوضع هنا، حيث لا أحد يؤمّن للمستوطنة (المشاف.. قرية زراعية) الحماية والدفاع عنها، وطلبت من ضابط الأمن أن يسحب الجنود من هنا، وأن يقفل غرفة الحرب وبوابات المستوطنة، ونريد قطيعة كاملة مع الجيش والحكومة. وموشاف مرغاليوت ليس في حاجة لمن يحميه من «حزب الله» بل إلى من يحميه من حكومة إسرائيل التي تسحقه بقراراتها، موشاف مرغاليوت يعاني من قرارات حكومة إسرائيل ووزارة الزراعة فيها أكثر مما يعانيه من صواريخ حزب الله المضادة للدبابات». (ومعروف أن مستوطنة مرغاليوت فازت في مناقصة قبل نحو سنتين، لتزويد الجيش الإسرائيلي بـ144 ألف بيضة يومياً).
لا حاجة للتوسع أيضاً في الحديث عما تعانيه الأقلية الفلسطينية في إسرائيل من حاملي بطاقة الهوية الإسرائيلية، ومن الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية. يكفي مثال واحد فقط: تم اعتقال سيدة فاضلة، مغنيّة ذات حضور ساحر، تم اعتقالها والتحقيق معها لأنها نشرت على صفحتها في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أيام من بدء حرب إسرائيل الهمجية الإجرامية على غزة، إثر زلزال السابع من أكتوبر، تعبيراً دارجاً شبه ديني:: «لا غالب إلا الله».
ـ الصعيد السياسي الدولي: يكفي ملاحظة ومتابعة حجم وتواصل واتساع المظاهرات في عواصم ومدن العالم ( والغربي خاصة) وما تشهدة كبريات الجامعات في أمريكا وأوروبا وغيرها، لنتيقّن بأن زلزال السابع من أكتوبر، وما تلاه من حرب دموية إسرائيلية على غزة، واحتلاله للدرجة الأولى على سلّم أوليات الإهتمام العالمي، لنعرف مدى ما لحق بإسرائيل والحركة الصهيونية العنصرية من أضرار وخسارات.
ـ الصعيد القضائي الدولي: هنا أيضاً تبدو الصورة أكثر من واضحة. كانت إسرائيل والحركة الصهيونية هي المُدّعي في محكمة العدل الدولية، المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة، وهي اليوم جليسة مقعد المتّهَم. ويضاف إلى ذلك قرار كريم خان، المدّعي العام في محكمة الجنايات الدولية، طلب إصدار المحكمة قرار اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه، غالنت، للمثول أمام تلك المحكمة الدولية بتهمة الإباددة الجماعية.
إن كان من مجال ومتّسع للقول، فإن واجب منظمة التحرير الفلسطينية، المبادرة الفورية للتعاطي مع ما يتعامل معه العالم اليوم، وهو مبادرة نتنياهو/بايدن، بالتأكيد على أن من يملك حق تحديد من الذي يحكم غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، هو من يحرز الأغلبية في انتخابات ديمقراطية فلسطينية، يتم إجراؤها خلال أشهر من وقف الحرب الإسرائيلية الهمجية على جميع الفلسطينيين بين النهر والبحر، ولتكون تلك الخطوة الأولى على طريق ومراحل استعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه المشروعة.
المصدر: القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه بايدن نتنياهو غزة غزة نتنياهو بايدن مقالات مقالات مقالات صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة اقتصاد صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی إسرائیل على أن
إقرأ أيضاً:
بايدن وماكرون بحثا الجهود الرامية إلى وقف الحرب في لبنان
بحث الرئيس الأميركي جو بايدن، الجمعة، مع نظيره الفرنسي، ايمانويل ماكرون في الجهود الهادفة الى إرساء وقف لإطلاق النار في لبنان، بحسب ما أعلن البيت الأبيض.
وأورد بيان أن الرئيسين "عرضا تطور الوضع في أوكرانيا والشرق الأوسط، وخصوصا الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار في لبنان، يتيح للسكان على جانبي الخط الأزرق (بين لبنان وإسرائيل) العودة الى منازلهم بكل أمان".
كما بحث الرئيس الأميركي مع نظيره الفرنسي الصراع في أوكرانيا.
وشنت إسرائيل ضربات على مناطق عدة في جنوب لبنان بعد أوامر إخلاء للسكان شملت مبنى في مدينة صور الساحلية وبلدتين في محيطها.
وارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان منذ إنهاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين زيارته لبيروت الأربعاء، في إطار وساطة يتولاها للتوصل الى وقف لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل.
وبعد تبادل القصف مع حزب الله لنحو عام، بدأت إسرائيل منذ 23 سبتمبر حملة جوية واسعة تستهدف خصوصا معاقل الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها. وأعلنت منذ نهاية الشهر نفسه بدء عمليات توغل بري عند الحدود.
وأعلن حزب الله، الجمعة، استهدافه جنودا اسرائيليين عند مثلث دير ميماس وأطراف كفركلا "بقذائف المدفعية".
وتحاول القوات الإسرائيلية التوغل على محاور عدة الى عدد من القرى والبلدات الحدودية، أبرزها بلدة الخيام حيث أعلن حزب الله مرارا استهداف تجمعات جنود على تخومها.
وأحصى لبنان مقتل 3583 شخصا على الأقل بنيران اسرائيلية منذ بدء حزب الله واسرائيل تبادل القصف في 8 أكتوبر 2023 على وقع الحرب في غزة.