البنك المركزي واستهداف العملة الوطنية والقطاع المصرفي
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
عبد الوهاب الوشلي
يستحوذ البنك المركزي بصفته هذه على وظيفة إدارة السياسة النقدية كأحد أهم مرتكزات السياسة الاقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي للدولة.
وفي سبيل إنفاذ السياسة النقدية، تلجئ البنوك المركزية إلى استخدام عدد من الأدوات والاستراتيجيات النقدية أبرزها عمليات السوق المفتوحة بأشكالها المختلفة، وتحديد مقدار الاحتياط الإلزامي الذي من شأنه التأثير على مستوى النشاط الائتماني للبنوك التجارية.
وتتمثل غاية السياسة النقدية- القائم على صياغتها وتنفيذها البنك المركزي- في تحقيق الاستقرار النقدي من خلال التحكم بحجم العرض النقدي الدائر في الاقتصاد توسعاً وانكماشا.
كما يضطلع البنك المركزي بمهمة إدارة سياسة سعر صرف العملة الوطنية وتحديد نظام سعر الصرف المتبع في إطار السياسة الاقتصادية للدولة، واختيار الأدوات النقدية الناجعة لضمان تنفيذ تلك السياسة، ناهيك عن إدارة الاحتياطات الرسمية اللازمة من العملات الأجنبية لتسوية المدفوعات الدولية.
وتؤدي زيادة العرض النقدي في الاقتصاد وتدهور سعر صرف العملة إلى ارتفاع مستويات التضخم وتضاءل القوة الشرائية للعملة الوطنية، وهذا يعني زيادة مستوى الأسعار وتفاقم الوضع الاقتصادي العام.
وفي ذات السياق، يتولى البنك المركزي وظيفة تطوير أنظمة الدفع وإدارة الإصدار النقدي من خلال طباعة وتخزين وإصدار العملة الوطنية، وتوفير الغطاء النقدي اللازم للإصدار متى اقتضى الوضع الاقتصادي ضرورة لذلك.
ويمثل الإصدار النقدي للعملة الوطنية مظهراً بارزا من مظاهر سيادة الدولة التي لا تحتاج لممارسته إلى الاستناد لأي شرعية دولية مزعومة؛ إذ من شأن ذلك المساس بسيادتها الوطنية المستمدة من داخل الوطن لا من خارجه.
فطباعة العملة وتخزينها وإصدارها من صميم السلطان الداخلي للدولة تمارسه من خلال بنكها المركزي المسند إليه قانونا تلك السلطة النقدية، وفقاً للضوابط والقواعد النقدية المتعارف عليها.
ويتعين على البنك العمل على حماية العملة الوطنية من التزييف ومراقبة كمية النقود الدائرة في الاقتصاد؛ لما لذلك من أهمية في تحقيق الوظيفة الأساسية للبنك المركزي المتمثلة في إرساء دعائم الاستقرار المالي. ومتى ما فقد البنك المركزي القدرة في السيطرة على القاعدة النقدية من خلال فقدان القدرة على إدارة الاصدار النقدي تحول البنك إلى طالب للسيولة بعد أن كان الرافد لها، ناهيك عن الآثار الكارثية الأخرى المترتبة على ذلك.
بالإضافة إلى تلك الوظائف الهامة يضطلع البنك المركزي بمهام أخرى لا تقل أهمية عن غيرها، وذلك باعتباره بنك الحكومة وبنك البنوك والقائم بأعباء الرقابة على حسن سير وأداء النظام المصرفي على المستوى الوطني، فضلاً عن حاجته الضرورية إلى القيام بمهام ذات طبيعة إحصائية تتصل بواقع ومؤشرات الاقتصاد الكلي التي من شأنها تمكين البنك من الاضطلاع بوظائفه المختلفة على النحو اللازم.
ويتعين على البنك الالتزام بمبادئ الاستقلال والمساءلة والشفافية في أداء وظائفه؛ ضمانا لقيامه بالمهام المنوطة به على النحو الذي رسمه قانون إنشاءه والقوانين الأخرى ذات الصلة.
ولمحورية الدور والوظائف المفترضة للبنك المركزي على الصعيد الاقتصادي، تمعن قوى وأدوات العدوان في استهداف البنك المركزي والعملة الوطنية من خلال طباعة العملة وإصدارها وضخها بكميات كبيرة على نحو متكرر، بعد أن عمدت إلى استنساخ البنك المركزي من صنعاء إلى عدن؛ تنفيذا لتوجيهات السفير الأمريكي، بعد تهديداته للقوى الوطنية في صنعاء بنقل البنك المركزي إلى عدن.
وقد ألقى ذلك بتداعياته على ركائز الاقتصاد بفعل ما نجم عنه من آثار من شأنها المساس بمقومات الاقتصاد بشكل عام، وبالبنك المركزي- نظراً لدوره المحوري في الاقتصاد- بشكل خاص.
كما أسفرت طباعة العملة المتكررة بدون غطاء نقدي- من قبل ما يسمى بالبنك المركزي في عدن- عن تدهور القوة الشرائية للعملة وارتفاع مستويات التضخم وانهيار سعر صرف العملة وارتفاع أسعار السلع والخدمات، كنتيجة طبيعية لزيادة حجم الكتلة النقدية ونفاذ الاحتياطيات الأجنبية اللازمة لتسوية المدفوعات الدولية.
أما عن أداء ما يسمى بالبنك المركزي في عدن بعد استنساخه المزيف فحدث بلا حرج: مضاربات بالعملة وتبديد للاحتياطيات الأجنبية واستغلالها، وطباعة العملة لتمويل عجز ما يسمى بالحكومة، وإغراق الاقتصاد في بحر الودائع والقروض بحجة إنقاذ العملة ومواجهة متطلبات الاحتياج من السلع والخدمات المستوردة، ناهيك عن عمليات الفساد المستشري، وغيرها الكثير. وما تشهده تلك المناطق الخاضعة لسيطرة ما يسمى بالحكومة الشرعية خير دليل على ذلك.
ولا تقف دول وأدوات العدوان عند حدٍ في استهدافها للبنك المركزي والعملة الوطنية والقطاع المصرفي إذ أقدمت مؤخرا على اتخاذ إجراءات تصعيدية تستهدف العملة الوطنية وعدد من البنوك العاملة في المناطق الخاضعة لحكومة صنعاء. وقد تم ذلك بإيعازٍ من قبل دول تحالف العدوان؛ بهدف الضغط على صنعاء لثنيها عن مواقفها المساندة لغزة.
وتتكئ دول وأدوات العدوان على أمرين لنجاح ما اتخذته من إجراءات عدوانية مؤخراً بحق البنوك التجارية والعملة الوطنية، يتمثلان في عدم قدرة البنك المركزي في صنعاء على طباعة العملة الورقية وتوفير السيولة اللازمة لعمل الاقتصاد الوطني والنظام المصرفي في ظل تهلاك العملة الورقية المتداولة حالياً؛ وعلى ما تسميه بالاعتراف الدولي ومساندة دول العدوان- على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية- في الضغط على سلطة صنعاء اقتصادياً، بما في ذلك تجفيف موارد العملة الصعبة اللازمة لمواجهة الاحتياجات الأساسية من الواردات الخارجية من جهة؛
وعلى البنوك التجارية المتواجدة في المناطق الخاضعة لحكومة صنعاء من خلال تقييد قدرة تلك البنوك على القيام بالأعمال المصرفية على صعيد التعاملات الدولية، بما في ذلك قدرتها على استقبال وإرسال الحوالات الخارجية وفتح الاعتمادات المستندية اللازمة لتمويل المعاملات التجارية الدولية، من جهة ثانية.
وفي هذا السياق، يتعين التأكيد على أن صنعاء لم تغفل يوماً عن مخططات دول وأدوات العدوان الرامية إلى استهداف ركائز ومقومات الاقتصاد الوطني إذ تؤكد صنعاء أن لديها من الأوراق ما يكفي لمواجهة وإفشال مخططات دول العدوان وأدواته. وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن من الأولويات الملحة على مستوى البنك المركزي في صنعاء استعادة قدرة البنك المركزي وفرض سيطرته على القاعدة النقدية وإدارة الإصدار النقدي وبناء قدراته الفنية والتقنية اللازمة وتعزيز البيئة الملائمة لنشاط القطاع المصرفي.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: البنک المرکزی فی العملة الوطنیة طباعة العملة فی الاقتصاد من خلال ما یسمى
إقرأ أيضاً:
خبير اقتصادي يكشف: كارثة تضخم وشيكة بسبب أزمة العملة!
شمسان بوست / خاص:
أدلى الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، وفيق صالح، بتصريحات حول التداعيات السلبية لأزمة العملة الوطنية وتأثيراتها الواسعة على الاقتصاد والمجتمع.
وجاءت تصريحات صالح في تغريدة نشرها على حسابه الرسمي عبر منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، حيث حذر من المخاطر التي تواجه الاقتصاد الوطني نتيجة تدهور قيمة العملة المحلية.
وفي تغريدته، أشار صالح إلى أن “أزمة العملة الوطنية تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم”، موضحاً أن هذا الارتفاع يشكل خطراً كبيراً على القدرة الاقتصادية للمواطنين، إذ أنه “يعمل على تآكل المدخرات والأجور والرواتب”، مما يؤدي بشكل مباشر إلى انخفاض القوة الشرائية.
وأضاف أن هذا الوضع لا يقتصر على الأفراد فحسب، بل يمتد ليشمل الأسواق المحلية التي تتعرض للضعف جراء تقلص الطلب وارتفاع الأسعار، وهو ما يسهم في زيادة معدلات الفقر والبطالة.
وأكد صالح أن استمرار تدهور العملة الوطنية قد يعمق الأزمات الاقتصادية ويؤدي إلى تزايد الانقسامات الاجتماعية، مما يضع عبئاً كبيراً على الحكومة وصناع القرار.