لجريدة عمان:
2025-05-02@02:47:04 GMT

فخ العمل البائس الذي نسميه مهنية

تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT

تذهب المقولة التي تُنسب إلى ستيڤ جوبز كالآتي «الوسيلة الوحيدة لإنتاج عمل عظيم، هي بأن تحب ما تفعل»، وهي واحدة من مئات المقولات التي تُشجعنا على أن نضع قلوبنا في أعمالنا، إذ «ليس على العمل أن يُشعرك بأنك تعمل»، بل ويتم توصيتنا بأن لا نرضى بالاستمرار في عمل لا نحبه، نُوصى أيضا بأن لا نجعل المال بل الشغف هدفا لنا، وممن تخرج هذه التوصيات الذهبية؟ إنها غالبا ما تأتي من مليونير مولود بملعقة فضة في فمه.

النظام ذاته، الذي يُشجعنا على أن نحب ونعمل بشغف لا يُرحب بالعواطف إلا عندما تصب في مصلحة الإنتاجية. ولا يسمح بالتعبير عن أي شعور يُعد «سلبيا».

أفضل المديرين الذين حظيت بهم في حياتي هم أولئك الذين احترموا كل ما يُوضع عادة في خانة انعدام المهنية، وعرفوا أن «إدارة البشر» تعني الانتباه إلى تعقيدهم، عواطفهم، اختلافهم، وقيمهم الخاصة. من تسامحوا وتفهموا القصور، المزاج، الانفعال. بالمثل، فأكثر زملائي إبداعا هم أولئك الذين ينفعلون، الحديين، والذين لا يسمحون لنظام العمل أن يمحو شخصياتهم، يتكلمون بأصوات عالية، ويعبرون عن خيبتهم وتوجسهم دون مواربة. هذا لا يعني أنهم يترقون في السلم المهني، فالترقي بحاجة لأن يُجيد المرء اللعبة. وإجادة اللعبة لا تحمل دائما معنى سلبيا، فهي تشمل مهارات مثل القدرة على التفاوض، التواصل، الإقناع. مهارات إما أن تكون معك أو لا تكون، قد ينجح التدريب في جعلك أفضل بدرجة، بعدة درجات، لكنك على الأغلب لن تنجح في أن تحوزها كمن ولد بها.

لا أود بهذا ترسيخ أسطورة العبقري المجنون، ولا الذكي المظلوم. إنما أقول إن هذا الإنسان (مجموعة الإنسان) لابد أن يُعامل باعتباره إنسانا.

الفصل بين العواطف والعمل -في النهاية- ليس ضمن المشاكل الأولى. فنحن أمام مشاكل أهم من قبيل انخفاض الدافع، عدم المبادرة، انخفاض الدعم والشراكة بين أفراد الفريق. أمور تسعى المؤسسات والشركات إلى حلها -دون كثير من الجدوى- عبر الاستثمار في أنشطة من قبيل قضاء يوم خارج المكتب، أو فعاليات بناء الفريق.

مشاكل يُمكن حلها -في الواقع- إذا ما كان الموظف راضيا عن بيئة العمل. العمل الذي يُمكن أن يحقق إذا ما كان رفاه الموظف أولوية لدى صاحب العمل.

كوني عشت في ألمانيا لفترة، كثيرا ما يُوّجه لي ما يُقصد به الثناء، لكني لا أقرأه كذلك، إذ يُشار إلى أنني ومن خلال احتكاكي بالألمان، اكتسبت «احترافيتهم»، وقدرتهم على العمل كماكينات. اعتراضي على هذا الكلام ينطلق من عدة أمور؛ أولا، يحترم نظام العمل الألماني مثله مثل النظام الصحي الأمراض النفسية. يُمكن أن يصف لك الطبيب إجازة مرضية إذا ما كنت تعاني من نوبة اكتئاب، هذا بالطبع مشروط بالمكان الذي تعمل فيه، وهذا لا يعني أنني أضع الأمزجة اليومية في كفة القلق والاكتئاب، إنه يعني فقط أن ثمة مساحة لاستيعاب «المشاعر السلبية» لا توجد لدينا في عُمان مثلا. ثانيا، فيما يتعلق بالاستغلال، فألمانيا نسخة مخففة من الخليج. أي أنها دولة تعتمد على المهاجرين، والوجه الإيجابي المتفهم لا ينطبق على الجميع. وغالبا ما يكون الموظفون الذين يتلقون أدنى الأجور، محرومين من مثل هذه الامتيازات، على العكس، يسعى هؤلاء جاهدين لأن يتقدموا في مسيرتهم المهنية للحد الذي يسمح لصاحب العمل أن يفرض عليهم ساعات عمل إضافية، أو يوكل إليهم مهاما خارج نطاق عملهم.

ختاما أود أن أقول أن الإخلاص في العمل، احترام الزملاء، تقديم الدعم متى ما أمكن هي قيم أساسية نتفق على أهميتها، أما افتراض أن المهنية تعني المعاملة الروبوتية، عدم التفهم، والجلافة فهذا ما يجب ألا يُقبل.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

من هدوء المدينة إلى نار الاشتباكات والطائفية... ما الذي حدث في جرمانا السورية؟

من هدوء المدينة إلى نار الاشتباكات والطائفية... ما الذي حدث في جرمانا السورية؟

مقالات مشابهة

  • مهنية صحم تطلق برنامجًا تدريبيًا في تقنيات اللحام الروبوتي لتطوير المهارات الفنية وتعزيز الاستدامة
  • أمريكا تبحث ترحيل المهاجرين الذين لديهم سجلات إجرامية إلى ليبيا
  • هل نجح الفيتناميون الذين فروا إلى أميركا في التعايش؟
  • صندوق مكافحة الإدمان يدرّب 3100 متعافٍ على حرف مهنية لإعادة دمجهم في سوق العمل
  • الأسرى الذين أطلق سراحهم من السجون الإسرائيلية.. دورهم بقيادة النهضة الفكرية
  • 3200 متعافٍ يكتسبون مهارات مهنية جديدة بدعم من صندوق مكافحة الإدمان
  • الحد اليومي للجلوس الذي يُنذر بآلام الرقبة
  • الحد اليومي للجلوس الذي يُنذر بآلام الرقبة ..! 
  • من هدوء المدينة إلى نار الاشتباكات والطائفية... ما الذي حدث في جرمانا السورية؟
  • المشهد اليمني الذي يشبهُ غزة