طرح الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الجمعة الماضي مقترحًا لوقف إطلاق النار في غزة، يقوم على ثلاث مراحل تتفاوض فيها إسرائيل وحماس على تبادل الأسرى، والوقف الدائم للأعمال العدائية في نهاية المطاف، وإعادة بناء المنازل والمرافق العامة.

ودعا بايدن إسرائيل وحماس إلى قبول الاتفاق على الفور، والتحرّك بسرعة نحو حل كامل للصراع.

وهو يسعى الآن إلى وقف فوري طويل الأمد لإطلاق النار، ويربط اسمه وسمعته بتحقيق ذلك.

فماذا علينا أن نفعل حيال ذلك؟

بادئ ذي بدء، وصف بايدن الاقتراح بأنه عرض إسرائيلي لحماس، لكنه قد يكون مبادرة أميركية تنسب الفضل إلى إسرائيل، أو ربما هو اقتراح من حماس قدّم قبل أشهر مدثرًا بوشاح أميركي لجعله مستساغًا لدى دعاة الحرب.

وهذه الخطة مثيرة للاهتمام، إذ تشمل جميع الدوافع الرئيسية للصراع، وكذلك حلّه: إنهاء القتال، والإفراج عن جميع المعتقلين، وطرد إسرائيل من غزة، وإزالة الدافع الأساسي لحماس لمهاجمة إسرائيل، وإعادة إعمار شريط غزة.

وقد ردّت حماس على الفور تقريبًا بأنها تنظر إلى الاقتراح بشكل إيجابي. وردت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمزيجها المعتاد من التبجح والغموض ــ قائلة إنها لن توقف هجماتها ولن تغادر غزة إلا بعد تحقيق النصر الكامل على حماس، حتى لو تمّ إطلاق سراح الأسرى.

ومع ذلك، قال بايدن؛ إن القوة العسكرية لحماس قد تضاءلت إلى مستوى يجعلها غير قادرة على تَكرار هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، مما يشير إلى أن إسرائيل حققت هدفها ويمكنها الآن مغادرة غزة.

لكن لماذا غيَّر بايدن ونتنياهو، الشقيقان في الإبادة الجماعية، اللذان كانا حتى وقت قريب يسخران من مقترحات وقف إطلاق النار طويلة الأمد، رأيهما فجأة؟

ليس لدي أدنى شك في أن هذا هو يأسهما المشترك. لقد غرقت سمعتهما في الوحل، وأصبحت مناصبهما السياسية في خطر. فاليأس هو المحرك الأعظم للإبداع السياسي.

يخشى بايدن خسارة انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، بينما يخشى نتنياهو أن يُزج به في السجن بتهمة الفساد من قبل محكمة إسرائيلية، أو بسبب الإشراف على إبادة جماعية من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

وسيحاول بايدن أن ينسب إلى نفسه الفضل في السعي لصنع السلام. ولكن الجمع بين المتناقضات عملية مستحيلة، وهكذا يستحيل الجمع بين مزعم بذل الجهد لصنع السلام، وبين ثمانية أشهر من التمويل والتسليح والحماية الدبلوماسية للإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة ـ علانية وبكل تبجّح وكل فخر. لقد كشف بايدن، في كل سانحة، عن طبيعته الحقيقية، مما أكسبه لقب "جو الإبادة الجماعية".

أما نتنياهو فهو واقع في قبضة ضغوط لا يمكن التوفيق بينها، وهي من صنعه شخصيًا، وهدفها هو إبقاؤه في السلطة وبعيدًا عن متناول المحاكم العدلية. ويبدو اقتراح بايدن متعارضًا تمامًا مع الهوس بالحرب لدى الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين في حكومته. وهو ككل السياسيين، وخاصة ممارسي الفصل العنصري والإبادة الجماعية، قدّم تعهدات متناقضة لجماهير مختلفة يحتاج إليها للبقاء في السلطة. وقد منحه اقتراح بايدن مخرجًا سهلًا من معضلته.

ومهما كانت الرقصة التي قد يؤديها بايدن ونتنياهو أمام الكاميرات، فإن جاذبية المضي قدمًا في خُطة "لإنهاء هذه الحرب والبدء في اليوم التالي" – على حد تعبير الرئيس الأميركي – ستواجه سريعًا عقبات خطيرة على طريق تحقيق سلام دائم. ولا شك أن إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يشتمل على العديد من اللاعبين الذين يتعين عليهم التفاوض على طول محاور متعددة، بما في ذلك قوات من العديد من البلدان ــ وكلها مدفوعة بدوافع لا يمكن التنبؤ بها واحتياجات متناقضة.

ولا بد من حل التوترات بين اللاعبين الرئيسيين التالِين، وهم:

الحكومتان الأميركية والإسرائيلية. بايدن ونتنياهو. نتنياهو والعديد من القوميين اليهود اليمينيين المتطرفين في حكومته. الحكومة الإسرائيلية والمواطنون الإسرائيليون الذين يرفضون أيديولوجيتها منذ ما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول. الحكومة الإسرائيلية والعديد من المواطنين الإسرائيليين الذين يدعمون مطالب أهالي الأسرى بإنهاء الحرب وإطلاق سراحهم. بايدن وقطاع كبير من قاعدته في الحزب الديمقراطي الذين يطالبون بتراجعه عن دعمه للإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، وإلا فلن يصوتوا له في نوفمبر/تشرين الثاني القادم. بايدن والعديد من الديمقراطيين والجمهوريين الذين يريدون مواصلة الإبادة الجماعية الإسرائيلية. القيادة الأميركية ومعظم شعوب وحكومات العالم الذين يدعمون الحقوق المتساوية للفلسطينيين والإسرائيليين. ويعارضون الإبادة الجماعية التي تدعمها الولايات المتحدة. الحكومة الإسرائيلية وحماس اللتان تم تحقيق أهدافهما الأساسية تقريبًا، ولكن ليس بشكل كامل، في اقتراح بايدن. حكومة الولايات المتحدة وحماس اللتان تتفاوضان الآن بشكل غير مباشر، لكنهما لا تزالان على خلاف بشأن معظم القضايا المتعلقة بفلسطين وإسرائيل والهيمنة الأميركية في المنطقة.

وإذا تمّ تنفيذ المرحلة الأولى من المراحل الثلاث للخطة، فسيتعين على المفاوضات الصعبة أن تعالج أصعب القضايا، مثل: شكل الحكم الفلسطيني الذي سيتولى المسؤولية في نهاية المطاف في غزة، والضمانات الأمنية التي تقدمها القوى الإقليمية والعالمية للإسرائيليين والفلسطينيين، وكيفية حل القضايا الأساسية الأكثر إثارة للجدل بشكل دائم- مثل: حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، واحتواء الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، والتعايش السلمي كسيادات منفصلة في أرض واحدة أو دولتين متجاورتين.

وفيما يتعلق بمسألة الحكم الفلسطيني، أشار بايدن إلى نقطة مثيرة للاهتمام في خطابه يوم الجمعة، عندما قال: إنه "في هذه المرحلة، لم تعد حماس قادرة على تنفيذ سابع من أكتوبر/تشرين الأول جديد"، مما يعني أن إسرائيل قد حقّقت هدفًا رئيسيًا يتمثل في إضعاف حماس، ويمكنها الآن وقف الحرب والانسحاب من غزة.

قد توافق إسرائيل أو لا توافق على ذلك، لكن الرئيس الأميركي ربما يضع الأساس لإشراك "حماس مختلفة" في حقبة ما بعد الحرب، كما فعل مع طالبان وفعل أسلافه مع الفيتكونغ بعد عقود من قتالهم باعتبارهم "إرهابيين"، والواقع أنه عندما تنتهي الحروب، تحدث أشياء مذهلة.

ويتعين على حماس، أو الكيان الذي يعكس تصميمها الوطني والنضالي على ممارسة حق تقرير المصير في فلسطين، أن يشكل جزءًا من نظام الحكم الجديد في فلسطين، جنبًا إلى جنب مع الفصائل الفلسطينية الأخرى التي توافق على العيش بسلام إلى جانب إسرائيل. لكن هذا لن يحدث إلا إذا وافقت إسرائيل ومؤيدوها الأميركيون صراحةً ودون لبس – وهذه هي أكبر (إذا) في هذه المعادلة بأكملها – على الحرية الكاملة وتقرير المصير للفلسطينيين، والتعايش السلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين ذوي السيادة المتساوية في فلسطين التاريخية.

ستكون ثمة خطوة جريئة حقًا نحو السلام الدائم إذا قرر رئيس أميركي ذات يوم أن يسير على هذا الطريق، مدفوعًا بإخلاصه، وهو ما يصعب تمييزه في العرض الحالي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الإبادة الجماعیة فی غزة

إقرأ أيضاً:

نتنياهو يشكر بايدن على مساعي واشنطن للتوصل لوقف إطلاق النار

شكر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الرئيس الامريكي جو بايدن على مساعي واشنطن للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الله مؤكدا أن تل أبيب تحتفظ بحق الرد على أي تهديد لأمنها.

الخارجية الأمريكية: واشنطن لن تشارك في المفاوضات بين الترويكا الاوروبية وإيران واشنطن: الولايات المتحدة تضغط بكل ما بوسعها للتوصل لحل في لبنان

وبحسب روسيا اليوم، جاء في بيان مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "وافق مجلس الوزراء الأمني، مساء اليوم الثلاثاء 26 نوفمبر 2024، بأغلبية 10 مقابل 1، على الاقتراح الأمريكي بشأن ترتيب وقف إطلاق النار في لبنان".

وأشار المكتب إلى أن "نتنياهو، تحدث مساء الثلاثاء، مع الرئيس الأمريكي جو بايدن وشكره على مشاركة الولايات المتحدة في تحقيق اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وعلى تفهمه لكون إسرائيل تحتفظ بحرية العمل في تنفيذه".

وأوضح أن: "إسرائيل تقدر مساهمة الولايات المتحدة في العملية، وتحتفظ بحقها في التحرك ضد أي تهديد لأمنها".

من جانبه أعرب رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي عن شكره لبايدن على "الدعم الأمريكي للبنان والمساعي التي قام بها مبعوثه آموس هوكشتاين"، للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

وعبر رئيس الحكومة اللبنانية عن "ترحيبه بقرار وقف إطلاق النار في لبنان" شاكرا الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا "على المساهمة في ترتيبه".

وطالب ميقاتي إسرائيل بالالتزام الكامل بقرار وقف إطلاق النار والانسحاب من كل المناطق والمواقع التي يحتلها والالتزام بالقرار 1701 كاملا

مقالات مشابهة

  • نتنياهو يشكر بايدن على مساعي واشنطن للتوصل لوقف إطلاق النار
  • بايدن يكشف عن مساع جديدة لوقف إطلاق النار في غزة
  • بايدن يعلن وقف إطلاق النار في لبنان ويعد بالسعي لإنهاء الحرب بغزة
  • مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي يصوت لصالح اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الله
  • وسط تباين المواقف الإسرائيلية.. لبنان يستعد لإقرار اتفاق لوقف إطلاق النار
  • الكابينة الإسرائيلية تؤجل اجتماعها حول وقف اطلاق النار.. وترقب لإعلان بايدن
  • القناة 14 الإسرائيلية حول اتفاق محتمل لوقف النار في لبنان: إسرائيل انتقلت من النصر الكامل للاستسلام
  • بايدن وماكرون يعتزمان الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار بلبنان
  • «البث الإسرائيلية»: حماس كانت مستعدة للإفراج عن محتجزين دون وقف إطلاق النار بغزة
  • «حماس»: ندعو إدارة بايدن للتكفير عن خطيئتها بالضغط على الاحتلال لوقف جرائمه