وزير الثقافة الأردني الأسبق د.صلاح جرّار يكتب عبر “أثير”: العرب بعد انتهاء العدوان
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
أثير – الدكتور صلاح جرّار، وزير الثقافة الأردني الأسبق
لا يختلف اثنان على وجود فرْقٍ بين ما ينبغي أن يكون- بما يقتضيه المنطق والقوانين والحقّ- وما يمكن أن يكون، والحديث عمّا ينبغي أن يكون هو واجب الإنسان الموضوعي والملتزم بالحقوق والحقائق بصرف النظر عن إمكانية تحقيق هذا المطلوب أو عدم إمكانية تحقيقه.
إنّ المسافة بين ما ينبغي أن يكون وما يمكن أن يكون قد تكون قصيرة يمكن اختزالها ببعض الجهد والتكلفة والصبر، وقد تكون طويلة لا بدّ من مضاعفة الجهد والتضحيات من أجل اختصارها أو إلغائها، وفي الحالتين لا بدّ من العزم والإرادة والتخطيط والإعداد المناسب والسعي الدؤوب لتحقيق ما ينبغي أن يكون، إلا أنّه لا بدّ من التنبيه إلى أنّ تأجيل العمل لإلغاء المسافة بين المطلوب والممكن من شأنه أن يوسّع الشقّة بينهما ويوجِد صعوبات لاحقة وعوائق بالغة الخطورة ويزيد الأمور تعقيداً في سبيل تحقيق المطلوب.
ومما يجب التنبيه إليه أيضًا أن تردّد المثقفين وأهل الرأي في الدعوة إلى ما ينبغي أن يكون، نتيجة الإحباط، هو تقصير في أداء رسالتهم الفكرية والتوعوية، وأنّ التشكيك في إمكانية تحقيق ما ينبغي أن يكون- نتيجة سوء الواقع- لا يليق بدور المثقف ورسالته.
إنّ أهمّ اللحظات وأكثرها مناسبة للحديث عمّا ينبغي فعله أو ما ينبغي أن يكون هي اللحظات التي تعقب التجارب القاسية والمريرة، وإن العدوان الصهيوني على غزّة وما يرتكبه من فظائع ومجازر بالغة الخطورة على مرأى من العالم كلّه يمثّل تجربة غير عادية لا بدّ للعرب من التوقف عندها واستخلاص العبر منها والشروع في إعادة النظر في جميع الأسباب والظروف التي أوصلتهم إلى هذه الحالة من الضعف والهوان والعجز عن أيّ ردّة فعل مناسبة، ومراجعة جميع الأحوال والأوضاع التي كانوا يعيشونها قبل هذا العدوان الصهيوني الفظيع ونتائجه المروّعة.
لقد كشف هذا العدوان الإجرامي وتبعاته في مختلف الاتجاهات عن ثغرات عميقة وواسعة جدّاً في الواقع العربيّ أدّت إلى ما يشبه التجمّد التّامّ أمام ما يتعرّض له أهل فلسطين عامّة وأهل غزّة خاصّة من إبادة وتدمير وتجويع وتهجير وتنكيل، إلاّ من بعض ردود أفعال كلاميّة ضبابيّة.
إنّ الثغرات التي كشف عنها العدوان تتصل بالعلاقات العربيّة العربيّة، والعلاقات العربيّة الدولية، وقلة الاعتماد على الذات العربيّة في تسيير شؤون الأمّة.
إنّ العلاقات المضطربة بين الدول العربيّة هي من أهمّ الأسباب في استعصاء التضامن العربي، وتقف وراء هذا الاستعصاء وهذا الاضطراب عوامل كثيرة من أهمّها التدخّلات ولمؤامرات الخارجية. وقد أدّى غياب التضامن العربي الحقيقي إلى غياب أي تنسيق لمواجهة أي خطر، وأدّى إلى فقدان كلّ بلد عربي لأي سندٍ أو ظهير يمكن أن يقف معه في مواجهة الخطر والعدوان، وأدّى غياب التضامن إلى فقدان الثقة بين البلدان العربيّة وصار كل بلد يتّهم البلد أو البلدان الأخرى بالتآمر عليه، وقد أدّى ذلك إلى أن تبقى غزّة وحدها في مواجهة العدوان تواجه بمفردها ما تعرّضت له من مجازر ومحارق وفظائع لم يسبق لها مثيل.
وأمّا العلاقات العربية الدولية فهي في أكثرها لا تقوم على أسس سليمة ولا تعتمد التكافؤ والاحترام المتبادل، بل تمثّل علاقة القويّ بالضعيف والمنتج بالمستهلك والرئيس بالمرؤوس، وهي علاقات تكبل أيدي الدول العربية باتفافيّات والتزامات واشتراطات من شأنها أن تطلق يد البلدان الأجنبية وتقيّد أيدي وتصرّفات الدول العربيّة، وكان لهذا النوع من العلاقات آثاره السلبيّة على طبيعة ردود الفعل العربيّة على العدوان الصهيوني على غزّة حيث لم تستطع هذه الدول أن تتجاوز ردود الفعل الكلامية المقيّدة أيضاً والمدروسة بعناية وحذر شديدين.
لقد راهن العرب كثيراً منذ عقودٍ طويلة على نتائج الانتخابات الأمريكية، وعلى نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وعلى قرارات مجلس الأمن الدولي، وعلى قرارات المحاكم الدولية، كما راهنوا على الوساطة الأمريكية والأوروبية لإنهاء العدوان، وراهنوا على تحالفات واهية مع هذا القطب أو ذاك، لكنّهم لم يحصدوا سوى مزيد من التراجع والتمزّق والاستضعاف والخسران، وقد تناسوْا كثيراً أنّ أقصر طريق للحريّة والكرامة والتقدّم والمنعة هي طريق التضامن العربي وإنشاء تحالف عسكري عربي ومشاريع تعاون اقتصادي وعلمي وصناعي وإنتاجي في مختلف المجالات والميادين، وليس أمامهم- بعد كلّ هذه الإخفاقات- سوى الاعتماد على الذات العربيّة في كلّ شيء ما دمنا نمتلك كلّ مقوّمات الإنتاج من عقول وموارد بشرية وثروات وسواها، وبذلك نستطيع أن نمتلك حريّاتنا وإراداتنا وقراراتنا واختياراتنا وأسباب منعتنا وقوّتنا وصمودنا وقدرتنا على مواجهة التحدّيات والأخطار مهما صغرت أو عظمت.
إنّ التردّد في إعادة النظر في شكل العلاقات العربيّة العربيّة وطبيعة العلاقات مع دول الغرب ومع المنظمات الدولية في الحال، سوف يؤدي إلى مضاعفات بالغة الخطورة في الشارع العربي، وإلى مزيد من التوتّرات والصراعات بين الدول العربيّة، كما يؤدي إلى مزيد من استقواء دولة الاحتلال والدول الغربيّة وغيرها على الدول العربيّة وهيمنتها علينا وعلى ثرواتنا ومقدّراتنا وأوطاننا.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: العلاقات العربی ا ینبغی أن یکون الدول العربی ة
إقرأ أيضاً:
محمد بن راشد يبارك لـ”ياسمين بلقايد” فوزها بـجائزة “نوابغ العرب 2024” عن فئة الطب
أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن الحضارة التي أنجبت أعلاماً في الطب والجراحة والرعاية الصحية والوقائية كابن النفيس والزهراوي وابن سينا، قادرة على أن تجدد إسهاماتها الفاعلة في مسيرة الإنسانية.
جاء ذلك لدى تهنئة سموه، الفائزة عن فئة الطب بجائزة “نوابغ العرب 2024″، والتي حازتها البروفيسورة ياسمين بلقايد عن تميّزها عالمياً في دراساتها العلمية وأبحاثها الطبية والسريرية المتقدمة في المناعة وتنظيمها، والأمراض المعدية، والميكروبات، ومناعة الأنسجة.
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: “نبارك اليوم للفائزة بجائزة نوابغ العرب عن فئة الطب لعام 2024، البروفيسورة ياسمين بلقايد من الجزائر، رئيسة معهد باستور في فرنسا.. قدمت إسهامات استثنائية في علم المناعة، ودراسات مرتبطة بدور الميكروبات في تعزيز المناعة والوقاية من الأمراض.. نشرت البروفيسورة ياسمين بلقايد أكثر من 220 بحثاً علمياً في مجالات العدوى والمناعة”.
وأكد سموه، أن روّاد العلوم والبحوث الطبية يطورون مخزون المعرفة البشرية، وأن المنطقة العربية تصدّر الأطباء والجرّاحين إلى العالم، وأن تقدير إنجازاتهم عربياً أولوية، داعيا الشباب العربي إلى الاستفادة من تجارب نوابغ العرب واستلهام مساراتهم في العمل الدؤوب لتحقيق الإنجازات.
وتشكل جائزة “نوابغ العرب”، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مشروعاً إستراتيجياً عربياً يسلط الضوء على إنجازات العقول العربية الفذة ويوسع أثرها ويلهم الأجيال الصاعدة لتحذو حذوها، وتغطي ست فئات هي الطب، والاقتصاد، والعلوم الطبيعية، والهندسة والتكنولوجيا، والعمارة والتصميم، والأدب والفنون.
وتنتمي البروفيسورة ياسمين بلقايد، الحائزة على لقب “نوابغ العرب” عن فئة الطب إلى الجزائر التي حصلت فيها على البكالوريوس والماجستير من جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا في الجزائر، لتتخصص بعدها في الدراسات المتقدمة بجامعة باريس الجنوبية.
وساهمت أبحاث ياسمين بلقايد، في تطوير فهم طبي وعلمي أعمق لكيفية تسبب عدد من التحولات في ميكروبات الجسم بالمرض، وخاصة الأمراض الالتهابية المزمنة مثل مرض كرون والصدفية.
وتعد البروفيسورة بلقايد من الروّاد في الأبحاث المتعلقة بمناعة جسم الإنسان، وقد اكتشفت في أبحاثها سلاسل ميكروبية خاصة في جلد الإنسان تلعب دوراً مهماً في الدفاع المناعي، وعملت لسنوات على دراسة تفاعلات الجسم المضيف مع الميكروب في الأنسجة البشرية، كما حللت آليات التنظيم المناعي للميكروبات.
وتترأس ياسمين بلقايد معهد باستور المختص بدراسة علوم الأحياء والميكروبات والأمراض واللقاحات، كما تحاضر في جامعة بنسلفانيا، وهي عالمة مناعة وباحثة أولى في المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية.
وأبلغ معالي محمد عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء، رئيس اللجنة العليا لمبادرة “نوابغ العرب”، البروفيسورة ياسمين بلقايد بفوزها بجائزة “نوابغ العرب 2024” عن فئة الطب، مؤكداً في اتصال مرئي بالفيديو معها، أن إسهاماتها في أبحاث المناعة وما يتعلق بها من دراسات تخصصية، والتزامها بتحقيق تقدم علمي وبحثي ومعرفي حقيقي في العلوم الطبية، جعل منها قدوة للشباب في المنطقة والعالم.
وقال القرقاوي: “مبادرة “نوابغ العرب” التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله،” تحتفي بإنجازات العقول العربية الفذة التي تلهم الشباب العربي والأجيال الصاعدة، لا سيما في تخصصات الطب”.
وأشار إلى أن أمام الأجيال العربية فرص عديدة للتميّز في الأبحاث الطبية والدوائية خاصةً مع تطور استخدامات الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي وتحليل البيانات الضخمة لابتكار حلول علاجية وطبية جديدة.
وأنجزت البروفيسورة ياسمين بلقايد مجموعة متكاملة من البحوث الدقيقة السبّاقة التي ركّزت على موضوعات تخصصية منها دور ميكروبات الجسم في المناعة والالتهابات، وتحليل الخلايا التائية التنظيمية الطبيعية في الأمراض المعدية، ودور الخلايا الشجرية، وتحكّم البكتيريا المتعايشة في استجابة السرطان للعلاج من خلال تعديل بيئة الورم السرطاني.
كما تناولت بحوث بلقايد ميكروبيوم الجلد البشري، والتحكم المجزأ في مناعة الجلد بواسطة الخلايا المتعايشة المقيمة، والمناعة المتجانسة والميكروبات الجسمية، والتمايز الضئيل للخلايا الوحيدة، ودور حمض الريتينويك في المناعة.
ويرأس اللجنة المختصة بفئة الطب في جائزة “نوابغ العرب 2024” سعادة الدكتور عامر أحمد شريف، المدير التنفيذي لدبي الصحية ومدير جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية، وتضم اللجنة كلا من البروفيسور إلياس زرهوني، الأستاذ الفخري بجامعة جون هوبكنز، والأستاذ الدكتور علوي الشيخ علي، نائب المدير التنفيذي والمدير التنفيذي للشؤون الأكاديمية في دبي الصحية ونائب مدير جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية للشؤون الأكاديمية.