أثير – الدكتور صلاح جرّار، وزير الثقافة الأردني الأسبق

لا يختلف اثنان على وجود فرْقٍ بين ما ينبغي أن يكون- بما يقتضيه المنطق والقوانين والحقّ- وما يمكن أن يكون، والحديث عمّا ينبغي أن يكون هو واجب الإنسان الموضوعي والملتزم بالحقوق والحقائق بصرف النظر عن إمكانية تحقيق هذا المطلوب أو عدم إمكانية تحقيقه.


إنّ المسافة بين ما ينبغي أن يكون وما يمكن أن يكون قد تكون قصيرة يمكن اختزالها ببعض الجهد والتكلفة والصبر، وقد تكون طويلة لا بدّ من مضاعفة الجهد والتضحيات من أجل اختصارها أو إلغائها، وفي الحالتين لا بدّ من العزم والإرادة والتخطيط والإعداد المناسب والسعي الدؤوب لتحقيق ما ينبغي أن يكون، إلا أنّه لا بدّ من التنبيه إلى أنّ تأجيل العمل لإلغاء المسافة بين المطلوب والممكن من شأنه أن يوسّع الشقّة بينهما ويوجِد صعوبات لاحقة وعوائق بالغة الخطورة ويزيد الأمور تعقيداً في سبيل تحقيق المطلوب.

ومما يجب التنبيه إليه أيضًا أن تردّد المثقفين وأهل الرأي في الدعوة إلى ما ينبغي أن يكون، نتيجة الإحباط، هو تقصير في أداء رسالتهم الفكرية والتوعوية، وأنّ التشكيك في إمكانية تحقيق ما ينبغي أن يكون- نتيجة سوء الواقع- لا يليق بدور المثقف ورسالته.
إنّ أهمّ اللحظات وأكثرها مناسبة للحديث عمّا ينبغي فعله أو ما ينبغي أن يكون هي اللحظات التي تعقب التجارب القاسية والمريرة، وإن العدوان الصهيوني على غزّة وما يرتكبه من فظائع ومجازر بالغة الخطورة على مرأى من العالم كلّه يمثّل تجربة غير عادية لا بدّ للعرب من التوقف عندها واستخلاص العبر منها والشروع في إعادة النظر في جميع الأسباب والظروف التي أوصلتهم إلى هذه الحالة من الضعف والهوان والعجز عن أيّ ردّة فعل مناسبة، ومراجعة جميع الأحوال والأوضاع التي كانوا يعيشونها قبل هذا العدوان الصهيوني الفظيع ونتائجه المروّعة.
لقد كشف هذا العدوان الإجرامي وتبعاته في مختلف الاتجاهات عن ثغرات عميقة وواسعة جدّاً في الواقع العربيّ أدّت إلى ما يشبه التجمّد التّامّ أمام ما يتعرّض له أهل فلسطين عامّة وأهل غزّة خاصّة من إبادة وتدمير وتجويع وتهجير وتنكيل، إلاّ من بعض ردود أفعال كلاميّة ضبابيّة.
إنّ الثغرات التي كشف عنها العدوان تتصل بالعلاقات العربيّة العربيّة، والعلاقات العربيّة الدولية، وقلة الاعتماد على الذات العربيّة في تسيير شؤون الأمّة.
إنّ العلاقات المضطربة بين الدول العربيّة هي من أهمّ الأسباب في استعصاء التضامن العربي، وتقف وراء هذا الاستعصاء وهذا الاضطراب عوامل كثيرة من أهمّها التدخّلات ولمؤامرات الخارجية. وقد أدّى غياب التضامن العربي الحقيقي إلى غياب أي تنسيق لمواجهة أي خطر، وأدّى إلى فقدان كلّ بلد عربي لأي سندٍ أو ظهير يمكن أن يقف معه في مواجهة الخطر والعدوان، وأدّى غياب التضامن إلى فقدان الثقة بين البلدان العربيّة وصار كل بلد يتّهم البلد أو البلدان الأخرى بالتآمر عليه، وقد أدّى ذلك إلى أن تبقى غزّة وحدها في مواجهة العدوان تواجه بمفردها ما تعرّضت له من مجازر ومحارق وفظائع لم يسبق لها مثيل.
وأمّا العلاقات العربية الدولية فهي في أكثرها لا تقوم على أسس سليمة ولا تعتمد التكافؤ والاحترام المتبادل، بل تمثّل علاقة القويّ بالضعيف والمنتج بالمستهلك والرئيس بالمرؤوس، وهي علاقات تكبل أيدي الدول العربية باتفافيّات والتزامات واشتراطات من شأنها أن تطلق يد البلدان الأجنبية وتقيّد أيدي وتصرّفات الدول العربيّة، وكان لهذا النوع من العلاقات آثاره السلبيّة على طبيعة ردود الفعل العربيّة على العدوان الصهيوني على غزّة حيث لم تستطع هذه الدول أن تتجاوز ردود الفعل الكلامية المقيّدة أيضاً والمدروسة بعناية وحذر شديدين.
لقد راهن العرب كثيراً منذ عقودٍ طويلة على نتائج الانتخابات الأمريكية، وعلى نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وعلى قرارات مجلس الأمن الدولي، وعلى قرارات المحاكم الدولية، كما راهنوا على الوساطة الأمريكية والأوروبية لإنهاء العدوان، وراهنوا على تحالفات واهية مع هذا القطب أو ذاك، لكنّهم لم يحصدوا سوى مزيد من التراجع والتمزّق والاستضعاف والخسران، وقد تناسوْا كثيراً أنّ أقصر طريق للحريّة والكرامة والتقدّم والمنعة هي طريق التضامن العربي وإنشاء تحالف عسكري عربي ومشاريع تعاون اقتصادي وعلمي وصناعي وإنتاجي في مختلف المجالات والميادين، وليس أمامهم- بعد كلّ هذه الإخفاقات- سوى الاعتماد على الذات العربيّة في كلّ شيء ما دمنا نمتلك كلّ مقوّمات الإنتاج من عقول وموارد بشرية وثروات وسواها، وبذلك نستطيع أن نمتلك حريّاتنا وإراداتنا وقراراتنا واختياراتنا وأسباب منعتنا وقوّتنا وصمودنا وقدرتنا على مواجهة التحدّيات والأخطار مهما صغرت أو عظمت.
إنّ التردّد في إعادة النظر في شكل العلاقات العربيّة العربيّة وطبيعة العلاقات مع دول الغرب ومع المنظمات الدولية في الحال، سوف يؤدي إلى مضاعفات بالغة الخطورة في الشارع العربي، وإلى مزيد من التوتّرات والصراعات بين الدول العربيّة، كما يؤدي إلى مزيد من استقواء دولة الاحتلال والدول الغربيّة وغيرها على الدول العربيّة وهيمنتها علينا وعلى ثرواتنا ومقدّراتنا وأوطاننا.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: العلاقات العربی ا ینبغی أن یکون الدول العربی ة

إقرأ أيضاً:

“العمل الإسلامي” يدين العدوان الصهيوني على سوريا وجرائم الحرب والتهجير في الضفة الغربية

#سواليف

أكد أن ما يجري في #الضفة ومخيماتها من #تهجير هو إعلان #حرب على #الأردن ودعا لإجراءات فعلية لتمتين الجبهة الداخلية ومواجهة التهديدات حذر من مخاطر الأتمتة الكلية للانتخابات على سلامتها ونزاهتها ودعا لحوار مع #الأحزاب حول هذا الملف

-طالب بالإفراج عن #المعتقلين على خلفية أنشطة دعم الأهل في غزة والمقاومة

أكد ضرورة وجود جهة مختصة موثوقة لفحص معايير السلامة والأمان لاسطوانات الغاز البلاستيكية

بيان صادر عن المكتب التنفيذي لحزب #جبهة_العمل_الإسلامي :

عقد المكتب التنفيذي لحزب جبهة العمل الإسلامي جلسته الدورية يوم أمس وناقش عدداً من الملفات وعلى رأسها التطورات على الساحة المحلية والعربية وأكد على ما يلي :

مقالات ذات صلة 42675 سوري غادروا الأردن الى سورية منذ سقوط الأسد 2025/02/26

العدوان الصهيوني على سوريا

يدين حزب جبهة العمل الإسلامي بشدة العدوان الصهيوني السافر ضد سوريا عبر تنفيذ غارات جوية في جنوب دمشق والتوغل البري في ريفي درعا والقنيطرة، والتدخل في شؤونها الداخلية واللعب على وتر التنوع الطائفي والعرقي فيها، ما يمثل اعتداءً صارخاً على السيادة السورية، ويعكس عقلية الإجرام لدى الكيان الصهيوني وممارساته العدوانية التي تهدد سوريا والأردن والأمة بأجمعها.

ويؤكد الحزب على ضرورة التحرك العربي الرسمي والدولي في مواجهة الاعتداءات الصهيونية التي تسعى لإشعال المنطقة والتغطية على فشله العسكري في معركة طوفان الأقصى، ووقف استباحة العدو الصهيوني لسيادة الدول العربية التي لن تكون في منأى عن مثل هذه الاعتداءات مستقبلاً في حال استمرار حالة الصمت تجاه هذه الاعتداءات والانتهاكات للقانون الدولي.

جرائم التهجير في الضفة الغربية

كما يدين حزب جبهة العمل الإسلامي جرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني في عدوانه الإجرامي ضد الشعب الفلسطيني في مدن الضفة ومخيماتها وممارسة التطهير العرقي والتهجير لعشرات الآلاف من سكان المخيمات لا سيما في جنين وطولكرم ونابلس ضمن مخطط التهجير في الضفة الغربية الذي يمثل إعلان حرب صارخ وتهديد وجودي ضد الأردن في ظل صمت عربي رسمي ودولي فاضح تجاه هذه الممارسات العدوانية.

ويرى الحزب أن استمرار العدوان الصهيوني في الضفة الغربية وتدمير مئات المنازل ومقومات الحياة في المخيمات، وإدخال الدبابات إلى مدن الضفة للمرة الأولى منذ أكثر من عشرين عاماً يكشف حجم المخطط الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية، مما يتطلب إجراءات أردنية رسمية فاعلة وعاجلة لمواجهة هذا العدوان وقطع كافة العلاقات مع العدو الصهيوني وإعلان التعبئة العسكرية والمجتمعية وتمتين الجبهة الداخلية ودعم المقاومة التي تمثل سداً منيعاً في مواجهة المشروع التوسعي الصهيوني.

أتمتة الانتخابات

يحذر الحزب من المخاطر المحيطة بعملية أتمتة عملية الانتخابات المقبلة بشكل كامل واعتماد الهوية الالكترونية بديلاً عن البطاقة الشخصية للمواطن، مما قد يفتح الباب أمام إمكانية التلاعب بالانتخابات لا سيما فيما يتعلق بالهوية الرقمية والمس بسلامة العملية الانتخابية ونزاهتها خاصة في ظل التطور التكنولوجي وتفاقم عمليات القرصنة والاختراق السيبراني مما دفع العديد من الدول المتقدمة في هذا المجال لاعتماد هذه الآلية بشكل جزئي فقط في بعض إجراءات الانتخابات.

ويتساءل الحزب في هذا الصدد عن تجاهل الهيئة المستقلة للانتخابات للأحزاب السياسية في عملية مناقشة مثل هذه التعديلات على العملية الانتخابية لا سيما في ظل الحديث عن مسار التحديث السياسي الذي تشكل الأحزاب العنصر الرئيس فيه، إضافة إلى ما صدر من تصريحات سابقة للهيئة حول عدم الذهاب باتجاه الأتمتة الكلية للانتخابات بما سيفاقم من حالة العزوف وعدم الثقة الشعبية تجاه إجراءات سلامة ونزاهة الانتخابات.

اسطوانات الغاز

تابع حزب جبهة العمل الإسلامي الجدل الواسع حول اسطوانات الغاز البلاستيكية في ظل التوجه لطرحها في الأسواق كبديل عن الاسطوانات المعدنية، مما يؤكد ضرورة وجود جهة مختصة موثوقة لفحص هذه الاسطوانات والتأكد من معايير السلامة والأمان فيها، كما نطالب الحكومة بتقديم إجابات عن التساؤلات التي تثار حول الجهة المستفيدة من فروقات السعر بين الاسطوانات البلاستيكية والمعدنية في حال استبدالها.

ملف المعتقلين

يستنكر الحزب استمرار نهج الاعتقالات التعسفية بحق عدد من الشباب والمواطنين على خلفية أنشطة تتعلق بالحراك الداعم لصمود الشعب الفلسطيني في غزة ودعم المقاومة وتوقيفهم لمدة تصل إلى أكثر من شهرين بلا تهم، وما رافق عمليات الاعتقال من انتهاكات صارخة للقانون عبر انتهاك حرمة المنازل وتفتيشها بلا مبرر قانوني والإساءة لذوي المعتقلين خلال عمليات المداهمة، ومنع المعتقلين من التواصل مع ذويهم والتحقيق معهم بدون وجود محامي الدفاع عنهم.

ويرى الحزب أن هذه الممارسات تتناقض مع التصريحات الرسمية والمطالبات الوطنية بتمتين الجبهة الداخلية في وقت الوطن أحوج ما يكون فيه لوحدة الصف في مواجهة مخططات التهجير والتهديدات الصهيونية ضد الأردن، مما يتطلب الإفراج عن هؤلاء المعتقلين وكافة معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين، وتعديل كافة القوانين المقيدة للحريات التي كفلها القانون والدستور.

المكتب التنفيذي لحزب جبهة العمل الإسلامي

عمان 26-2-2025

مقالات مشابهة

  • 13 عاما على رحيل وزير الثقافة الأسبق ثروت عكاشة.. مسيرة حافلة بالعطاء
  • وزير الطاقة الروسي: اجتماع اللجنة “العراقية-الروسية” العاشر يمثل تحولا في مسار العلاقات بين البلدين
  • وزير الخارجية الأردني يدين العدوان الإسرائيلي على سوريا.. تصعيد خطير
  • “العمل الإسلامي” يدين العدوان الصهيوني على سوريا وجرائم الحرب والتهجير في الضفة الغربية
  • وكالة: انتهاء “أزمة التبادل” وتحرير أكثر من 600 أسير فلسطيني الخميس
  • شعارات “ترامب”وصفة لأنقاذ العراق!
  • “معاداة السامية”: تعني معاداة العرب وكل شعوب الشرق الأوسط!
  • “الجنازة حارة والميت كلب”.. عندما يكون الصراخ أكبر من الفعل
  • منير أديب يكتب: قراءة فى العقل «العربي والإسرائيلي»
  • حزب الله يشيع أمينه الأسبق “صفي الدين” إلى مثواه الأخير جنوبي لبنان