طيور الحلم الأمازونية (1)
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
مُزنة المسافر
الأحلام معدية.
كما هي حشرات القمل،
تطير وتصنع المشاكل في رؤوسنا.
أخبرتك ألف مرة يا ريموندا.
أن لا تفكري في الأحلام كثيرًا.
ريموندا: لا أستطيع يا جدتي.
الجدة: حاولي يا صغيرتي.
إنك قوية، وقادرة على النسيان.
ريموندا: لقد كان حلمًا لذيذًا
مثل المربى يا جدتي.
لذيذٌ للغاية.
الجدة: ماذا رأيت في هذا الحلم الملعون؟
ريموندا: رأيت ببغاءً يغني وينطق اسمي.
يكرره ويردده وكأنه يعرفني جيدًا.
كان يقول لي أنه ببغاء جميل ووسيم.
وأنني سأجده في أقرب فرصة.
وستكون أجمل صدفة.
أن نتقابل.
ريموندا: إن وجدت هذا الببغاء يا جدتي.
سأطلق عليه اسم ثياغو.
الجدة: اسم ظريف.
لحيوان أليف.
ريموندا: إنه طير يا جدتي.
أمازوني.
يعيش وسط الشلالات.
وبين البحيرات.
ويبهر الجميع بألوانه.
جدتي: توقفي عن الأحلام يا ريموندا.
أريد أن أنام.
اتركيني في سلام.
وفعلًا مرّت الأيام.
وتحقق ربع تلك الأحلام التي كانت ريموندا تجدها في رأسها.
فظهر في حياتها طير اسمه ثياغو.
لكنه ليس طيرًا عاديًا.
إنه ببغاء أمازوني.
ببغاء جميل.
يُكرر كل شيء.
تهمس له ريموندا الصغيرة.
هل يعرف كيف يرقص السامبا؟
هل يستطيع أن ينطق الكلمات الساحرة؟
الماهرة في قنص الأفئدة.
إنه يكسب ود الجميع.
إنه بديع، مطيع.
يقدمون له المال.
والهدايا والعطايا.
فيعطيها لريمونداالصغيرة،
فتضع هي النقود في مرطبان زجاجي.
كان يسكن قاعه العسل في الماضي.
والآن يمتلأ بالمال.
والنقود.
بفضل ثياغو.
الذي يبتدع الأساليب.
والألاعيب.
ليسحر الجماهير.
ومن يسأل ريموندا عن الببغاء البديع.
المطيع.
إنه يقول الكلمات المثيرة.
الكثيرة.
وماذا يعرف أيضًا هذا الطير؟
إنه ليس طيرًا عاديًا.
إنه ثياغو.
الذي جاء من أحلام ريموندا الأمازونية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لبنان يرفع علمه على جراحه.. ويبحث عن نفسه بين أنقاض الحلم
في بعض الأوقات، نحسدُ نحنُ، الشّباب اللبنانيّ، شباب بعض الدول العربية والأوروبية وغيرها على جنة الأمن في بلادهم.. هذه الميزة، التي على الرغم من الصمود داخل هذا البلد نفتقدها من وقت إلى آخر، خاصةً خلال هذه الفترة، بعد أنّ سلبت منّا آلة القتل الإسرائيلية أمننا وحريتنا، وبتنا رهينة إنذار، واتصال تحذيريّ، وطائرة مسيّرة، وغيرها من أفكار البطش الإسرائيلي.منذ 5 سنوات، ولبنان مجروح، يعاني من كافة جوانبه، اقتصاديًا، سياسيا، واجتماعيًا، وحتى الشعب الذي يظهر لك أنّه صامد، وهذا فعلا هو الحال، إلا أنّ داخله مكسور ومحطّم على حال بلد عريق، قدّم للعالم الحرف، والثقافة، والإبتكارات والأدمغة، التي استفادت منها دول العالم ولم يستفد منها الداخل كما يجب.
هكذا يحلّ عيدا العلم والإستقلال على لبنان، مثقلين بالهموم والمشاكل، وسط أزمات تتلبد كالغيوم السوداء في سماء الوطن، ومحملين برائحة البارود وصرخات الأمهات وحطام الأحلام. هذا الوطن الذي حلم به أجدادنا حرًا وسيّدًا، يقف اليوم مثقلًا بأعباءٍ تكاد تطحن قلبه. لا تُرفع الأعلام بزهو كما كانت تُرفع، ولا تُعزف الأناشيد الوطنية إلا على أوتار القهر والغضب.
أكثر من مليون لبناني نزحوا من بيوتهم، تاركين وراءهم ذكرياتٍ امتزجت بدخان المعارك. هل يمكن أن يكون الوطن سجنًا يهرب منه أهله؟ في المدارس والكنائس وبيوت الشركاء في الوطن، يصنع النازحون أوطانًا صغيرة من بقايا عنفوانهم الممزق، لكن الوطن الكبير يبدو ضائعًا بين حقول الألغام ونيران المصالح.
مصالحٌ، دفعت بشبابنا إلى أن يملاوا الطائرات التي خرجت من المطار أسرابا أسرابا حاملة أدمغة وشبابا غادروا بأعينٍ ملأى بالدموع والخذلان. لا يعودون، ولا يلتفتون إلى الوراء، لأنّ الوطن الذي حلموا بخدمته خذلهم مرارًا وتكرارًا.. فهم يعلمون حجم الكسرة التي سيشعرون بها عندما تطأ اقدامهم تراب الغربة، ولكن هكذا اعتدنا نحن كلبنانيين.. اعتدنا على الإستمرارية، والمواجهة، والتحدي، ولن نتوقف عن الحلم.
اليوم، أمام هذا الكمّ من الخراب، يقف اللبنانيون متسائلين: ماذا يعني الاستقلال؟ هل الاستقلال هو علمٌ يرفرف بينما البلد يتهاوى؟ هل هو نشيدٌ يُنشد بينما العيون تذرف دمعًا؟ الاستقلال ليس مجرد ذكرى. إنه مسؤولية، حلم مستمر يجب أن يُحيا كل يوم. ولكنه اليوم يبدو كجثةٍ محنّطة تُعرض في كل عام لتذكيرنا بما فقدناه، وليس بما يجب أن نحافظ عليه.
رغم كل ما مرّ، لا يزال اللبناني يحتفظ بشيءٍ من الصمود. شيء يشبه عناده. شيء يقول: لن نستسلم. قد يبدو الأمل ضئيلاً، لكنه كافٍ ليبقي هذا الوطن واقفًا على قدميه، ولو بترنّح. ربما يأتي يوم يستعيد فيه الاستقلال معناه الحقيقي، يوم ينفض فيه الوطن عن نفسه غبار الحروب والفقر، ليقف قويًا كما حلم به أجدادنا يوم انتزعوه. وحتى ذلك اليوم، سنبقى نبحث في هذا الحطام عن وطن يليق بنا. المصدر: خاص لبنان24