يأتي الطرح الجديد لأسهم شركة أرامكو السعودية، شركة النفط العملاقة المملوكة إلى حد كبير لحكومة المملكة، في لحظة محورية للإصلاحات الاقتصادية الشاملة التي تكافح لجذب الاستثمارات الأجنبية.
وقد يجلب بيع 1.545 مليار سهم من المتوقع أن يبدأ تداولها الأسبوع المقبل ما يقارب 12 مليار دولار، وهي نعمة قصيرة الأجل للمسؤولين السعوديين الذين يسعون لتمويل كل شيء من المنتجعات الفاخرة إلى ملاعب كرة القدم ومدينة نيوم المستقبلية العملاقة في الصحراء في شمال غرب البلاد.
ويسلط ذلك الضوء على الاستراتيجية التي توجه "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي تجاوزت الآن أكثر من نصف الطريق: الاستفادة من الثروة النفطية الهائلة لتمهيد الطريق لمستقبل ما بعد النفط.
ويقول محللون إنها لا تفعل إلا القليل لمعالجة الأسئلة الأوسع حيال جدوى رؤية 2030، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بما يسمى بالمشروعات الكبرى مثل نيوم التي تجسد طموحات ولي العهد الكبيرة.
ويقول روبرت موغيلنيكي من معهد دول الخليج العربية في واشنطن إن "الأموال التي تم جمعها ستساعد بالتأكيد في دعم أولويات الإنفاق الحكومي. لكنها ستكون في نهاية المطاف بمثابة دعم مالي أكثر من كونها علاجاً طويل الأمد لاحتياجات التمويل".
وقال مسؤولون سعوديون منذ العام الماضي إنه سيتم تمديد الإطار الزمني لبعض مشروعات رؤية 2030، رغم أنهم لم يذكروا تفاصيل، وقالوا أيضًا إنه سيتم تسريع مشروعات أخرى.
ولفت وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، الشهر الماضي، إلى أن "الصدمات" العالمية منذ إطلاق رؤية 2030 في عام 2016 على غرار الحروب في أوكرانيا وغزة، وجائحة كوفيد-19، والتضخم، وتعطل سلاسل التوريد، دفعت المسؤولين إلى مراجعة خططهم الإصلاحية.
ويشير، توربيورن سولتفيدت، من شركة تحديد المخاطر "فيريسك مابلكروفت" إلى أن المشكلة الأكثر خطورة هي حقيقة أن المستثمرين الأجانب حتى الآن غير مستعدين "للالتزام بمشاريع كبرى طويلة الأجل في المملكة العربية السعودية".
وأضاف أنه "رغم زيادة التدفقات إلى البورصة السعودية، فإن الجهود المبذولة لتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر لم تحقق نجاحاً يذكر".
لا نجاح "بين عشية وضحاها"طرح بن سلمان مسألة الاستحواذ على جزء من أسهم أرامكو للمرة الأولى في أوائل العام 2016، قبل أشهر من الإعلان الرسمي عن رؤية 2030 وقبل أكثر من عام من توليه ولاية العهد.
وكانت الخطة الأصلية تقضي بإدراج خمسة بالمئة من الشركة، وهي واحدة من أكبر الشركات في العالم من حيث القيمة السوقية، في بورصة عالمية كبرى.
لكن المخاوف بشأن متطلبات الإفصاح والإحجام عن بيع الموارد الوطنية للأجانب دفعت المسؤولين إلى تغيير المسار، وطرحوا 1.5% من الشركة في البورصة السعودية في عام 2019 مقابل 25,6 مليار دولار.
يقول سولتفيدت إنّ هذا الطرح لا يزال أكبر طرح عام أولي في العالم، لكنه "لم يكن له التأثير التحويلي الذي كان من الممكن أن يحدثه الإدراج الدولي".
ويضيف "لم تكن الخطة الأولية للإدراج الدولي تقتصر على تعزيز الموارد المالية للدولة فحسب. والأهم من ذلك، كان المقصود منها أن تكون وسيلة للتغيير من خلال تجسيد الرؤية لاقتصاد أكثر انفتاحا".
وقال محللون إن الجهود المبذولة لضمان المشاركة الدولية في مشاريع رؤية 2030 تعثرت، ولا يزال الاستثمار الأجنبي المباشر أقل بكثير من هدف رؤية 2030، البالغ 5,7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتلفت إلين والد، مؤلفة كتاب "تاريخ أرامكو" إلى أن "الاستثمار الأجنبي في المشاريع غير المرتبطة بالطاقة يذهب إلى المملكة العربية السعودية فقط بسبب الدعم الحكومي مثل الأراضي المجانية والطاقة المجانية والعمالة منخفضة التكلفة وما إلى ذلك".
وتوضح أنّ "بيع الأسهم حدث الآن لأن صندوق الاستثمارات العامة يريد توليد المزيد من الأموال للاستثمار وأرامكو هي البقرة الحلوب".
ويقدم المحلل السعودي محمد بن صالح الحربي وجهة نظر أكثر تفاؤلاً، قائلاً إن رؤية 2030 "تسير على الطريق الصحيح"، مشيراُ إلى أرقام رسمية تشير إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 4,6 بالمئة في عام 2023.
ويرى أنّ "السعودية تمر بمشروع تحول وطني ضخم لن يتحقق بين عشية وضحاها".
مشاريع متعثرةوينطبق هذا بشكل خاص على المشاريع اللافتة، وأهمها نيوم، مع خطط لإنشاء منتجع تزلج مستقبلي وناطحات سحاب مغطاة بالمرايا تمتد على مسافة أكثر من 170 كيلومترًا عبر الصحراء السعودية.
ولم يعلق المسؤولون بعد على التقارير التي تفيد بأن أهداف نيوم لعام 2030، سواء من حيث الحجم أو عدد السكان، تم تقليصها بشكل كبير.
وأظهرت مشاريع أخرى تقدما، بما في ذلك مشروع البحر الأحمر العالمي الذي افتتح منتجعين العام الماضي، ويستعد لإطلاق 14 فندقا إضافيا بحلول نهاية العام المقبل.
رغم ذلك، يقول جيم كرين من معهد بيكر بجامعة رايس "من المؤكد أن وتيرة إنجاز +المشاريع الكبرى+ في رؤية 2030 متراجعة".
وتابع أنّ"معظم المراقبين لم يفاجأوا لأن المشاريع ضخمة للغاية كما أن الخدمات اللوجستية للإكمال المتزامن لـ14 منها تبدو دائمًا غير محتملة إلى حد كبير".
ومع تراكم التزامات الإنفاق على أحداث مثل معرض إكسبو 2030 وكأس العالم 2034، التي تعد السعودية المرشح الوحيد لها، يتوقع المحللون مزيدا من مبيعات أسهم أرامكو في المستقبل القريب، ومن المرجح أن يظل اهتمام المستثمرين مرتفعًا.
ويقول كرين "تمتلك أرامكو مجموعة هائلة من الأصول إلى جانب إنتاج النفط الأقل تكلفة في العالم (..)".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: بن سلمان رؤیة 2030 محمد بن أکثر من
إقرأ أيضاً:
خطّة “إسرائيلية” لإطلاق مشروع خط نفطي يربط السعودية بفلسطين المحتلة وأوروبا
الثورة / متابعات
ذكر المراسل السياسي الصهيوني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” إيتمار آيخنر أنّ وزير الطاقة والبنية التحتية في كيان العدو إيلي كوهين قام بزيارة خاطفة إلى الولايات المتحدة، التقى خلالها نظيره الأميركي كريس وايت.
وناقشا توسيع التعاون الإقليمي مع دول التطبيع العربية وتعزيز المشاريع المشتركة في مجال الطاقة، ودور قطاع الطاقة في توسيع اتفاقيات “السلام” في الشرق الأوسط، على حدّ قول المراسل، بالإضافة إلى دفع مشروع «IMEC»، وهو الممر الاقتصادي من الشرق إلى أوروبا عبر السعودية والأراضي المحتلة.
كما بحث الطرفان تعزيز مشاريع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ومع دول التطبيع، بالإضافة إلى التعاون مع قبرص واليونان بشكل خاص، بشكل يعزّز مكانة “إسرائيل” جسرًا طاقيًا بين الشرق والغرب، وفقًا للمراسل..
وعُلم أنّه خلال الاجتماع، قدّم كوهين لوايت خطة لإنشاء مسار نفط جديد مباشر من السعودية إلى “إسرائيل”، ومن هناك يمكن تصديره إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط. بحسب الخطة، سيُنشأ خط أنابيب بري بطول 700 كيلومتر يربط السعودية بمدينة “إيلات”، ومنها سينتقل النفط عبر خط أنابيب “إيلات-عسقلان”، حيث سيُشحن إلى أوروبا عبر ناقلات النفط في البحر الأبيض المتوسط.
كما أشار كوهين إلى أنّ هذا الخط سيكون الأقصر والأسرع و”الأكثر أمانًا” لنقل النفط إلى أوروبا، حيث إنّ خط أنابيب بريًا من السعودية إلى “عسقلان” سيوفّر المال والوقت، وسيكون أرخص تكلفة مقارنة بالمسارات الحالية. وأضاف: “الولايات المتحدة هي أكبر حليف لنا، وعلاقتنا بها استراتيجية. مع إدارة ترامب، سنعمل على توسيع التعاون بين الجانبيْن واستخدام قطاع الطاقة رافعةً لتعزيز الاستقرار الإقليمي، وتوسيع اتفاقيات “إبراهام” (التطبيعية)، وتعزيز مكانة “إسرائيل” جسرًا بين الشرق والغرب، ما سيسهم في الأمن والازدهار في الشرق الأوسط”، بحسب زعمه.