استهداف السفارة الأميركية ببيروت.. خبراء يفسرون الدلالات والأبعاد
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
بيروت- استفاق لبنان، اليوم الأربعاء، على حادثة إطلاق نار تجاه السفارة الأميركية في منطقة عوكر بجبل لبنان، شمال العاصمة بيروت. ووفق المعلومات الأولية، فقد أطلق أحد الأشخاص النار لنحو ربع ساعة في محيط مبنى السفارة، في حين جرى تمشيط المنطقة للبحث عن مهاجمين آخرين محتملين.
وأثار وصول مطلق النار إلى مدخل السفارة تساؤلات في الأوساط اللبنانية، حيث يقع مبناها في منطقة سكنية تتخذ فيها القوى العسكرية والأمنية إجراءات مشددة، وتقيم الحواجز قبل الوصول إليها بنحو 300 متر، ناهيك عن الحراس المنتشرين بمحيطها.
وليست هذه حادثة إطلاق النار الأولى التي تتعرض لها السفارة الأميركية في بيروت، إذ سبق وتعرضت في سبتمبر/أيلول الماضي لإطلاق نار دون وقوع إصابات. وأعلنت السلطات اللبنانية -حينها- توقيف المهاجم، مؤكدة أنه كان عاملا في خدمة التوصيل يسعى لـ"الانتقام" بسبب تعرضه للإهانة من قبل أحد عناصر الأمن.
إطلاق نار في محيط #السفارة_الأميركية في عوكر pic.twitter.com/vL8Dg3JeoO
— صوت كل لبنان vdlnews 93.3 (@sawtkellebnen) June 5, 2024
مواقف رسميةوتعليقا على الحادثة، قال الجيش اللبناني -في بيان له- إن مسلحا أطلق النار على السفارة، وأصيب المهاجم الذي يحمل الجنسية السورية خلال تبادل لإطلاق النار مع الجيش. في حين أدان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية اللبنانية عبد الله بوحبيب الحادثة.
بدورها، أعلنت السفارة الأميركية -في بيان- أنه تم الإبلاغ عن "إطلاق نار من أسلحة خفيفة" بالقرب من مدخلها. وأضافت "بفضل رد الفعل السريع للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، فإن فريق السفارة الأمني والعاملين فيها بخير، والتحقيقات جارية".
وفق الخبير العسكري العميد ناجي ملاعب، فإن السفارة الأميركية تقع في منطقة سكنية ولديها سور كافٍ لحمايتها. وهناك طريق عام يمر قربها، ويوجد حاجز للجيش اللبناني قبلها بحوالي 300 متر وبعدها. ويرى أنه إذا تم تفتيش كل المارين في هذا الطريق، ستحدث أزمة سير كبيرة.
ويرجح ملاعب -للجزيرة نت- عدة فرضيات بشأن وصول مطلق النار إلى مدخل السفارة الأميركية ومنها:
الفرضية الأولى، من الممكن أن يكون شخصا يستقل إحدى السيارات ونزل أمام السفارة، وقد يكون لديه مسدس أو وسيلة إطلاق نار مخفية في السيارة وأقدم على إطلاق النار. الفرضية الثانية، يمكن أن يكون قد تسلل من المناطق الخارجية القريبة إلى أمام السفارة، وهو يعرف أنه لن ينجو بفعلته إذا أطلق النار، لأن المنطقة تحت المراقبة الدائمة. الفرضية الثالثة وهي الأساسية، أن إطلاق النار على السفارة يهدف إلى توظيفه سياسيا في ما يجري بالمنطقة، أي إشغال الرأي العام والقوى الأمنية والسفارة بهذا العمل الفردي حتى اللحظة. والتمشيط الذي قام به الجيش اللبناني وحده يُظهر أنه يمكن أن يكون عملا فرديا أو للفت الانتباه إلى سياسة الولايات المتحدة ودعمها الكامل لإسرائيل.ويختم العميد ملاعب أن سرعة تحرك الجيش اللبناني وإلقاء القبض على مطلق النار وفّرت الكثير من التكهنات، وموقفا معينا من قبل واشنطن تجاه لبنان.
تمركز جنود الجيش اللبناني قرب السفارة الأميركية في عوكر (رويترز) رسالة دون تصعيدوفي تقدير المحلل السياسي إبراهيم حيدر، فإنه لا يمكن فصل حادثة إطلاق النار على السفارة الأميركية عن التوترات والمواجهات في المنطقة بشكل عام.
ومع ذلك، يوضح للجزيرة نت أنه لا يمكن تصنيف الحادث بالضرورة كنوع من التصعيد من قبل جهات معينة خارج إطار الاصطفاف القائم، بل قد تكون عملية فردية أو رسالة من طرف معين.
ويضيف حيدر أن الحادثة قد تكون جزءا من محاولات لإعادة إحياء وجود جهات معينة، وربما تكون لها علاقة بتنظيمات متطرفة مثل تنظيم الدولة أو رسالة من محور معين لإشعال التوترات في الساحة اللبنانية، وأن بيان الجيش اللبناني الذي تحدث عن الجنسية السورية للمسلح المصاب يشير إلى احتمال عدم ارتباط المجموعة التي نفذت العملية بمحور المقاومة.
وباعتقاد المحلل السياسي، فمن الواضح أنه لا وجود لجهة سياسية مباشرة تندرج تحت محور المقاومة وتهدف إلى تصعيد مباشر ضد الأميركيين. وعبّر عن قلقه إزاء "قدرة الأمن في لبنان"، وسط تساؤلات بشأن قدرة وصول المسلح إلى مدخل السفارة الأميركية، محذرا من إمكانية تكرار حوادث مماثلة في المرحلة المقبلة، مما قد يؤدي إلى زيادة التوترات في البلاد.
دورية للجيش اللبناني في المنطقة القريبة من السفارة الأميركية في عوكر (رويترز) دلالاتمن جانبه، يقول الضابط اللبناني السابق والخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية خالد حمادة، للجزيرة نت، إنه لا شك في أن الهجوم على السفارة الأميركية يحمل دلالات كثيرة ويطرح العديد من التساؤلات والأبعاد، منها:
البعد الأمني، فالهجوم يشير إلى مؤشرات خطيرة، فإذا كانت هناك مجموعة مسلحة ولم تتمكن القوى الأمنية من توقيفها، فهذا يعني وجود اختراق أمني كبير في محيط السفارة. ويطرح ذلك تحديات أمام القوى الأمنية، وهذا قد يستدعي ضرورة إجراء تعديلات في الإجراءات الأمنية المعمول بها. البعد السياسي، يتجلى في أهمية السفارة الأميركية كمقر أساسي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي، فإن هذا الهجوم قد يحمل رسالة موجهة مرتبطة بما يجري في قطاع غزة والجنوب اللبناني، وقد يكون جزءا من سياق المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات السفارة الأمیرکیة فی الجیش اللبنانی إطلاق النار على السفارة إطلاق نار فی منطقة
إقرأ أيضاً:
خسائر الجيش الإسرائيلي تنذر بتصدّع داخلي وتحذر من التورط بـالوحل اللبناني
القدس المحتلة– بدت إسرائيل منقسمة على ذاتها بشأن حرب لبنان الثالثة، وسط تصدع الإجماع الصهيوني على استمرارها، وذلك في ظل الخسائر البشرية الفادحة التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي بالجنود والضباط على جبهتي القتال في لبنان وغزة، خاصة بالمعارك مع حزب الله على الحدود الشمالية.
ووُصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي بأنه الأكثر دموية على إسرائيل منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث قتل خلاله 88 جنديا ومدنيا إسرائيليا على جبهتي غزة ولبنان وفي عمليات متفرقة أخرى داخل إسرائيل، ومن بين القتلى 37 جنديا قُتلوا في معارك جنوب لبنان وعلى الحدود الشمالية، بحسب رصد الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت".
وحيال هذه الخسائر البشرية، تجمع قراءات محللين عسكريين وسياسيين على أنه كلما استمرت الحرب على لبنان وابتعدت احتمالات الحسم أو أي تسوية سياسية، فإن إسرائيل ستدخل في ورطة وجيشها سيغرق بالمستنقع اللبناني، خصوصا وأن حزب الله أخذ يستعيد قدراته ويثبت تماسكا في الميدان.
ورجحت التحليلات أن حزب الله، وفي ظل الخسائر البشرية التي يكبدها للجيش الإسرائيلي، بدأ يفرض تحديات أكثر خطورة على إسرائيل، وذلك رغم الضربات التي تلقاها واغتيال أمينه العام حسن نصر الله والعديد من كبار قياداته العسكرية.
وبحسب القراءات الإسرائيلية، فإن حزب الله يستعد لسيناريو حرب طويلة الأمد ودون حسم، وهو السيناريو الذي تخشاه إسرائيل، حيث قد تضطر إلى إنهاء التوغل البري في لبنان لتجنب المزيد من الخسائر البشرية، لكن دون إنهاء الحرب.
معارضون يتهمون نتنياهو بالإصرار على استمرار الحرب وتجاهل فرص الحل السياسي بدون هدف (الجيش الإسرائيلي) مؤشر للتصدعيرى الباحث في "مركز التقدم العربي للسياسات" والمختص بالشأن الإسرائيلي، أمير مخول، أن حكومة بنيامين نتنياهو تتعمد تفويت كل الفرص للحل السياسي مع لبنان، وتتجه نحو تكثيف الحرب وتوسيع نطاق الضربات العسكرية، ظنا منها أن ذلك سيحدث تغيرا في موقف حكومة لبنان ويلزمها بتقديم تنازلات لفرض تغييرات جوهرية على بنود القرار 1701.
وحيال هذا الموقف، أشار مخول للجزيرة نت إلى الأصوات الإسرائيلية التي تتعالى وتدعو إلى استغلال الفرصة التي وفرتها العملية العسكرية بهدف إيجاد مخرج سياسي للجبهة الشمالية مع لبنان، مشيرا إلى أن المجتمع الإسرائيلي لا يمكنه تحمل الحجم الكبير من الخسائر البشرية.
ورغم الثمن الباهظ للحرب على لبنان والخسائر البشرية للجيش الإسرائيلي، يقول مخول "لا تزال غالبية بين اليهود من مختلف المعسكرات والتيارات السياسية والحزبية تدعم وتؤيد استمرار الحرب في لبنان وغزة، لكنها ليست أغلبية حاسمة، وتشير إلى التصدع بالمجتمع الإسرائيلي وتقويض الإجماع على الحرب، والذي كان سائدا قبل العملية العسكرية في جنوب لبنان".
وفي هذا السياق، اتهم رئيس هيئة أركان الجيش ووزير الأمن السابق شاؤول موفاز، حكومة نتنياهو بأنها تريد المناورة العسكرية واستمرار الحرب باعتبارها هدفا، دون التعامل مع أية مبادرة سياسية أو وضع خارطة طريق تفضي إلى إنهاء الحرب.
وكرر موفاز -في تصريحات للقناة 12 الإسرائيلية- اتهامه لنتنياهو بأنه غير معني بإعادة من تبقى من المحتجزين الإسرائيليين في الأسر لدى حركة حماس في غزة، بقدر اهتمامه باستمرار الحرب متعددة الجبهات لما يخدم مصالحه الشخصية والسياسية.
كما أشار إلى حجم الخسائر البشرية بالجيش على جبهتي لبنان وغزة، والتي "تذهب ثمنا لنزوات سياسية لنتنياهو وحكومته من أحزاب اليمين المتطرف" منتقدا قرار الحكومة إخلاء السكان الإسرائيليين من البلدات الحدودية مع لبنان. وقال إن "القرار كان كارثيا، حيث تحول مع الوقت إلى أزمة إستراتيجية تثقل كاهل المؤسسة العسكرية وتتسبب بتآكل قوات الاحتياط وقدرات الجيش".
ثمن باهظ
وبدا المحلل العسكري في صحيفة "إسرائيل اليوم"، يوآف ليمور، أكثر وضوحا في قراءته لتداعيات الخسائر الفادحة التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي بالجنود خلال المعارك البرية مع حزب الله جنوب لبنان، داعيا الحكومة إلى "استغلال الإنجازات التكتيكية" التي تحققت والتوجه إلى تسوية سياسية من موقف قوة.
وأوضح المحلل العسكري أن الكثير في إسرائيل، بما في ذلك الوزراء وكبار المسؤولين بالمؤسسة الأمنية، يعتقدون أنه لا يوجد لحكومة نتنياهو أي سبب لإطلاق طوق نجاة لحزب الله، وأنها يجب أن تستمر في الضغط العسكري، وإن كان محفوفا بالمشاكل، وعليه يمكن للجيش أن يواصل القتال في لبنان إلى الأبد، وسيكون لديه دائمًا أهداف متاحة.
وعلاوة على ذلك، يقول ليمور إن "استمرار القتال سيكون له ثمن باهظ من الضحايا، وسيزداد هذا الثمن خلال الشتاء، مما يعني أن الجيش سيغرق في الوحل اللبناني، كما سيكون له ثمن في مزيد من تآكل شرعية إسرائيل الدولية، وفي الاقتصاد، وفي تعميق العبء على قوات الاحتياط، وتأخير عودة سكان الشمال لمنازلهم".
وعلى أية حال، يضيف ليمور فإن "الجيش الإسرائيلي سيكمل المرحلة الأولى من المهمة الموكلة إليه في جنوب لبنان خلال نحو أسبوعين، مما يعني إنهاء العملية البرية، دون وقف إطلاق النار" مشيرا إلى أن نهاية الحرب في الشمال ستعيد إسرائيل أيضا إلى النقطة التي بدأ منها كل شيء، إلى قطاع غزة.
وبغض النظر عن هوية الإدارة الأميركية التي سيتم انتخابها هذا الأسبوع في واشنطن، يقول المحلل العسكري إن "إسرائيل لن تتمكن من التهرب لفترة طويلة من القرار المتعلق بمستقبل قطاع غزة، وخاصة قضية المختطفين الإسرائيليين".
النهاية بعيدة
وحول الجانب اللبناني، يقول محلل الشؤون العربية والشرق أوسطية، جاكي حوكي "بدا واضحا أن حزب الله استعاد قدراته العسكرية والتنظيمية بعد الضربات التي تلقاها من إسرائيل التي تجد صعوبة في فرض التسوية التي تريدها على الحزب الذي صعد من هجماته على العمق الإسرائيلي، ويستعرض قوته وعضلاته ولا يستجيب لمطالب حكومة نتنياهو".
وخلافا للكثير من الإسرائيليين الذين يعتقدون أن حزب الله اقترب من الاستسلام، يقول حوكي إن نهاية الحرب في نظر حزب الله لا تزال بعيدة، هذا إن كانت ثمة نهاية أصلا. إذ يعتقد الحزب اللبناني أن إسرائيل تعتزم مواصلة القتال لعدة أشهر، بل وحتى الوصول إلى بيروت بعملية برية كما فعلت عام 1982.
وأشار حوكي أن حزب الله يتحضر لسيناريو إقدام الجيش الإسرائيلي على توغل بري بالعمق اللبناني، قائلا "صحيح أنهم يفقدون مقاتلين، لكن هذا هو سبب وجودهم، القتال والتضحية. وسينتظرون الجيش الإسرائيلي في بيروت، معقلهم، وهناك يأملون في تحقيق النصر. وإذا لم ينتصروا، فسيعلمون على الأقل أنهم لم يرفعوا الراية البيضاء".
وحيال التطورات الميدانية وفي ظل الارتفاع في أعداد الجنود القتلى بالمعارك مع عناصر حزب الله، يضيف حوكي "من الأفضل أن تستغل الحكومة الإنجازات لتكون رافعة لتسوية سياسية، وترتيبات تعود بالنفع على إسرائيل. وإذا ضيعت فرصة ذلك، فإن حزب الله سيستعيد كامل قدراته، ويعزز رغبته بالقتال، كما فعل بعد كل صراع في الماضي".