شوايل: نحن في مأزق كبير ولن نخرج منه إلا بتوحيد السلطات والحكومات
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
ليبيا – رأى وزير الداخلية الليبي الأسبق، عاشور شوايل أنه على الليبيين الوصول لقناعة أن ليبيا محك لصراع دولي إقليمي وصراع مطامع ومصالح وبأن الساحة الليبية أرض واعدة بثرواتها وموقعها.
شوايل قال خلال مداخلة لبرنامج “هنا الحدث” الذي يذاع على قناة “ليبيا الحدث” الإثنين وتابعته صحيفة المرصد إن الصراع الآن أقوى بين أمريكا وحلفائها وروسيا والكل يحاول أن يسيطر على ليبيا كموقع قد تكون لها أجندتها الخاصة وفي نفس الوقت ي نت منى الجميع أن تعمل بما فيه صالح الوطن وصالح الشعب الليبي.
وتابع “قضية أن نكون سنوات سنوات في نفس المكان والموقع، اصبحنا الآن لا مستقبل لنا وأجيال كثيرة لا مستقبل لها ولا اتصور أن يكون هناك حلول إن عدنا لنفس الحوار السياسي الأول وإفرازاته ونتائجه، الذي لا زلنا نعاني من نتائجه للآن”.
وأكد على أن أي مبعوث يبدأ من الشخصيات التي تملك القوة والشرعية على الأرض، مضيفاً “لو فرضنا أن مجلس النواب لا زالت عنده الشرعية ومنتخب، البداية تكون من هؤلاء لانهم يعتبرون عامل رئيسي لأي حراك سياسي قادم في ليبيا، الدوافع الدولية ليست بعيدة عما يدور الآن والدبيبة يقال ان لا زالت لديه شرعية لأنه معترف فيه دولياً لكن مجلس النواب كلف حكومة اخرى”.
وشدد على أن ليبيا لن تذهب للأمام إلا من خلال حكومة واحدة وجيش واحد وأن تكون المؤسسات السيادية موحدة وليست تحت سيطرة أحد.
ولفت إلى أن البلاد تعاني من الانقسام في ظل وجود حكومتين ومؤسسات سيادية منقسمة والتضخم وانهيار الاسعار وغيرها من الأمور، منوهاً إلى أن البداية يجب أن تكون بتشكيل حكومة تكون بعيدة عن أي توجه ويتم اختيارها بتكنوقراط وعددها ليس كبير نهايتها تؤدي للانتخابات.
واعتبر أن البلاد في مأزق كبير ولن تخرج منه إلا بتوحيد السلطات والحكومات، لافتاً إلى أن الاحزاب إن كانت الدولة متجهة لنظام ديموغرافي مدني في التداول السلمي على السلطة هي افضل وسيله لذلك.
وأكمل “نحن مجتمع يغلب عليه طابع القبلية والمدينة والعائله، الأحزاب أهم وسيلة والهدف التي يحلم بها الجميع أن يصل من خلالها لبلد مستقره والتداول السلمي للسلطة من خلال الأحزاب”.
وفي الختام أشار إلى أن ليبيا الآن لا زالت تعاني من نتائج حوار جنيف وتونس ويجب أن يكون هناك معايير دقيقة وواضحة بعيداً عن أي أجندة خارجية وأي قوة داخلية ويجب اختيار شخصيات معروفة ولها باع ومن خلالها يتم الانطلاق في وضع اللبنة الأولى للمرحلة القادمة.
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن
لم يعد السودانيون يملكون ترف التأجيل، ولا فسحة الإنكار. فما بين حرائق الحرب، وتشظي الجغرافيا، وانكسار المعنى، تترنح البلاد على حافة الفناء. آلاف يُشرَّدون كل يوم، مدن تُمحى من الوجود، وقلوب تفيض بالغضب والحسرة والخذلان. لسنا في لحظة خلاف سياسي عابر، بل أمام تصدّع نفسي وجمعي بلغ أعماق الوجدان، وأوشك أن يقضي على آخر ما تبقى من الروابط الجامعة لهذا الشعب الذي تقاذفته نخبه وأودت به من خيبة إلى أخرى.
لقد بات من العبث أن نتحدث عن الخروج من الأزمة دون الاعتراف الجاد والعميق بأننا جميعاً في ورطة: نُخبةً وشعباً، إسلاميين وغيرهم، زرقةً وعرباً، نظاميين ومدنيين، زغاوة وعطاوة، مركزاً وهامشاً. الجميع مأزوم، وكل طرف يجرّ خلفه تاريخاً من الانكسارات أو التورط أو الغفلة. وما لم نواجه هذه الورطة بشجاعة أخلاقية ونقد ذاتي مسؤول، فإننا سنبقى أسرى سرديات التناحر والاستقطاب، وسيتسرب الوطن من بين أيدينا كما تتسرب المعاني من قلب مكلوم.
ما نعيشه اليوم لا يمكن تفسيره فقط بأدوات السياسة التقليدية؛ نحن أمام مأزق بنيوي يعيد إنتاج نفسه، مأزقٌ تتصارع فيه الروايات والهويات والمصالح بشكل متشابك، حتى أصبح الوضع شبيهاً بما تسميه “نظرية اللعبة” في العلوم السياسية: كل طرف يظن أن انتصاره مرهون بخسارة الآخر، بينما الشعب كله، في المركز والهامش، يعيش حالة خسارة مزدوجة.
الإسلاميون في مأزق أخلاقي لأن خطابهم اختُطف لصالح تيار متشدد يدّعي تمثيل الإسلام، بينما يُقصى المعتدلون الذين ما زالوا يؤمنون بشرعة الوطن الجامع. الشماليون في أزمة وجودية لأنهم تواطؤوا لقرون مع سلطة المركز وتاملوا — بوعي أو دون وعي — على ظلم المجموعات الزنجية واضطهاد الفئات المستضعفة، ثم وجدوا أنفسهم لاحقًا هدفًا للانتقام. العطاوة (الرزيقات خاصة) وُظفوا لعقود خلت كأدوات بيد المركز حتى صاروا جزءًا من معادلة سلطة لا مفر للخروج منها أو احتكارها دون خسائر باهظة.
الزرقة (الزغاوة خاصة) في ورطة لأن فصائل مسلحة اختطفت تمثيلهم السياسي باسم البندقية لا باسم الشرعية الشعبية. والمساليت، برغم عدالة قضيتهم، ارتهنوا انفسهم للنخبة العسكرية التي لا تسعى إلى حل، بل إلى تدوير الأزمة من خلال السعي لاستيلاد المليشيات. السؤال: هل ستظل قضية دار المساليت جرحاً ينكأ بلا ضماد، وبأي ثمن؟
هل سيظل السودان رهينة لخطابات الكراهية والدم ومرتعاً للغبينة وإثارة الضغائن؟
ما لم ننجح في تحويل هذا الصراع إلى معادلة “رابح-رابح”. وهنا، تحضرني “نظرية اللعبة” (Game Theory) ثانية كعدسة تحليلية يمكن أن تضيء لنا مخرجًا. فنحن كأطراف متنازعة، نتصرف كسجناء في معضلة كلاسيكية: كل طرف يفضل خيانة الآخر خشية أن يُخدع، فتضيع الفرصة على الجميع. لكننا لا نعيش معضلة سجناء، بل مصير وطن، ولا خيار لنا سوى قلب هذه المعادلة نحو “رابح/رابح” (Win/Win). ولا يتحقق هذا إلا باعترافنا المتبادل، وتخلينا عن عقلية “كل شيء أو لا شيء”.
ما نحتاجه في السودان ليس تكراراً لنموذج رواندا، رغم ما فيه من عِبَر، فالجرح السوداني أوسع وأكثر تشعباً من أن يُختصر في ثنائية قبيلتين. تجربة جنوب أفريقيا هي الأقرب لما نمر به: بلاد مزقتها العنصرية، وعُصِرت بماضٍ دموي، ثم نهضت، لا بالمحاكمات الانتقامية، ولا بالتعميم المخل، بل بـ”لجنة الحقيقة والمصالحة”، التي جعلت الاعتراف بالخطأ مدخلاً للتسامح، لا مدخلاً للتبرير.
في جنوب أفريقيا، لم يُطلب من الجلاد أن يُحب ضحيته، ولا من الضحية أن تنسى جراحها، بل طُلب من كليهما أن يعترفا بالحقيقة، ويُسهما في صناعة مستقبل مشترك. وذاك هو جوهر العدالة الانتقالية التي نحتاجها في السودان. عدالة لا تكتفي بالعقاب، ولا تكتفي بالعفو، بل تسعى إلى تحقيق التوازن الأخلاقي والوطني، بإعادة توزيع المعنى والثقة، قبل الثروة والسلطة.
ثقتي أن لنا في موروثاتنا الوطنية والدينية من الحكمة ما يؤهلنا للقيام بهذا الدور وإن افتقرنا حالياً إلى القيادة الفذة وإلى شجاعة الكبار. نحتاج فقط إلى سردية وطنية جديدة، لا تعيد إنتاج المظالم، بل تعترف بها وتعالج جذورها. سردية تُشرك الجميع في كتابة عقد اجتماعي جديد، يضع الوطن فوق الهويات الجزئية والمصالح المؤقتة. إن بقي كل طرف يكتب روايته وحده، فستبقى الذاكرة منقسمة، والدماء مستباحة. لكن إن اتفقنا على رواية واحدة—رواية المأساة الجماعية والمسؤولية المشتركة والأمل الممكن—فقد ننجو، بل قد نبني شيئاً أجمل مما تهدم.
*April 23, 2025*