جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-24@10:41:41 GMT

رسائل إلى رئيس الوحدة (6)

تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT

رسائل إلى رئيس الوحدة (6)

 

تسامح مع أخطاء موظفيك

 

د. صالح الفهدي

 

الخطأُ أمرٌ مسلَّم به في طبيعةِ البشر، وكلُّ رئيسٍ لا يُسلِّم بالخطأ من موظفيه، هو باحثٌ عن الكمالِ والمثال، هو نفسه لا يسلم من الخطأ فكيف به لا يجوِّزهُ على غيره؟ وكيف به لا يقبله من الآخرين؟ بعض رؤساء الوحدات لا يتسامحون مع الأخطاء التي قد تحدث من أفضل الكفاءات في الوحدة، فيستبعدونهم عن المواقع التي هُم عليه، ويقصونهم عن مناصبهم، وقد يضحِّون بمستقبل الوحدة عبر إحلالِ من هم أقلُّ كفاءةً منهم مكانهم، وهُنا يُعالجُ الرئيس الخطأ بعدَّةِ أخطاءٍ منها:

أولًا: يبثُّ ثقافة الخوف من التجربة في الوحدة بين أفرادها حتى لا يرتكبوا الخطأ فيلاقوا مصير من تم إقصاؤهم بأيِّ حالٍ من الأحوال، وبالتالي تفقد الوحدة أحد ركائز التقدُّم فيها وهو عامل الإِبداعِ والإبتكار والتجديد.

ثانيًا: يُضحِّي رئيس الوحدة بتهوِّر قراراته الناجمة عن عدم التسامح مع الخطأ بمستقبل الوحدة وذلك بوضعِ كفاءاتٍ لا توازي كفاءات الأفراد الذين لم يتسامح مع أخطاؤهم، وهُنا فإِنَّ الوحدة ستدفع أثمانًا باهضةً إذا ما قورنت بثمن الخطأ الذي ارتكبه من أقصاهم عن مناصبهم.

ثالثًا: إنَّ عدم التسامح مع الخطأ يعني أن الرئيس لا يعي بشرية الفعل الإنساني الذي تتسم طبيعته بالصواب والخطأ، فهو يتعامل معه كآلة لا يجب أن ترتكبَ خطًا، وهنا فإنَّ الرئيس يتعارضُ مع المنطق الإنساني الذي يجوِّزُ الصواب والخطأ للإنسان، ويراهُ طبيعيًّا.

ولنا حين نوسِّع النظر في ارتكاب الأخطاء نجدُ أنَّ الله سبحانه وتعالى وهو خالقُ الإِنسان، يفتحُ الباب واسعًا للمسرفين من عباده، أي الذين تجاوزا حدودًا عاليةً من العصيان وارتكبوا الأخطاء، فقال: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر: 53)، والنبي الأكرم عليه الصلاة والسلام، وهو المُدرك لطبيعة الإنسان وميلهِ وانحرافه عن جادَّةِ الصواب يقول: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" (رواهُ مُسلم).

فكيف يأتي من الناس من لا يتسامح مع الخطأ، ومن هذا الذي يخطأ؟ معلومٌ أنَّ من يعمل يخطأ، وهذا أمرٌ طبيعي، ولذلك لا يجب مجازاة من يعمل بسبب خطأه، بل تفهُّم الخطأ إِن لم يكن متعمدًا، وهو كذلك في الغالب، حتى وإن بدا في الظاهر كذلك، لكنَّه اجتهاد، والإجتهادُ في الإسلام حتى إن صادف الخطأ لم يُحرم من الأجر! لماذا؟ لأنَّ الإِسلام يفترضُ حُسن النيَّة في العمل كأساس، وليس سوء الظن، وعلى ذلك فإنَّ أصحاب الكفاءات لا يجب أن يعاقبوا لخطأٍ قد وقعَ منهم، فتسقط كل مسيرتهم المهنية في لحظةٍ قصيرةٍ فَقَدَ فيها رئيس الوحدة السيطرة على أعصابه، وانفلتَ من عقلهِ الضَّابط على انفعالاته، وهذا ما يحدثُ في بعض الوحدات، وهُنا أذكر رئيس وحدةٍ استدعى أحد أفضل الكفاءات الذين استثمرت فيهم الوحدة ودفعت لذلك الأموال الطائلة، ولأن الرئيس طائش العقل، فقد طلب منه الاستقالة، وكانت رسالة الاستقالة في جيب ذلك الموظف الذي عرضها على الفور وانتهت القصَّة، وأفقد هذا الرئيس وحدته ب أحد أهم الكفاءات فيها سبب تعجِّله وتهوُّره.

مثلَ هذا الرئيس يجب أن يُحاسب لأنَّه أضاع أموال الدولة التي استثمرت في كفاءات لتشكِّل إِضافةً قيِّمةً لوحدتها وبالتالي لموطنها، لكنَّه فرَّط فيها بسبب استبداد سُلطته، وكان أحرى به أن يقدِّم المصلحة العُليا التي توازنُ في قراراتها، وتعدلُ في نظرتها.

على أنَّ هناك من الرؤساء من لا تجرُّهم انفعالاتهم إلى فقدان أفضل الكفاءات، وأذكرُ هنا أن رئيس وحدةٍ حين وَقَعَ موظفه الذي انتقلَ من وحدتهِ إلى وحدةٍ أُخرى، وارتكبَ فيها خطًا كاد أن يُنهي حياته المهنية، لم يتخلَّ عنهُ بل انطلق إلى رئيسه الجديد ليتشفَّعَ له ويُنقذهُ مما وقعَ فيه من الخطأ، ويطلب إعادته إلى وحدته السابقة وهكذا تم الأمر، فعيَّنهُ في وظيفةٍ تليقُ بقدراتهِ، ولم يهمله لخطأٍ وقع منه، أو يتخَلَّ عنه لأنه انتقلَ عنه!

إنَّ التسامحَ مع الخطأ الذي ينتجُ عن غير قصدٍ في إطارِ العمل، يختلفُ عن ذلك الخطأ الناتج عن سبقِ نيَّةٍ وترصُّد؛ فالأوَّلُ مشروعٌ مأجورٌ، والثاني مذمومٌ ومعاقبٌ عليه، كأن يختلسَ أموالًا أؤتمنَ عليها، أو يضيِّع أمانةً، أو يخونَ عهدًا، أو يزيِّف تواقيعًا، أو يتكسَّب من وراءِ وظيفته أو نحو ذلك، وعلى هذا المعنى هو قصدنا؛ أن يكون التسامح مع الخطأ فيما لا تدخلُ فيه قصدية التعمُّدِ، والإِضرارِ، بل ذلك الخطأُ الناتجِ عن حُسنِ نيَّةٍ لأداءِ العملِ، وتوفَّرت فيه دلائلُ الاجتهاد.

هذا النوعُ من التسامح مع الخطأ يشيعُ الأريحية والاطمئنان في الوحدة للعمل، ويدفع الأفراد فيها للإجتهاد من أجل التجديد والتحديث والتطوير، ويرفعُ من الدافع المعنوي في أنفسهم، مُدركين بأنهم إن اجتهدوا فأخطأوا فإِنهم غير مُلامينَ على اجتهاداتهم وإنما محفَّزين ومكافَئين، وهذا سرٌّ من أسرار القيادةِ الحكيمةِ للوحدات لا يُدركهُ إلا الحكيمون من الرؤساء.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأوسط

مصر – بحث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، امس الجمعة، الوضع في الشرق الأوسط، وأشاد السيسي، بموقف مدريد من القضية الفلسطينية.

وصرح المتحدث باسم الرئاسة المصرية بأن السيسي وسانشيز تناولا تطورات القضايا الإقليمية والدولية، وبشكل خاص الوضع في الشرق الأوسط، مؤكدين أهمية التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار ونفاذ المساعدات.

وبحسب الرئاسة المصرية، أشاد السيسي بموقف إسبانيا العادل إزاء القضية الفلسطينية خاصة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، فيما أكد رئيس الوزراء الإسباني، أهمية دور مصر في تحقيق الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط وفي مكافحة الإرهاب والتطرف إقليميا ودوليا، ومحورية دورها ومساعيها المستمرة للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة ولبنان، ونفاذ المساعدات الإنسانية، وتجنب تصعيد الصراع في المنطقة وتحوله إلى حرب إقليمية شاملة.

وأضاف المتحدث أن الاتصال تناول مجمل العلاقات بين مصر وإسبانيا، والتأكيد على أهمية مواصلة تطويرها، خاصة في المجالين الاقتصادي والاستثماري، والسعي لمشاركة المزيد من الشركات الإسبانية في المشروعات التنموية بمصر بما يضمن توطين الصناعة وتعزيز التصنيع المشترك.

ووفق البيان، أعرب السيسي خلال الاتصال مجددا عن تضامن مصر مع حكومة وشعب إسبانيا في مواجهة آثار الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق إسبانيا مؤخرا.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • بيد قاتل مأجور .. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنًا بقتل الرئيس!
  • الرئيس السيسي يستقبل رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي والوفد المرافق له
  • برمة ناصر: بيان مؤسسة الرئاسة بحزب الأمة القومي غير شرعي والقرار الذي اتخذ في مواجهة إسماعيل كتر جاء بعد مخالفات واضحة، تتجاوز صلاحياته كمساعد الرئيس
  • الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأوسط
  • شيك جدا .. شاهد فستان ياسمين رئيس الذي تتبرع به لفتاة قبل زفافها
  • رئيس مدينة الغردقة يستقبل وفد كنسي في زيارة للوحدة المحلية لمدينة الغردقة
  • مصطفى بكري يكشف رسائل الرئيس السيسي خلال اجتماعه بقادة القوات المسلحة اليوم
  • إنفوجراف| أبرز رسائل الرئيس السيسي خلال لقائه بقادة القوات المسلحة.. صور
  • الرئيس عون للبنانيي الانتشار بذكرى الاستقلال: علينا ان نحب بعضنا ولو كان الخطأ جسيما
  • وزير الرياضة يشيد بالدعم الذي يقدمه الرئيس السيسي للرياضة والرياضيين والشباب