ذا هيل: سياسة التدخل الأمريكية تزعزع استقرار العالم
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
تحت هذا العنوان نشرت "ذا هيل" مقالا للكاتب بنامين أيانيان يتناول فيه تدخلات السياسة الأمريكية الخارجية حول العالم، والتي تتسبب في زعزعة الاستقرار حول العالم.
وجاء في المقال المنشور على الموقع الإلكتروني:
تمتلك الحكومة الأمريكية أكثر من 750 قاعدة عسكرية في 80 دولة على الأقل، وتتورط بعمق في جميع الصراعات الكبرى في العالم، كان آخرها في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط.
ففي أعقاب وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية، ناقش كل من هيئة تحرير صحيفة "وول ستريت جورنال" والزميل الأقدم في معهد "يوركتاون" شاس خطيري، في مقالات منفصلة، وبفجاجة، أن الولايات المتحدة يجب أن تساعد في الإطاحة بالنظام الإيراني.
على الجبهة الأوروبية، شجعت الدبلوماسية الأمريكية فيكتوريا نولاند الحكومة على مساعدة أوكرانيا في ضرب الأراضي الروسية، وأعلن بايدن مؤخرا أنه سيفعل ذلك على وجه التحديد.
تتوافق هذه الدعوات للتصعيد في الصراعات الجيوسياسية الكبرى مع الوضع الراهن المتشدد في بلادنا. ولكن الولايات المتحدة تحتاج بشكل عاجل إلى إعادة الحسابات في سياساتها الخارجية قبل أن تعمل حكومتنا على تحفيز حالة أسوء من عدم الاستقرار الجيوسياسي.
إن سياساتنا الخارجية القائمة على التدخل لم تكن تاريخية قوة استقرار في مختلف أرجاء العالم، بل كانت في كثير من الأحيان بمثابة كرة مدمرة مزعزعة للاستقرار، ما أدى إلى إلحاق الضرر بالخارج والداخل معا.
ففي أواخر السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، قامت الولايات المتحدة بنقل الأموال إلى المتمردين في أفغانستان، بما في ذلك للمتطرفين الإسلاميين، لمحاربة الاتحاد السوفيتي. وبينما قام هؤلاء المقاتلون بطرد النفوذ الروسي، إلا أنهم انقلبوا فيما بعد على بعضهم البعض. وفي الصراع على السلطة، قام عدد من هؤلاء المتمردين في نهاية المطاف بتشكيل حركة طالبان وتنظيم القاعدة، اللذين نفذا هجمات 11 سبتمبر.
وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 8 تريليون دولار من أموال دافعي الضرائب على الحروب في الشرق الأوسط، ما تسبب في خسارة آلاف الجنود وقتل مئات الآلاف من المدنيين، وتم انتهاك حقوق الأمريكيين بموجب التعديل الرابع من خلال التجسس على اتصالاتهم الإلكترونية.
ومن المثير للدهشة أن البعض لا يزال يرغب في أن تواصل الولايات المتحدة تدخلها في الشرق الأوسط. لقد لعبت بلادنا بالفعل دور صانع الحكام في إيران، ولا ينبغي علينا أن نسعى للقيام بذلك مرة أخرى.
في عام 1953، ساعدت الولايات المتحدة في الإطاحة بالزعيم الإيراني المنتخب محمد مصدق، الذي عارض شركات النفط البريطانية العاملة في البلاد. كان الغرب يخشى أن يكون لمصدق ميول شيوعية قد تدفعه إلى دعم السوفييت. وفي أعقاب الانقلاب، نصبت الولايات المتحدة الشاه، الديكتاتور الوحشي، لأنه كان مواليا للغرب.
إقرأ المزيدلقد ألهمت عقود من حكم الشاه القمعي الكراهية تجاه الولايات المتحدة، التي بلغت ذروتها في أزمة الرهائن في إيران. وأدت انتفاضة عامة للمواطنين الإيرانيين إلى الإطاحة بالشاه، ثم استبدال الحكومة بالجمهورية الإسلامية الدينية التي يريد البعض من الولايات المتحدة اليوم الإطاحة بها.
إن مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية لا تهتم كثيرا بالديمقراطية في الخارج، بينما يفوق الولاء للغرب، في نظرهم، كل ما عداه.
وبدلا من السعي إلى أحداث المزيد من تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط، يتعين على زعمائنا أن ينتبهوا إلى كلمات النائب السابق رون بول الذي قال، في عام 2008، إن الإرهابيين "لا يأتون إلى هنا ويهاجموننا لأننا أغنياء أو أحرار، بل يأتون ويهاجموننا لأننا نتواجد هناك".
وقد لعبت الولايات المتحدة أيضا دورا أساسيا في الأحداث التي أدت إلى الحرب المدمرة بين روسيا وأوكرانيا. وبرغم سقوط الاتحاد السوفيتي، فقد رسخ حلف "الناتو" وجوده وتمدد باتجاه الشرق، وهو الأمر الذي حذر منه جورج كينان، أحد واضعي سياسة الحرب الباردة الأمريكية، من أنه سيكون "خطأ مأساويا"، من شأنه أن يثير "رد فعل سيئا من روسيا".
ولأكثر من عقد من الزمان، وفي مواجهة السفير السابق لدى روسيا ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الحالي ويليام بيرنز، دعت الولايات المتحدة علنا إلى انضمام أوكرانيا إلى حلف "الناتو" وهو خط أحمر متشدد بالنسبة لروسيا.
وعلى الرغم من أن التدخل في أوكرانيا كان غير مقبول بالنسبة للروس، فقد ذهبت الولايات المتحدة إلى حد دعم انقلاب للإطاحة بالرئيس الأوكراني المنتخب فيكتور يانوكوفيتش، في عام 2014، بعد أن أعلن أنه سيوقع اتفاقا اقتصاديا مع روسيا بدلا من الاتحاد الأوروبي، ما أدى بشكل مباشر إلى الحرب بين دولتي أوروبا الشرقية.
بعد ذلك، ووفقا للأمين العام لحلف "الناتو" ينس ستولتنبرغ، أرسلت روسيا إلى "الناتو" مسودة معاهدة في عام 2021، تطلب فيها من الحلف التعهد بالتخلي عن أي خطط مستقبلية للتوسع كشرط مسبق لعدم غزو أوكرانيا. رفض الغرب، وعندها فقط غزت روسيا أوكرانيا، ومن المؤكد أن الغزو، رغم كونه مستهجنا، لم يأت من العدم.
وبدلا من الاستمرار في إرسال مليارات أخرى إلى أوكرانيا ومساعدتها في ضرب الأراضي الروسية، يتعين على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في مشاركتها بأوروبا الشرقية بالكامل. ومن دون التدخل الأمريكي، فإن الحرب الراهنة، وكل ما جلبته من موت ودمار، لم تكن لتحدث على الإطلاق.
إقرأ المزيدوتحاول الولايات المتحدة كل يوم أن تقوم بدور الشرطي في العالم. وأثناء قيامها بذلك، تخبر الحكومة المواطنين الأمريكيين بأن بلادنا قوة خالصة من أجل الخير على الساحة الدولية، وتناضل من أجل الديمقراطية، ولجعل الحياة أفضل لمواطني الدول الأجنبية، وتؤمن عالما أكثر أمانا للجميع. وقيل لنا إن هذا يبرر موقفنا المتشدد وميلنا إلى التدخل في الشؤون الخارجية.
لكن سجلنا يتعارض مع هذه التصريحات. لقد أدى التدخل الأمريكي إلى الموت والدمار وعدم الاستقرار الجيوسياسي بلاد داع، وزيادة العداء تجاه الغرب، وإهدار أموال دافعي الضرائب، وتآكل الحقوق الدستورية لمواطنينا.
يتعين على الولايات المتحدة أن تعكس مسارها على الفور وأن تتبنى سياسة خارجية بلا تدخل.
المصدر: The Hill
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: الأزمة الأوكرانية الاستخبارات المركزية الأمريكية البيت الأبيض الجيش الروسي العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا رجال المخابرات وزارة الخارجية الأمريكية وزارة الخارجية الروسية وزارة الدفاع الروسية الولایات المتحدة الشرق الأوسط فی عام
إقرأ أيضاً:
مُقاربة كولمبو: كيف توازن زيارة “مودي” سياسة سريلانكا الخارجية؟
تصنف العلاقات بين الهند وسريلانكا بأنها علاقة استراتيجية قائمة على أساس مصالح مشتركة عديدة بين البلدين. وقد أجرى رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، خلال أبريل 2025، زيارة إلى دولة سريلانكا، بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية مع دولة الجوار الجنوبية. وتُعد هذه أول زيارة لزعيم أجنبي يستضيفه الرئيس السريلانكي أنورا كومارا ديساناياكي الذي تولى منصبه في سبتمبر 2024.
تجديد الشراكة:
سعت نيودلهي من جراء تلك الزيارة تحقيق عدد من الأهداف، ويأتي على رأسها الآتي:
1. تعزيز العلاقات الاقتصادية: تجمع الهند وسريلانكا علاقات اقتصادية متينة، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية، خلال الفترة 2023-2024، نحو 5.54 مليار دولار، كما تتشارك الدولتان اتفاقاً للتجارة الحرة منذ عام 2000. وبلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الهندي في سريلانكا نحو 2.25 مليار دولار حتى عام 2023، وتتركز الاستثمارات الهندية على قطاعات الطاقة والعقارات والتصنيع، والاتصالات، والتمويل.
كما أن هناك عدداً من المشروعات بين البلدين ما زالت قيد التنفيذ مثل الممر البري الاقتصادي بين ترينكومالي وكولمبو، كما سبق أن تعهدت الهند بتقديم 61.5 مليون دولار لتطوير ميناء كانكيسانثوراي في مدينة جافنا السريلانكية، فضلاً عن مخططات خدمات العبارات بين منقطتي راميسوارام وتالايمانار في سريلانكا. بالإضافة إلى الإعلان عن تدشين محطة طاقة شمسية ومستودع زراعي عالي التقنية بغرض المساعدة في تطوير القطاع الزراعي بالبلاد.
ومن جهة أخرى؛ تلعب الهند دوراً محورياً في تجاوز سريلانكا للأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها عام 2022، عقب إعلان الدولة إفلاسها وعدم استطاعتها تسديد الديون الخارجية، إذ قدمت نيودلهي مساعدات تقدر بنحو 4.5 مليار دولار في الفترة 2022-2023، كما وقعت اتفاق مع سريلانكا لإعادة هيكلة الديون، في يونيو 2024، باعتبارها- أي الهند- أحد أكبر الدائنين لكولمبو.
2. تنمية التعاون الطاقي: تهتم نيودلهي بتعزيز التعاون الطاقي مع سريلانكا، إذ تم توقيع اتفاق ثلاثي يجمع بين الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة وسريلانكا، في 6 أبريل 2025، بشأن تطوير مدينة ترينكومالي السريلانكية لتصبح مركزاً إقليمياً للطاقة في منطقة جنوب آسيا، والإسهام في تعزيز أمن الطاقة في سريلانكا. وسيتضمن المشروع خط أنابيب متعدد المنتجات مع إمكانية استخدام مزرعة خزانات نفط تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، والتي تُشغّلها جزئياً الشركة السريلانكية التابعة لشركة النفط الهندية (IOC)، ومن المتوقع أن يصبح هذا المركز مركزاً إقليمياً للوجستيات في مجال الطاقة، مُستفيداً من الاستثمارات المشتركة والخبرة الفنية لدى كل من الهند ودولة الإمارات.
كما شهدت الزيارة، افتتاح مودي أيضاً محطة للطاقة الشمسية بقيمة 100 مليون دولار تم تطويرها بشكل مشترك من قبل شركة الطاقة الحرارية الوطنية الهندية ومجلس كهرباء سيلان (مصدر الطاقة في سريلانكا). كما وقعت الدولتان اتفاقيات بشأن ربط شبكات الكهرباء عبر الحدود.
3. توطيد التنسيق الدفاعي والأمني: شهدت الزيارة، توقيع رئيس الوزراء الهند مع الرئيس السريلانكي اتفاقاً دفاعياً، لمدة 5 سنوات، وينص على تدريب أفراد الجيش السريلانكي في الهند وتبادل المعلومات وتناقل الخبرات التكنولوجية. ويشمل هذا الاتفاق إطاراً لقيام الهند بتزويد سريلانكا بمعدات عسكرية لتعزيز قدراتها الدفاعية، في ظل تأكيد مودي على “ارتباط أمن البلدين ببعضهما البعض، في مواجهة تمدد الخطر الصيني بالمحيط الهندي”، خاصة بفضل ما تحظى به سريلانكا من أولوية إعمالاً لسياسة الجوار أولاً، التي ترفعها الهند منذ استقلالها عام 1947.
وجدير بالذكر أن البلدان يرتبطان بأُطر للتعاون والتنسيق الأمني، لعل أبرزها مؤتمر كولمبو الأمني والذي تم تأسيس أمانته العامة (CSC) عام 2000، ويهدف إلى معالجة التهديدات العابرة للحدود وتعزيز التعاون في مجالات مثل السلامة البحرية ومكافحة الإرهاب والأمن السيبراني والإغاثة في حالات الكوارث، وتعزيز الأمن الإقليمي بالتنسيق بين الهند وسريلانكا وجزر المالديف وموريشيوس.
4. ترسيخ الروابط الثقافية: شملت الزيارة قيام مودي بتعضيد أواصر الروابط الدينية مع سريلانكا عبر استعراض آثار بوذا من ولاية غوجارات في سريلانكا بمناسبة عيد فيساك 2025، كما تم الإعلان عن اعتزام الهند تجديد معبدي ثيروكونيسوارام وسيتا إيليا. كما زار مودي معبد جايا سري ماها بودي في مدينة أنورادهابورا التاريخية في سريلانكا وقدم احتراماته في الضريح البوذي، وأدى الصلاة فيه والتقى برئيس الأضرحة البوذية بالمدينة، مدللاً على أن البوذية رمز للسلام والتنوير. جدير بالذكر أن لهذا المعبد أهمية تاريخية خاصة في الروابط الدينية والحضارية بين البلدين. وخلال زيارة تلك المدينة تم افتتاح مشروعين للسكك الحديدية تم إنجازهما بمساعدة وتمويل الهند.
5. حل الخلافات البينية: سعت الزيارة إلى حل الخلافات بين البلدين حول مصايد الأسماك والصيد الجائر في المياه السريلانكية من قِبل صيادي ولاية تاميل نادو الهندية. فخلال عام 2024، أُلقي القبض على أكثر من 500 صياد هندي، ولا يزال 97 منهم مُحتجزين لدى سريلانكا حتى مارس 2025. وقد ضغط رئيس وزراء ولاية تاميل نادو، على نيودلهي لمعالجة هذه القضية، حيث صدر مؤخراً قراراً في مجلس الولاية باستعادة جزيرة كاتشاتيفو، التي تنازلت عنها سريلانكا في سبعينيات القرن الماضي.
وترى سريلانكا أن الصيادين الجائرين يتعدون على شواطئها. وتتصاعد الدعوات لمعالجة الإشكالية بين الجانبين، إلا أنه لا يتُوقع حدوث أي تغيير في وضع كاتشاتيفو نظراً للاتفاقية الثنائية المُلزمة مع الهند.
وقد أسفرت الزيارة عن إفراج سريلانكا عن 14 صياداً هندياً استجابة لدعوة مودي لتبني نهج إنساني في التعامل مع تلك القضية، في بادرة حسن نية لتحسن العلاقات بين الهند وسريلانكا للتخفيف من وطأة القضايا الخلافية العالقة.
هذا بالإضافة إلى الخلافات التجارية، حيث يخشى بعض السريلانكيين من أن تستغل الهند الزيارة للضغط على كولومبو لحل النزاعات حول التعريفات الجمركية وما يتعلق بمشروع طاقة الرياح التابع لمجموعة أداني الهندية بقدرة 484 ميجاوات في مانار بسريلانكا.
نهج مُتوازن:
عكست زيارة مودي إلى كولمبو عدد من الدلالات والرسائل، والتي يمكن تسليط الضوء عليها على النحو التالي:
1. تخوف نيودلهي من توجهات كولمبو الجديدة: تتخوف نيودلهي من التحولات السياسية في سريلانكا بعد فوز الرئيس الذي ينتمي لليسار القومي ديساناياكي بالرئاسة، في سبتمبر 2024، كما حاز حزبه “السلطة الشعبية الوطنية”، على أغلبية كاسحة في الانتخابات البرلمانية التي عُقدت في نهاية 2024، من أن يؤدي ذلك إلى اتجاه كولمبو إلى مزيد من التقارب مع الصين، على حساب العلاقات التاريخية مع الهند. وربما يُدلل على هذا الاتجاه من جانب سريلانكا توقيع صفقة مصفاة النفط الصينية في هامبانتوتا بقيمة 3.2 مليار دولار، والتي وقّعتها مع شركة سينوبك الصينية المملوكة للدولة، وذلك خلال الزيارة التي قام بها ديساناياكي إلى بكين، في يناير 2025، والتي شهدت أيضاً التوقيع على 15 وثيقة تعاون بين الجانبين.
يُضاف إلى ذلك أن هناك بعض دول الجوار الهندي قد حدثت بها مؤخراً تحولات سياسية أسفرت عن اتجاهها نحو مزيد من تعزيز علاقاتها مع بكين، ومنها بنغلاديش، بعد تغير النظام السياسي بها عقب الإطاحة بنظام الشيخة حسينة، وكذلك المالديف بعد فوز الرئيس محمد مويزو، والتي عقدت اتفاق تجارة حرة مع الصين. ومن ثم تأتي تلك الزيارة في محاولة لحفاظ نيودلهي على العلاقات مع كولمبو، كما سعى النظام الجديد في كولومبو إلى تأكيد هذا الأمر؛ حيث منح الرئيس السريلانكي نظيره الهندي جائزة “ميثرا فيبهوشانا” للمرة الأولى وهي أعلى جائزة تُمنح لزعيم أجنبي، وهو ما يجعل تلك البادرة التاريخية ذات دلالة رمزية.
2. موازنة كولمبو علاقاتها الخارجية: حرص الرئيس السريلانكي ديساناياكي على التأكيد على أن سياساته الخارجية متوازنة في التعامل مع القوتيْن الإقليميتيْن المجاورتيْن (الصين والهند)، وعدم اعتبار فوزه وحزبه بمقاليد السلطة ردة عن سياسات بلاده التقليدية في الصداقة مع الهند، إذ أجرى ديساناياكي أول خارجية له إلى نيودلهي في ديسمبر 2024، وتبعها بزيارة إلى بكين في يناير 2025، ومن ثم فإن تلك الزيارة تعد امتداداً لهذا النهج في ظل حرص سريلانكا على استمرار اعتمادها الاقتصادي على كلا البلدين لإدارة ديونها وضمان حيادها الجيوسياسي في حال حدوث مواجهات إقليمية، خاصة في ظل إيلاء الرئيس السريلانكي الاهتمام في المقام الأول باستعادة الاستقرار الاقتصادي لبلاده وضبط خطط الإنقاذ المبرمة مع صندوق النقد الدولي.
3. مُفاضلة بين استثمارات الهند والصين: في ظل التنافس الهندي الصيني على النفوذ في سريلانكا نظراً لكونها مركزاً تجارياً واستراتيجياً بحرياً في المحيط الهندي، برزت بعض التقديرات التي تقارن بين استثمارات البلدين، وتفضيل البعض منها للانخراط الهندي، نظراً لأن استثماراتها تركز على القطاعات التنموية التي تحقق منافع اقتصادية متبادلة، مثل الطاقة وتطوير البنية التحتية الرقمية وتحديث القطاع الزراعي وتعزيز السياحة، مع الوضع في الاعتبار أن الهند لا تزال أكبر مساهم في قطاع السياحة في سريلانكا، حيث شكلت 20.3% من إجمالي عدد السياح الوافدين في عام 2024، بينما تحتل الصين المركز الخامس.
في حين رأت تلك التقديرات أن استثمارات الصين خاصة المبرمة خلال زيارة ديساناياكي كانت ذات صلة بمبادرة الحزام والطريق مثلما تجلى في مشروع ميناء هامبانتوتا ومصفاة النفط بإشراف شركة سينوبك الصينية، وقد يُنظر لتلك المشاريع أنها تثقل كاهل اقتصاد سريلانكا بالديون لصالح الصين، فضلاً عن محدودية جدواها للاقتصاد وإدراج العديد من تلك التمويلات تحت بند القروض عبر بنك التنمية الصينية وما يثيره من مخاوف بشأن فخ الديون.
وفي المقابل، فإن الصين من جانبها تنظر لذلك التناول لدورها في الاقتصاد السريلانكي باعتباره مسعى لإبعادها عن مبادرة الحزام والطريق من خلال الترويج لما يسمى بفخ الديون، بالنظر إلى أن القروض الصينية لا تمثل أكثر من نحو 10% من إجمالي قروض سريلانكا المدينة بشكل رئيس للهند والمؤسسات المالية الغربية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فالأحرى تسليط الضوء على فخ الديون الغربية والهندية لا الصينية، وفق هذا التصور.
وفي التقدير، يمكن القول إن أهمية سريلانكا تتنامى بفعل موقعها الاستراتيجي والتجاري في منطقة المحيط الهندي بما يجعلها عرضة للمخاطر الناجمة عن تفاقم حدة التنافس الهندي الصيني. ولكن تظل قدرة كولمبو على تحقيق التوازن في تقاربها من كل من الهند والصين مرهوناً بقدرتها على استعادة تعافيها الاقتصادي لتجنب الوقوع في فخ الديون على نحو يقلص استقلاليتها في مواجهة النفوذ والتدخل الأجنبي في شؤونها، وتغلغل التدخل العسكري الأجنبي في أراضيها على نحو قد يجعلها ساحة للمواجهات الإقليمية المباشرة أو بالوكالة.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”