اللقاء الصحفي الذي أشرنا إليه الأسبوع الماضي، والذي أجرته جريدة الشرق القطرية، مع معالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام، أشار معاليه ضمن القضايا التي دارت في هذا اللقاء الموسع إلى أهمية الاهتمام بقضية الهوية الوطنية وتعزيزها، وأنه من الضروري بل والمهم: «تحصين الشباب ضد الثقافات التي تضر هويتهم وثقافتهم وأمانهم الفكري وتبصيرهم بأخذ النافع والمفيد».

ولا شك أن قضية الهوية، لم تعد قضية هامشية أو معزولة عن قضية الصراع الفكري والثقافي بين الثقافات المعاصرة في عالمنا الراهن. وقد شدد جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - في أكثر من مناسبة، على أهمية اكتساب الأبناء القيم الصحيحة من التربية الأسرية، وليس من هذا الفضاء المفتوح بخيره وشره، ومما قاله جلالته - حفظه الله: «نظرًا لما يشهده العالم من تغيرات في السلوكيات والمفاهيم وترسيخ البعض لمفاهيمهم، واستغلال مبادئ حقوق الإنسان، وغيرها من المبررات لفرض رؤى وبرامج وسلوكيات لا تتفق مع الثوابت والمبادئ السائدة، مؤكدًا جلالته على أهمية العمل على ترسيخ المبادئ والقيم العُمانية الأصيلة المستمدة من تعاليم ديننا الحنيف، وحث الأسر على الأخذ بأيدي أبنائها وتربيتهم التربية الصالحة». وهذه حاجة وضرورة أن تؤخذ في الحسبان والاهتمام الدائم، بسبب ما تفعله الثقافة الغالبة من داخل الثقافات الأخرى، أو الساعية إلى اجتذاب الثقافات أو اللغات أو القيم، ومنها ما قاله بعض المفكرين أو الفلاسفة، بعد اتفاقية: (الجات) منذ سنوات مضت، والمخاطر من سيطرة قيم ونماذج اللغة الإنجليزية وفرضها على اللغات الأخرى، وهذه مسألة لا تتعلق بالعالم العربي فقط، بل قيل إنها تواجه من أغلب الثقافات الإنسانية الأخرى، والغريب أن بعض المثقفين العرب للأسف ينكرون قضية الاختراق الفكري والثقافي على الهوية الذاتية، واعتبرها البعض وهما من أوهامنا وليس هناك خطر على الهوية الذاتية:، وكأنهم يتجاهلون ما يقال من بعض المفكرين والسياسيين الغربيين عن مخاطر الاختراق الثقافي لثقافتهم، خاصة الدول التي لها لغات مختلفة عن اللغات الكبرى، وقيم فكرية متأصلة تتعرض للذوبان بسبب السيطرة الإعلامية والتقنيات والأفلام وغيرها من الوسائل التي يرونها تشكل مخاطر جوهرية على الهوية الوطنية داخل مجتمعاتهم، مثل فرنسا وكندا وغيرها. وقد عبّر عن ذلك أصدق تعبير ما قاله المفكر المغربي الراحل الدكتور محمد عابد الجابري، عندما قال في بعض كتاباته: «إن الاختراق الثقافي هو اختراق للهوية أساسًا. لنقل إذن إننا نقصد بـ(الثقافة) هنا: ذلك المركب المتجانس من الذكريات والتصورات والقيم والرموز والتعبيرات والإبداعات التي تحتفظ لجماعة بشرية، تشكل أمة أو ما في معناها، بهويتها الحضارية في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل ديناميتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء». ولا شك أن قضية الهوية تراهن عليها الأمم التي تواجه التحديات والضربات، وأمتنا تواجه هذا التحدي أيضًا، لذلك تعد الهوية خط الدفاع عن المخاطر الفكرية والثقافية، ومنها قضية الاختراق الفكري عبر التقنيات الحديثة، أوما يسمى عند البعض بالغزو الثقافي؛ لأن هذه الرمزية تجعل مسألة الحفاظ على المقومات مسألة وجود، وجزءًا من الهوية، ومنها يجب ترسيخ القيم والمبادئ والتوعية تجاه مخاطر الذوبان. والإشكال أن بعضًا من أبناء جلدتنا تنكر الاستلاب الفكري وإقصاء الهوية، وهؤلاء ممن تأثروا بفكر وثقافة الآخر، وأصبحوا يكررون مقولاتهم، دون حتى وعي وفهم وبصيرة لتلك الأهداف التي لا شك فيها. ففي إحدى الندوات الثقافية في إحدى الدول الخليجية، تحدث أحد الأكاديميين العرب عن الهوية، في مسألة (الهوية وماذا تعني توصيفًا)، وأعطى توصيفًا غريبًا لمسألة الهوية كمفهوم، واختزلها في خلاصة تكاد تقترب من السذاجة ولا تعبّر عن حقيقة الهوية الوطنية، ولم يقدم تعريفًا مناسبًا ودقيقًا يتقارب مع ما هو سائد عن مصطلح الهوية وتعريفاتها المتعددة عند العديد من المفكرين والفلاسفة، منذ أقدم العصور، ومما قاله هذا الأكاديمي العربي في توصيف مفهوم الهوية، فقال: «لو سألت أحد العامة سؤالًا بسيطًا: من أنت؟ لما وجد مشكلة في الإجابة، سيقول لك أنا فلان بن فلان، من العائلة، أو القبيلة، أو الفئة، أو الطائفة، والهوية لا تشكل أي إشكالية أو أحجية أو معضلة بالنسبة له، فهو يمارسها في حياته اليومية، ويكتسبها من المجتمع الذي يعيش فيه، فهي ليست هاجسًا، أو المفكر فيه بالنسبة له، طالما أنها ممارسة يومية معتادة. والحقيقة أن هذا التوصيف من هذا الباحث، يجرد قضية الهوية من مضامينها التي وُضعت لها من المفكرين والفلاسفة بالصيغة التي طرحها بهذا التبسيط المخل للمصطلح، منذ القدم حتى الآن! فهو أولًا يجرد هذا المفهوم من جوهر الشيء وطبيعته، وماهيته، فكره، وثقافته، ومقومات ووجوده، والقيم التي يمتلكها، وسبل عيشه التي أصبحت تراثًا كبيرًا ممتدًا لقرون للإنسان، وهذه كلها سمات تميزه عن الآخر المختلف؛ لأن هذا الاختلاف والتمايز هو الذي يجعل كل أمة، لها قيم وثقافة مختلفة عن الآخرين، وهذه مسألة جوهرية كما أشرنا. والهوية كقيمة في الحياة الإنسانية، تعد قيمة من القيم المهمة والكبيرة، كالتاريخ والدين والقيم العامة، بل وحتى العقل والفكر تدخل كلها في هوية الشعوب، والذين يبحثون عن الشعوب وحياتها، يركزون على هوياتهم وقيمهم وعاداتهم، لذلك الهوية ليست شيئًا عاديًا، بل تعد جوهر الإنسان وماهيته ونظرته، صحيح أن الهويات في كل الثقافات تتعرض ما يسميه البعض بعوامل (التعرية)، مثلها مثل الطبيعة، نتيجة الاحتكاك بالآخرين، لكن المظاهر للهوية ليست مسألة جديرة بالفزع، لكن الأهم أن تكون الهوية ثابتة على القيم العليا التي تجسد الإنسان ومقوماته الأساسية، والإشكال القائم في مسألة الهوية، كما أن البعض ممن أصابتهم التعرية الفكرية ورياحها من الخارج، يسمي من يشدد على أهمية الإمساك بالهوية بـ(أمراض الهوية)! وهي فكرة ملتقطة من خارج سياق الكلمة، فهؤلاء يخلطون بين الهوية كقيمة وطنية ثابتة في العقل والوجدان والثقافة، وربطها بقضية التراث؛ فالهوية غير التراث، وغير التاريخ -كما أشرنا آنفًا- فأهمية التراث قيمة لا شك في ذلك كمبررات للأمة من تراكم الخبرات والمعارف التي مرت منذ قرون وهي مستمرة، لكن لا يجب أن نبقى على التراث، دون الفرز والانتقاء، وفيه الغث وفيه السمين، وأن نجدد في مضامين هذا التراث، خاصة الحي منه، أما الهوية فهي لصيقة في حركة الأمة الدائمة، وليست فكرة متحركة كالتراث مثلًا.

والشيء الذي يدعو للتأمل والاهتمام أننا كأمة نواجه اختراقًا كبيرًا من الثقافات الغربية ومؤثراتها المختلفة، وخصوصًا القيم الثقافية، كوننا الطرف الأضعف في المعادلة التكنولوجية في مجال صناعة التقنيات الجديدة، لكننا نسير مجبرين إلى هذا الجديد المتعاظم والمتسارع، لكن المشكلة في التقليد وليس التفاعل مع الجديد القادم والفرز والانتقاء كما أشرنا، وأن ندرك مخاطر التقليد دون محاذير ومن تفكير جدي من آثار التقليد من هويات أخرى، خاصة الجيل الجديد من شبابنا، الذين انفتحوا على التقنيات الحديثة، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك يجب تقويم وترسيخ القيم الوطنية العمانية، والتي تعد مطلبًا ملحًا لا غنى عنه، وأن تقوم الأسرة بدورها في الإرشاد السليم والتوجيه القويم، والغرس النافع للأبناء، وهذه مسألة ضرورية من المهم أن تأخذ الأولوية في هذا الفضاء المفتوح، فقد أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي تقوم بما يفترض أن تقوم به الأسرة من حيث استلهام الأفكار والرؤى من داخل بيئتها الوطنية والدينية، وتلك قضية فكرية واجتماعية لها آثارها السلبية على الهوية الوطنية لا شك في ذلك، فإن لم نتداركها باهتمام ووعي ومتابعة لأبنائنا، فقد تنحرف هذه الشبكات بهم إلى أفكار بعيدة عن ثقافتنا وقيمنا الكلية، وهم في بداية حياتهم، أو في زهرة شبابهم، إلى أفعال وممارسات خاطئة تتناقض مع الهوية الذاتية لوطنهم، وربما تحاسب عليها القوانين إذا كانت مخالفة لما هو سائد من نظم مرعيّة وقائمة، ومنها سلوكيات خطيرة كالعنف والجريمة واستغلال بعض التيارات الفكرية والسياسية في دعوة هؤلاء الشباب إلى ممارسات خطيرة ومرفوضة من ديننا وقيمنا العمانية الأصيلة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الهویة الوطنیة قضیة الهویة على الهویة ما قاله

إقرأ أيضاً:

كل ما تريد معرفته عن رسوم طلب براءة الاختراع وفقًا لقانون الملكية الفكرية

يقدم موقع صدى البلد معلومات قانونية عن رسوم تقديم طلب براءة الاختراع  وذلك وفقًا لقانون حماية الملكية الفكرية الذي حدّد ضوابط خاصة لطلب براءة الاختراع نستعرضها من خلال هذا التقرير بعد تساؤلات عديدة من جانب المواطنين عنها فيما يلي:

ووفقا للمادة 11 يستحق رسم عند تقديم طلب براءة الاختراع، كما يستحق رسم سنوى يتدرج بالزيادة اعتبارا من بداية السنة الثانية وحتى انتهاء مدة حماية البراءة.

وتحدّد اللائحة قيمة هذه الرسوم بما لا يجاوز 2000 جنيه عند تقديم الطلب، وبما لا يجاوز 1000 جنيه بالنسبة للرسم السنوى.

كما تحدد اللائحة قواعد تخفيض هذه الرسوم وأحوال الإعفاء منها.

ويتحمل مقدم طلب الحصول على البراءة أتعاب الخبراء الذين يستعين بهم مكتب البراءات ومصروفات الفحص.

اختصاصات ومهام الجهاز المصري للملكية الفكرية


وحدّد القانون اختصاصات ومهام الجهاز المصري للملكية الفكرية:

1) إعداد وتحديث الإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية وعرضها على مجلس الوزراء لاعتمادها، وكذا وضع الآليات التنفيذية اللازمة لتفعيلها بالتعاون مع الوزارات والجهات المعنية ومتابعة تنفيذها.

2)  تسجيل حقوق الملكية الفكرية وقيدها وإيداعها ومنحها وثائق الحماية على النحو المبين بقانون حماية حقوق الملكية الفكرية المشار إليه.


3)  إعداد قواعد بيانات ومعلومات متكاملة عن حقوق الملكية الفكرية وتوظيفها في تطوير منظومة الملكية الفكرية، وإتاحتها للكافة بجميع الوسائل والطرق المتاحة في حدود أحكام قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المشار إليه، وذلك دون الإخلال بالقواعد المتعلقة بسرية المعلومات والبيانات.

4)  إنشاء آليات للتنسيق أو مكاتب ونقاط دعم تابعة للجهاز لدى الوزارات والجهات المعنية؛ للتنسيق والتعاون وتقديم الدعم الفني ونشر التوعية والتثقيف بحقوق الملكية الفكرية وكيفية استغلالها.


5)  العمل على تشجيع الباحثين والمخترعين والشركات الناشئة وأصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة على تسجيل مخرجاتهم البحثية واختراعاتهم وإبداعاتهم وغيرها من حقوق الملكية الفكرية والحصول على وثائق الحماية اللازمة لها؛ لتعظيم استغلالها والاستفادة منها من الناحية الاقتصادية.

6) وضع سياسات تقييم أصول الملكية الفكرية المملوكة للدولة واستغلالها بالاشتراك مع الجهات ذات الصلة، وتدريب وتوعية القطاع الخاص على استغلال أصول الملكية الفكرية وكيفية الاستفادة منها من الناحية الاقتصادية، والمساهمة في تدريب الخبراء والشركات العاملة في مجال تقييم الأصول بالتعاون مع الجهات المعنية.

7) إنشاء سجلات لقيد وكلاء البراءات والعلامات التجارية وغيرها من حقوق الملكية الفكرية وفقًا للقانون المنظم لذلك.

8) إنشاء سجل لقيد الخبراء الفنيين المختصين بتقييم أصول الملكية الفكرية وفقًا للمعايير التي يضعها الجهاز.


9)  نشر الثقافة والتوعية بأهمية حقوق الملكية الفكرية والمرونات المرتبطة بها لدى الجهات الحكومية والشركات والأفراد من خلال عقد المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية وإصدار النشرات والمطبوعات المتخصصة في هذا المجال.

قانون حماية الملكية الفكرية 
10)  فحص الشكاوى التى تقدم إلى الجهاز، والمنازعات المتعلقة بالملكية الفكرية التي تحال إليه من المحاكم والجهات القضائية والشرطية وجهات إنفاذ القانون باعتباره جهة خبرة.

11)  اتخاذ التدابير اللازمة بالتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية لحماية الصحة العامة والتغذية، أو تنمية القطاعات الحيوية في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية، وذلك فى حدود أحكام قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المشار إليه.


12)  اتخاذ الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية لمنع حائزي حقوق الملكية الفكرية من إساءة استخدامها أو منع اللجوء إلى الممارسات التي تسفر عن تقييد غير مناسب للتجارة، أو تؤثر سلبًا على النقل الدولي للتكنولوجي، وذلك كله في إطار قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المشار إليه.

مقالات مشابهة

  • د. الشيماء المشد تكتب: الهوية والتراث.. كيف نستثمر القيم الثقافية لتحقيق النجاح؟
  • الرئيس السيسي: نمارس القيم التي تدعو للشرف والاحترام والعزة والكرامة والبناء
  • الاتحاد الدولي لهوكي الجليد ينظر في مسألة السماح لمنتخب روسيا بالمشاركة في الأولمبياد
  • أيمكن للعلم أن يفسّر التأثير الترددي وعلاقته بالطاقة الكونية؟
  • كل ما تريد معرفته عن رسوم طلب براءة الاختراع وفقًا لقانون الملكية الفكرية
  • مراكز الأبحاث.. حاجة راهنة في عُمان
  • أمانة العاصمة المقدسة تسهل إجراءات إصدار القرار المساحي للعقار
  • هل يجوز الدعاء بأكثر من طلب في صلاة الحاجة .. دار الإفتاء تجيب
  • وفاء بنيامين: القومي لحقوق الإنسان يُعد المؤسسة الوطنية التي تعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان
  • بن شرادة: الدعوة لوقف التعيينات بالقطاع الحكومي حل عشوائي