ندد الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، بإقرار مجلس النواب الأمريكي لمشروع قانون يسمح بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، ردًا على مساعيها لإصدار أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين على رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب، مشددا علي ان ذلك يمثل تدخلًا سافرًا في استقلالية القضاء الدولي وتهديدًا غير مقبول لجهود تحقيق العدالة.

وفي هذا الصدد اعتبر مهران أن هذه الخطوة الأمريكية تمثل انتهاكًا صارخًا لالتزامات الولايات المتحدة وفقًا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي العرفي، والتي تقضي بعدم التدخل في الإجراءات القانونية للمحاكم الدولية وعدم عرقلة التحقيقات الجنائية الدولية.

وأكد الدكتور مهران أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي صادقت عليه 123 دولة، يُجرّم في مادته الـ70 أفعال التهديد أو الترهيب أو الانتقام من المحكمة أو مسؤوليها أو الشهود بسبب أدائهم لمهامهم، ما يجعل أي محاولات لابتزاز المحكمة أو منع تعاون الدول معها، بمثابة جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة ذاتها.

كما أوضح الخبير الدولي أن إصدار مذكرات توقيف دولية بحق قادة الاحتلال الإسرائيلي، يأتي في إطار ممارسة المحكمة لولايتها القضائية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد انضمام دولة فلسطين للنظام الأساسي، ويعكس مدى خطورة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين.

وشدد الدكتور مهران على أن اي محاولات لعرقلة إجراءات المحكمة أو الضغط عليها للتراجع عن ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، إنما تشكل تهديدًا خطيرًا لمبادئ العدالة الدولية وسيادة القانون، وتكريسًا لسياسة الكيل بمكيالين التي تطبق المعايير على الدول الضعيفة وتستثني منها الأقوياء والمنتصرين.

كما أشار مهران إلي أن إقدام الكونجرس على هذه الخطوة، يقوض مصداقية الولايات المتحدة ويفضح ازدواجية معاييرها، فهي من ناحية تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، ومن ناحية أخرى تحمي حلفاءها من المساءلة عن الجرائم الدولية البشعة، بما يغذي الشعور بالإحباط وانعدام الثقة بالعدالة الجنائية الدولية.

ولفت أستاذ القانون الدولي إلى العديد من الاتفاقيات والقرارات الدولية، من بينها اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969،  والتي تلزم الدول بتنفيذ المعاهدات بحسن نية وتحظر التذرع بالقانون الداخلي للتنصل من الالتزامات الدولية، فضلًا عن القرار 1593 الصادر عن مجلس الأمن عام 2005 والذي اكد علي اهمية تعاون الدول الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية والامتناع عن أي أعمال تحول دون أدائها لمهامها.

وحذر الدكتور مهران من أن نجاح مشروع القانون الأمريكي وتطبيقه عمليًّا، قد يشجع دولًا أخرى على حذو واشنطن في ابتزاز المحكمة الجنائية لحماية مسؤوليها من الملاحقة، وهو ما ينذر بتآكل مبدأ سيادة القانون وسقوط هيبة القضاء الدولي، وصولًا لانهيار النظام القانوني الدولي برمته والعودة للفوضى، مطالبا المجتمع الدولي بـالتصدي بحزم لأي محاولات تستهدف شل حركة المحكمة وإضعاف قدرتها على محاسبة كبار المجرمين مهما علت مكانتهم، وأن تظل ولايتها القضائية بمنأى عن أي تدخلات أو ضغوط سياسية أو مصلحية ضيقة.

وفي سياق متصل أشار الدكتور مهران إلى الهجوم الأخير الذي استهدف السفارة الأمريكية في بيروت، معتبرًا إياه نتاجًا طبيعيًا لاستمرار الحرب علي غزة والتدخل الأمريكي المنحاز في المنطقة، والذي حذر منه مرارًا كونه يغذي مشاعر الكراهية والاستياء ضد السياسات الأمريكية، ويهدد بتوسيع رقعة الصراع وانتقاله خارج حدود فلسطين، بما يعرض المصالح الأمريكية ذاتها للخطر.

كما أضاف أستاذ القانون أن نهج واشنطن القائم على ازدواجية المعايير والانحياز الأعمى لإسرائيل حتى في مواجهة أبشع الجرائم الموثقة بحق الفلسطينيين، وسعيها الحثيث لتقويض آليات المحاسبة الدولية، قد يقود لتصاعد ردود الفعل الغاضبة ضدها في العالمين العربي والإسلامي، وصولًا لزعزعة استقرار المنطقة بأسرها، وهو ما يتعين على صناع القرار في البيت الأبيض إعادة حساباتهم بشأنه.

هذا وشدد مهران على التأكيد بأن التمسك بسيادة القانون ومبادئ حقوق الإنسان فوق كل اعتبار وإنه هو السبيل الوحيد لبناء عالم أكثر عدلًا وإنسانية، مشيرًا إلى أن أي محاولات للتستر على الجرائم الخطيرة التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين وحرمانهم من العدالة، ستفشل لا محاله وإن طال الزمن لأن الحقيقة والعدالة فوق إرادة الجميع، ولا يجب أن تخضع لتوازنات القوى.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الولايات المتحدة فلسطين بنيامين نتنياهو التحقيقات قانون دولي مطالب محاكم انعدام الثقة تخصص اسرائيلي أستاذ قانون محاسبة مجلس النواب جمعيتي انتهاكات الأمم المتحدة مشروع قانون رئيس الوزراء قوات الاحتلال محمد محمود أستاذ قانون دولي النواب الأمريكى المحكمة الجنائية جرائم حرب الجنائیة الدولیة الدکتور مهران

إقرأ أيضاً:

هل يمكن للجنائية الدولية الصمود في السنوات الأربع المقبلة؟

المحكمة الدولية الوحيدة الدائمة المكلفة بمحاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، تواجه أكبر تحدٍّ لها حتى الآن. مع قدوم إدارة ترامب والعقوبات التي تلوح في الأفق ضد المحكمة وموظّفيها، يبرز سؤال بسيط: هل يمكن للمحكمة الجنائيّة الدولية أن تصمد خلال السنوات الأربع المقبلة؟

طرحتُ هذا السؤال بعد حضور جمعيّة الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية، وهو المؤتمر الدبلوماسي السنوي للدول الأعضاء في المحكمة. انعقد الاجتماع بينما كانت الغيوم السوداء تتجمع – مجازيًا وحرفيًا – فوق لاهاي، حيث مقرّ المحكمة الجنائية الدولية. العقوبات قادمة، وربما أسرع مما يتوقعه البعض.

تبين أن الولايات المتحدة قد لا تنتظر حتى يتم تنصيب دونالد ترامب لفرض العقوبات. بدلًا من ذلك، قد يربط الجمهوريون العقوبات بمشروع قانون تفويض الدفاع الوطني، وهو القانون الذي يحدد الميزانية السنوية لواشنطن ونفقاتها الدفاعية.

الأمل بين أنصار المحكمة، هو أن تستهدف العقوبات كبار المسؤولين في المحكمة، وليس المحكمة ذاتها. فالمحكمة تستطيع أن تصمد أمام العقوبات المفروضة على بعض موظفيها. ولكن إذا استهدفت العقوبات المؤسسة ذاتها، فقد تكون التأثيرات أسوأ بكثير وأكثر شمولًا.

إعلان

على سبيل المثال، كيف سيتمكن محققو المحكمة والمسؤولون من السفر؟ كيف يمكن للمحكمة دفع رواتب موظفيها إذا امتنعت البنوك والمؤسسات المالية عن التعامل معها خشية عدم الامتثال للعقوبات؟ ماذا عن الأدوات البرمجية مثل Microsoft Word التي يحتاجها القضاة لكتابة أحكامهم؟

هذه ليست المرّة الأولى التي تواجه فيها المحكمة الجنائية الدولية عقوبات أميركية. في الأشهر الأخيرة من إدارة ترامب، فرضت عقوبات على عدد من موظفي المحكمة، بمن فيهم المدعية العامة آنذاك فاتو بنسودا من غامبيا. ولكنْ الآن، المحكمة – ومناصروها – يواجهون أربعة أعوام محتملة من الإجراءات القسرية من واشنطن.

وحتى لو كانت العقوبات تستهدف موظفين معينين في المحكمة، فإنها ستبرز مرة أخرى التفكير التمييزي والعنصري في الإدارة الأميركية الجديدة. موظفو المحكمة من حلفاء الغرب لديهم فرص أفضل للتفاوض واستثناء مواطنيهم من العقوبات، مقارنة بنظرائهم من دول الجنوب العالمي.

التحدي الذي تواجهه المحكمة شديد للغاية. عليها أن تتجنب التصعيد مع الولايات المتحدة، مع الحفاظ على استقلاليتها، وفي الوقت نفسه تجنب إضفاء الشرعية على سياسات ترامب.

في هذه المرحلة، من الصعب تخيل كيفية تحقيق ذلك.

تخيل السيناريو التالي: في الأسابيع المقبلة، تصدر إدارة ترامب عقوبات ضد كبار موظفي المحكمة الجنائية الدولية. تفعل المحكمة ما يجب أن تفعله، وتؤكد أن ذلك لن يردعها. تتكاتف الدول الأعضاء لدعم المؤسسة. يستمر عمل المحكمة، ويطلب المدعي العام إصدار مذكرة اعتقال بحق وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير؛ لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الضفة الغربية.

يُنظر إلى هذه الخطوة على نطاق واسع على أنها القرار الصحيح والمستقل الذي يجب أن تتخذه المحكمة. ولكن البيت الأبيض الغاضب يرد بتصعيد العقوبات ضد المحكمة ككل، ويطالب حلفاءه بفرض عقوبات مماثلة على المحكمة، مهددًا بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على التجارة مع الدول التي ترفض الامتثال.

إعلان

هذا السيناريو ليس مجرد تخيل؛ بل هو احتمال واقعي تمامًا. السيناتور الأميركي ليندسي غراهام زعم بالفعل أن دولًا، مثل: كندا، وفرنسا، وألمانيا يجب أن تُعاقب بسبب دعمها للمحكمة الجنائية الدولية. إذا حدث ذلك، فهل تستطيع المحكمة أن تصمد؟ وهل تستطيع الدول الأعضاء أن تتحمل هذه الضغوط؟

في الماضي، استطاعت المحكمة أن تصمد أمام التدخلات الأميركية، خصوصًا في سنواتها الأولى عندما واجهت عداء إدارة الرئيس جورج دبليو بوش. في نهاية المطاف، أدركت الولايات المتحدة أن المحكمة لا تشكل تهديدًا لمصالحها، خاصة عندما استهدفت المحكمة قادة، مثل: جوزيف كوني، زعيم جيش الرب للمقاومة، أو الرئيس السوداني السابق عمر البشير.

على العكس، كانت المعارضة الأميركية الصاخبة لمحاكمة مرتكبي الفظائع الشهيرة تعيق مصالحها أكثر مما تخدمها. حتى إن وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس وصفت نهج إدارتها تجاه المحكمة الجنائية الدولية بأنه كان أشبه "بإطلاق النار على أقدامنا".

ولكن الوضع الآن مختلف؛ إذ تقف المحكمة في مواجهة مباشرة مع المصالح الأميركية، خاصة بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت. هذه المذكرات لن تختفي، كما أن المعارضة الأميركية لن تزول.

كيف يمكن للمحكمة أن تضمن بقاءها؟

بقاء المحكمة يعتمد في النهاية على الدول التي أنشأتها. أولًا وقبل كل شيء، يجب أن تعترف الدول بهذا الظرف كتهديد وجودي لمؤسستها. يجب أن تعترف بأن التهديدات الصادرة عن واشنطن حقيقية، وستظل قائمة في المستقبل القريب، وأن ترد بإجراءات استباقية؛ لحماية المحكمة. ينبغي أن تفعل كل ما في وسعها لعزل المحكمة وموظفيها عن العقوبات.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الدول أن تذكّر الولايات المتحدة بأن معاقبة المحكمة بسبب مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت ستقوض الجهود المبذولة لتحقيق العدالة في الحالات التي تتفق فيها المصالح الأميركية مع المحكمة: مثل أوكرانيا، ميانمار المدعومة من الصين، وفنزويلا.

إعلان

كلما فرضت واشنطن تدابير قسرية جديدة على المحكمة، يجب أن يسمع صانعو السياسة الأميركيون أصوات الضحايا الأوكرانيين، الروهينغا، والفنزويليين الذين ستتضرر جهودهم من العقوبات المفروضة على المحكمة.

أما بالنسبة للمحكمة، فيجب ألا تخضع لدولة سعت لفترة طويلة لتحديد قابليتها واستقلالها. لكنها تستطيع أن تبقى قوية وتواجه العداء الأميركي بطرق إستراتيجية. على سبيل المثال، يمكن للمحققين دراسة إمكانية رفع قضايا ضد قادة إيرانيين بسبب ارتكابهم فظائع. هذا الأمر ليس فقط الخطوة الصحيحة، ولكنه يجعل من الصعب على ترامب وغراهام وآخرين انتقاد المحكمة ككل.

ستبقى المحكمة الجنائية الدولية خلال السنوات الأربع المقبلة. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستخرج كظل باهت لنفسها، أم كهيئة أكثر كفاءة وفاعلية؟

الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على قيادتها وعلى الدول التي تدعي دعم المحكمة، والتي يجب عليها الآن إثبات ذلك بكل الوسائل الممكنة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • وفقًا للقانون.. تعرف على اختصاصات اللجنة الدائمة لشئون اللاجئين
  • أستاذ علاقات دولية: الإدارة الأمريكية منفتحة على الاتصال مع الحكومة السورية الجديدة
  • هل يمكن للجنائية الدولية الصمود في السنوات الأربع المقبلة؟
  • مجلس النواب خلال أسبوع.. رقم تاريخي في جلسات قانون الإجراءات الجنائية
  • المحكمة العليا الأمريكية توافق على الاستماع إلى استئناف حظر تيك توك
  • الأمم المتحدة: إسرائيل تسرّع ضم الضفة الغربية وانتهاك القانون الدولي
  • روان أبو العينين: الاستيطان الإسرائيلي انتهاك صارخ لسيادة سوريا وخرق للقانون الدولي
  • إيران: الضربات الإسرائيلية على اليمن "انتهاك صارخ" للقانون الدولي
  • ‏إيران: الهجمات الإسرائيلية على موانئ ومنشآت للطاقة في اليمن "انتهاك صارخ للقانون الدولي"
  • أستاذ قانون دولي يكشف الأسباب وراء التوغل الإسرائيلي في سوريا