بداية شهر يونيو 2007م. بعد صلاة الفجر مباشرة، خرجنا من الفندق الملاصق للبحر الذي نقيم فيه في رأس الحد، لنزرع كاميرتنا ونضعها على أهبة الاستعداد قبل أن تطل شمس نهار جديد. كنا ننتظر شروقها لتصويرها وهي تولد من رحم الأفق الذي يبدو هنا كأنه أقرب من باقي الشواطئ، فرأس الحد هو أول اليابسة العربية التي تستقبل أشعة الشمس كل صباح بحكم وقوعه في أقصى المشرق العربي، لتسافر في رحلتها اليومية إلى أقصى المغرب العربي وهي تفرش ضوءها على كل الوطن العربي في بضع ساعات نهارية.
لم ننخدع بالشمس فقط وإنما الكاميرا أيضا، فقد حدث عطل غير متوقع بفعل الرطوبة العالية ولم تُجدِ معها كل محاولات تشغيلها.. وظهرت الشمس مكتملة كما توقعنا من خلف السحاب، وفوق خط الأفق بكثير. قال المخرج: (فركش) هذه الكلمة التي تعني في مواقع التصوير (توقف العمل).. كانت الخطة الأصلية أن ننتهي من رأس الحد لنتوجه إلى الأشخرة ثم محوت ومنها إلى جزيرة مصيرة.
ولكن قرر الفريق العودة إلى مسقط لإصلاح الكاميرا في ورشة التلفزيون بنية أن نستأنف التصوير مطلع الأسبوع. فسلكنا طريق (صور قريات) الذي ما زال قيد الإنشاء، ومعظم المسار عبارة عن شارع ترابي وعر. الجبال على يسارنا والبحر عن يميننا.. طوال الطريق والشارع هو محور أحاديثنا التي رسمنا فيها أحلاما كبيرة، وكيف أنه سيصبح واحدا من أهم طرق السفر والسياحة في عمان، لأن الإطلالات البحرية مدهشة حقا بطول حوالي تسعين كم كلها تقريبا ستصبح (كورنيش).. توقفنا أكثر من مرة، نتأمل جمال البحر، وهدوء قرى قلهات وطيوي وضباب وبمه وفنس الواقعة على الطريق الذي طال بنا أكثر مما ينبغي، لوقوعنا في بعض الأخطاء التي فرضتها علينا ظروف التعمير، غير متخيلين أنه (الهدوء الذي يسبق العاصفة)، حتى بدأت تصلنا الأخبار بأن إعصارا سوف يضرب هذه المناطق التي نمر بها، وتلك التي كنا نزمع الذهاب إليها.. الصورة غير واضحة لحجم الحدث. وما زال الحديث طريا عن إعصار كاترينا المدمر الذي شهدته أمريكا قبل حوالي سنتين. وما زلنا نتخيل أن أمرا كهذا لا يحدث إلا في مثل تلك البلدان، بل ربما ننظر لمدننا- ثقة وليس غرورا- بمفهوم (ما أظن أن تبيد هذه أبدا)، حتى بدأنا نسمع نشرة الأخبار، وتصريحا غير مسبوق لمعالي الفريق مالك بن سليمان المعمري، المفتش العام للشرطة والجمارك، وهو يتحدث عن إعصار قادم.. إعصار؟ !!.. آخر إعصار يتذكره البعض هو إعصار مصيرة قبل ثلاثين سنة بالضبط في الثاني عشر من يونيو 1977م.. كان إعصارا مدمرا شرّد حوالي ثلاثمائة أسرة.. وقبل حوالي خمس سنوات كانت العاصفة والسيول التي تعرضت لها محافظة ظفار عام 2002م. يبدو أننا بانتظار زائر لا نعرفه، ومن اسمه وصفاته يبدو أنه ليس ودودا.. كلمة إعصار كبيرة، تشبه في حجمها كلمات مثل بركان أو زلزال.. فقدنا قليلا متعة الاستكشاف على هذا الطريق البحري
في البدايات تعامل البعض مع الخبر بين الجد والاستخفاف، ومبدأ (ماشي منه). فالحديث عن الأعاصير ليس معتادا، ولكن واضح أن الحكومة أصبحت في حالة استنفار.. لغة رسمية تحذيرية فوق المعتادة.. الحديث عن مراكز إيواء وما شابه، فنحن نسمع عن مراكز الإيواء وقوافل المساعدات أيضا في تلك البلدان البعيدة..
فحوى الأخبار أنه سيضرب أولا جزيرة مصيرة وأن تأثيره سيمتد إلى معظم المناطق العمانية باستثناء محافظة ظفار.. الدولة تعلن حالة الطوارئ من درجة عالية!.. إنها لغة غير معتادة، ولا أذكر أبدا أن الدولة أعلنت حالة الطوارئ، بل إن الوضع يتصاعد حتى يشبه حالة التعبئة العامة للمواطنين ليس لمواجهة عدو بشري يريد أن ينال من أرضنا وإنما التعبئة هنا لمواجهة كارثة طبيعية أصبحت في حكم المؤكدة وليس المحتملة. إنه إعصار يسمى (جونو)!!.. جونو؟ ما هو جونو؟!.. لا أدري لماذا شعرت وكأنها كلمة مقتطعة من جوانتانامو. هكذا شعرت!. كما أخذ كثير من الناس يسمون هذا القادم (تسونامي)، فلا يهمهم تركيبة الحالتين بقدر التداعيات التي تشير إلى تشابه النتائج في الحالتين بتوقع قدوم البحر إلى اليابسة وهجومه الجارف.. بعض الناس يستدعون ويتداولون حكاية توقعات رجل هندي مقيم في مسقط بأن البلاد ستتعرض لحالة مناخية قوية ستؤدي إلى تدمير منطقة القرم..
الوضع يتكثف بشكل مذهل، ونحن نقترب من نهاية الشارع الترابي الذي أنهكنا، على مشارف ولاية قريات عند الغروب.. ترى هل سيتغير سيناريو الفيلم، الذي تغلب على مواضيعه عادة أمجاد عمان التاريخية، وعناصر النهضة الحديثة وأبرز أحداث عام مضى، والتفاؤل بمستقبل مشرق، لنضيف مشاهد الإعصار وما سوف يحدثه؟.. ورغم ما سمعناه طوال الطريق إلا أننا بعد ما وصلنا إلى مسقط، افترقنا، على اتفاق باستئناف رحلة التصوير بعد الغد، لعل شمس رأس الحد تبتسم لنا هذه المرة..
يتبع الأسبوع القادم.....
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: رأس الحد
إقرأ أيضاً:
الأرصاد يكشف حالة الطقس خلال الساعات القادمة
شمسان بوست / خاص
المرتفعات الجبلية: طقس بارد وصحو خلال الليل والصباح الباكر في محافظات (صعدة، عمران، صنعاء، ذمار، البيضاء، ومرتفعات إب، الضالع، وأبين). خلال النهار، يتحول الطقس إلى غائم جزئياً مع احتمالية تشكل سحب ركامية متفرقة على أجزاء من المرتفعات الغربية.
المناطق الساحلية: طقس صحو إلى غائم جزئياً مع احتمال هطول أمطار متفرقة على شرق خليج عدن وأجزاء من السواحل الشرقية. الرياح معتدلة تنشط أحياناً في جنوب البحر الأحمر ومدخل باب المندب، مما يثير الأتربة والرمال.
المناطق الصحراوية: طقس صحو يميل إلى البرودة ليلاً وفي الصباح الباكر، مع رياح معتدلة تنشط أحياناً وتثير الأتربة والرمال.
أرخبيل سقطرى: (يمكن إضافة توقعات خاصة بأرخبيل سقطرى إن وُجدت).
التنبيهات والتحذيرات:
ينبه المركز الوطني للأرصاد والإخطار المبكر المواطنين، خاصة الأطفال وكبار السن والعاملين في الليل والصباح الباكر والمزارعين، بضرورة أخذ الاحتياطات من الطقس البارد.
يُحذّر الصيادين ومرتادي البحر في خليج عدن وجنوب البحر الأحمر ومدخل باب المندب من اضطراب البحر وارتفاع الموج.
نصائح إضافية: من الأفضل ارتداء الملابس الدافئة ليلاً والحرص عند القيادة في المناطق الساحلية نظرًا لاحتمال الرياح القوية.