هكذا يخرق الاحتلال اتفاق الوضع القائم بالقدس منذ النكسة
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
القدس المحتلة- أصدرت الدولة العثمانية في القرن الـ19 وتحديدا عام 1852 سلسلة مراسيم لإدارة الأماكن المقدسة المسيحية في القدس، وذلك لتنظيم الوصول إليها بعد خلافات متكررة، ليُكرس هذا التنظيم في القانون الدولي ضمن معاهدة برلين عام 1878، ويدعى رسميا اتفاق الوضع القائم أو الراهن (ستاتيكو).
وضمن معاهدة برلين أيضا توسع القانون ليشمل الأماكن الدينية الإسلامية واليهودية في القدس، ليصبح بعدها اتفاق الوضع القائم في القدس قانونا دوليا ملزما.
وعندما احتل الجيش الإسرائيلي شرقي القدس والمسجد الأقصى في يونيو/حزيران 1967 (النكسة أو حرب الأيام الستة) اعترف شكليا باتفاق الوضع القائم لتجنب التصعيد والهجوم الدولي، لكن ممارساته على الأرض منذ ذلك الحين حتى اليوم، خرقت هذا الاتفاق حتى لم يبق منه إلا اسمه.
بكلمات قليلة، يعرف أستاذ دراسات بيت المقدس عبد الله معروف اتفاق الوضع القائم بأنه "بقاء الوضع على ما كان عليه في القدس قبيل الاحتلال".
هذا المشهد في قلب #المسجد_الأقصى المبارك يحدث اليوم بل كل يوم..!
ويقولون لك: الوضع القائم..! pic.twitter.com/L4XagH8Bwl
— Dr. Abdallah Marouf د. عبدالله معروف (@AbdallahMarouf) January 23, 2023
ويقول معروف للجزيرة نت إن كثيرا من التغييرات طرأت على الاتفاق منذ النكسة، حيث لم يعد يطبق بالذات في المسجد الأقصى.
ويستدل على ذلك بأن عددا من المستوطنات بُنيت على أراضي القدس بعد احتلالها، إلى جانب هدم حارة المغاربة بالكامل وتهجير أهلها واحتلال حائط البراق رغم أنه وقف إسلامي، إضافة إلى فرض التقسيم الزماني بالقوة، وتأمين صلاة المستوطنين في المسجد الأقصى.
ويضيف، المتحدث ذاته، "لم يعد أحد يتحدث عن هذه التغييرات وكأنها أصبحت أمرا واقعا غير مطروح للنقاش".
وفيما يلي أبرز الخروقات في المسجد الأقصى منذ النكسة وفق رصد الجزيرة نت استنادا إلى أحداث ميدانية وبيانات رسمية فلسطينية وأردنية:
– احتلال المسجد الأقصى في يونيو/حزيران عام 1967 ورفع العلم الإسرائيلي فيه، والسيطرة على مفاتيح باب المغاربة -أحد أبواب المسجد الأقصى- ومنع الفلسطينيين من استخدامه حتى اليوم.
– بعد احتلال الأقصى احتُل حائط البراق غربي المسجد الأقصى وأطلق عليه "حائط المبكى"، وهُدمت حارة المغاربة بالكامل وطرد سكانها.
– تسلمت المملكة الأردنية الهاشمية بعد احتلال المسجد الأقصى الوصاية عليه، كجزء من اتفاق الوضع القائم، لكن الاحتلال تجاهل تلك السيادة مرارا من خلال عدة انتهاكات أبرزها إغلاقه بقرار متفرد لساعات أو أيام كما حدث إبان احتلاله، وإبان هبة باب الأسباط عام 2017، إلى جانب منع الترميم وعرقلته والتحكم بإدخال مواد الترميم إلى المسجد، والاعتداء على حراس الأقصى وموظفي الأوقاف واعتقالهم وعرقلة أعمالهم.
مسيرة سنوية يسعى الاحتلال من خلالها لتثبيت سيادته على القدس، ويحتفل باستكمال احتلاله لكامل المدينة.. ماذا تعرف عن مسيرة الأعلام؟ pic.twitter.com/jWKPwaWFr3
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) June 4, 2024
– أجرى الاحتلال العديد من الحفريات، وافتتح أنفاقا في محيط المسجد الأقصى وأسفل البلدة القديمة وحول سور القدس، متسببا في أضرار للبنية التحتية الأثرية، وتصدع لبعض معالم المسجد الأقصى وبيوت البلدة القديمة، وانهيارات أرضية في بلدة سلوان جنوبي المسجد.
– بعد عام 2003 استأنف الاحتلال من جانب واحد إدخال المستوطنين إلى المسجد الأقصى، ومنذ ذلك العام يقتحم المستوطنون المسجد 5 أيام في الأسبوع بحماية مكثفة من شرطة وقوات الاحتلال.
– منذ أكثر من عقد يؤدي المستوطنون صلوات علنية وصامتة أثناء اقتحام المسجد الأقصى، وتجاوز الأمر إلى أداء طقوس دينية أخرى تتعلق بالهيكل المزعوم مثل صلاة بركة الكهنة والسجود الملحمي وإدخال القرابين النباتية والنفخ في الشوفار.
– خلال العقد الماضي أيضا رفع المستوطنون العلم الإسرائيلي داخل المسجد الأقصى احتفالا بعدة مناسبات وطنية أبرزها ذكرى "توحيد القدس" أي احتلال شرقيّها.
– رغم وصايتها على المسجد الأقصى، منعت شرطة الاحتلال في يناير/كانون الثاني الماضي، السفير الأردني في تل أبيب غسان المجالي من دخول الأقصى.
– خلال الأشهر الأولى من انطلاق معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي أغلقت شرطة الاحتلال المسجد بشكل شبه كلي أمام المصلين باستثناء بعض كبار السن وسكان البلدة القديمة، وحتى اليوم يمنع الاحتلال دخول المصلين بشكل انتقائي إلى المسجد، خصوصا خلال ساعات الاقتحام صباحا وظهرا.
– بشكل غير مسبوق ومنذ السابع من أكتوبر، تقتحم شرطة وقوات الاحتلال المسجد الأقصى في غير أوقات اقتحامات المستوطنين، خصوصا خلال صلاة الجمعة، وتتجول فيه لمراقبة المصلين والتضييق عليهم.
– في السنوات الماضية الأخيرة أغلقت شرطة الاحتلال أبواب سور القدس بشكل تعسفي بعد كل عملية إطلاق نار أو طعن، كما أغلقتها بشكل كامل خلال "يوم الاستقلال الإسرائيلي" في مايو/أيار الماضي.
– اقتحم نواب في الكنيست الإسرائيلي المسجد الأقصى مرارا بحماية شرطة وقوات الاحتلال، كما اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير المسجد 4 مرات منذ توليه منصبه، وأعلن السيادة الكاملة لدولته داخله، كما صرّح خلال اقتحامه في 25 يناير/كانون الثاني الماضي متحديا "مع كامل احترامي للأردن لقد فعلت ذلك، وسأواصل الصعود إلى جبل الهيكل، إسرائيل مستقلة وليس عليها وصاية من دولة أخرى".
– أمنت شرطة الاحتلال اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك والعشر الأواخر كما حدث عام 2022، وذلك بسبب تقاطع بعض المناسبات الدينية اليهودية مع الشهر الفضيل، كما أمنت اقتحام المسجد خلال عيد الأضحى المبارك عام 2019.
– منذ السابع من أكتوبر، تعمدت عناصر في جيش الاحتلال اقتحام المسجد بزيّها العسكري الرسمي وأداء الصلوات العلنية داخله والدعاء للأسرى والقتلى على مرأى من شرطة الاحتلال، تزامنا مع منع حراس الأقصى من مرافقة المجموعة المقتحمة أو الاقتراب منها لرصد انتهاكاتها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المسجد الأقصى احتلال المسجد شرطة الاحتلال الأقصى فی فی القدس
إقرأ أيضاً:
ما الثمن الذي ستدفعه القدس خلال ولاية ترامب الجديدة؟
القدس المحتلة- بعد 11 شهرا من تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قد قال، يوم السادس من ديسمبر/كانون الأول من عام 2017، إن إسرائيل دولة ذات سيادة، ولها الحق كأي دولة سيادية أخرى أن تحدد عاصمتها، والاعتراف بذلك كأمر واقع هو شرط ضروري لتحقيق السلام.
وفي إعلانه الشهير قال ترامب "إننا اليوم نعترف أخيرا بما هو جلي، وهو أن القدس عاصمة إسرائيل، وهذا ليس أقل أو أكثر من اعتراف بالواقع، بل هو أيضا الأمر الصحيح الذي يجب القيام به، إنه أمر يجب القيام به".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هآرتس: هذا ما ينتظر إسرائيل في عهد ترامبlist 2 of 2كيف يستشرف خبراء سياسة ترامب بالشرق الأوسط؟end of listوأعطى ترامب في الإعلان ذاته تعليمات لوزارة الخارجية الأميركية بالتحضير لنقل سفارة أميركا من تل أبيب إلى القدس، وأشار إلى أن التعاقد مع معماريين ومهندسين ومخططين سيبدأ على الفور حتى تكون السفارة الجديدة -بعد الانتهاء من بنائها- إجلالا رائعا للسلام.
ترامب معتمرا القلنسوة اليهودية عند حائط البراق خلال زيارته السابقة للقدس (رويترز-أرشيف) إطلاق يد إسرائيللم يكن ذلك الإعلان مستغربا من شخص كترامب، ولم يعوّل المقدسيون على إدارته ولا على الإدارات الأميركية السابقة واللاحقة.
ورغم أن تهويد القدس وخرق الوضع القائم في المسجد الأقصى يعد سياسة إسرائيلية قديمة متبعة منذ احتلال شرقي القدس عام 1967، فإن إعلان ترامب أطلق يد إسرائيل أكثر في تنفيذ مخططاتها وسياساتها العنصرية في المدينة المحتلة.
ومع تولي ترامب ولاية جديدة بفوزه في الانتخابات الرئاسية على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، سألت الجزيرة نت الأكاديمي والخبير بالشأن الإسرائيلي محمد هلسة حول مواقفه المتوقعة تجاه القدس والمقدسات خلال السنوات الأربع المقبلة.
واستهل هلسة حديثه بالقول "لدينا تجربة طويلة في علاقة ترامب مع إسرائيل وتحديدا مع نتنياهو، عندما قدم له جملة من الامتيازات أحدها صك الملكية في موضوع الجولان السوري المحتل، والامتياز المهم المتعلق بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، بالإضافة إلى اختلاق مسار اتفاقيات إبراهيم وجر أنظمة عربية للتطبيع مع إسرائيل".
وأكد هلسة أن المواقف الأيديولوجية للرئيس ترامب وسلوكه الفوقي العام، وكل ما فعله خلال ولايته الأولى انعكس على القضية الفلسطينية بشكل أساسي، وسينعكس هذه المرة أيضا بسبب مواقفه واعتباراته تجاه كل ما يجري من جهة، وبسبب نظرته للعالم العربي الذي يشعر بالتحرر من حاجته إليه من جهة أخرى.
التوقيع على اتفاقيات إبراهام في البيت الأبيض خلال ولاية ترامب السابقة عام 2020 (الجزيرة)انفلات أكثر
ويضيف هلسة "سنلمس خلال ولايته الجديدة انفلاتا أكثر تجاه كل ما هو عربي إسلامي، وسينعكس هذا الانفلات أيضا تجاه القدس بشكل أساسي والرغبات الإسرائيلية فيه، واليمين الذي يحكم في إسرائيل سيتقاطع مع انفلات قوة اليمين التي ستحكم الولايات المتحدة المتمثلة بترامب والحزب الجمهوري واليمين المسيحي أيضا".
وهذا سيؤدي، وفقا للأكاديمي هلسة، إلى استمرار المد الإسرائيلي في المنطقة، وكسر شوكة العرب والمسلمين في ظل الموقف العربي الضعيف والصامت والمهزوم أمام الاندفاع الإسرائيلي.
"أثبت العرب على امتداد عام ونيف من الإبادة في غزة أنهم غير قادرين على فرض موقف على إسرائيل لمنعها من وقف المجازر التي ترتكبها على الأقل، وفي حال قرر نتنياهو ويمينه الذهاب إلى تنفيذ أجندتهم بالمدينة المقدسة والمسجد الأقصى تحديدا، لن يشعر ترامب بتهديد العالم العربي والإسلامي، فلديه شواهد على ما جرى خلال السنة الماضية"، وفق هلسة.
ويعتقد الباحث والأكاديمي المقدسي أنه "في إطار المقايضات التي ستجري بين ترامب ونتنياهو، فمن الممكن أن يقدم الأخير هدية لترامب بوقف الحرب، وفي المقابل سيعده ترامب بامتيازات تتعلق بالتطبيع مع بلدان أخرى، أو بضم الضفة الغربية أو القفز قفزة نوعية في قضية المسجد الأقصى".
ويرجح هلسة أن الأقصى سيكون في عين العاصفة، وأن القدس ستشهد انتهاكات جديدة لأن ترامب سيذهب إلى اتخاذ كل ما من شأنه أن يفرض الرواية الإسرائيلية، وما يمكن أن يدفعه إلى التراجع -كأن تكون مصالح الولايات المتحدة مهددة من خلال ضغط وموقف عربي- غائب وغير موجود، وبالتالي لن يتردد في القول إن اليهود لهم حق في الصلاة بمكان خاص ومستقل في المسجد الأقصى بفرض التقسيم المكاني على مستوى رسمي.
"لن يقول أي نظام عربي لترامب لا، وحركة الشعوب في العالم العربي الآن صفر، فهل سيكون الأقصى أغلى من عشرات آلاف الأرواح التي تزهق أمام الكاميرات؟ بالتأكيد لا للأسف"، يضيف خبير الشأن الإسرائيلي.
تقسيم الأقصى
وختم المتحدث نفسه بالقول إنه خلال ولاية ترامب الثانية "سنشهد تقسيما مكانيا كاملا للمسجد الأقصى، ولن يقتصر الإعلان عن ذلك من خلال صفحات نشطاء جماعات الهيكل فحسب، بل قد يكون الإعلان عن ذلك رسميا، وهو ما سيعتبر إنجازا كبيرا لليمين الإسرائيلي الحاكم، وقد تنفذ تغييرات على الأرض باقتطاع مساحة عبر وضع الحواجز والسواتر، على غرار ما تم فرضه في الحرم الإبراهيمي بالخليل".
أما الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات فقال للجزيرة نت إن سياسة ترامب أكثر اتساقا مع السياسة الإسرائيلية، وسيستمر الطرفان في خرق القانون الدولي ومخالفته خلال السنوات الأربع المقبلة، كما فعلا إبّان الولاية الأولى، لعدم وجود من يردعهما.
ولا يعتقد عبيدات أن ترامب سيمارس ضغوطات جدية على نتنياهو من أجل وقف الحرب، بل سيكون سخيا أكثر من إدارة بايدن في الدعم المالي والسياسي والعسكري، "وهذا سينعكس حتما على قضية القدس والمسجد الأقصى الذي شهد خلال عام الحرب الكثير من الانتهاكات غير المسبوقة".