كاتب بريطاني يوضح أوجه الشبه بين الاحتلالين الإسرائيلي والصليبي عبر التاريخ ويتنبأ بنهاية واحدة
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
نشر الكاتب البريطاني ديفيد هيرست مقالا طويلا ذكر فيه أوجه الشبه بين إسرائيل والصليبيين عبر التاريخ من حيث الأساليب والمطامح.
ولم يستبعد هيرست في مقاله أن السلوك الإسرائيلي سيقود في نهاية المطاف إلى ذات النهاية التي تجرعها الصليبيون في الشرق.
ورغم أن المقال أو مقدمة الطبعة الجديدة من الكتاب كتبت قبل السابع من أكتوبر الماضي، إلا أن الكاتب لم يغير في مضمونها عند نشرها سوى جملة واحدة، مؤكدا أنها "لا تزال تعبر عن الواقع، في إشارة إلى أن سلوك إسرائيل الإجرامي سيؤدي أكثر فأكثر إلى نزع الشرعية عنها وسيجعل فرصة نيلها مصير الصليبيين في الشرق أكبر".
"القلق الصليبي"..
ويقول الكاتب إن "الإسرائيليين يرفضون بسخط "التهمة السائدة" الموجهة إليهم في مختلف أرجاء العالم التي تقول بأنهم صليبيو هذا الزمن، لكنهم يرفضون التهمة انطلاقا من اعتبارات معنوية لا غير، باعتبار أن قضيتهم "أي عودة الشعب المنفي والمنكل به إلى وطنه التاريخي" لن يتم في حال مقارنتها بغزو للمتشددين من أتباع الكنائس في القرون الوسطى".
ولكنهم، ولأسباب واضحة، يعيرون اهتماما خاصا بتاريخ الصليبيين وبتجربتهم، ولا أدل على ذلك من أنهم أقاموا في إسرائيل مركزا هاما يختص بدراسة الصليبيين، ما من شك في أن ما يطلق عليه العالم المختص ديفيد أوهانا مصطلح "القلق الصليبي"، أو "التخوف المرضي الخفي" من أن "المشروع الصهيوني" قد "ينتهي إلى دمار" شامل، تماما كذلك الذي حصل مع الأسلاف الصليبيين قد غدا جزءا لا يتجزأ من الحالة النفسية الإسرائيلية أو على أقل من الحالة النفسية لأولئك الذين لديهم وعي كامل بهذه التطابقات التاريخية الخطيرة.
ومن ضمن تلك التشابهات، من حيث الأهمية المبدئية لدى الصليبيين والصهاينة على حد سواء تحقق المهارة العسكرية العالية وضمان الدعم من القوى الأجنبية.
ويرد الكاتب: "في حالة الصليبيين، وطوال 192 عاما قضوها في الأرض المقدسة، كان الدعم يأتيهم بشكل رئيسي على هيئة موارد لا تنضب من الصليبيين الجدد يقودهم الملوك والأمراء وكبار النبلاء في أوروبا الإقطاعية".
وفي حالة الإسرائيليين "يأتي الدعم على شكل مساعدات عسكرية سنوية تصل إلى ما يقرب من ثلث ما تقدمه واشنطن من مساعدات إلى العالم قاطبة وعلى هيئة دبلوماسية متحزبة بالغة الإسراف التي تغدقها عليهم القوة العظمى الأمريكية".
وقال: "لقد كان التراجع فيما كان يرد من دعم خارجي وليس فقدان المهارة العسكرية هو ما أدى في نهاية المطاف إلى سقوط الصليبيين، ويمكن أن يحصل الشيء نفسه مع الإسرائيليين كذلك".
الخطيئة الأصلية..
ويضيف الكاتب: "خذ بالاعتبار أفعال إسرائيل الأولى في مرحلتها التكوينية الأهم والمشابهة في مدى إهلاكها وشناعتها لما صدر عن الصليبيين من أفعال أو ما يمكن أن يوصف بأنه "خطيئتها الأصلية"، والتي يعود الفضل في وجودها اليوم إليها. وفي عام 1099، قامت مملكة القدس المسيحية على أنقاض ما نجم عن واحدة من "أعظم الجرائم في التاريخ"، تلك المذبحة التي ارتكبت بحق جميع سكان المدينة المقدسة من مسلمين ويهود، بعد ثمانية قرون ونصف في الفترة بين عامي 1947 وحتى العام 1948، ولدت إسرائيل من خلال "جريمة ضد الإنسانية" تشبه ذلك من حيث الجسامة والفظاعة أو لنقل على الأقل إنه لو كانت مادة القانون الدولي الخاصة بذلك الجرم مفعلة آنذاك، ولو كان يتوفر لدى أحد الإرادة للمطالبة بتطبيقها، لكان مؤكدا أن النكبة الفلسطينية والتطهير العرقي والطرد، باستخدام القوة والإرهاب وكثير من الفظائع التي مورست ضد تلك "المجتمعات غير اليهودية" – كانت ستعتبر جريمة ضد الإنسانية بالفعل".
وتابع: "وكذا أثبت الإسرائيليون أنهم مثل الصليبيين تماما، لقد أمضى فرسان مسيحية القرون الوسطى 192 سنة وهم يخوضون باستمرار المعركة تلو الأخرى مع هذه أو مع تلك المملكة أو السلطنة في الشرق الأوسط العربي المسلم، والذي كان حينذاك كما هو اليوم يعاني من التمزق والشقاق الداخلي، إلى أن فقد الصليبيون الدعم الغربي فانتهى بهم الأمر وقد ألقي بهم حرفيا إلى البحر. وكذلك تماما كان ديدن الإسرائيليين، الذين يخوضون منذ 75 عاما وحتى الآن ما تطلق عليه عقيدتهم العسكرية الرسمية "الحروب" أو وهم يشنون "الحملات ما بين الحروب".
الغزو والتوسع.
بادئ ذي بدء – بالنسبة للصليبيين والإسرائيليين على حد سواء – كانت مثل تلك الحروب حروبا غايتها الغزو أو التوسع.
ما إن تُوج بالدوين دو بويلون أول ملك على القدس، في يوم عيد الميلاد من عام 1100 ميلادية، حتى انطلق في حملة لتوسيع رقعة مملكته الصغيرة والتي شملت في نهاية المطاف كل فلسطين كما نعرفها اليوم وأجزاء من سوريا والأردن ولبنان، كذلك، والتي أحاطت نفسها بتحصينات أمامية منيعة وبمستوطنات عسكرية زراعية، ما أشبهها اليوم بالجدران الحدودية الضخمة التي تشيدها إسرائيل وما فتئت على إقامتها من قرى (كيبوتسات) زراعية وقتالية.
كان ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء في إسرائيل، عازما على التوسع أيضا وهو توسع ينبغي إنجازه، كما قال ذات مرة، ليس عبر "التجمل بالأخلاق" أو من خلال "الخطب التي تلقى من على جبل الهيكل" وإنما بواسطة "المدفع الآلي الذي سوف نحتاج إليه."
ولكن بخلاف ما كان يمارسه أسلافه، الذين لم يعرفوا أي شيء من تلك اللطائف مثل قواعد وأخلاق الحرب، لم يكن بوسعه ممارسة الغزو والتوسع في البلدان المجاورة كما يريد، فهو ينتسب إلى أمة "تحب السلام"، حصلت لتوها، رغم ما وقع حينها من جدل وخلاف حول ذلك، على عضوية الأمم المتحدة، متعهدة بالالتزام بميثاقها.
ولا كان ذلك متوقعا من دولة ديمقراطية على درجة عالية من التفوق الأخلاقي، تعتبر نفسها "نورا يضيء على الأمم"، والتي قال بن غوريون مخاطبا العالم إنه يعمل في بنائها وهي التي استقبلها معظم العالم، وبشكل خاص الليبراليون واليساريون فيه بكثير من الترحيب والتعاطف على اعتبار أنها نموذج للمثل الاشتراكية "الملهمة" والتي يحتل الكيبوتس القلب منها.
كان بن غوريون ومن جاءوا من بعده يتوقون لأن يبادرهم الآخرون بهجوم، في هذه الأثناء، كل ما كان بإمكانهم فعله هو الانتظار وتحين الفرص أو السعي لاصطناعها من أجل مباغتة هؤلاء الآخرين بهجوم، وهي فرص بالغة الأهمية من حيث أنها تمكنهم من شن الهجوم متسترين بغطاء شرعي من "الدفاع عن الذات."
وحانت الفرصة المواتية أخيرا في شهر يونيو 1967 عندما بدأت الجيوش العربية بالسير نحو إسرائيل ردا على تحرشات واستفزازات من قبلها، وذلك في خضم صخب أحمق ومخيف من الخطاب الحربي. للوهلة الأولى ارتعد العالم خوفا على إسرائيل، متسائلا: هل سنشهد فيها محرقة ثانية بعد مرور خمسة وعشرين عاما فقط على المحرقة الأولى؟
هذا محال بالطبع، فكما كان مستشرفا وكما تم الإعداد له منذ وقت طويل انبرى للتعامل مع ذلك بشكل مباشر موشيه دايان الجنرال الأيقوني الأعور وغيره من حواريي المعلم، فقد أنجزوا في حرب الأيام الستة في يونيو 1967، بضربة واحدة أهدافا مماثلة تماما من الناحية الاستراتيجية والتوسعية، لتلك التي استغرق إنجازها عشرين عاما على يد الملك بالدوين قبل ذلك بـ8 قرون، أضف إلى ذلك احتلال سيناء بأكملها كما أنهم نفذوا نكبة مصغرة بما تحقق لهم من موجة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين.
وحتى هنا لم يصدر العالم حكمه على إسرائيل بل على العكس ارتقت بذلك "محبوبة الغرب المدللة" إلى مستويات رفيعة غير مسبوقة من المكانة والشعبية.
الحكم على المشروع الصهيوني..
بالعودة إلى أوجه التشابه مع الصليبيين وجد الإسرائيليون أنفسهم يسوسون سكان البلاد الأصليين والمكونين ممن لم يقتلوهم ولم يطردوهم وإذا بهم يكافئونهم تعدادا.
قلما يخفق مؤرخو الحقبة الصليبية في الاقتباس من الرحالة المسلم ابن جبير في القرن 12، وبشكل خاص توصيفه للمجتمع المسلم الذي "ينوح بسبب ظلم صاحب الأرض من نفس دينهم بينما يشيدون بسلوك خصمه وعدوه، صاحب الأرض من الفرنجة، الذي تعودوا منه أن يعاملهم بالعدل."
لعل هذا هو الدليل القوي المتبقي من شهادة من رأى رأي العين أنه مهما كان الصليبيون همجا ومتوحشين في المعركة، إلا أنهم ربما لم يكونوا سيئين في الحكم أو على الأقل في ما يتعلق بابتعادهم عن إنفاذ أعراف ذلك الوقت.
هل يمكن أن يقال نفس الشيء أو أفضل منه عن الإسرائيليين إزاء غزوهم واحتلالهم للضفة الغربية وقطاع غزة في الزمن الحاضر؟ من الناحية الموضوعية، لا يمكن ذلك، ولكن هكذا كان الانطباع العام، لأن الإسرائيليين، من طرفهم، ما فتئوا يصرون على أن احتلالهم كان "أرحم احتلال في التاريخ"، وهو الزعم الذي لم يخطر ببال العالم المستهتر التحقق منه.
فمتى كانت المرة الأولى التي يضع العالم فيها المشروع الصهيوني على المحك ويحكم عليه بعد أن احتضنه وتقبله بلا نقد أو مساءلة زمنا طويلا؟، كما تنبأ وايزمان جاءت اللحظة التي حكم العالم فيها على المشروع حتى وإن جاءت بعد عقود من إشارته إلى ذلك.
العيش بحد السيف..
جمع الإسرائيليون كل هذه الإجراءات ووضعوها تحت عنوان واحد وهو "نزع الشرعية" بالنسبة لهم، يرقى نزع الشرعية في نهاية المطاف إلى التهديد الوجودي، وهو ليس أقل خطرا، طبقا لما صرح به نتنياهو من تسلح إيران نوويا أو من صواريخ حماس وحزب الله.
لماذا؟ لأنه لو كان مكتوبا على إسرائيل كدولة أن تعيش بحد السيف، كما تحدث عن ذلك نتنياهو فإنها لن تتمكن من تصميم ذلك السيف ولا الحفاظ عليه وإشهاره بفعالية دون دعم ورضا واشنطن والغرب، تماما كما أن الصليبيين لم يكن بوسعهم فعل ذلك دون دعم ورضا البابوية والعالم المسيحي في القرون الوسطى.
ومن هنا فقد ألزمت الولايات المتحدة بالقانون بالاستمرار في تزويد إسرائيل بكل "وسائل التفوق العسكري الممكنة" حتى تتمكن من "دحر أي تهديد عسكري يأتيها من أي دولة بعينها أو ائتلاف محتمل بين مجموعة من الدول."
الأسلحة نفسها أمر واحد فقط، وهناك أمر آخر ألا وهو الطريقة التي تستخدم بها إسرائيل تلك الأسلحة، وضمان أنه مهما كان هذا الاستخدام محرما من حيث الغاية أو إجراميا من حيث التنفيذ، فإنه يمكن باستمرار الاعتماد على الولايات المتحدة دعما أو إقرارا.
ومن هنا يأتي إشهار واشنطن بشكل تلقائي وآلي لسيف الفيتو في وجه أي مشروع قرار، وهو الأمر الذي تكرر عشرات المرات عبر السنين، حتى ضد القرارات التي تضمنت نقدا خفيفا لإسرائيل في الأمم المتحدة، وهو نفس الكيان الذي تدين له بالفضل، في حالة تكاد تكون فريدة بين الأمم، على إيجادها في المقام الأول ومعه بالطبع "الشرعية" التي يسعى العالم الآن إلى نزعها عنها كما تخشى.
ما من شك في أنها سوف تستمر في فعل ذلك بوتيرة متنامية على الدوام ففي كل مرة يقوم فيها "الجيش الأسمى أخلاقا في العالم بدفن النساء والأطفال أحيانا رفقة "إرهابي" أو اثنين تحت البيوت في غزة، وفي كل مرة يصرح سياسي رفيع المستوى أو حاخام بعبارات عنصرية مذهلة أو بعبارات يتجمد لها الدم في العروق حول العرب أو الفلسطينيين، وفي كل مرة ينطلق فيها المستوطنون المتدينون ليرتكبوا "مقتلة"، أو ليشنوا حملة لاجتثاث أشجار الزيتون أو في محاولة لإشعال النار ببلدة عربية بأسرها، بينما يؤدون الصلاة وهم على ذلك فإن الضغط يزيد.
وبالفعل، فإنه في كل مرة يصعد متطرف ديني أو قومي إلى الحرم الشريف، المكان الذي يوجد فيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ويلقي خطبة نارية حول ابتعاث الهيكل اليهودي القديم مكانهما في كل مرة يحدث مثل هذا الأمر، ويسمع العالم عن ذلك، فإن "الدولة اليهودية والديمقراطية" تفقد قدرا إضافيا من شرعيتها.
من الواضح أن أقرب أصدقائها يبادرون بتحذيرها، فهذا الكيان "المحبب والمدلل لدى الغرب" يجازف بالتحول إلى كيان "منبوذ" في مصاف دول مثل عدوه اللدود، الجمهورية الإسلامية في إيران.
ونعم، من خلال تدينها المستفحل، صارت الدولة في الواقع تبدو أقرب إلى الصليبيين أنفسهم تسير على نهجهم ليس فقط من حيث أسلوب الحرب المستمرة بل وكذلك من حيث التطلعات، ومن بين هذه التطلعات يبرز واحد أكثر من غيره باعتباره نموذج الشبه الأقرب على الإطلاق.
بالنسبة لأولئك القدامى من "المحاربين في سبيل الإله"، كانت أسمى المهام والأكثر قدسية من وجهة نظرهم هي استنقاذ كنيسة القيامة – الموقع الذي يعتقد المسيحيون أن المسيح صلب فيه، وفيه دفن، ومنه بعث حيًا من جديد – من "إفساد" وإهمال المسلمين.
على نفس النهج، بالنسبة لعدد غير معروف، ولكنه آخذ في النمو، من الإسرائيليين الذين خلفوهم ولا يقتصر ذلك على المتدينين منهم، لا تكتمل العودة إلى صهيون إلا بقيام الهيكل الثالث، إلى جوار الأقصى وقبة الصخرة، أو محلهما بدلا منهما، هنا في ثالث أقدس بقعة لدى المسلمين.
فهل سيدرك العالم أخيرا عندما يفيق من غفوته ما الذي جلبه هؤلاء على الأرض وعلى الناس في المنطقة بعد ثلاثة أرباع قرن من تلك اللحظة التي تنبأ فيها وايزمان بأن العالم سوف يحكم على إسرائيل، وهل سوف ينأى بنفسه عن الدولة أو يتبرأ منها، تاركًا إياها للمصير الذي باتت منكشفة عليه؟
وختم قائلا: "في ضوء "القيم" الحديثة، سوف يكون لدى الولايات المتحدة والغرب من المبررات ما هو أقوى مما كان لدى البابوية والعالم المسيحي في القرون الوسطى حينما تخليا عن الصليبيين في ضوء ما كان لديهم آنذاك من قيم. إنه لأمر مستبعد بلا ريب. ولكن كلما أمعنت إسرائيل في "نزع الشرعية" عن نفسها في عيون العالم – وهي تفعل ذلك في غزة الآن – تضاءل ذلك الاستبعاد، وكلما زادت إمكانية تحقق الكابوس الذي تحدث عنه أستاذ الحروب الصليبية أوهانا، والذي توقع أن يكون مصيرها مشابهًا لمصير الصليبيين أنفسهم. بالطبع لن يُلقى بها إلى البحر، ولكن، بطريقة أو بأخرى، سوف يتم حسم المصير استراتيجيا أو عسكريا أو دبلوماسيا".
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: طالبة استبعاد التهم حماس وجه الضغط قواعد مطالب كاتب اسرائيلي تاريخي الناس قتل سلام
إقرأ أيضاً:
يهود دمشق: إسرائيل لا تُمثلنا ونحن سوريون نرفض الاحتلال الإسرائيلي لأي أراض في وطننا
سرايا - يأمل آخر من تبقى في سوريا من أفراد الطائفة الموسوية (اليهودية)، التي تشتت أفرادها على يد نظام البعث، في لمّ شملهم مع عائلاتهم في العاصمة دمشق، كما كانوا في السابق، مؤكّدين انتماءهم الوطني لسوريا ورفضهم لأي احتلال إسرائيلي لأراض من بلدهم.
وعبر التاريخ، احتضنت سوريا العديد من الحضارات، وعاش فيها عدد كبير من اليهود. إلا أن أعدادهم بدأت بالتراجع في عهد الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، واضطر معظمهم إلى مغادرة البلاد عام 1992، فيما صودرت ممتلكات بعضهم.
قبل 30 إلى 35 عامًا، كان عدد اليهود في سوريا يُقدّر بحوالي 5 آلاف نسمة، لكن هذا العدد انخفض اليوم إلى أقل من 10 أفراد، معظمهم يقطنون الأحياء القديمة في دمشق.
وبعد سقوط نظام البعث في 8 ديسمبر/ كانون الثاني 2024، يتطلع العديد من اليهود السوريون لزيارة وطنهم بعد عقود من الغياب، تمامًا كما فعل الحاخام يوسف حمرا، الذي عاد إلى دمشق في 18 فبراير/ شباط الماضي، بعد 33 عامًا من إجباره على مغادرة بلاده عام 1992.
* “جزء من الشعب السوري”
فريق الأناضول التقى بعض اليهود السوريين الذين لا يزالون يعيشون في العاصمة دمشق، حيث أكدوا على أنهم جزء من النسيج الوطني السوري.
وقال زعيم الطائفة الموسوية (اليهودية) في سوريا، بحور شمطوب، إن أفراد عائلته هاجروا إلى الولايات المتحدة و "إسرائيل" عام 1992، ومنذ ذلك الحين يعيش بمفرده في دمشق.
وأضاف: “هذا المكان قضيت فيه طفولتي. أحب دمشق وسوريا، نحن نعيش معًا هنا دون أي تفرقة دينية. الحمد لله، الأمور جيدة، لا أواجه أي مشكلات مع أي أقلية أو طائفة، أنا جزء من الشعب السوري، والحمد لله الجميع يحبني كثيرًا، لهذا السبب لم أغادر”.
* التحرر من ضغوط البعث
وعن الفترة التي عاشها في ظل نظام البعث، قال شمطوب: “في السبعينيات، خلال حكم حافظ الأسد، كانت هناك قيود شديدة على اليهود. لم يكن يُسمح لنا بالسفر أو امتلاك العقارات. في ذلك الوقت، كان يُمنع أي شخص من التحدث مع اليهود، وكانت بطاقات هويتنا تحمل كلمة ’موسوي’ بحروف حمراء كبيرة”.
وفق شمطوب، “خلال الثمانينيات، “مُنع اليهود من مغادرة البلاد، أما في التسعينيات، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع حافظ الأسد، سُمح بموجبه لليهود الذين يرغبون في مغادرة سوريا بالخروج”.
واستطرد: “كنا مثل الطيور المحبوسة في قفص، وبمجرد فتح الباب، طار الجميع. لقد غادر العديد من اليهود تاركين منازلهم وأعمالهم، بينما تمكن آخرون من بيع ممتلكاتهم قبل الرحيل”.
شمطوب أوضح أنه “بعد الهجرة الجماعية قبل 33 عامًا، بقي في سوريا حوالي 30 يهوديًا، لكن هذا العدد انخفض اليوم إلى 7 فقط، بينهم 3 نساء”.
وعن الضغوط التي تعرضوا لها خلال حكم البعث، قال: “في شبابي، إذا تحدثت إلى فتاة، كانت تُستدعى للتحقيق في فرع الأمن المسمى فلسطين”.
وأضاف: “قبل 4 سنوات، اعتُقل 3 من أصدقائي (غير اليهود) لمدة 3 أشهر، فقط لأنهم تحدثوا إلينا. كان التحدث إلى الأجانب ممنوعًا، لكن الآن يمكننا التحدث إلى من نشاء. خلال عهد النظام (البعث)، كنا نعيش تحت الضغوط، ولهذا السبب غادر شبّاننا البلاد”.
وأشار شمطوب إلى أن سقوط نظام البعث غيّر حياة الجميع، بما في ذلك حياته، وقال: “لدينا الآن حرية أكبر. يمكننا التحدث بصراحة. لم يعد هناك حواجز أمنية تعترض طريقنا، ولم يعد هناك من يراقبنا من أجهزة المخابرات. باختصار، أشعر أنني أصبحت حرًا. الأمور الآن أفضل مما كانت عليه سابقًا”.
* حنين إلى الماضي
شمطوب، الذي يعرفه الجميع في حي باب توما، أحد الأحياء القديمة في العاصمة السورية، قال إن الحزن يملأ منزله، وإنه ينتظر عودة أفراد العائلة إلى دمشق في أقرب وقت ممكن.
واستدرك: “لكن كيف سيعودون؟ المنازل تحتاج إلى ترميم، ولا يمكنهم ترك الولايات المتحدة والعودة إلى دمشق حيث لا يوجد ماء أو كهرباء”.
وأوضح أنه بعد تركه المدرسة، عمل في مجال الخياطة، ثم افتتح متجرًا، كما عمل لاحقًا في تجارة المجوهرات والعقارات.
وتابع: “في الماضي، كنا عائلة واحدة، نعيش معًا، نتبادل الأحاديث ونُعدّ الطعام. أما الآن فأنا وحدي، أطبخ لنفسي، وأغسل الصحون بنفسي، لقد اعتدت على هذه الحياة”.
* "إسرائيل" لا تمثلنا
وعن احتلال "إسرائيل" لأراضٍ سورية حدودية عقب سقوط نظام البعث، قال شمطوب: “(إسرائيل) ستنسحب في النهاية، ما يفعلونه خطأ. لكنهم لا يستمعون لأحد، لأن الولايات المتحدة وأوروبا تدعمهم”.
ولدى سؤاله عمّا إذا كان يعتبر "إسرائيل" جهةً ممثلة له، أجاب: “لا، إطلاقًا، هم شيء، ونحن شيء آخر. هم إسرائيليون، ونحن سوريون”.
* توقعات بزيارة عائلات يهودية
من جانبه، قال التاجر اليهودي الدمشقي سليم دبدوب، الذي يمتلك متجرًا للقطع الأثرية في سوق الحميدية بدمشق، إنه انفصل عن عائلته عام 1992 لدى هجرتهم.
وقال دبدوب، المولود في دمشق عام 1970: “بقيت هنا لإدارة أعمالي. أسافر باستمرار بسبب العمل، وهذا يسمح لي أيضًا برؤية عائلتي في الولايات المتحدة. الحمد لله، أمورنا جيدة. لا يوجد تمييز هنا، الجميع يحب بعضهم البعض”.
وأشار دبدوب إلى أن التوقعات تزايدت بزيارة العديد من العائلات اليهودية سوريا بعد سقوط النظام، وقال: “قبل عام 1992، كان هناك حوالي 4 آلاف يهودي في دمشق. كان لدينا حاخام، وكان التجار هنا، الجميع كان هنا، لكن الجميع هاجر في ذلك العام”.
وأردف: “بعض ممتلكات اليهود الذين غادروا لا تزال قائمة، لكن بعضها الآخر تم الاستيلاء عليه بطرق غير مشروعة. بعض المتورطين في الاستيلاء كانوا على صلة بالنظام، حيث زوّروا الوثائق للاستيلاء على الممتلكات”.
– “أفتقد مجتمعي”
التاجر دبدوب أعرب عن أمله في إعادة فتح أماكن العبادة اليهودية، قائلاً: “لدينا كنيس هنا، وأحيانًا يأتي رئيس الطائفة ويفتحه، فيجتمع 2-3 أشخاص، لكن لا تُقام الصلوات فيه بشكل مستمر. أفتقد مجتمعي وعائلتي وإخوتي”.
وأكد دبدوب أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع جميع فئات المجتمع، مضيفًا: “الحمد لله، لا نشعر بالغربة هنا، نحن جميعًا إخوة”.
وأشار إلى أن بعض الزوار يبدون دهشتهم عندما يعلمون أنه يهودي، موضحًا: “في الماضي، كنا نواجه صعوبات أمنية، فقد كنا تحت المراقبة المستمرة من قبل قوات الأمن، وكان هناك خوف دائم. الحمد لله، لم يعد هناك خوف اليوم. إن شاء الله سيكون المستقبل أفضل، وسيعمّ السلام بين الشعوب”.
كما أعرب دبدوب عن أمله في مستقبل مزدهر للتجارة، وقال: “هذا المتجر (متجر التحف) مملوك لعائلتي منذ عام 1980، وبعد هجرتهم أصبحت أنا من يديره”.
وفيما يتعلق باليهود الدمشقيين الذين غادروا البلاد، ختم حديثه بالقول: “هم الآن سعداء للغاية (لانتهاء عهد التضييق)، ويتطلعون إلى زيارة دمشق واستعادة ذكرياتهم القديمة. كان مجتمعنا يقدّر الحياة الأسرية كثيرًا، وكنا نذهب إلى أماكن العبادة يوميًا”.
ومنذ 1967، تحتل "إسرائيل" معظم مساحة هضبة الجولان السورية، واستغلت الوضع الجديد في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، حيث احتلت المنطقة السورية العازلة، وأعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا لعام 1974.
وبسطت فصائل سوريا سيطرتها على دمشق، في 8 ديسمبر 2024، منهيةً 61 عاما من حكم حزب البعث و53 سنة من سيطرة أسرة الأسد.
رأي اليوم
وسوم: #رمضان#المنطقة#الوضع#دينية#سوريا#اليوم#الله#العمل#الاحتلال#باب#الشعب#الثاني#الجميع#رئيس#الرئيس
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 02-03-2025 12:20 PM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية