المرتضى: المعركة الثقافية لا تقل أهمية عن الصمود العسكري في الجنوب
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
عقد وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ورئيس المعهد الفني الانطوني الأب شربل بوعبود مؤتمراً صحافياً مشتركًاً، اليوم، في مقرّ المكتبة الوطنية في بيروت للإعلان عن إطلاق ورش العمل لموضوع "الفن والتكنولوجيا في مواجهة التحديات والذكاء الاصطناعي" في المعهد الفني الأنطوني في الدكوانة.
بداية، تحدث الأب شربل بوعبود، متوجها في مستهل كلمته الى الوزير المرتضى، قائلًا:"ربما تتساءلون يا معالي الوزير مع الحضور الكرام لماذا هذا المؤتمر بينما الكرامات تداس والعائلات تتشرد وحال الحرب في الجنوب وغزة مقطع الأوصال بدون رأس للجمهورية والمؤسسات الدستورية مفككة، ولكننا مؤمنون بأن الثقافة هي التي تبني الأوطان وتعكس صورة الإنسان الحضارية في ارضه محملة بالتراث والتقاليد، ونحن مصممون على العمل قدما في إظهار صورة لبنان الحضارية والثقافية".
بدوره، رد المرتضى بكلمة مرتجلة قال فيها: "من الطبيعي ان يجرى هذا المؤتمر الصحافي في رحاب المكتبة الوطنية لأن وزارة الثقافة ووزيرها معنيان بأن يكونا في خدمة كل عمل تقوم به الرهبنة الأنطونية ومؤسساتها لا سيما النشاطات ذات البعد التوعوي".
واكّد المرتضى: "انه من الأهمية بمكان ان نقدم مثل هذه الفعاليات الثقافية في ظل الاوضاع والظروف التي يعيشها لبنان والمنطقة، لان المعركة الثقافية لا تقل أهمية عن الصمود العسكري في الجنوب وهذا ما نقوم به في وزارة الثقافة، وهذا ما يقوم به المعهد الفني الانطوني وهذا ما يجب القيام به على الدوام في مواجهة الكيان الغاصب المتوحش الذي اضحى يشكل خطرا ليس على لبنان وفلسطين فحسب، بل على القيم الأخلاقية والإنسانية الجامعة للبشر".
وتابع المرتضى: "مشكلة هذا العدو "الغول" معنا نحن، اللبنانيين، اننا بعيشنا الواحد وبتنوعنا الايماني والفكري والثقافي نمثّل النقيض له الذي يسقطه اخلاقياً ويفضح شذوذه، ولهذا فإنه يستهدفنا لقناعة لديه بأن لا رسوخ له قبل القضاء على نموذجنا وصيغتنا ولهذا يعمل هو ومن وراءه عبر ادواته وابواقه على تيئيس المكوّن المسيحي من فكرة العيش الواحد فيحضّهم اما على الهجرة او على الانعزال والتقسيم تحت عناوين ملطّفة، لكنه لن يفلح ولبنان سينتصر عليه".
وختم المرتضى كلامه قائلا:"كل التوفيق لكل إصبعٍ يرسم وكل ريشة تُملي لغياب اللون حضور الضوء، وكل الاحترام للرهبانية الأنطونية المريمية بشخص راعي هذه الفعالية قدس الأب العام جوزف بو رعد السامي الاحترام وكل جمهور هذا الصرح الروحي على أمل أن تُعَمَّم تجربتُكُم الرائدة فتتحول إلى ثقافة سائدة في بلدنا الحبيب لبنان".
بدور قال الاب بو عبود "في هذا اليوم المميز، وفي رحاب وزارة الثقافة اللبنانية، أتوجه إليكم جميعًا بالشكر على حضوركم ومشاركتكم في إطلاق "مؤتمر الفن والتكنولوجيا". إن الفن هو التعبير الأسمى عن روح الإنسان، والتكنولوجيا هي الأداة التي تفتح لنا آفاقًا جديدة لتحقيق هذا التعبير. إن دمج هذين المجالين يمكننا من الوصول إلى مستويات غير مسبوقة من الإبداع والابتكار.
وتابع: "إن هذا المؤتمر يمثل منصة حيوية لتبادل الأفكار والخبرات بين الفنانين والمبدعين والتقنيين. نحن هنا لنتعلم من بعضنا البعض، ونتشارك رؤى جديدة تساهم في نهضة مجتمعنا وتطوره. إنني أدعوكم جميعًا للاستفادة القصوى من هذه الفرصة الفريدة، ولنعمل معًا على تطوير مشاريع تدمج بين الفن والتكنولوجيا، مشاريع قادرة على إحداث تغيير حقيقي وملموس في حياتنا".
وختم بو عبود: "إنني متفائل بمستقبل الفن والتكنولوجيا في لبنان، وأتمنى لنا جميعًا أيامًا مليئة بالإبداع والتقدم. ومن هذا المنبر اصلي معكم إلى الله عز وجل لكي يحفظنا ويحفظ وطننا الحبيب لبنان".
وأيام المؤتمر ستكون في المعهد الفني الأنطوني في الدّكوانة من 11 إلى 14 حزيران.
يوم الثلاثاء 11 حزيران، سيكون التّركيز على الصحة النفسية والعلاج بالفن مع مركز بيروت المجتمعي.
في يوم الأربعاء سيكون التركيز على تمويل المؤسسات النّاشئة الفنية.
يوم الخميس، سيتمكن المشاركون من اختبار تقنيات الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي مع "زكا"، ويليها جلسة تفاعلية عن الصحة الجسدية للفنانين، بالإضافة إلى وقت حر للتعرف على تقنيات فنية متنوعة في المعهد الفني الأنطوني. بعد الظهر، سيتم التركيز على الفن الكلاسيكي.
في اليوم الأخير، سينضم الأب الدكتور نيقولا رياشي للحديث عن "الفن المسيحي بين المعاصرة والتقليد"، يليها جلسة مع السيدة سميرة عزّو حول تراث بيروت المعماري، وختامها مع المهندس مايكل معتوق حول تحولات الفن الحديث في بيروت ولبنان". (الوكالة الوطنية)
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الفن والتکنولوجیا المعهد الفنی
إقرأ أيضاً:
لذا لزم التنويه: عن المعركة الأخيرة (3-8)
يبدو الحديث عن المعتقل وما فيه هيّنٌ قياسا بالحاصل للأهل في فلسطين، لزمني وقتٌّ لأستطيع الكتابة هذه المرّة، الحياة كلّها بمن عليها وما عليها لا تزنُ جناح بعوضة أمام جسد يتبخّر، ويخالط الهواء والتراب، من يأمن -خاصّة جيران السوء- أنّه تنفّس شيئا من جسد شهيد تطاير؟ لكنّها الحياةُ والإنسان، في المعتقل كما في القطاع، لا شيء يشبه الإبادة مهما بشعَ، لكنّ روحا واحدة أُزهقت ظلما تستحقّ أن يتوقّف لها العالم كلّه.
الذين يسقطون فجأة، كان السقوط ينخر أساسهم شيئا فشيئا، قبل أن ينهاروا دفعة واحدة، لم يحدث شيء فجأة؛ هم فقط لم ينتبهوا حين تخلّوا عن تلك المعركة الصغيرة التي وجب عليهم خوضها؛ أنهم انزلقوا حتى وصلوا لهذا المصير.
المعركة في حقيقتها ليست ضدّ السجّان وحده، إنّما مراده منك ومن الجميع: الاعتياد الذي سيتسرب إلى نفسك ويترسّب فيها حتى تتبلّد، فلا تثور لإهانة ولا تقاوم اعتداء.
تظنّ في المبتدأ باعتقالك أنّك ستتجنّب أخيرا زوّار الفجر، وبعض الظنّ إثم كما نعلم، إذ أنهم مبرمجون على ذلك، سيقتحمون زنزانتك كما يقتحمون بيتك، وستشعر بما تشعر به في هذه وتلك، مزيجٌ من الغضب والانتهاك، هناك إهانة صامتة يوجّهها لك فتح عينيك على بيادات تملأ كلّ فراغٍ حولك.
دخلوا في حملةٍ صباحيّةٍ، تسبق موجة صقيعٍ ضربت السجن -لا أعلم لو ضربت البلاد معه- وقاموا بتجريدِ الزنزانة من كلّ ما فيها، خاصة الملابس الشتويّة.. هكذا بكلّ بسَاطَة!
وقفتُ أنظرُ لهم كأنّ الأمرّ لا يعنيني.. تمادوا لاستفزازي بتخريبٍ، وأنا صامتٌ تماما، حتى سألوني: "هو أنت مش هتتخانق؟".
لم يصدّقوا سكوتي.. لم يعتادوه. كانَ غريبا عليهم وعليّ..
لم أُخبرهم: تسارعَ نبضي، وضاقَ صدري، اختنقتُ، وباغتتني نوبةُ هلعٍ، كادت تُسقطني.. كدتُ أبكي.. وكلّ احتمالِ طاقةٍ فيَّ حشدتُه لأبقى واقفا، ولو بحجّة الصبر وطولِ البال. كنتُ أفكّرَ: كم أنا وحيد! لكن يجب ألا أسقط
كانوا يفكّرون: هذه فرصتنا للتمادي؛ وقد فعلوا، إذ مزّقوا الملابس التي صادروها -حتى لا أستطيع استعادتها بالشكوى أو العراك- وسكبوا زيتا وبقايا طعام وقمامة على الفراش وما تبقّى من الملابس، وأفسدوا كلّ ما لم يصادروه، بما في ذلك الأدوية.
كانت ربّما هذه مرّة وحيدة لم أخض فيها المعركة حين وجب أن أفعل، بطول سنوات اعتقالي العشر، وكانت المرّة الوحيدة التي تعرّضتُ فيها لهذا القدر الذي تعرّضتُ له، قد يتساقط عن ذهني الكثير من النجاحات صغيرها وكبيرها، لكني لن أنسى هذه المرّة التي أفلتُّ فيها يدا، فخسرتُ ما لزمني سنين لأستعيده.
قضيتُ نحو عامين أو يزيد في معتقل طرة تحقيق (سجن القاهرة للمحبوسين احتياطيّّا) أخوض معارك يوميّة على كل واقعة تعذيب، كل صفعة، كل شتمة أو إهانة لأي مسجون، لأي شخص ولو عسكري من ضابط أو ضابط صغير من قيادته، استنزفني ذلك تماما، وما زلتُ لم أستعد نفسي أو أرمم ما هدّمته منها صرخات المعذّبين أو طرقعات الفلقة أو صفق الصفعات على أجسادهم، لكنّ نتيجة باقية تحققت من ذلك: أصبحت صفعة أو لكمة تزلزل السجن بمن فيه (سجّانين وسجناء)، الكلّ تصيبه الخضّة وينتظر التبعة، وكان التجنّب سبيلهم الوحيد تجنّب الجريمة لتجنّب المعركة.
لا يبدو الأمرُ مستحقّا، سينقضي السجن حين ينقضي، والنجاة في تجنّب الصدام، الاختباء حتى تنتهي المأساة، فـ"كلّ رأسٍ بارزٍ سيقطع" كما قيل لي هناك، ويقال لي في كلّ وقت.
لكن فات القائلين والمصدّقين أنه لا يُدفن رأسه إلا ميّت، ولا أحد يعرف تحديدا النقطة التي سيبدأ فيها الانزلاق، فقط سيدرك -متأخّرا- وهو يسقط، أن خطوة ما سبقت أوصلته لهذا القاع، كانت تنازلا فاعتيادا، ثم سقوطا.
والتجنّب لا يجدي ولا يحمي، بل يجعلك أنت الضحيّة القادمة، ولو أوقفت الجريمة قبل أن تصل لغيرك لندر أن تصل إليك.
يشبه الأمر منطق "القُطريين" في استيعاب أمنهم القومي (داخل حدود كلّ قُطر)، والنتيجة معروفة للجميع، ويمكن مشاهدتها على الهواء وفي الواقع: أنت التالي؛ إذ لا طريقة للدفاع عن حقوقك لا يسبقها النضال من أجل الآخرين وحقوقهم، يستوي في هذا حقوقك السجنيّة، كما علاقتك مع الاحتلال.
ولولا اعتياد الانتهاكات، واعتياد الخنوع، واعتياد "كامب ديڤيد" واعتياد الوساطة الكذابة، واعتياد التنسيق الأمني، واعتياد حصار الأهل، واعتياد تمرير الشحنات الحربية كما المواد الغذائية للعدو، واعتياد شراء الغاز الفلسطيني من سارقه، واعتياد القروض وشروط البنك الدولي وصندوق النقد، واعتياد القمع والحبس والتقتيل داخلا.. لولا هذه السلسلة من الاعتيادات، لو خاض الكلّ معركته الأخيرة/الوحيدة في انزلاقتنا الأولى، لما حصلت الإبادة ربّما، ولما كان الحال هو الحال.
أن تخوض كلّ معركة كأنّها الأخيرة، لا يعني أن تنتصر، ولا أن تفتعل البطولة، بل فقط أن تترك أثرا فيك يشهد أنّك لم تنزل دون إرادتك.
أحيانا تكون المعركة في أن تقول لا، وأحيانا، في أن تقف على قدميك وأنت ترتجف.
لا أدّعي أنني كنت شجاعا في تلك الليلة، ولا أظنّ أنني كنت جبانا.. كنت فقط، في المنتصف الموحش بينهما. وهذا هو أخطر الأماكن: أن تظنّ أنك ما زلت واقفا، بينما كلّ شيء فيك يتهاوى في صمت.